ما المهمة المؤملة عراقيا في ظل الحملات الوحشية التي لا ترعوي ضد الصحفيات والصحفيين!؟

اختارت الأمم المتحدة يوم الثاني من نوفمبر تشرين الثاني يوما دوليا لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين وذلك تمكينا للسلطة الرابعة من ممارسة دورها بروح مهني وبشروطه ومحدداته من دون قمع ومصادر أو ابتزاز وتهديد.. وعراقيا سجل العراق جرائم بالمئات ولم نجد من يُحاسب من القتلة أو المعتدين حتى ولو شكليا ما أفضى لمزيد من تلك الجرائم ومن ثم في تحويل العراق إلى منطقة صمت مطبق خلا من بقي مكافحا مضحيا من الصحفيين والإعلاميين نسوة ورجالا وهو ما يعني أن الأجواء وقعت أسيرة الجريمة وتهديدها في كتم الأنفاس بالمطلق وحجب بل حظر حرية التعبير خلا حالات يمررونها بقصد التعمية والتضليل.. إن هذه المناسبة المشهودة المهمة تتطلب منا فضح ما يتم التستر عليه من حملات قمعية إجرامية ومحاسبة المجرمين وإيقاع أشد العقوبات وذلك بالاستناد إلى مدونات أممية وتحالف مع الأمم المتحدة ومنظماتها وبرامجها في العمل وهو أدعة لتحالف وطني وإقليمي ضد تلك الظاهرة وما تعنيه وما تفرضه فهلا سنجد الطريق إلى غياتنا السامية هذه؟؟

الثاني من نوفمبر تشرين الثاني: اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين

ما المهمة المؤملة عراقيا في ظل الحملات الوحشية التي لا ترعوي ضد الصحفيات والصحفيين!؟

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

يمارس أغلب الصحافيين والإعلاميين والعاملين في هذا الحقل واجباتهم المهنية بظروف وسياقات شديدة التعقيد والخطورة. حتى أنَّ كثيراً منهم يدفع أثمانا باهظة تصل حد التصفيات، بما في ذلك (الاغتيال) والاختطاف والاختفاء القسري والتعذيب والاحتجاز خارج سلطة القانون، وهذا الكفاح المضني للصحفية و\أو الصحفي رغم تلك التهديدات والمخاطر إنما يجري بقصد الحصول على معلومات مستقلة وموثوقة وقابلة للتحقق.

وبهذه الأوضاع المعقدة من تفشي الجريمة ومن سطوة قوى مافيوميليشياوية على مقاليد الأمور في الحياة العامة واختراق بنية الدولة وإضعاف سلطة القانون فيها وابتزاز مصادر قوة الدولة والتحكم بمسارات العمل فيها؛ بظل كل ذلك بات الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين أحد أهم أبرز التحديات وأكثرها تعقيدًا في يومنا علما أن منع الإفلات من العقاب يمثل الرادع الأبرز للجريمة والمجرم والشرط الجوهري لضمان سلامة الصحفيات والصحفيين خلال الأزمات وحالات الطوارئ من أجل ضمان حرية التعبير وحصول جميع المواطنات والمواطنين على المعلومات بشفافية وسلامة.

إن ضغوط الأزمات ومناطق الصراع محليا إقليميا ودوليا تظل تحمل موانع تتقاطع والحل بحيث تحيل إلى حقيقة أنّه من دون مساهمة خارجية بخاصة للمنظمات الأممية كما اليونسكو والأمم المتحدة والاتحادات والمنظمات الإقليمية الآسيوية والأفريقية لن تكون إرادة الفعل والتأثير باتجاه الحل ممكنة التحقق وهنا نشير إلى العلاقة مع الأدوات الدولية المناسبة لفرض سلطة القانون وتوفير منصات مؤثرة لتفعيل مناقشات وتعزيزها بطريقة أوسع وأعمق في تلبية مطلب سلامة العاملين في الصحافة بما يكفل إنهاء و\أو معالجة المخاوف المتعلقة بالوقاية والحماية وظواهر الملاحقة القضائية للصحفيين المتضررين من مثل تلك التحديات. المختلقة بوجه من يتعامل مع الوقائع المهمة الكبرى مباشرة..

وعلى الرغم من انخفاض ملموس في الأرقام التي كشفت الأضرار التي طاولت الصحافة والإعلام والعاملات والعاملين فيها منذ سنوات إلا أن حجم التوتر والتأزم قد تفاقم في مناطق الصراع الرئيسة عالميا ومنها الشرق الأوسط والعراق نموذجاً..

فلقد سجل الرصد   الأممي عام 2023 ارتفاعاً بنسبة فاقت 50% في جرائم اغتيال الصحفيين مما وقع في مناطق الأزمات والصراعات، وهي النسبة التي تفاقمت وازدادت في النصف الأول من عام 2024. ومثل هذا لم يُستثنَ منه العراق وشرقنا الأوسط بعمومه ومن أطراف الصراع كافة..

لقد تسبب الوضع المأزوم عالميا وبمختلف الأقاليم بأضرار فادحة بحق الصحافة والإعلام وحرية التعبير عبر مزيد من الانفلات والاستباحة للصحفيين بوصفهم السلطة الرابعة ولكن تحت مطارق الضغط والترهيب يُراد أن يكون قوة تابعة أو سلبية في الصراع ومساره مع تجيير تلك القوة لمصالح قوى الفساد والعنف المسلح سواء الميليشياوي أم التابع لأذرع دول مارقة أو مستبدة بالمستوى الداخلي أو الخارجي أو كليهما..

ولقد تم تخريب بتدمير واسع النطاق للبنية الأساس بعمومها أو للإعلام ووسائل الاتصال بجانب كل التهديدات وأعمال الابتزاز والمصادرة واختلاق الصدمات العنيفة المرتبطة بالصراعات الملتهبة كما بالاعتداءات الجنسية والاختطاف والاحتجاز والتغييب والإخفاء القسري  مع المنع من الوصول إلى المعلومة وحجب المواقع الصحفية والإعلامية عن جمهور العامة حتى أن كثيرا من العاملين والناشطين يضطرون للهرب وطلب اللجوء بخلفية تلك الأعمال وما أوسعها في التفشي والانتشار مع انعدام الاستقرار والأمن والأمان عراقيا وشرق أوسطيا..

لقد تحولت بسبب ظاهرة إفراغ البلاد من العمل الصحفي المسؤول والملتزم بأخلاقيات المهنة، تحولات مناطق الصراع كالعراق إلى مناطق صمت مطموسة الصوت الحر الحقيقي المعبر عما يجري ويُرتكب.. ولعل من أبرز الأمور هو تلك الحملات الوحشية في قمع الصوت الحر ومطاردة الناشطات والنشطاء وبينهم الصحفيات والصحفيين حتى أن الأسبوعين الأخيرين قد شهد اختفاء عشرات الشخصيات الصحفية بين مختطف ومختف قسريا أو مهجر نازح أو لاجئ داخليا و\أو خارجيا.. كل تلك الجرائم تجري في الخفاء وتحت أستار من الترهيب بوجود الفاعلين من مرتكبي الجريمة بتخطيط متعمد مع سب إصرار..

وبغض النظر عن طبيعة العمل الصحفي وهويته الوطنية المتمسكة بعراق مدني ديموقراطي، أو بمتابعة العمل رصدا لما يتعرض له المواطن من الكوارث أو أزمات البيئة أو ما يهدد الصحة العامة، فإنَّ الصحفيين يواجهون تهديدات غير متناسبة ومستويات الإفلات من العقاب على ما يتعرضون له جرائم قتل واغتيال والتعرض للتعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي، فضلاً عن ظواهر ومشاهد الترهيب والمضايقة بمختلف الوسائل الميدانية الملموسة منها وتلك التي تصل عبر شبكة الإنترنت التي تمر جميعها وكأن شيئا لم يكن.

وينبغي التذكير هنا أنه لم تتم محاسبة القتلة على الرغم من كل الأدلة التي تؤكد ارتكابهم الجريمة وعلى الرغم من أن الشواهد الحية وشهود العيان يتساقطون بين قتيل ومصاب أو جرى ابتزازه أو إخفاؤه أو ترحيله قسريا قهريا وربما كانت النسبة في الإفلات من العقاب تسعة من عشرة في منطقة الكاريبي وبنسبة أقل في أفريقيا إلا أن النسبة تتجاوزهما في العراق..

لقد باتت جرائم الاغتيال والتضييق العنيف والترهيب والابتزاز شكلا من أشكال الرقابة على العمل الصحفي والإعلامي وهي كذلك مما يخلق الرقيب الداخلي ويثير مشاعر الرعب من ممارسة العمل بمصداقية أو ركوب دروب التمسك بالمهنية لأن ذلك سرعان ما ينقلب على الناشط الصحفي..

وإذا كان التهديد ببعض ممارساته يمر عبر الفضاء الافتراضي الرقمي وتكنولوجيا الإنترنت فإنه يستند بقوة إلى سلطة من يقف وراءه من نفوذ ميليشياوي من جهة ونفوذ سلطة الفساد المالي الذي بات بحجم أكبر من محلي مع ظهور المافيا الدولية ومافيات المخدرات والجريمة من اتجار بالبشر وغيرها..

لقد بثَّ هذا  مشاعر الرعب والهلع في كثير من العاملين في مجال الصحافة والإعلام، ما أعاق جديا حرية تداول المعلومات والآراء والأفكار أمام عموم المواطنين. وكانت الصحفيات والإعلاميات بوجه خاص على رأس من يتعرض للتهديدات والابتزاز، ولا سيما تلك التي تجري عبر الإنترنت. فعلى وفق اليونسكو بشأن الاتجاهات العالمية في العنف ضد الصحفيات عبر الإنترنت، أكدت 73% من الصحفيات المشمولات بالاستطلاع أنهن تعرضن للتهديد والترهيب والإهانة عبر الإنترنت في مسائل تتعلق بميدان عملهنّ.

إن مجمل التقارير والدراسات التي يمكن العودة إليها بهذا الخصوص تشير إلى أنّ االتستر على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والفساد والجريمة قد ساهم بالجوهر في إخفاء ما يُرتكب بحق الصحفيات والصحفيين وإلا ما الحقيقة فيما يجري ويُرتكب بحق العاملين بهذا الميدان وكيف جرت وتجري أعمال التهديد بل تنفيذ ذلك بارتكاب اعتداءات صارخة وفجة ووحشية تجاه العاملين وفي وضح النهار!!

و لا تستطيع أنظمة العدالة والقضاء في العراق وقف تهديدات بالعنف ضد الصحفيين على الرغم من الحاجة الماسة وذات الأولوية القصوى لترسل تأكيدا مكينا بوجود الدولة ومؤسساتها على الرغم من اختراقها بنيويا  وليتأكد أن الدولة العراقية لن تتسامح مع أي اعتداء أو تهديد ضد الصحفيين وضد الحق في حرية التعبير مكفولا لجميع لكن ذلك مجددا ومرة أخرى غير متاح فحتى عناصر بقوى إنفاذ القانون تطارد المحتجين مثلما تُصادر الصحافة والإعلام وتنتهك حرمات العمل وسلامته…

إننا اليوم بخاصة في النموذج شرق الأوسطي والعراقي بحاجة ماسة لتحالف بين سلطات وطنية محلية ومجمل هيآت الأمم المتحدة بارتباط وثيق مع وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني كافة كي نستطيع التصدي للمهمة المعنية بمنع إفلات الجناة من العقاب..

ولابد لنا إذا ما كنا مخلصي النية في هذا الميدان أن نبحث عن عناصر القوة والإيجاب تلك التي مازالت نزيهة وبعيدة عن الخنوع أو الخضوع للابتزاز كي نُطلق نداء عمل جديد يرى في حماية الصحفيين جزءاً جوهريا وبنيوياً في خطة التنمية المستدامة  في البلاد فهي سلطة رابعة رقيبة تمثل الشعب وتعبر عنه بل أن التعبير الحر للشعب يمر عبرها.

وفي الذكرى السنوية الحالية العاشرة ما يدعونا جميعا للتشديد على الجهود المبذولة من أجل المضي قدماً بخطة الأمم المتحدة لإعادة تفعيل فرص الالتزام بها ورسم آليات أمان وإنفاذ مناسبة مستجدة في ضوء المجريات على أرض الواقع.

 وإذا كانت الأمم المتحدة اختارت الثاني من نوفمبر يوما عالميا دوليا لمكافحة الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم بحق الصحفيين وذلك احتفالا باغتيال صحفيين فرنسيين في مالي في 2 نوفمبر 2013  فإن من الصائب أن يكون الاحتفال عراقيا وشرق أوسطيا بأيام على مدار العام نتيجة حالات الاغتيال التي باتت ظاهرة أشبه باليومية على الرغم من إخفائها والتستر عليها..

وعليه ستكون إدانة الظاهرة ومكاشفة حقيقية بوجه المسؤولين هي من أبرز المهام الجدية التي يمكنها اجتياز حاجز التكتم والتستر ومنح المجرمين فرص إفلات من العقاب بالمماطلة والتسويف كما يجري بحق شهداء انتفاضة تشرين ومن غطى تلك الانتفاضة الشعبية التي جرى قمعها بالحديد والنار وأنهار من نزيف فتحه رصاص الغدر والاغتيال..

إنني أطالب بتوثيق كل جريمة انتهاك وترهيب وتهديد وابتزاز وقتل واغتيال أو تصفية جسدية لنشطاء الصحافة والإعلام نسوة ورجالا شيبا وشبيبة ورفع راية الدفاع عنهم لأنهم قدموا أغلى التضحيات وأسماها دفاعا عن الشفافية وحرية التعبير وسلامة الحياة وكرامة العيش وكانوا ومازالوا صوت الشعب وطريقه إلى الانعتق والتحرر

 

 

المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن

***************************

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *