منذ سنوات بعيدة كأداء عانى العراق من عنف الصدمات والمتغيرات الراديكالية التي مزقت نسيجه واختلقت متاريس الاحتراب والاصطراع حد ارتفاع منسوب أنهار من دماء أبنائه وبناته.. وتواصل نهج العنف وخطاب الكراهية والحقد مقابل تمسك أطياف الشعب بالهوية الوطنية جامعا لهم بروح إنساني من قيم التسامح والإخاء والبحث عما يتصدى لنهج العنف من جهة ويمكّن نهج التعايش السلمي من جهة أخرى واختارت مبادرة اليوم العراقي للسلم الأهلي أن يعلو صوت الإخاء وطنيا إنسانيا وأن يتصدى بشجاعة وجرأة ومازالت تواصل مهام تنمية ثقافة بديلة لتقول في وقت قريب يسود فيه تبادل الثقة والاحترام وفتح جسور العلاقات بوصفها بيئة للبناء والتنمية هي بيئة وحيدة لخيار الحياة مقابل خيار الموت والقتل وعنف خطابهما.. اليوم الثلاثين من حزيران يونيو يوم عراقي للسلم الأهلي وسيتواصل الطريق حتى تعميده بشموخ بناء البيت الوطن العراقي مجددا يعلو ويزهو بالسلام نموذجا لشعوب الكوكب.. تحية للمبادرة وإلى مسيرة جديدة في دروب التنمية وبناء الإنسان العراقي الجديد.. إليكم بضعة أسطر بالمناسبة هي نداء هذا العام لنهج السلام والتعايش بين أطياف الوطن
يومٌ للسلم الأهلي، ليس كثيراً على تطلعات العراقيات والعراقيين
تطلعات لتعزيز احتفالية اليوم العراقي للسلم الأهلي حيث فضاء الاستقرار والأمن والأمان وتعايش الجميع بسلام
ليس أدعى للخطر وتهديد السلم الأهلي أكثر من استمرار الأزمات واشتداد حال العصبية.. مرة لتمييز بخلفية طائفية وبأخرى لتمييز عشائري قبلي وثالثة لأسباب لن تكون استثناء في طبيعتها المختلقة وضعف حجتها وهزال منطقها واستناده لخطاب عنصري التوجه أناني القيم..
لقد أفضت ظروف الأزمات المتعاقبة المتلاحقة إلى إثارة مشكلات وعراقيل غير هينة؛ كما جاءت حال خطابات الطائفية وقواها لتنزلق نحو تكريس مشاعر تتناقض والروح الوطني ومثلها جاء التوجه لتبني المنظومة القبلية بنيوياً، ليشكل تمترسا آخر خلف نهج كرَّس ويكرس خنادق الخلافات المستعرة وصراعاتها.. وبين المناطقي والطائفي والقبلي العشائري وبين عنف ضغوط السقطات المعقدة التي يجابهها عراق ما بعد 2003، وجد الإنسان العراقي نفسه ملقى بأتون حرائق وحروب تتوالى وتتعاقب بلا منتهى!
مقابل هذا الواقع فإنّ الأساس لأي حراك تنموي يتطلب الاستقرار والأمن والأمان ووضعا مشهودا للتعايش السلمي بين مكونات تعايشت عصورا طويلة في موئلها موطنها الأصل، لكنها اليوم باتت مدفوعة كرها وقسرا نحو الاصطراعات المرضية بخلاف ما يُنتظر من تطبيع الأوضاع لاستعادة الاستقرار والسلم الأهلي سريعا عاجلا..
هنا بات تحقيق السلم الأهلي ليس حاجة تنموية عادية بل ضرورة استثنائية عميقة الأثر والدور لتجاوز ما انحدر إليه الجميع ما يوصف بكوارث المحن والظروف الكأداء التي بوجه الوطن. ولهذا بالضبط وبدقة، توجهت نخبة من منتجي الثقافة وخطابها للتوعية بأهمية خيار التعايش السلمي وآليات الوصول إليه بظروف مانعة تمارس عرقلة المسارات الإيجابية، فاحتاجت تلك النخب الثقافية الواعية إلى منصة أو مناسبة تشرع في ضوئها بمهام التنوير بحركة السلام وأدوارها المؤملة..
ومن هنا وفي ضوئه تمَّ اختيار (يوم السلم الأهلي في العراق) الذي يأتي حاليا ومبدئيا في الثلاثين من حزيران يونيو من كل عام بوصفه مناسبة أكثر من مهمة في تعميد اشتغال العراقيات والعراقيين بتطبيع الأوضاع وتمتين جسور العلاقات بين المكونات على أسس المواطنة والأنسنة وسلامة أسس العيش المشترك كما شعوب الأرض المتقدمة وعيا وإدراكا لعلاقاتها البينية ولعلاقاتها ببيئتها أو بيتها الوطن..
ومعروف أن تلك العلاقة تنبع من التمسك بتوفير أجواء البناء وإطلاق مسيرة التقدم والتنمية بوصف ذلك أداة الجميع للعيش بكامل الحقوق والحريات وبتمام الروح الإنساني الأنجع للعيش بحرية وكرامة..
لقد اختارت الشعوب طريق السلام مثلما اختارت التعايش السلمي ونبذ أشكال التمييز والعنصرية ورفض تفوق هوية على أخرى وهذا بالضبط هو خيار العراقيات والعراقيين جميعا باختلاف الانتماءات القومية والدنية والمذهبية والعقائدية الفكرية السياسية والثقافية فخيار السلم الأهلي هو خيار عراق يمكنه أن يبني ويتقدم ويسمو بمهام التنمية إنه خيار كل أطياف المجتمع لممارسة وجودية أولا لهوية وطنية تليق بحماية مصالح المواطنات والمواطنين وترتقي بها لما يطمح الجميع معا وسويا بتعاضد جهودهن وجهودهم بلا استثناء أو تمييز..
وإذا كان خيار العراقيات والعراقيين بكل هوياتهن وهوياتهم الفرعية هو خيار السلم الأهلي معا وسويا فإن وسائل التعبير عنه، التي مازالت منزوية بعيدا عن كرنفالات الميادين بأسباب مختلفة، لا يمكنها إلا أن تظهر على تفاصيل الأداء اليومي للعراقية والعراقي في التصدي لأسباب العنف الطاغي في مسارات العيش ما يتطلب موقفا شجاعا جريئا بالضد من استسهال انفلات المشاعر نحو التعصب ومنظومته الانفعالية المندفعة والمتفجرة بصيغ مختلفة للعنف النفسي الاجتماعي والسياسي ومن ثم للعنف المسلح بصيغه الفردية والجمعية المغامرة بكل شيء لا توفر فيه فرصة لسلامة أو سلام يمكنهما من خلق بيئة تفهّم الأمور وتمكين التفاهم بين أطراف الوجود الوطني الذي يتداعى هدما بخلفية استمرار نهج العنف وأشكاله البسيطة العابرة منها والمعقدة الخطيرة..
السلم الأهلي قيمة عليا تستحق أن تكون خيار لتفاصيل أيامنا العادية جميعا وأن تؤسس لاستراتيجية وجودية هي الوحيدة الكفيلة بأن توجد بيئة لحمايتنا ومنع انتهاك الكرامة الإنسانية لأي منا.. وما نريده لأنفسنا لن يتوافر من دون أن يكون للآخر أيضا، أي أن الانتهاكات لن تتوقف مادام أي طرف في الوطن يحيا مهضوما مكسور الجناح..!
إن النداء الجوهري لليوم العراقي للسلم الأهلي يكمن في إعلاء رايات السلام والتعايش بين الجميع ومن دونه كل الأصوات التي تتحدث عن الانتصار على الإرهاب ستكون مجرد زعيق يصم الأذان مؤقتا لكنه لن يمنع ضجيج التفجرات وأصوات الكراهية وتفاقم مشاعر الحقد وعنفها المندلع بحرائق الصراع الدموي الكارثي.. لهذا ومرة أخرى يؤكد خيار العراقيات والعراقيين ليوم للسلم الأهلي أنهم اختاروا طريقا رافضا لما أوقعهم به أعداؤهم من مطبات مختلقة وفرقوا شملهم بتبريرات وذرائع وادعاءات لا أساس لها فالحقيقة تقول أن لا سلام ولا ديموقراطية يمكن تحقيقهما بالقوة المسلحة وبعنف ما تشتغل به من أساليب ومناهج ولكن بالسلم وبجسور العلاقات بهوية وطنية تقر بالتنوع والتعددية وترتقي بقيم الأنسنة يبدأ طريق النباء والتقدم والتنميةمنذ سنوات كانت مبادرة اليوم العراقي للسلم الأهلي قد انطلقت وأرادت أن تكون ككرة الثلج في نموها وتوسع أداء نهجها إلا أننا اليوم مازلنا ببواكير الطريق ومازال أمامنا مهام تعميد المناسبة وتعزيز برامجها ومحاور أدائها سواء بالشروع بكرنفالات ممنهجة أم بما يحيط بالمهمة من توظيف بنّاء لوسائل الإعلام والميديا ولصفحاتنا الخاصة والعامة نكافح معا كل أشكال استيلاد الخلافات والتناحرات والفتن ومسببات الكراهية والحقد لنأتي بالبديل في تمكين الوداد والإخاء والتسامح وكل ما يكرس نهج التعايش السلمي..
ومن سيتبنى الرؤية لا نطالبه بالتغافل عن العنف ونهجه بل نطالبه بشف ما وقف وراءه وتسبب به بمعنى حاجتنا في اليوم العراقي للسلم الأهلي للتصدي لخطاب العنف وكل تبعاته ومحاور أفعاله التخريبية وبممارسة أروع قيم التسامح والمبادرة بها كونها المنطلق نحو تمكين خطاب الطمأنينة وتبادل الثقة والاحترام مع الآخر وفتح جسور الحوار بالإصغاء وبالتعبيير عن الذات بطريقة بناءة موضوعية سليمة..
ليعلو صوت ندائنا من أجل اليوم العراقي للسلم الأهلي بكل ما يعنيه من غايات سامية وما يتفتح به من نهج جديد بديل لما تسيد طوال العقود المنصرمة..
وليكن الشعب العراقي بأطيافه جميعا صاحب كلمة إنسانية سامية في خيار السلم الأهلي ونهجه نموذجا يُشار إليه بزمن عالمنا بحاجة لكبح جماح أصوات الحرب والعنف في العلاقات ومثلما انتصرت جنوب أفريقيا لنهجها البديل بالتسامح وإعلاء الحقوق والحريات وقيم التعايش فإن العراق بلد الحضارة والمدنية وقيم الأنسنة والسلام ومن ثم قيم البناء والتنمية هو الأجدر بحمل توصيفه بخيار السلم الأهلي وكل تفاصيل ما يعنيه من ابتعاد عن نهج التسلح برصاص الموت وجهنمه باختيار التسلح بقيم التعايش السلمي ومبادئه ومناهجه السامية
هذا النداء إلى كل عراقية وعراقي كي يكون البدء بمناهج العيش بتفاصيل اليوم العادي وإلى كل قوى التقدم والتنوير بتفاصيل ما تختار لاستراتيجيتها الجوهر والمنطلق وجوديا وإلى الأطياف والمكونات وهي تلوذ بقيم العيش الأنجع على أساس من قيم التسامح ووسائل تحقيق العيش الحر الكريم
كل عام وأنتم الأقرب للعيش بكرامة وبتمام الحقوق والحريات في ظلال السلم الأهلي وليس بخنادق الاستعداد للاقتتال والاحتراب ومزيد نكبات!!
فلنحيا معا وسويا بظلال السلم الأهلي
المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن
***************************
اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/ تيسير عبدالجبار الآلوسي
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير