النبات وحيواتنا في العراق وفي عالم تعصف به المتغيرات المناخية

يصادف 12 مايو آيار من كل عام مناسبة دولية اتخذتها المنظمة الأممية لتكون اليوم االدولي لصحة النبات؛ وعراقيا يمثل هذا أمرا استثنائيا بصورة أكبر بسبب ما تعرض له النبات من إهمال بشأن الآفات التي غزت البلاد مثلما تلك التي خربتها واغتالت حيوات ملايين فيها.. وكيما نرتقي لمستوى المسؤولية وننشر وعيا مناسبا بالاهتمام بصحة النبات لابد أن نتجه لكرنفالات شعبية تعمق الوعي بالمهمة وتفرض إرادة شعبية بتغيير مناهج التعامل والمعالجة كي يعود العراق أرض السواد بما يستحقه شعبه من بيئة تلائم الحياة المستقرة الآمنة غير الخاضعة للتلوث والمرض ولأية تهديدات .. فهل سيكون يوم صحة النبات يوما لتذكر اليوم الوطني العراقي للنخلة واليوم الوطني العراقي لمواسم الحصاد التي احتفل بها السومريون وهل سنجد خطط استراتيجية لرعاية النبات وغابات أشجاره ونخيله وبساتينه؟؟ تحية لكل جهد فردي أو جمعي يحمل مهمة التوعية والاهتمام والتغيير وكل عام والعراق وأهله بحيوية العيش بفضل نفطهم الدائم الخضرة ومزارعها العامرة الحية 

العراق في اليوم الدولي لصحة النبات وتطلعات إلى حراك شعبي فاعل يفرض إرادته واستراتيجيات العمل به

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

اتخذت الأمم المتحدة من اختيارها يوم الثاني عشر من مايو آيار من كل عام يوماً لصحة النبات مناسبة للفت النظر إلى الأهمية الاستثنائية للنبات سواء في إنعاش الحياة البيئية عبر الارتقاء بالوعي بهذه القضية المهمة أم عبر اتخاذ الإجراءات الضرورية للحفاظ على صحة النبات ومن ثمَّ المساعدة في حفظ الحياة البيئية وتنوعها الإحيائي ولابد من التذكير بأنّ حماية صحة النبات وتوفير السبل الكفيلة بتلك المهمة هو ركن أساس من أركان الحد من الجوع ومعالجة ظاهرة الفقر سواء عبر التنمية الاقتصادية الشاملة أم تلك التي تعنى بالنبات وأدواره في حيواتنا..

وبالعودة إلى الإحصاءات العلمية التي تقرأ طابع الحياة ودورتها نجد أن النبات يساهم بنسبة 98% من الأوكسجين الذي نتنفسه ويملأ رئة الكوكب إدامة للحياة ونظامها البيئي ومن ثمّ الأمن الغذائي بوقت نجد مشكلات الاختلال الهيكلي في التعامل مع النبات سواء بإتلاف سقف الأرض ممثلا بغابات الأمازون أم بغيرها أو بالخراب البيئي المناخي الذي أوجد خللا خطيرا يهدد الحياة بمجملها وليس أمننا الغذائي لوحده الذي يسجل النبات حصة 80% من إطعام أفواه لإدامة الحياة..

إننا نجابه عالمياً ظواهر نقل الأمراض التي تصيب النبات من بلد لآخر ما يتطلب الالتزام بمحددات مفروضة بخلفية الاهتمام برعاية النبات وحمايته، بوساطة مكافحة أنواع الآفات التي تغزو برفقة التجارة المنفلتة أو التي لا تلتفت إلى المحددات والشروط المخصوصة عند أدائها..  

لقد مر العراق من بين دول العالم بظروف حروب لم تكتف باغتيال مئات آلاف مواطناته ومواطنيه، بل التهمت ملايين أشجار النخيل وغاباته كما هو حال الجنوب العراقي الذي مازال شاهدا حزينا على ما فعلته سنوات الثمانينات بغابات نخيل الفاو وعموم البصرة والبلاد وما بقي من تلك الغابات تُرك للإهمال عرضة لآفات النخيل وطبعا ذهبت معها بساتينها وأشجار الحمضيات وغيرها أدراج الريح!

وإذا كان العراق يملك أكثر من ثلاثين مليون نخلة بستينات القرن الماضي فإن ما تبقى من مثمر نخيله لا يتجاوز ملايين أصابع الكف ومئات أنواع التمور لم تعد كذلك ومراكزها البحثية موجودة باسمها بلا من يتبنى دعمها وجهودها العلمية البحثية الواجبة..

إن الرز العنبر العراقي بل مجمل المحاصيل الاستراتيجية كالحنطة والشعير وغيرهما لم تعد بذات القدرات الإنتاجية مرة للجفاف ومرة للخراب بطوفان سيول غير مسيطر على أسباب حدوثها حيث لا سدود تحميها أو تحتفظ بأمواه الأمطار المتذبذبة بهطولها فيما الحقوق المائية مُصادرة من جيران العراق بين تحويل اتجاهات أمواه الأنهر والجداول كما تفعل إيران وبين حجب الحصة المائية من نهري دجلة والفرات كما تفعل تركيا..

والعراق بين حانة ومانة التصحر وزحفه على الأرض الخضراء واقتحامه مناطقها وليس محاصرتها فقط من جهة وبين إهدار النزر اليسير المتوافر بانتهاج أساليب ري واستهلاك مفرطة من جهة أخرى..

النبات مثل البشر هنا من أشكال الوجود الحي المهدد بالفناء في ظل تلك الظروف البيئية المعقدة ومن ثم تهديد الحياة البشرية نفسها بالهلاك والفناء سواء بالموت أم بالنزوح والهجرة..

الكارثة أننا بدل مجابهة المشكلات المستعصية نترك سكان الريف ينزحون إلى المدن هربا أمام زحف المؤثرات المناخية البيئية فلا نقف على أعتاب تغيير ديموغرافي بسيط بل نلج مشكلات معضلة جديدة ستطاردنا هنا في المدن ودلالات الاكتظاظ وتهديده الحياة..

النبات يساوي الهواء الذي نتنفسه والغذاء الذي نتناوله ومن دون النبات لا حياة على كوكبنا حين نهمل حماية النبات في بلادنا نساهم بجريمة تهديد الحياة في الكوكب وحين ندقق بالتفاصيل بتسليط الضوء على نزوح سكان الريف وإهمال بيئتهم وتحديدا النبات هناك فإننا نهدد العراق وجوديا ربما العتبة الأولى ستكون باختلاف ديموغرافي بين المدينة والريف ولكنها بالخطوة التالية وهي ليست بعيدة ستكون باستهدافنا وجوديا بصورة كلية شاملة!

النبات ليست قضية هامشية لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولكن النبات قضية وجودية للحياة ولمصيرنا ومصير الكوكب..

النبات ليست مجرد نماذج من محاصيل بعمومها وأخرى استراتيجية ومن غابات الاتزان البيئي وغابات مثمرة منتجة سواء للغذاء كالتمر والحمضيات وغيرهما أم للخشب وثروته وما يرتبط به من استعمالات من بعضها على سبيل المثال لا الحصر ما يدخل بالصناعة إن أردنا الاستقلال بوجودنا وأن نكون مساهمين إيجابا لا سلبا في رعاية الحياة بكوكبنا وليس ببلادنا فكلنا نحيا بعالم واحد..

لقد ظهرت مبادرات عديدة عراقيا للاهتمام بالنبات من بينها يوم النخلة العراقية الذي تم الاحتفال به بصورة جد محدودة على الرغم من أهمية أن يتحول إلى يوم وطني يأخذ مكانه ومكانته بحسب أهمية مخرجاته ومثله احتفاليات تلفت النظر إلى مجمل النباتات المناسبة للبيئة العراقية بخاصة في ظروف المناخ التي يحياها العراق حاليا..

إن انطلاقة جديدة لاحتفالات الحصاد ومواسمه التي عاشتها الحضارة السومرية لآلاف السنوات والأعوام ينبغي أن تعود لتصير مهرجانات تحتل موقعها وسط التعبير المادي المحسوب اقتصاديا اجتماعيا والمؤمل بوساطة أدوات تعبيرية مثل أدوار الفنون والآداب وكرنفالاتها التي يمكنها أن تمنح النبات التفاتة مميزة مؤملة..

أيتها العراقية، أيها العراقي

لا تركنوا للرسمي الحكومي ولا لخطاب احتجاجي سطحي أو عابر ولكن كونوا بناة مناسباتكم وتمكينها من أن تكون نهجا مفروضا لا يمكن المرور عليه بدجل سياسة أو أداء حكومي أو غيره..

كونوا الأجدر كما شعوب العالم في رعاية أسباب الحياة فيكم وبيوتكم والقضة تبدأ من صغائر الأمور تتجمع وتكبر وتنمو تدريجا وكل خطوة ومبادرة حتى من احتفالية محدودة بجدران بيت أو آخر أو منتدى أو غيره، كل مفردة ستكون بوقت تال كرة ثلج ضخمة جمعت الإضافات فصارت وجودا نوعيا جديدا يستحقه البيت العراقي

نباتات البلاد أس جوهري للبيئة وتنوعها الإحيائي ولوجودنا قبل أن نفكر بنزوح وهروب فردي فنصب طاقاتنا بخدمة بيت ليس لنا ولن يكون لنا بعالم جديد يتضخم فيه التراجع لأسباب مختلفة

وعلى سبيل المثال استهلاك غابات الأمازون واستغلالها من شركات كبرى يقابله نموذج الزحف على غابات النخيل بالبصرة لصالح شركات أخرى تخنق البصرة مرة بمساكن غير صحية ومرات بمشروعات اقتصادية كاستثمار النفط واستخراجه مع حرق الغاز مثلما تجريف الغابات: فهل ذلك من أسباب الاستجابة لمطالبنا مما تطلقه جهات بوعود كاذبة أم هو مما يفضح ما ينتظرنا بعد حين!؟

حماية كل أشكال وجود النباتات من غابات وبساتين ومزارع ومسطحات مائية ومياه جوفية وأمطار وخزانتها الطبيعية والصناعية هي حماية حيواتنا الفردية والجمعية ومن دون النبات نفنى قريبا ليس بعيدا فهل نقبل الاستسلام ونركن إلى الخنوع أم نجد وسائل اهتمام بكل مفاصل حيواتنا ومظاهرها التعليمية والثقافية، الاقتصادية والاجتماعية الحكومية الرسمية والأهلية الخاصة المجتمعية الشاملة والفردية الخاصة.. ثقتي أن لفت النظر للخطر الداهم المختبئ خلف أبوابنا ربما يعني للمرء منا شيئا فيتحرك للمساهمة بدوره.. وثقتي بأن قوى التنوير وجمعياتها ومنظماتها ستتخذ منهجا مناسبا للتثقيف والتوعية وكذلك لاتخاذ إجراءات عملية لممارسة المتاح دفاعا عن الحياة وحماية ورعاية لها.

أعيد التذكير بأيام ومواسم للحصاد وللنخلة العراقية وللمحاصيل الاستراتيجية والنوعية ولبساتينها ولمشروعاتها تعود لتتمثل بجوائز وكرنفالات ومهرجانات سنوية مضافة تعزز الوعي الجمعي والفردي بهذي القضايا الحيوية الوجودية التي تعنينا جميعا

***

للاطلاع على المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن 

***************************

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

 

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *