عقود مريرة تلك التي أعقبت جينوسايد الأسلحة الكيميائية التي أجهزت على حلبجة بين عشرات الجرائم الأخرى التي سبقتها وفي الغالب كان الصمت يسيطر على فضاء العالم لولا كثير متغيرات منحت الأمل بوقف الجريمة ونزع السلاح الكيمياوي نهائيا وحظر استخدامه مع تشكيل منظمة متخصصة لتلبية اتفاقية صاغتها البشرية بشأن السلاح الكيميائي.. وعراقيا بقيت بعض أصوات لكنها طبعا أصوات حاكمة مؤثرة تحاول إغفال ما اُرتُكب في حلبجة وإزاحة وغض النظر عن آثار الجريمة وعن ضحاياها إلا أن المدينة الشهيدة مازالت باقية تتحدى وتكافح لتكون نموذجا مهما وعلامة مميزة للتصدي لأية محاولة لتكرار الجريمة بأي مكان في العالم مقدمة تجربتها مثالا كارثيا مأساويا بصرخة كفى فلنحظر هذا السلاح ولنبدأ عهدا جديدا لمسيرة البشرية ودولها بلا أسلحة دمار.. هذه معالجة تشمل نداءات ومحاور للتصدي للسلاح الكيمياوي وجرائم استخدامه
في يوم إحياء ذكرى جميع ضحايا الحروب الكيميائية، 30 نوفمبر تشرين الثاني تؤكد البشرية على نزع هذا السلاح كليا ونهائيا مع تفعيل المواقف تجاه الضحايا
د. تيسير عبد الجبار الآلوسي
في العام 1915 جرى استخدام الأسلحة الكيمياوية في فيبر ببلجيكا وغيرها وقد سقط في الحرب الكونية الأولى ما يقارب الـ100 ألف وأصيب ملايين باستخدام تلك الأسلحة التي لا يوجد منها مهرب ومخبأ. وفي الحروب التي جرت شرق أوسطيا هناك اتهامات لمصادر استخدام الأسلحة الكيميائية، لكن الأخطر في الموضوع هي أنها تم استخدامها وإيقاع آلاف الضحايا بين قتيل ومصاب مثلما جريمة إبادة حلبجة في كوردستان العراق..
لقد ناقش المجتمع الدولي تداعيات وجود أسلحة كيميائية واستخدامها ونتائجها فتوصل إلى اتفاقية حظر تلك الأسلحة والتخلص منها نهائياً.. حيث دخلت اتفاقية الأسلحة الكيمائية حيز التنفيذ الفعلي في1997، إذ أكدت فيها الدول الأطراف الموقّعة عليها، أنَّها: (من أجل البشرية جمعاء، تستبعد كلياً إمكان استعمال الأسلحة الكيميائية) واتخذت الأطراف الـ193 قراراً باعتماد يوم الثلاثين من نوفمبر يوما لإحياء الذكرى من جهة واستذكار الضحايا وتمكينهم من العيش بأقل العذابات في ضوء تقدم وسائل المعالجة على الرغم من أنّ تلك الأسلحة لها تأثيرات طويلة الأمد في حياة الإنسان..
وإذ اعتمد مؤتمر لاهاي العام 2013 إعلاناً سياسياً واضحاً بالالتزام الشامل بحظر الأسلحة الكيميائية فقد تمّ تشكيل (منظمة حظر الأسلحة الكيميائية OPCW) بوصفها منصة تنفيذ أحكام الاتفاقية لمواصلة رصد خطى القضاء على تهديد الأسلحة الكيميائية ومتابعة المهام، لتلبية ما يعزز مسار السلم والأمن الدوليين، وجدير بالإشارة إلى أن ما نسبته 98% من البشرية مشمولة في ضوء توقيع بلدانها بأحكام الاتفاقية ما يعني بوجود عدد من الدول التي رفضت الانضمام فضلا عن استمرار امتلاك عدد آخر لتلك الأسلحة ومن ثمّ استمرار التهديد بها.
وتأتي مدينة حلبجة، لتشكِّل ثاني اسم معروف دوليا بعد إيبرIeper والأكبر عالميا الموجه ضد المدنيين في استخدام الأسلحة الكيميائية إذ تعرضت في 16 مارس آذار 1988 لهجوم كيميائي تحسبه بعض الأطراف من جهة رحيل قوات إيرانية متسللة ومواطنين المدينة من الكورد ودخول قوات النظام العراقي آنذاك إليها بينما تنظر البشرية والمجتمع الإنساني برمته من بوابة ما أوقعته من ضحايا وآلام بخاصة تلك التي تتابعت في التشوهات الخَلْقية والإصابات السرطانية وغيرها ومع اندراج الهجوم الوحشية الكارثي بجريمة الإبادة الجماعية وإدامة جرائم الأنفال سيئة الصيت.. لقد قُتِل حوالي الـ5 آلاف مواطن بريء وأصيب ما يناهز الـ 10 آلاف آخر بمختلف مستوى الإصابات.. يُذكر أنه تم استخدام كل من غاز الخردل وغازات أعصاب مجهولة أخرى على وفق تحقيقات الأمم المتحدة..
لقد تباينت المواقف التي دانت الهجوم وجريمته بين عَدّه جينوسايد كما فعلت الجنائية الدولية وبين عدّه من جرائم ضد الإنسانية كما فعل البرلمان الكندي وبجميع الأحوال كان شهود العيان قد أكدوا حالات وفاة أو مقتل الأبرياء بطرق منها: من سقط قتيلا في الحال فيما مات آخرون بعد دقائق، بعد أن ظهرت عليهم علامات حروق أو ماتوا عقب نوبات سعال وقيء أخضر اللون بينما أصيب غيرهم أو لقوا حتفهم بسبب حالة الهلع والذعر، بالتحديد لإصابتهم بالعمى بسبب المواد الكيميائية التي طاولتهم. وأغلب هذا كانت منظمة أمريكية هي منظمة مراقبة حقوق الإنسان الخاص بحلبجة قد ثبَّتته بتقريرها؛ لكن الحقيقة المرة أن هجمات كيمياوية أصغر بالعشرات قد وقعت من قبل لم تجد موقفا مناسبا ورداً قويا من المجتمع الدولي وحتى موضوع الجينوسايد كانت تأخرت تجاهه ردود الفعل!
لقد كان تدمير حلبجة قد استكملته قوات عراقية بوقت لاحق لكن ما يهم هنا هو استمرار تأثير الهجوم عبر الحالات الحرجة بالمئات ممن كان يتلقى الرعاية النسبية عدا ما خلفته النتائج من تأثيرات جينية واضطرابات بالصحة البيولوجية والنفسية ومجمل زيادة الأمراض السرطانية وأمراض القلب والجهاز التنفسي والانعكاسات بالخصوبة وحالات الإجهاض والوراثة الجينية الدائمة..
إن إفلات لعض أطراف ساهمت في تزويد النظام العراقي بآلاف الأطنان من بلدان وشركات وشخصيات في أوروبا وآسيا فضلا عن عدم استكمال المقاضاة لمجرمي النظام على وفق ما تم في محاكمات معروفة ببغداد يظل مثيرا لخيبة أمل كما أنه لا يقف بالقوة الكافية ضد حال التساهل بالمعايير تجاه الأسلحة الكيميائية وفي الانتهاء من متابعة المساهمين بالتسليح وما شابه من مؤشرات..
وبينما توجد مقابر للضحايا وتتواصل النتائج الكارثية لتلك الجريمة نجد أن عموم الموقف من ضحايا الجرائم كافة ظل بحدود دعائية مرة ومزايدات سياسية في أخرى فيما تُحرم المنطقة من إجراءات إزالة الآثار والذريعة جاهزة في محاصرة كوردستان ماليا اقتصاديا ودوائيا طبيا بمرات أخرى وكل ذلك بذرائع لا تصمد أمام مشهد الاستحقاق الإنساني لقطاع من المجتمع العراقي ما سمح ويسمح للسلطات والقوى المتحكمة بها لارتكاب جرائم جديدة بمختلف مستوياتها ومسارات ارتكابها..
لقد عانت حلبجة من إهمال طوال عقود وما لاقته مؤخرا جاء بتضحيات وكفاح عنيد لأبناء كوردستان الذين عملوا على تحويلها إلى محافظة كي تحظى باستحقاق يتلاءم ومنطق التشخيص للجريمة وحجمها ونوعها في المعالجة القانونية من جهة وفي المعالجة الإنسانية من جهة أخرى..
إن وجود متاحف ونُصُب لحلبجة محليا أو دوليا ليست قضية تعبير إنساني جمالي أو تشكيلي ضيق بل هي استدعاء لإحياء الذكرى وإنعاش الذاكرة الحية كي تتجنب مثل تلك الجرائم ووقوعها مجددا وكي تدرك الأجيال أهمية القضاء الكلي النهائي على السلاح الكيمياوي بخاصة مع بقائه بعدد من الدول وبنسبة لم يتم تدميره فيها..
إن مسؤولية الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية تبقى جد متقدمة وعالية تجاه إنهاء الخطر وتهديده السلم والأمن الدوليين.. وأذكر هنا أن تلك الأسلحة اُستُخدمت في الغوطة السورية وغيرها ما يتطلب تحقيقا شاملا صريحا بكل الأماكن التي تم فيها اراتكاب تلك الجرائم وضمن المسؤولية احتضان الضحايا والمناطق وتخليصها من آثار الجريمة وظروف إهمال آثارها الكارثية على الإنسان..
لقد خلَّد الفن السينمائي والغناسيقي تلك الوقائع الكارثية المأساوية في تاريخ الكورد وعموم البشرية بأعمال مهمة لكننا نبقى بحاجة لمزيد من المعالجات الجمالية المسؤولة ومن إدخال المادة في مناهج ومؤلَّفات ودراسات بحثية ترتقي لحجم الجريمة مثلما نحن بحاجة لتبني مطالب الروابط والجمعيات المدافعة عن حقوق من بقي من الضحايا والمدينة بما يزيل وصمة العار الأخلاقية في التعامل مع الجريمة ويُخرجها من دوائر المماحكات الحزبية والسياسية وبروباغاندا الدعاية السلبية التي لا تمس الحقيقة إلا سطحيا ما يشوهها ويشوه المطالب الباقية لحلبجة ومن ثم لكل ضحايا الحروب والجرائم التي استخدمت الأسلحة الكيميائية..
فهل ستخرج من دوامات أن تلك الجرائم مضى عليها قرن أو عقود أو انطوت في ذاكرة من ليس على تماس مع بقايا الضحايا وهم بعشرات بل مئات الآلاف وهل سنؤكد احترامنا لدم الإنسان حيث لا تطوي جريمةٌ آثارَ جريمةٍ أخرى بل تنعش المواقف الإنسانية وترتقي بها؟؟
إنني أطلق النداء مجددا كي تتواصل البحوث والدراسات لمزيد إمعان وبصيرة خبيرة بتلك التفاصيل وما وقف وراءها من دون تسييس أو تحزّب قد يفضي لخسارة الحقيقة فيؤدي لتكرار الجريمة!
وهل ستلتقي جهود شبكة الدعم الدولية لضحايا الأسلحة الكيميائية مع وزارة المؤنفلين وجمعيات وروابط متخصصة سواء كوردستانية أم لمناطق ومدن ومعطيات مختلفة المرجعيات لنصل إلى تلبية أسس الاتفاقية التي اعتمدتها الأطراف بهذا الشأن؟؟
ربما جاءت مبادرة أو أخرى مفيدة بإطار مؤتمر أو مراكز بحثية تتعاون مع تثبيت منصة أو بلاتفورم محلي وأممي يحمل تلك المهمة الخطيرة والكبيرة على عاتقه للتنفيذ. ولعل تلك المنصة ستتحول بمتحف السلام إلى مركز إشعاع عالمي أممي لقيادة مهام مكافحة وجود السلاح الكيمياوي وإنها لمسؤولية جديرة بالتبني..
تحايا لكل كوردستاني حمل هذه القضية على كاهله ودافع عن الضحايا وناضل لتحويل حلبجة إلى شمس مضيئة تحمل رسالة حظر الأسلحة الكيميائية، تحية لمن خط بالقلم ولمن تحدث عبر نوافذ الإعلام ولمن عقد مؤتمرات البحث وساهم بإعلاء صرخات الضحايا والمبدينة الشهيدة لكي تصل أسماع العالم وتحايا لحكومة كوردستان ولكل حزب فيها أكّد التمسك بالقضية وما كانت ومازالت تعنيه |
المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن
4943400 1353
جد مهم للاطلاع على معالجات سابقة
تتناول حظر الأسلحة الكيميائية واقتراح معالجة مشكلاتها بالبدائل
ماذا فعلنا عراقيا بثقافة نزع خطاب الكراهية بخاصة في اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا جريمة الإبادة الجماعية وتكريمهم ومنع هذه الجريمة
30 نوفمبر يوماً لإحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية
قضايا التغيير الديموغرافي تتفجر من جديد ولكن بصورة فاقعة أكثر وأخطر!؟
رسالة تعريف وتحية بمؤتمر مهم كبير عن الحوار العربي
مادة تغطي نشاطا سابقا وأعيد النشر تثبيتا للمحتوى وأهميته وكان قد تم نشره في موقع صوت كوردستان
حوار أجرته صحيفة كوردستاني نوي مع الدكتور تيسير الآلوسي قبيل الانتخابات الأخيرة
إبادة الأمم من منظور متنوري الأمم المسيطرة
يوم إحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية 30 نوفمبر تشرين الثاني
دعم ضحايا الأسلحة الكيميائية
خطة نزع الأسلحة الكيميائية من أجل عالمنا المشترك يحيا بسلام
***************************
اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/ تيسير عبدالجبار الآلوسي
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير