بعض رؤى وقراءات في فلسفة حقوق الإنسان؟

تتعاظم صراعات شرق أوسطية ويجري استيلاد نُظُم سياسية تمتاج وتجتر من موروث التقاليد الماضوية المتحجرة بأغلب منظوماتها القيمية وهي بهذا تفرض سطوتها وسلطتها بالاستناد إلى ادعاءات التحدث باسم المقدس وباسم الله مباشرة وتفرض سلطة رجل الدين على أنها من المحرمات التي لا يمكن المساس بها وطبعا النتيجة يقبع الإنسان تحت سلطة تصادر أشكال الحقوق والحريات سواء كليا أم جزئيا وإن قدمت عهودا ووعودا بمنح هذا الحق أو تلك الحرية من الهامشي وغير الأساس من الحقوق فيما تسوغ لنفسها مصادرة الحقوق الأساس والحريات الفردية والجمعية الذاتية والموضوعية الطبيعية والقانونية بالاستناد إلى تبريرات يُفترض بالمجتمع الإنساني أنه انتهى منها منذ أول إعلانات الحقوق وانتهاءا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين وما رافق من وثائق واتفاقات حقوقية معروفة.. ربما بات لزاما اليوم التحدث بفلسفة حقوق الإنسان وبعض رؤى أو قراءات وملاحظات للتذكير ولفتح محاور للحوار والمناقشة ورفض ما يُراد فرضه على مناطق من عاللمنا من نظم معادية للحقوق والحريات وبما لا يقبل أي تبرير بالخصوصية وبعائدية أو مرجعية تمثيل المقدس والدين السياسي بأدائه وخطابه المضلل.. هنا معالجة موجزة للحوار وليس لتقرير أو حسم ووصاية رأي.. فمرحبا بكل التفاعلات

بعض رؤى وقراءات في فلسفة حقوق الإنسان في ضوء مخرجات خطاب تجاريب النُظُم الثيوقراطية المزيفة وادعاءات تمثيلها المقدس؟

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

إن التطرف في قراءة فلسفة حقوق الإنسان وتوجهاتها في تعريف الحقوق وتلبيتها، هو ما قد يكون الاعتراض الأبرز على تلك الحقوق فيما الصائب أن يتحدد الاعتراض على موضعه الأدق أي على (التطرف) في قراءة الحقوق بأي اتجاه كان.

ومن هنا فإنّ قراءة فلسفة الحقوق ربما كانت بموضع التوفيق بين الدعوة لضمان الدولة لتلك الحقوق وبين منطق الحقوق الطبيعية لكنها المستندة إلى تبادل الاعتراف بها والتعامل بالمثل بين أطرافها.

إن صياغة موضوعية للحقوق كتلك التي أوجزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا تضع الأفراد عبر تحررهم بصورة منعزلة عن المجتمع ولا بصورة تصطرع فيما بينها بل تفرض حدود الحرية في ممارسة الحقوق بما لا يُضر بالآخرين وهنا ننتقل للحاجة للعمل المشترك القائم على تبادل المصالح في منصة مجتمعية تتضمن دفاعا عن حق الفرد ومجتمعه بما يعيد تكريس سلسلة تبادل المصالح ولكن هذه المرة مع المجتمع الإنساني بأسره..

وبهذا تكون الدولة ذات هوية ونهج يقومان على الانتصار للحقوق بالقدر الذي تتعمد فيه المنظومة الإنسانية قيميا بالأنسنة والمساواة والتكامل بجوهره التعاوني التعاضدي الذي لا يقر للعزلة وللتنافس التناقضي المتعارض حقا؛ أو الذي يرى الحقوق بموشور أو فلتر تبادل المصلحة بين الكل ومكوناته حيث الكل المجتمع سواء الإنساني بعمومه أم الوطني أو الجمعي بحدود هوياته الإنسانية بتنوعاتها..

أما دعاة ما يسمونه الاستقلالية فعليهم الفصل بين العزلة وانفصام الفرد [المواطن\الإنسان] عن محيطه من جهة وبين حريته في اتخاذ قراراته وممارسة حق التعبير بما يوفق بصورة متبادلة بين ما له وما للآخرين بلا إضرار..

لقد اختلف فلاسفة القرون الثلاثة الأخيرة وربما هاجم بعضهم الآخر بخاصة تعبيرات ماركس وقراءته وموقفه من أول إعلانات حقوق الإنسان في العام 1789 بعنوان إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي شكَّل وثيقة تأسيسية بين وثائق الثورة الفرنسية حيث تمَّ تعريف الحقوق الفردية والجمعية للشعب، وكل ذلك إنما جسَّد انعكاساً للفكر التنويري وأسس العقد الاجتماعي والانتقال للتعبير عن الحقوق الطبيعية التي تحدَّث بشأنها مؤسسوها جان جاك روسو، جون لوك، فولتير، مونتسكيو، وآخرون الأمر الذي يمكننا توكيد كونه الأساس في صياغة الدساتير وأولها ما أعقب الثورة الفرنسية..

لقد تبنت إعلانات الحقوق منذ عصر التنوير وما رافقه من تطورات عاصفة، فلسفةً ذكورية حتى إن كانت أحياناً من دون قصد، لكنها لم تغادر السائد تقليديا آنذاك. وهنا تجري الإشارة إلى المفاهيم الأولى لبيان الحقوق عام 1689، مرورا ببريطانيا عام 1776 وبيان الحقوق لسلطة فرجينيا ولاحقا ما ذكرناه آنفا بشأن إعلان حقوق الإنسان والمواطن (1789)، ونؤكد هنا مجددا أن تلك الإعلانات ونصوصها لم تمنح اهتماماً مستحقا مؤملا للمرأة. ليظهر بعد تطورات كفاحية مشهودة بيان حقوق المرأة والمُوَاطـِـنة؛ الذي طالب بالحضور الملموس في القانون السياسي والاجتماعي للمرأة، الذي عارض اقتصار البيان السابق على الرجال حصراً وانتقدت إغفال دورها في الثورة ومشروعها في الحرية والمساواة وهو الوثيقة التي صًبَّت عام 1791 في كتيب موجه إلى الملكة وهنا كانت  صاحبة المقولة الشهيرة بأن موضوع الحقوق والحريات للنساء لن يأتي من دون وعي المرأة وارتقائه  بقولها: “هذه الثورة لن تدخل حيز التنفيذ إلا عندما تدرك جميع النساء تمامًا وضعهن المؤسف، والحقوق التي فقدنها في المجتمع”.

وبجميع الأحوال لابد من العودة إلى أصل فهم معنى الحق نفسه بين أن يكون ما يقره القانون للمرء في دولة تحترم إنسانيته وبين نصوص ترى أنه ما يقره النص الديني للمرء أي ما يتقيد بخطاب ديني بعينه بمسمى القدسية والشرعية وهو ما قد يتبدى في فروض القانون المعاصر للدولة وهنا تظهر مسارات متجسدة في إصدار قوانين بغالب الأحيان تتناقض وأصل الحقوق عندما اتخذت تسميتها من ولادة الإنسان حرا في وجوده وخياراته ليجري مصادرته وتقييده بمنطق بعينه من خطابات دينية مذهبية أو فكرية سياسية بعينها..

ولقد وجدنا توجهات ثلاثة في تعريف الحق أولها الفردي الذي ينبع من نص يقول بأنه: “قدرة أو سلطة إرادية يخولها القـانون شخصـا معينـا ويرسـم حـدودها” أما الاتجاه الثاني فهو الموضوعي الذي يجسد (مصـلحة يحميهـا القـانون) سواء كانت مصلحة ماديـة كالمِلكية أو معنويـة كـالحرية وكالحماية من الامتهان والازدراء وغيرها.. فيما يجمع الاتجاه الثالث بين الفردي والموضوعي بتأكيده أن الحق: “سلطة تخول صاحبها الاستئثار أو الاختصاص بشيء أو بقيمة يحميها القانون”..

وعندما نجدد توكيد تعريف الحقوق فإنها قد تتعدد وتنوع بالصياغة في ضوء طابع الثقافة كما يدعي من يحاول التحصّن خلف الخصوصية وهو ما يتعارض وكونية الحقوق وشموليتها ومن هنا بات علينا التنبيه باستمرار إلى أن حقوق الإنسان إنما تنبع من تراكم الجواهر المستقاة من الاتجاهات الفلسفية ومن مجمل العقائد والأفكار والأديان والمذاهب أي بانتقاء ما يتفق منها مع تجسيد قـيم انسـانية عليـا تتنـاول الإنسـان أينمـا كان ومن دون أيّ تمييـز بـين بني البشـر من أي مستوى وخلفية أو سبب بما يحقق ديمومـة الإنسـان وبقائه وكرامته وحرياتـه الأساس.

وإذا أردنا مزيد التمعن انطلاقا من الحقوق فإن أزليتها وأبديتها سمتان لازمتان لها كونها ليست مما ينتمي لمرحلة دون أخرى فهي موجودة بوجود الإنسان ولا تنتهي إلا بفنائه والحقوق تلازم الإنسان قبل ولادته وبعد مماته لا تقف بحدود حياته ومن ثمّ فهي أي حقوق الإنسان ليست بحاجة لإقرار بقدر ما هي متاحة موجودة بإعلانها ومنطق خطابه وأسسه وهي غير محصورة باسم بقدر ما هي شمولية كونية عامة كما ذكرنا قبل هنيهة في أعلاه.

بودي بالمجمل أن أشير إلى أن إشكالية حقوق الإنسان لا تعترف بقيود وفروض قد تصادر الطبيعي منها أو الحقوق الأساس أو بعض غير الأساس منها وعندما يجري فرض سياقات طرف لأي سبب يمكنه أن يصادر الحرية وأي حق من حقوق المولودين لعالمنا فإن ذلك سيعني التعارض مع فلسفة حقوق الإنسان التي تأكدت وتكرست بإعلانها على وفق قراءة الحقوق الطبيعية وتلك المدنية والسياسية والاجتماعية الأساس وغير الأساس وحقوق التضامن من الجيل الثالث لتعريفات الحقوق..

وبخلاف فكرة الخصوصية تسجل الشمولية وكونيتها حضور الحقوق لنتجه إلى إشادة مجتمع إنساني قائم على المساواة وتبادل المصالح والحفاظ على تلك الحقوق وليس العكس أي ليس بما يصادر أيّ منها حتى لو كانت من الحقوق غير الأساس أو تلك التي تقع بمستويات فرعية تخصصية..

فهل لنا أن نتوقف عند تلك المؤشرات عندما نريد قراءة حقوق الإنسان وفلسفتها بالاستناد إلى الطابع الوجودي لها وهو الطابع المرافق لوجود الإنسان نفسه وحفظ ديمومته وبقائه وكرامته وحرياته؟

بعض ما ورد من تواريخ ومقتبسات تعود إلى منشورات في ويكيبديا وبحوث في حقوق الإنسان

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9_%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86#%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86_%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B7%D9%86%D8%A9

 

للتفضل بالاطلاع على المعالجة في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن أيضا   5081700 

***************************

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *