في اليوم الدولي لإلغاء الرق الذي يصادف الثاني من ديسمبر كانون الأول يشهد العالم تفاقماً لأشكال العبودية الحديثة وقد سعت الأمم المتحدة بكثير من الاتفاقات والعهود الدولية لتشخيص الظاهرة وجرائمها وتسميتها بدقة بقصد فضحها وتعرية من يقف وراءها من أجل إنهاء الرق والعبودية وأشكالهما الحديثة الراهنة وبظروف الحروب والأزمات القهرية القاسية تتفاقم الأوضاع سرق أوسطيا بخاصة في العراق ما بعد 2003 وتعاود جرائم الاسترقاق والاستعباد مجددا بعد أن اندحرت ردحا من الزمن وهذا يتزامن مع صعود طبقة رجال دين بالإشارة إلى ظاهرة التدين أو التأسلم حصرا بقصد تمرير مشروعات إجرامية للاستعباد والاسترقاق وهو ما يتطلب كفاحا عنيدا عالي الصوت للانتهاء منه وبخلافه ستساهم مافيات الجريمة في العراق في مزيد انهيار بالمسار البشري بخلاف ادعاءات التوقيع على اتفاقات ذات صلة بقيت حبرا على ورق أمام مخاطر شرعنة قوانين تحمي الجريمة المشار إليها هنا..!!!! فما الموقف؟ وما أسس التصدي لهذه المخاطر الكارثية؟؟؟
في اليوم الدولي لإلغاء الرق الذي يصادف الثاني من ديسمبر كانون الأول يشهد العالم تفاقماً لأشكال العبودية الحديثة
أشد إدانة لجريمة استعباد الإنسان أيّاً كانت ذرائع التخفي والتستر
د. تيسير عبد الجبار الآلوسي
اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الـ15 القرار ذي الرقم 317 وذلك بتاريخ الثاني من ديسمبر كانون أول من عام 1949 والذي يؤشر اعتماد الجمعية العامة لاتفاقية حظر الاتجار بالبشر واستغلال بغاء (الغير) ليكون هذا القرار تجسيداً للجهود الدائبة عبر إيجاد منصة اليوم الدولي لـ(إلغاء الرق).. وهنا ينصب العمل لا على النموذج التاريخي الماضوي الذي كاد ينتهي كلياً؛ ولكن ليركز هنا على القضاء على أيٍّ من أشكال (الرق والعبودية) الحديثة الراهنة؛ كما هو الحال بالاتجار بالبشر وأشكال الاستغلال الجنسي إلى جانب تشغيل الأطفال بما يفوق قدراتهم وطاقاتهم كذلك تجنيدهم القسري في الميليشيات والنزاعات المسلحة فضلا عن كل ذلك تم عَدُّ الزواج (القسري) ومنه تزويج القاصرات وبجميع الأحوال التذرع بالدين لتمرير الخطابات السياسية الاجتماعية وقيمها المجترة من بطون الظلمة والتخلف..
إننا إذن، بمجابهة مع أنماط جديدة من الرق والعبودية التي تصطنعها مختلف الأنظمة التي يتم اختراق منظومتها القيمية والقانونية عبر ازدياد سطوة قوى الظلام وإمكاناتها في تمرير مآربها الاستغلالية بمختلف الذرائع وعليه فإنّ الرق المرتبط بعصرنا سيمرر أشكال العمل بالسخرة أو العمل الجبري وقيود الديون وتحولاتها إلى منظومة الرق والعبودية والتزويج القسري بخاصة للقاصرات كما يجري محاولة شرعنته في عراق الطائفية اليوم، فضلا عن الاتجار بالبشر بخاصة هنا عندما يكون المرء مقيدا لا يستطيع الرفض أو الاحتجاج بمعنى خضوعه الكلي لتهديدات عنفية ولابتزاز بالإكراه والمخادعة والتضليل أو بإساءة استخدام أية سلطة سياسية أو اجتماعية..
ولابد هنا من التوكيد على أنَّ الخسائر من تلك الممارسات وجرائمها تشمل عشرات ملايين الأبرياء المكافحين الساعين وراء أرزاق عوائلهم مثلما تشمل الحكومات بما تتعرض له الضرائب من تلك الخسائر الناجمة عن التهرب الضريبي وعن وسائل تخدم ذلك والمبالغ عالميا تُقدر بميزانيات دول وشعوب.. على أننا هنا سنجد الاستغلال وطبيعة منظومته الداخلة في الرق والعبودية يتفشى في الدول النامية مثلما الدول المتقدمة وهنا نجد من يعيل الأسرة وهناك العمال المهاجريين إن هذا التوجه العالمي يخدم استفحال المافيات والأطراف التي تدير تلك الأعمال اللاقانونية..
وعلى الرغم من اعتماد منظمة العمل الدولية لبروتوكول قانوني ملزمٍ لتبني مهمة القضاء على العمل الجبري منذ 2016 إلا أنّ الإحصاءات كما ذكرنا للتو تؤكد تراكم ثروات متزايدة بين أيدي قوى استغلالية خطيرة على المجتمع الإنساني برمته وليس بحدود وطنية محلية محدودة كما يقرأ بعضهم..
ويلزم أن ننبه على أن بلدان شرق أوسطية بظروفها الراهنة حيث تفشي العنف المسلح والحروب المحلية والإقليمية وتراجع منظومة القيم العامة باتت وبينها العراق نموذجاً خطيرا للرق الحديث.. فإذا كانت الإحصاءات العالمية تشير لعشرات ملايين النسبة العظمى فيها للفئات الهشة وعلى رأسها النساء والأطفال فإن النموذج العراقي بات يشطح باتجاه أكثر سوءا وانحرافا عن أية قيم قانونية صاغتها البشرية بأسس السلامة الإنسانية وتتوجه قوى على رأس السلطة اليوم لشرعنة منظومة الرق ومنها التزويج القسري للقاصرات وذلك بسبب عوامل امتلاكها السلاح بجناحيه الميليشياوي والحكومي وامتلاكها مافيات محلية بامتدادات إقليمية ودولية عابرة للحدود..
ويمكننا أن نستند إلى إحصاءات موضوعية مهمة تفضح أن نسبة ربع حالات التزويج القسري تجري في البلدان ذات الدخل المتوسط المرتفع أو البلدان ذات الدخل المرتفع وهو ما يشي بما يجري في (غيتوات) بعض الجاليات على أساس من ادعاء التمسك بقيم الهوية التي انحدروا منها وفرضها على الأبناء والقصد على البنات بالأساس..
أما من جهة العمل الجبري فإنّ أعلى نسبة سكانية تخضع لهذا النمط من العبودية والرق هي المنطقة العربية حيث تصل إلى نحو 5.3 لكل ألف حال إكراه على العمل الجبري القسري وهو ما يتفاقم إلى مستوى مضاعف النسبة عراقيا بكلا القطاعين الخاص والحكومي باستغلال فاحش للعمالة يفوق الثلثين فيما يقع الباقي بين الاستغلال الجنسي وحالات تشغيل الأطفال بأعمال منافية وبالتسول وأية أنشطة غير قانونية كتوزيع المخدرات بالابتزاز والضغط..
ولا يخلو العراق اليوم من استقدام العمالة الأجنبية بصور غير مشروعة وغير قانونية مثلما لا يخلو من استغلال الفتيات والأطفال بعامة في تجارتي الجنس والمخدرات وتتحول منظومة الرق والعبودية التقليدية فيه إلى نماذج حديثة معاصرة بخلفية إعادة اجترار الدين والقدسية الطقسية بالاسم والمظهر فيما تتجسد في ذاك الموروث الماضوي الذي يفترضونه إيهاما ومخادعة وتضليلا أسوأ كوارث التاريخ القيمية من قبيل استضعاف بعض الفئات بالتمييز الديني والمذهبي (الطائفي) إلى جانب استضعاف فئات قومية ودينية مما يسمونه الأقليات المهمَّشة المصادرة وهنا في العراق المندائيون والإيزيديون والزرادشتيون وحتى المسيحيين من الشعوب الأصلية للبلاد. وسنجد الغجر \ الكاولية كما يُطلق عليهم بالدس والدونية المتعمدة في النظرة حتى أنهم يُحرمون من الجنسية ومثلهم الملونون السود على سبيل المثال وهكذا نجد الفوقية والدونية بتعارض قيمي يمهد لإباحة ممارسة الاسترقاق والاستعباد..
وبظروف الخلل البنيوي الاقتصادي والمديونية الفاحشة على كواهل نسبة غير قليلة وحال البطالة بعدم توافر الأعمال باقتصاد ريعي متخم بالتضخم وبغيره من المشكلات الهيكلية سنجد ظروف الاستعباد جاهزة بقيودها وأغلالها والأصفاد بأنواعها.. فالعمل بالسخرة يشمل طوائف كبيرة من المهمشين المصادرين وحال العمال المجتلبين من بلدان كبنغلاديش والهند وباكستان لا يخرج عن لعبة الرق ومخرجاتها.. أضف موضوعات العمل المنزلي والدعارة القسرية التي تتخفَّى بلبوس وأردية أو مسميات دينية بأحيان عديدة..
علينا التذكير بالاتفاقات والعهود الدولية بميدان إنساني حقوقي ومنها ما يخص الطفل وحمايته من تطاول الأوضاع والسلطات المحلية قبلية أو طائفية دينية المنحى والتمظهر أو غير ذلك والتذكير بكل ذلك لا يقف عند منطقة الاعتراض على موقف وسلطة بل يعمل على درء أية مضار و\أو حالات إيذاء لطفل والطفولة وللفئات الهشة المستضعفة على الرغم من ادعاءات اكتساب موافقة تلك الأطراف وهي موافقة تُنتزع بالإكراه والترهيب والابتزاز بمجمل طبيعة النظام الذي يحكم فعليا الدولة ويشرعن لسلطاتها..
وأختتم في مكافحة الرق والعبودية وحصراً في وجودها الإجرامي الفاضح في عراق ما بعد 2003 بالإشارة إلى ما كررته وأكدته القوانين الدولية والاتفاقات والعهود ذات الصلة من بروتوكولات منع ومعاقبة الاتجار بالبشر، بخاصة النساء والأطفال، واتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عابرة الحدود، بمعنى حظر أشكال الاتجار بالبشر من قبيل تجنيدهم اليوم بالميليشيات ومافيات الجريمة أو نقل أيٍّ منهم أو إيوائهم بالتهديد والابتزاز بأي شكل من أشكال الإكراه بغرض الاسترقاق والاستعباد أو الاستغلال الجنسي أو الخدمات القسرية بما يمثل حال العبودية والرق أو يشبه أو يماثل الرق أو الاستعباد والاسترقاق اللذين أشرنا إليهما. علما أن موافقة الطرف الذي يجري استعباده واسترقاقه ليست ذات صلة وتأثير قانوني لتبرئة المجرم ومنظومته ونظامه وبجميع الأحوال فإن ما يخص الفئات المهمشة والأطفال هي جريمة حتى لو تمت من دون استخدام القوة والعنف.
إنّ كفاحنا ضد الرق والعبودية اليوم هو قراءة لوجه من أوجه الكفاح الإنساني والشعبي الوطني بكل تنوعات مجرياته ومسميات الجرائم التي تندرج في إطاره والجريمة هنا بمسميات وأوجه عديدة إلا أنها هي هي الجريمة التي يلزم إعلاء الصوت في مكافحتها من دون تردد أو خشية وحرج اجتماعي أو قيمي أخلاقي فالعار والعيب فيها على الجناة وليس على الضحايا وإذا بقيت الضحايا تدفن الرأس خجلا مما وقع لها فإن الجاني سيواصل ارتكاب جرائمه وبشاعاته وفظاعاته بعصر الحقوق والحريات.. فهل ينبغي لنا أن نتكاتف وندين الجريمة ونفضح مرتكبيها بلا تردد!!؟ إنهم يرتدون جلابيب التدين والتأسلم وسلطاته الرسمية الحكومية مرة والمجتمعية الطائفية المذهبية والقبلية في مرات أخرى.. كلا لتلك الأردية ومن يرتديها فمجتمعنا العراقي هو جزء من المجتمع الإنساني المستحق لحرياته وحقوقه بلا منقصة ولا أي تأويل يبرر لإدامة الجريمة والمجرم مهما كانت ذرائعه وأحابيل تبريراته..
المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن
4966850 2024 / 12 / 3 – 16:48
***
إن عددا من شعوب المنطقة ترزح تحت نير استعباد ونهج الرق والاسترقاق من دون أن تُمنح فرصة الانعتاق والتحرر الحقيقي الذي تنشده بسبب ما يجري حرف كفاحها عن تلبيته ووضعه بخانة تجيير لحساب ماضويات مقدسة يجري اجترارها بقصد تشويه المسار ووضع تلك الشعوب رهينة الاستعباد باسم التدين أو التأسلم مرة وباسماء القدسية الأخرى التي تُدعى وتُزعَم ومثل ذلك في كل شعب يجري تهميش فئات واستضعافها ومصادرتها كما النساء والأطفال وكما المكونات التي يلقبونها بالأقليات وهي الشعوب الأصلية للبلدان وأنا أؤكد أن الحديث حصرا ببلدان الشرق الأوسط والعراق نموذجا.. فهل أدركنا ما نحن فيه ماضون!!!!؟؟؟
استراتيجياً تقف أحزاب تنويرية اليوم مع قوى ظلامية في خطوط اتصال إن لم نقل بتحالفات من أي نمط كانت؛ وهو ما يُفضي إلى تكريس ظواهر التأسلم وادعاءات تمثيل المقاومة الشعبية التي اغتالت هي في زمن قريب قادتها وسرقت منجزاتها وخطابها وباتت تستعبد الناس باسم المقدس المزيف طبعاً وبالتأكيد.. ولابد لنا كجزءٍ من مهام التغيير والتنوير أن نحافظ على استقلالية حراك التنوير والتقدم والانتصار للحقوق والحريات لا بالتدليس والمساومة بل بالوضوح والشجاعة والجرأة وقيادة الحراك إلى أهدافه السامية في إنهاء كل أشكال الاسترقاق والاستعباد وما يتفرع عنهما من جرائم أخرى فهل وصلت الرسالة!؟
مازال بعضهم بمجرد أن يقال له أن عدم خضوعك لهذا (المجرم) هو مخالفة للشرع والدين يسارع بخشية للاستسلام لكل مطالب الاستغلال وبمختلف أشكال استرقاقها واستعبادها له وجودياً كلياً.. فهل سنعمل من أجل وقف تلك التلاعبات وتنوير الناس بالحقيقة وتوحيدهم لرفض الخضوع للجريمة والمجرم وقيمهما..؟؟؟؟
***
جد مهم للاطلاع على معالجات سابقة تتناول موضوعة الرق والعبودية والانعتاق
اليوم الدولي لإلغاء الرق في الثاني من ديسمبر كانون الأول: واقع مؤلم عراقيا وتطلعات لمكافحته
في اليوم الدولي لمكافحة كل أشكال الرق وإنهائه.. مهمات كبيرة بانتظارنا
مطالب العراقيات والعراقيين في الانعتاق من نظام الطائفية الكليبتوقراطي وما أعادهم إليه من عصر العبودية
***************************
اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/ تيسير عبدالجبار الآلوسي
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير