سوريا اليوم بين مطالب الشعب والصراعات الدائرة لفرض البديل

لايمكننا بالوضع الراهن لسوريا إلا أن نؤكد على أنّ خيار العمل السلمي هو الاستراتيج الجوهري والنهائي للقوى الشعبية اليوم وعلى الرغم من حملات الإقصاء والتهميش والتشويه للمكونات المجتمعية القومية والدينية إلا أن هذا الخيار السلمي يبقى نوعيا ونهائيا ولا مجال للتراجع عنه إلا أنه على الرغم من طبيعة السلطة الجديدة ومكونها من الفصائل التي ظلت موصومة بطابعها الإرهابي وهويتها العقائدية العنفية فإن خيار إعلان جبهة شعبية لقوى التقدم والديموقراطية تشمل قوى التنوير المؤمنة بدولة عَلمانية هو الخيار الوحيد اليوم ولديه كل وسائل النجاح إذا ما تجنب التلكؤ والتردد وسمح لأطراف إقليمية أن تلعب بالأوضاع وتمارس دورها التخريبي كما تفعل إيران مثلا اليوم وكما تفعل ذلك وإن بصيغ أخرى تركيا أو أية جهة أخرى.. إن هذه المعالجة تكمن أهميتها في كشف بعض ما تراه بات مكشوفا اليوم مثلما ترك علىإطلاق نداء تبني جبهة شعبية يمكنها أن تفرض مؤتمر الحوار الوطني من دون إقصاء أو تهميش أو تضييق  وابتزاز على قوى الشعب الحية.. وثقتي وطيدة برائع خيارات الشعب السوري وتمكنه تحقيق الانتصار للتحرر ولبناء سورية تتسع للجميع بمبادئ احترام التنوع ومبادئ المساواة والعدل وقيم التنوير والتقدم وإطلاق مهام البناء والتنمية

سوريا اليوم بين الحل السلمي القائم على احترام التنوع والتعددية وبين فرض بدائل بالعنف والإقصاء والتهميش

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

لم يكن خروج الدكتاتور السابق لا في ضوء مشروعات صيغت برعاية دولية مثال القرار الأممي المعني بسوريا ولا على وفق ثورة شعبية تتسلم إدارة مرحلة انتقالية ويمكنها تأمين بناء أسس التحول الديموقراطي. ولكن ما جرى هو استغلال (خليط) من الفصائل الإرهابية وقوى تشكلت بدعم ورعاية خارجية سواء إقليمية أو دولية من تلك التي صادرت ثورة الشعب (السلمية) وسلحتها باختراق بنيتها بمرحلة أولى وبإنهاء وجودها بمرحلة تالية عبر مشروعات الأخونة وما يقابلها وما يتولد عنها من تبني شرذمة الحراك التنويري للشعب ويضعه بخدمة مشروعات هي أبعد ما يكون عن الأهداف السلمية لدمقرطة الحياة وبناء دولة ومؤسسات قانون..

هنا من تسلَّمَ السلطة بديلا للنظام السابق هو الفصائل المسلحة التي باتت اليوم تمثل (الجيش الوطني) بالمخالفة مع البناء الدستوري والعقيدة العسكرية المختلفة نوعيا عن تركيبة الميليشيات ومنهجها الأمر الذي عملت السلطة الجديدة على تجاوزه  باتفاقات بناء الجيش مع أطراف مختلفة لا توفر فرصة من دون خدمة مصالحها..

القضية اليوم تشكّل أكبر تحدٍ للشعب وحركته الوطنية بقواها العَلمانية الديموقراطية أو قوى التنوير التي تم إقصاؤها مسبقا عما تمت تسميته مؤتمر الحوار الوطني والسلطة تستغل حال الدعم الدولي والإقليمي لإعادة سوريا إلى الحضن العربي من جهة ولتغيير رأس النظام تاركة جوهر الموضوع المعني بتغيير النظام ببديل يخدم تطلعات الشعب..

لقد برهن نهج السلطة الجديدة على طابع تركيبتها التي لم تغادرها إلا شكليا حيث تُظهِر خطابا يزعم تلبية شروط  الانتقال بدءا بتكرار التوكيد على قبولها بتبني مؤتمر وطني ظهر من انعقاده وكل ترتيباته بأنه كان مصادرة للشعب وخياراته وإرادته بإقصاء القوى الممثلة له.. وزادت في تقيّتها [إخفاء ما تريده وتؤمن به من قيم وعقيدة بنهج الترهيب وفاشية الحكم بإظهار خطاب مخالف لما تتستر عليه ليس خشية ظلم وظالم ولكن بهذه الحال تتمسكن حتى تتمكن من رقاب الشعب وحقوقه وحرياته]..

لقد جاءت الخطوة الثانية التي أكدت طابع التستر على ما يراد تمريره عبر ادعاء أن الجرائم المرتكبة مع الآخر من مكونات الشعب السوري هي مجرد (أخطاء) فردية و (تجاوزات) سوف يجري المحاسبة عليها بوقت لاحق أو أنَّ سوف تلك القصد منها الإيهام بما ربما سيكون ولكنه طبعا لن يكون؛ حيث تؤكد الوقائع أن ما جرى وتستمر السلطة به، من عمليات إبادة قرى ومناطق إنَّما يُرتكب بناء على أفعال إجرامية ترقى لمستوى جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة مثل حرق المأسورين أو ذبح العوائل بطريقة انتقامية إرهابية مفضوحة فضلا عن هوية الجريمة ذاتها، وما تعنيه في القوانين المحلية والدولية..

إن تلك الجرائم المدانة مما لا يمكن للمجتمع الدولي السكوت عليه أو تمريره و\أو الاكتفاء بوعود السلطة بمتابعة ما تسميه بالـ(تجاوزات) لَأمر يندى له الجبين وهو بتعامل عدد من الأطراف المعنية، كيلٌ بمعيارين يغض الطرف عما يفرضه القانون من واجبات فورية تجاه الوقائع الكارثية..

فضبط الأمن وإدارة الأزمات لا يمكن أن يتم بالعنف و\أو بتلك الطريقة التي تُحرك بها قوى مسلحة ضد مناطق مدنية ما يعني حتماً وقوع ضحايا أبرياء عُزَّل وحصرا من مكونات مجتمعية تُسمى أقليات حيث بدأت نغمات تقسيم الشعب بين ما يزعمون أنه الأكثرية على أساس اختزال تلك الأكثرية بفصائل مسلحة بعينها وإن تظاهرت بحل تشكيلاتها إلا أنها بين من بقي متمسكا بوجوده وبين من تحميه السلطة و\أو بات المكون الأساس لما يسمونه الجيش الوطني الجديد!؟

إن الحل اليوم، لسوريا جديدة بعد مغادرة رأس النظام السابق المخلوع يكمن في البدء بمؤتمر الحوار الوطني الشامل بلا إقصاء أي مكون مجتمعي سواء بوجوده القومي أو الديني أو المذهبي أو السياسي حيث تحتم الضرورة مشاركة كل التيارات السياسية التي اتخذت الحراك السلمي الديموقراطي طريقا فعليا وجوديا لها، بمعنى التزامها بالقوانين واللوائح الدولية والوطنية التي تحمي الحقوق والحريات والطابع التعددي العَلماني للدولة..

وحيث أن الإقصاء هو ما ساد بلعبة المؤتمر الذي عقدوه على استعجال حتى قواهم المعنية لم تحضره فإنه بحكم اللاغي الذي لا يُعتد به لا وطنيا محليا ولا دوليا ويلزم على الفور العودة عنه وعن مخرجاته غير المشروعة وغير القانونية بصرف النظر عما ورد فيها..

وعليه فإنَّ الطريق الآمن للشروع ببناء سوريا الجديدة، سوريا العلمانية الديموقراطية هو مغادرة نهائية لنهج التفرّد والاستئثار وحظر الإقصاء والتهميش والمصادرة  بالسماح بالعمل الحزبي السياسي والمهني الديموقراطي الحر المستقل من دون قيود والقبول أو إقرار مساهمة جميع القوى السياسية، الإثنية، الاجتماعية، بمختلف الانتماءات القومية والدينية كيما يتحدد فعليا وجوهريا أسس بناء الدولة العَلمانية الديموقراطية التي تتسع لجميع السوريين بلا استثناء لأي مبرر أو ذريعة وهذا مجددا وتوكيدا لا يأتي بالعنف بل عبر الحوار المحمي بالقوانين والمتخلص من أي شكل للضغوط والابتزاز..

لكن بخلاف كل هذا المنطق وأسسه المنهجية فإنّ السلطة لم تتخلَّ بحراكها لضبط الأمن عن ممارسة القتل الممنهج والإعدامات الميدانية بكل أشكالها من تلك التي تذكّر وتحيل العقل الجمعي الأممي إلى جرائم قوى الإرهاب من ذبح وحشي وحرق في الميادين والشوارع!! وهو أمر لم يجر توثيقه حسب بل واعترفت أطراف في السلطة بوقوعه تحت مسمى تجاوزات!!

إن الأمر لا يقف عند حدود المناطق الساحلية لأغلبية علوية تقطنها بل يمتد إلى وقائع طاولت الدروز وهي تمتد بمعونة خارجية أيضا لتستهدف الكورد على الرغم من أن جميع السوريين ومنهم تلك المكونات المهمشة أعلنوا مرار تمسكهم بالحوار والبديل السلمي وبتمسكهم بوحدة التراب السوري على أساس احترام التعددية والتنوع والحقوق الثابتة للجميع وليس على أساس خطابات شكلية الادعاء بوحدة يريدونها قائمة على تفرد طرف إسلاموي لطالما وصفه المجتمع الدولي بالإرهابي..

ما نتطلع إليه ويتطلع إليه السوريون والمجتمع الدولي هو إثبات التحول نحو البديل القائم على الحوار والدخول بعملية سياسية نزيهة نظيفة تتسع للجميع ليمارسوا وجودهم بحرية الإرادة والقرار والسير بسوريا نحو بناء جديد..

طبعا لابد هنا من التنبيه على أن الانفراد بالسلطة بات واضحا أنه يصادر المرحلة الانتقالية وشروطها ومحدداتها مثلما سمح ويسمح لأطراف إقليمية [مثل إيران وتركيا وبشكل آخر إسرائيل أيضا] بالتدخل وإشعال الانقسامات من جهة مثلما إشعال الاحتراب وتفجير الأوضاع الأمر الذي يبقى بحاجة إلى موقف أممي يتناسب والآمال والتطلعات عندما يلجم من فرض وجوده على السلطة أحاديا بمختلف التبريرات.. 

وفي ضوء كل ذلك فإنَّ الحذر من تحول النقد للسلطة إلى سبب يستدرج قوى شعبية للصدام معها هو أمر يجب استبعاده كلياً والتوجه لقوى السلام فالثورة السورية نفسها لم تتراجع وتخسر إلا عندما جرى (تسليحها) لتنسحب القوى الشعبية السلمية ولتُترك الميادين للفصائل المسلحة المستقدمة من خارج سوريا وبعض أطرافها بات مكونا للجيش السوري الجديد على الرغم من تنافيه والقيم الدستورية والأعراف المعمول بها عالميا دوليا..

***

يلزمنا الحذر عند نقد السلطة وممارساتها من القوع بفخاخ خدمة مشروعات إقليمية بخاصة تلك التي تلعب على وتر الطائفية والانقسامات وتريد تمرير عبثها الفكري وأسلحتها الإرهابية وتنظيمات ميليشياوية كما تفعل مثلا إيران وهذا أمر يحمل أولويته بقوة ولهذا السبب فإن توكيد سلمية الحراك وموضوعية النقد وبديله القائم على تنويرية الفعل وعلمنته وديموقراطيته هو جوهري بجانب كسب التضامن الأممي الدولي المؤمل

***

إن مزيدا من استقطاب التضامن الأممي الدولي لصالح إشراك القوى السلمية قوى التنوير والديموقراطية والتقدم هو ضرورة عليا لفرض إرادة الشعب وهو اليوم أقوى من أي وقت بفضل التنظيم العريق لتلك القوى وإمكانات حراكها الشعبي الآن وليس بعد تمكين الفصائل وقوى العنف من مفاصل الدولة..

فهل سنجد جبهة شعبية لا تنتظر السلطة لإعلان دستوري يستند إلى وحدة الشعب السوري بكل أطيافه وإلى سلامة توجهاته الموحدة التي بإمكانها أن تؤدي المهام والضغط الأنسب في تسريع استجابة للبديل السلمي الديموقراطي..

إنه ندائي للقوى التنويرية كافة كي تحدد موعدا للقاء قبل التأخر والتلكؤ الذي يمنح أعداء الشعب مزيد سلطة تتفرد بالأوضاع وتهزم القوى الشعبية السلمية بأول جولة وهو ما لا ينبغي حدوثه بأي شكل بخاصة مع وجود تجربة لسلطة المحاصصة الطائفية وأسس ممارسة دولة ثيوقراطية بشكليات مدنية الادعاء حتى لا تقوى على التلفظ بالعلمانية والديموقراطية إلا من موشور كربتوقراط سلطة ساسة يتبرقعون بجلابيب رجال الدين منحا لأنفسهم لقدسية وعصمة مزيفة.. ألا فلنتعظ ونأخذ الدرس قبل تكراره على شعب تهدده الصراعات المختلقة والأزمات وفرض المصادرة بل استعباده وحظر أي شكل لخطاب الانعتاق والتحرر ومسيرة البناء..

وثقتي أنه إذا ما تم لقاء قوى السلام والتقدم جميعا من دون تأخير أو انتظار لقوى السلطة فإن البديل سيأتي بصورة أسهل لحركة الشعب من انتظار غودو السلطة الذي طبعا لن يأتي فرغبتها معروفة مفضوحة

هل من الصعب توحيد الحراك بقواه ومكوناته بخاصة مع وجود إدارة ذاتية حرة للكورد وميادينها مفتوحة للحوار ولسوريا الموحدة أم أن شوفينية بعضهم قد تقف عثرة وربما تودي بالمشروع السلمي وتطعنه بمقتل؟؟؟

***

يحتاج الشعب السوري اليوم إلى ((التسامح)) وقيمه السامية كي يبدأ مشروع التعايش واحترام التنوع والتعددية، احترام الآخر وحقوقه وحريته كي يحيا بمبادئ المساواة والعدل وقيم البديل التنويري العلماني وهو طبعا وبالتأكيد ليس بحاجة للعنف والبندقية ورصاصها الغادر في التعامل بين مكوناته وتياراته وهذا النهج السلمي متجذر في الهوية السورية وقواها التنويرية الديموقراطية قوى التقدم والسلام لكنه حتى الآن لم نشهد إلقاء السلاح من بعض أطراف تحكم السلطة ولا تغيير النهج.. فهل سنجد في التضامن الأممي والدولي والعربي منه حصرا الانتباه على تلكم الحقيقة؟

***

إلى الوحدة الشعبية وإعلان جبهتها ووثيقتها الدستورية وإلى وحدة سوريا ومنع الصراعات المختلقة وأنتم أدرى بشعاب سوريا أنفسكم ووطنكم ودولتكم تتطلع لأدوار تتعدى إصدار البيانات وإلا فـ “لات ساعة مندم”.

 

 

***

يلزمنا من أجل البناء والتنمية إعلان مشروع كامل من قوى الجبهة الشعبية كي تفرضه بديلا عن مشروع الإقصاء والتفرد بالسلطة وفرض نهج إخضاع يُفترض أنه غادر مع رحيل الدكتاتور وطبعا يلزم أن تتعامل القوى العربية والدولية مع النظام بشروط ومحددات إقرار البديل السلمي الذي يشمل السوريين جميعا ويمارس النهج الديموقراطي قبل أي دعم أو توقيع مع السلطة الراهنة على بياض يلزم للمجتمع الدولي دعم مشروع البديل الديموقراطي التعددي الذي يشمل أطياف سوريا بلا استثناء أو إقصاء

***

يلزمنا مصداقية في الأداء والتوجه فورا نحو المرحلة الانتقالية التي لا يقودها سوى ممثلو الشعب بكل مكوناته وأطيافه وتلك المنة التي عادة ما فرضها من يحتل السلطة على أنه المحرر لاغيا بذلك دور الشعب هي أول ما يطعن مصداقيته وسلامة النية.. لهذا يجب التوجه للمؤتمر الوطني الجامع وتسليم السلطة لخيارات الشعب موحدا مجتمعا بلا استثناءات وبلا إكراهات سلطوية فليس من غير النظام هم تلك الحفنة الحاكمة ولكنها تراكمات كمية نوعية لنضالات الشعب وللظروف الدولية المحيطة وأدوارها من هنا وجب التنبيه والرد على من يبرر النهج الجاري وعنفه بمنح فرصة أو أخرى لما يسميه الحكام ونظامهم الجديد وكأنهم منزلون بوحي سماوي في وقت السلطة وسلامتها هي فقط تلك التي تمثل الشعب وليس من يُصدر قوانينه بمزاج فردي أو ينتمي لمجموعة فهلا تنبهنا؟؟؟؟؟

***

 

المقال بموقعي الفرعي بالحوار المتمدن زوار الموقع 5255250 إجمالي القراءات 

***************************

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *