الأسرة نواة مجتمعية لرعاية الإنسان وحمايته والتأسيس للتنمية

اتخذت المنظمة الأممية قرارا باعتماد اليوم الدولي للأسرة في منتصف مايو آيار من كل عام وذلك انسجاما مع استمرار نهوض الأسرة بمكانها ومكانتها في مسيرة المجتمع الإنساني برمته ومن كونها مؤسسة اجتماعية تمتلك فرص المساهمة إيجابا أو سلبا بالتنمية وبمجابهة مهام يطرحها المجتمع عليها وعلى وفق الظرف الخاص بالأسرة في هذا المجتمع أو ذاك.. وفي المجتمع العراقي باتت الأسرة بظروف جد متدنية من افتقار لحاجات مادية وروحية ومن مجابهة معضلات مستعصية مزمنة ومستجدة عرقلت أدوارها التنموية وكبحت فرص مساهمتها بمجابهة أسئلة الواقع العراقي الجيد وشغلتها تلك الضغوط عن وجودها الذي بات مهنزا مضغوطا بما يهدد بنيتها وأي شكل لاستقرارها.. فهل يمكننا أن نبني أرضية مناسبة لرعاية الأسرة ولتفعيل دورها المجتمعي المنشود؟ هذي محاولة لتثبيت بعض محاور تخص الأسرة والاحتفال بيومها أسوة بالاحتفال الأممي به ..

الأسرة نواة مجتمعية لرعاية الإنسان وحمايته والتأسيس للتنمية البشرية وحل ما يعترضها من أسئلة وعراقيل

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

منذ بدء المجتمع الإنساني كان للأسرة ولادتها ووجودها بصيغ أموية نسبة لرأس الأسرة الأم وأطفالها أو الأبوية بعد تقسيم العمل المختلف عن بداياته وحدوث متغيرات بنيوية، منذها كانت الأسرة تتشكل وتتحول إلى أن تكون النواة المجتمعية. ومع ما أشارت إليه الدراسات السوسيولوجية من مراحل الأسرة وتحولات أنماطها، بات لها تحديات ما تشهده في القرن الحادي والعشرين. وباتت صيغ العلاقة فيها، متأثرة بقوة بمتغيرات أيكولوجية بيئية بمختلف المستويات..

ولربما كان للأسرة قواسم مشتركة في مهامها بمختلف أنواعها لعل أبرزها:

  1. بناء العلاقة الزوجية على أساس من الاحترام المتبادل؛ وتوفير الاستقرار والأمن العاطفي الانفعالي منه والنفسي وهذا يشمل جميع أفرادها.
  2. إدامة الوجود الإنساني، يعد حتى يومنا من أبرز وظائف الأسرة، الأمر الذي يتم بحفظ النسل أو التكاثر البيولوجي وإنجاب الأبناء..
  3. المساهمة البنيوية في التنشئة الاجتماعية ورعاية نمو الأبناء لحين استقلالهم، وبهذا تتحمل الأسرة مهمة تنشئة الأطفال، رعاية المرضى وذوي الإعاقة من أفرادها.
  4. تكون الأسرة المظلة لتلبية المتطلبات الأساس التي توفر حياة كريمة لأفرادها، بتوفير المأكل والمسكن والملبس.
  5. تسعى جاهدة لغرس منظومة القيم الأخلاقية السلوكية التي تحمي النظام العام وتهيئ شروط الاستقرار المجتمعي وضمان استمراره.

وإذا ما تابعنا جديا موضوع الأسرة عراقيا فإن الأمس غير البعيد كانت فيه حال الثقة داخلها وبينها وبين الآخر سببا في تعاضد مجمل الجهود في مسيرة قيمية سامية بناءة وإيجابية.. إلا أن توالي الحروب والأزمات ومتغيرات أشرنا إليها للتو قد أحدثت شروخاً خطيرة في أوضاع الأسرة العراقية.. لعل من بينها:

  1. تزايد التزويج القسري بخاصة للأطفال لمختلف الأسباب وبالتحديد بنسبة واضحة لمن هن وهم دون السن القانوني وبمرحلة الطفولة ما دفع لظواهر ضبابية فهم المسؤولية الجديدة في حياة المتزوجات والمتزوجين وبينهم أنفسهم الأمر الذي أوجد شروخا في التفاهم والاتفاق..
  2. تصاعد حال الخلاف والافتقار للثقة بين الطرفين بخلفية اختراق الميديا والهواتف الذكية للحياة الشخصية والعائلية وحلولها بديلا في ملء فراغ انعدام الثقافة الكافية في معالجة ما يجابه الزوجين..
  3. وفي ضوء الخلافات وفقر الوعي وأسباب اقتصادية واجتماعية، نلمس تفاقم نسب الطلاق ونسب تمزق العوائل وتشرذم الأعضاء وضياع منصات الاستقرار لهم..
  4. كما تفاقمت الحاجة الاقتصادية وهزال الموارد وصعود نسب الفقر ما دفع لتعميق الخلافات واللجوء للعنف مع بروز ظواهر العنف الأسري وتعنيف النساء والأطفال بخاصة في ظل غياب التشريعات اللزمة لمعالجة تلك الظواهر..
  5. وتحت وطأة مجمل الضغوط السائدة اندفعت نسب غير هينة نحو المخدرات وأشكال الإدمان باختلافها ما هيَّأ الظروف لتعقيدات غير قليلة كونها سببا بنيويا لمعضلات مستفحلة على حساب الأسرة..
  6. كما أن اختلاف ثقافة الأجيال وهزال إدراك الظروف العامة والخاصة فتح الأبواب على مصاريعها أمام اضطرابات اجتماعية عميقة الغور حفرت خنادق وأعلت سدودا وأسوارا بين جميع أطراف الأسرة..
  7. اختلاف منظومة القيم الإنسانية العائلية أو الأسرية منها مع فرض جملة تناقضات بخاصة ولادة ظواهر ازدواجية المعايير وتباين الأفعال عن الأقوال وما يغطي عليها ويتستر على تمريرها أضار بنية الأسرة واستقرارها..
  8. أزمات المجتمع تنعكس على الأسرة والأسرة الممتدة أو العائلة ولعل أخطرها حال الانقسامات القومية والدينية والمذهبية وتحولها لتخندقات طائفية مصطرعة ما فتح أعمق الثغرات في تلك الأسرة..

إن عراق اليوم وقواه التنويرية يجابه فروضا نوعية في تناول تلك القضايا التي نتحدث عنها اليوم بشأن الأسرة في ضوء استراتيجيات العمل الاقتصادية الاجتماعية والسياسية ومحاور شعاراتها ومناهج معالجة شؤونها.. إذ أن تلك القضايا الكبرى ليست معزولة الأثر وإذا ما أمعنا النظر مثلا بموضوعة البطالة أو الفقر أو انعدام الأمن الغذائي وانتفاء توافر السكن اللائق أو الملبس المناسب فسنجد كيف تؤثر تلك الحاجات والافتقار إليها فتدفع مرة للعنف ومرات للخلافات التي أفضت وتفضي للانفصال والطلاق إن لم يكن الفعلي فما نسميه الطلاق الروحي الذي يقع على فئة بعينها..

إن المسؤوليات التي يتحملها المرء اليوم ومنها بمجابهة قضايا المتغيرات البيئية المناخية هي ذاتها التي تسائلنا بوصفنا أسرة أو عائلة ما يتطلب إنضاج ظروف تأسيس الأسرة وتمكينها من الاستقرار وتوفير الحاجات الضرورية للعيش الكريم وحماية ورعايتها ما يتيح تلك الحماية بتعاون الأزواج ومجموع أفراد الأسرة.. هذا بجانب إعلاء قيم الوعي وثقافة قيمية معاصرة لا تسمح بضياع أفراد الأسرة أو بعضهم ولا تحرمهم حرياتهم..

وفي ضوء هذا بمجمل محاوره أعلنت الأمم المتحدة يوما دوليا للاحتفال بالأسرة لأنها مازالت المؤسسة الاجتماعية التي تعد ركيزة بنيوية للمجتمعات واستقرارها.. وهو ما يتطلب من كل بلد عند احتفاله بالمناسبة أن يستكشف ظروف موضوع المناسبة وهنا الأسرة فهل وفرنا السكن؟ الملبس؟ الغذاء؟ الحاجات المادية والروحية للأسرة كي نطالبها بأن ترتقي بمهامها وبمسؤوليتها في مجابهة متطلبات الحاجات التي تقتضيها تفاصيل اليوم العادي؟؟

إن أول مبادئ الاحتفال تفرض أن أذكر بأن تفشي الإدمان باختلاف مستوياته وأنماطه وانتشار المخدرات مع تفشي الجهل والأمية واختلال القيم الاجتماعية الأخلاقية السلوكية أدى إلى وقائع كارثية من قبيل العنف الأسري الأنكى من ذلك التحرش والاعتداء الجنسي داخل الأسرة او العائلة وما يجري التكتم عليه خوف الفضائح وأبعد من جميع تلك الوقائع المروعة هو قتل الضحية تخلصا من (العار)!!

وتلك بعض مؤشرات انهيار نظام الأسرة التقليدي على الرغم من أنها تبقى فاعلة حيوية ونواة سليمة إذا ما وجدت رعايتها الصحيحة الصحية.. وهذا هو مقصد الاحتفال بيوم دولي للأسرة..

إن معالجة هذا الحدث ومناسبته يأتي اليوم متزامنا مع الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة، الأمر الذي سيتضمن فعاليات مثل تقديم عروض بشأن الأنشطة  الإقليمية الكبرى للمنتدى الدولي للشباب بعد مرور 30 عاما، ومبادرات المجتمع المدني، فضلا عن تركيز على توصيات بشأن السياسات الأسرية لبما يخص العمل البيئي المناخي، عبر مناقشة تفاعلية ربما تكشف عن مضامين مطلوبة عبر محورين هما: “تغير المناخ والأسر” والآخر معنون بـ”المنزل والأسرة وتغير المناخ”.

ويبقى، في ضوء تلك المقولات الأممية، السؤال عراقيا مجددا كم هي حاجة البلاد وأسرها للمنازل؟ وكم هي المنازل غير الصحية وغير الآمنة أو تلك التي يجب إزالتها أما لأنها من العشوائيات أو لأسباب أبعد.. والأسئلة المستمرة تبقى بدائرة شائكة لكنها جد معقدة واجبة التفاعل والإجابة….

بصورة أعم وأشمل فإن مساهمة الأسرة في التنمية من جهة وفي التصدي لقضايا البيئة والمناخ لا يمكن من دون حل ما يجابه احتياجاتها أو يعرقلها من مشكلات وعقبات أبرزها وأخطرها مستوى الوعي في إدراك ما تجابهه ومستوى الاستجابة للحاجات الإنسانية ومستوى الخدمات الصحية والتعليمية وفرص سد الحاجة الروحية من خطابات الثقافة سواء آداب أم فنون سينما ومسرح أم غيرها  وهو كثير.. ومن هنا نضع فكرة الاحتفال بالأسرة العراقية كونه اليوم أولوية ونقترح على المعنيين التفضل بالاطلاع على الروابط المرفقة كونها مواقف المنظمة الدولية مما يختزن خبرات عريضة بالخصوص

***

للاطلاع على المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن 

***************************

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

 

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *