الصحافة العراقية احتفالية للفرح أم للاحتجاج والتطلع لاستعادة حقوق المهنة وسلامة الاشتغال

يعود اليوم العراقي الذي يؤرخ اختياره لاحتفالية الصحافة ووقفاتها السنوية للمراجعة وقراءة المتحقق والمفتقد سواء ذاتيا بنيويا في خطى الصحافة والإعلام أم موضوعيا بما يحيط بها وسلطتها والحق في التعبير الحر والوصول إلى المعلومة وكشف الحقيقة.. يعود مجددا وطعم التهاني لمن بقي حيا ممن تتمسك ويتمسك بأصول المهنة ومحددات منظومة عملها وأخلاقياتها تختلط بالمرارة والألم وعميق الحزن والأسى على مئات شهيداتها وشهدائها وما قدمت من تضحيات جسام دع عنكم ظروف العمل سواء بالقمع والمصادرة للحقوق والحريات أم بتكميم الأفواه وخلق الرقيبين الداخلي والخارجي وأسيافهم المسلطة على رقاب الكلمة الحرة.. هذه كلمة موجزة في أجواء الاحتفالية السنوية دفاعا عن حرية الكلمة حرية التعبير وعن حق الوصول للمعلومة وتأمين ظروف عمل الصحفيات والصحافيين ومنع جرائم الابتزاز والتخريب والتدمير الواقعة بحق ممثلي السلطة الرابعة

الصحافة العراقية احتفالية للفرح أم للاحتجاج والتطلع لاستعادة حقوق المهنة وسلامة الاشتغال

منذ أكثر من قرن ونصف القرن، والصحافة العراقية تحتفل باختيار الـ15 من حزيران عيداً لها. وبغض النظر عن وجود مناسبة أقدم لصدور صحيفة عراقية مطلع القرن التاسع عشر فإن اليوم يبقى مناسبة مهمة للصحافة العراقية لإلقاء نظرة على مجريات مسيرة سنة أو أكثر من التطورات و\أو العثرات المحبطة المسيئة لهويتها وطنيا مهنيا..

إننا ندرك كم هو أهمية العمل الصحفي كونه السلطة الرابعة في أي بلد يحترم إرادة الشعب وسلامة مؤسساته الوطنية وتعبيرها عن إرادته وتطلعاته.. وعبر هذه السلطة [الرابعة] يتم تحصين السلطات الأخرى برصد يمثل صوت الحقيقة، صوتا شعبيا يتابع مسيرة إدارة استراتيجياته..

إلا أن العراق، مرّ بمتغيرات سياسية ونُظم مختلفة زيف أغلبها حقيقة السلطة بتقديمها  بصور براقة مما لم يرَ الشعب من ذاك البريق لا قوت الأبناء ولا حرية الآباء وتحولت بعض مؤسسات صحفية لدكاكين استعراضية تزوّق الأوضاع أو تمرر ما يفرغ التوتر ببضع مفردات مما يُسمح لها بقصد التلميع والتفريغ كبحا لتنامي عوامل الرد الشعبي…

في أجواء الملكية وما بعد الجمهورية الأولى لم تشهد الصحافة إلا عسفا واضطهادا  وظروفا من القسوة والعنف وبضع أضاليل منثورة هنا وهناك باستثناء أصوات محاصرة مصادرة تعود لصحفيين مكافحين مضحين أو لصحافة حزبية حاولت بصورة أو أخرى أن تسجل رؤى الوعي بالشخصية الوطنية وطبعا بحدود برامج هذا الحزب أو ذاك..

 وبينما يتطلع العمل الصحفي الحرية في التعبير نجد أن ((حرية التعبير)) ظلت مصادرة عراقيا بالخطاب السياسي للسلطة الاستبدادية ونظام حكمها حيث تعرض الصحفي للاعتقال والفصل والطرد من مؤسسته نتيجة أي مادة يكتبها صحفيا إعلاميا. والرقابة مقصها كانت ومازالت منتعشة وسط العمل بالمؤسسة الصحفية أو الإعلامية بالانتساب لفلسفة الخضوع المطل لرؤية بعينها تقدم مصالح سياسة النظام أو الحزب على الإرادة الحرة للصحافة بوصفها الركن الأساس لوجود تلك المؤسسة ومنتسبيها.

وفي ظل ظروف ما بعد 2003 تعاظمت مصادر الحظر والمنح وكبح الحريات الصحفية فالنظام وارتباطاته ومرجعيات قوى المحاصصة التي تتحكم بمساراته سواء الإقليمية أم الدولية وافتقاد (السيادة) بصور شتى للتبريرات وذرائع الارتباطات وسّع من أسباب المصادرة والحظر..

وبمستويات أوسع محليا يأتي الدور الميليشياوي ليمارس نهجا ويرتكب جرائم أكثر كما ونوعا من تلك التي ارتكبتها قوى بوليسية لكلاب النظم الدكتاتورية وبات أي تعبير عن موقف يمس ولو من بعيد طرفا ميليشياويا يعني تعجيلا باغتيال صاحبه.. وليست المافيات والعصابات المنظمة للمخدرات ولغيرها من قوى الاتجار بالبشر ببعيدة عن فرض السطوة وحجب حريات الصحافة والإعلام..

ونحن وجموع الصحفيات والصحافيين في العراق نشهد ما مورس من الضغط المالي حيث قطع مصادر العيش والعمل على أي صحفي أو إعلامي يخرج عن المسار المخطط له سواء من النظام وأجهزته القمعية أم من أصحاب الامتياز وأحزاب تتبع لها الصحيفة أو لاحقا القناة.. ولطالما تحول الصحفي إلى عاطل عن العمل فور تعرضه لعدم الرضا وسخط المصدر المالي للمؤسسة مع عدم توافر أية ضمانات لعيشه بظروف البطالة..

إن الاحتفالية بعيد الصحافة العراقية مازال يجري أما لعناصر مشوهة تتبع أطراف سلطة الأمر الواقع سياسيا ماليا بمعنى سلطة المصادرة وتحديد الشروط المسبقة لأطر العمل بما لا يتعارض ونهج النظام وهو ما ينطبق على الأوضاع اليوم بصورة جلية أيضا، على الرغم من حجم الادعاءات والذرائع التي أعقبت المتغيرات الراديكالية في العام 2003..

إذ أن الشعب لم يحظ سوى بالحرمان ومزيد التشظي والتشرذم أما الصحفي العراقي فلم ينل في ظل المنظومة المعقدة السائدة والمتحكمة أية حرية يمكنها أن توفر بيئة سليمة لعمله المهني ولا تلك السلطات الحاكمة وآلية سطوتها سمحت بأية فرصة للحصول على المعلومة.. ومن يغامر من الصحفيين أو الإعلاميين بالحصول على معلومة فإن الضريبة لن تكون أقل من الاغتيال والتصفية الجسدية وهو ما أوقع ضحايا وسط البيئة الصحفية والإعلامية بمئات من خيرة الصحفيات والصحفيين وهكذا ظهر جيل آخر من الطارئات والطارئين على الصحفي ودكاكينهم التي باتت أداة خطيرة لأضاليل تلك القوى النافذة في المجتمع والدولة..

لقد جابهت المؤسسة الصحفية ظروفا معقدة حتى أغلق كثير منها ودفع العاملات والعاملين لميادين البطالة والتعطل دع عنكم ما فرض ذلك من انحراف لدى بعضهم وخضوع لنهج تخريبي مفضوح..

إن موضوعة الحاجة المالية بخلفية نسب البطالة من جهة والضغوط باختلاف مصادرها وأسبابها باتت سلاحا للابتزاز والقهر وإخضاع الصوت، فعن أية حريات صحفية يمكن أن يتحدث (محتفلون) اليوم وعن أية سلطة رابعة واشتغالها إذا ما قرأنا المشهد بأوسع ميادينه ومساحات اشتغاله!!؟

لم يبق مجددا سوى الصحافة الحزبية ومؤسساتها للعمل في ظروف الصراع الملتهب سياسيا برفقة الانفلات الأمني والإفلات من العقاب بخاصة مع توجهات حكومية لاستدعاء أي صوت صحفي أو إعلامي يمارس مهامه مؤمنا بحرية الكلمة وتقويم العمل العام بمعالجة الثغرات ومحاولة اقتراح البدائل.. دع عنكم أنه يعمل بظروف منع المعلومة وحظر الوصول إلى مواضع الخلل في عمق المؤسسات المتحكمة بتفاصيل اليوم العادي للعراقية والعراقي..!!!

إذن فلقد بتنا في أجواء ترهيب تخلق أكثر من الرقيب الداخلي ومقص الرقيب المسؤول عن المؤسستين الصحفية الإعلامية بجانب تعتيم مطلق على مشاغل المؤسسات العامة والخاصة في ظروف تتفشى فيها حال الفساد الذي وضع البلاد في قمة بلدان العالم فسادا وبمستويات ولوج مافيات دولية عابرة للحدود ولا دور جدي  في حماية الصحافة الاستقصائية بل الصحفي يقع ضحية المقاضاة لمحاولته كشف جريمة أو خلل أو ثغرة فيما يواصل النافذون إفلاتهم من العقاب ويعيشون في المهاجر بل في البلاد بلا من يقول لهم على عينك حاجب..

من هنا تنتعش الدكاكينية وسط المهنة ومن هنا تنتعش أصوات التخريب والتضليل وتتعاضد مع مجمل ما يقع للمواطن ما يديم دورة إنتاج الخراب ومصادرة شروط العمل المهني الحر المتمكن بوقت تُدفع وجبات إثر أخرى من الخريجات والخريجات بلا فرص عمل صحية صحيحة وبالعكس يجري تسريح العاملات والعاملين أو يتعثر تأمين رواتبهم ومكافآتهم ما يوقع أشد الأثر السلبي على هذه الفئة المجتمعية وسلطتها السامية..

إن حرية الكلمة هي مقدمة رئيسة وبنيوية في الديموقراطية وتعميد سلطة رابعة بضمان أكيد لشروط سلامة عملها ولأداء الالتزامات المهنية للصحافة والإعلام بإبعادها عن الخضوع لأية سلطة أو ضغط لأية جهة خارج سلطتها وشروط أدائها الواجبات المهنية

إن الخضوع المرضي لأطراف سياسية حزبية ولنهج سلطة الفساد والقمع يتعارض وشرط بناء المجتمع الصحي المنتمي لعصر الحقوق والحريات وهو خضوع لا يعني سوى المصادرة وتكميم الأفواه بل اختلاق البديل المضلل وما أوسع نسبه بيومنا وظروف البلاد والعباد..

إن العراق لا يملك تشريعا نافذا في ظروف فشل الدولة في تطبيق المتاح منها وفي معالجة ثغرات تتطلب الاستجابة وسد منافذها دع عنكم حماية الصحفي في عمله وحمايته في تبطله نتيجة ما يتعرض له من طرد وفصل واستبعاد طبعا عدا عن أن السلطة من واجبها الدفاع عن حقه ومنع إرسال دفعات أخرى إلى جيوش البطالة

وبهذا المشهد تؤكد كلمتي الموجزة أن الصحفية والصحفي ومثلهما الإعلامية والإعلامي يجابهون أوضاعا استثنائية قد لا يواجهها غالب العاملات والعاملين في الصحافة والإعلام عالميا ومن هنا مؤشر وضع العراق بين الأخطر في هذه المهنة وهو المؤشر الذي يكمل المشهد مع غيره في كون العراق بمنطقة تظل بحاجة لقبول إرادة التعبير التي أطلقتها انتفاضة شعبية واسعة كانت الصحافة في قلب ذاك الحراك الشعبي يومها لتتراجع بالحديد والنار من ميليشيات ومن غطاء حكومي دخل معركة قمع إرادة التغيير

..

تحية لمئات شهيدات وشهداء الحركة الصحفية ما لم يحدث طوال عمر الدولة العراقية ولكنه وقع وقوع صاعقة خراب ومقاتل بحقهم في عقدين وإن الصحافة العراقية إذ تحتفل اليوم فإنما تحتفي أولا وفوق كل شيء بحجم ما قدمت من تضحيات جسام ربما لم يقدمها غير العراقي بذات الظروف

تحية للعاملات والعاملين اليوم وهن وهم يسيرون على حد السيف بمجابهة مخاطر مهولة

ولتبق الصحافة العراقية عنوانا للالتزام المهني وللدفاع عن السلطة الرابعة وحقها في ممارسة مهامها وواجباتها المهنية بما يعيد الاتزان والسلامة ويهيئ للتغيير المنشود لمصلحة بنات العراق وأبنائه جميعا بلا استثناء..

المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن

ملاحظة:  أعتذر لتأخر نشر المعالجة ولحذفي محاور كانت ستتناول صحافة المرأة والطلبة والطفل والصحافة التخصصية عمالية وفلاحية وغيرهما وما جابه ويجابه ميدانيا تلك الصحافة من تعقيدات المنظومة السائدة وأهنئ بالمناسبة جميع العاملات والعاملين وهم يخوضون معارك المهنة دفاعا عن بنية صحية سليمة وعن دور وطني لسلطة رابعة حرة مستقلة ولجهود الصحفيات والصحفيين بصحافة المنظمات والأحزاب وإلى جميع أولئك الذين اضطرتهم ظروفهم لترك المهنة بسبب البطالة وتعسف الفصل والطرد وإلى المعتقلين بخلفية العمل المهني الصحفي المتخصص وإلى كل المخلصات والمخلصين في هذه المهنة ممن لم يسمحوا لملوثات الزمن أن تقتحم خطابهم الأبي الرافض للدجل والتدجين وأشكال التزويق للانتهاكات الجارية.. لابد من توكيد أن الأوفياء مازالوا ويبقون بمنطقة عصية على التخريب والتشويه فهم جزء من حركة الشعب.. مجددا أعتذر لتلكؤي لظرف خاص وأنشر جانبا من المعالجة مشاركةً لأحبتي من الصحفيات والصحافيين ومجمل العاملات والعاملين في الصحافة والإعلام وإلى أعوام من الخير تكون كسبت معارك مهنية متخصصة فتساهم برائع إشراقتها في تقريب الأداء لديموقراطية يستحقها العراق وأهله

***************************

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *