رؤية مقترحة من الأستاذ ضياء طمان رفضا لمسرحة المناهج التعليمية ودور ذلك إن حدث في تخريب الاجتهاد بميدانيهما التعليمي والمسرحي نضع الرؤية بين أيدي المتابعين والمتخصصين كيما يُدلوا بدلوهم في مناقشة الرؤية المقترحة الموصى بها ليصل الحوار إلى موانئ الأمن والأمان بأجيالنا الجديدة في مهمة تعليمية ترتقي لمستوياتها الأصيلة ومنجزها المؤمل.. شكرا للأستاذ طمان على ما تفضل بوضعه في تعليقات مواد الألواح ونحن ننشرها بصورة مباشرة بالموقع لأهمية ما تتناوله بالمعالجة.. ألواح سومرية معاصرة
قولًا واحدًا: لا لمسرحة المناهج التعليمية
رؤيةٌ عاديةٌ لمبدعٍ عاديٍّ، وناقدٍ كذلكَ، ومتلقٍّ فذ
الأستاذ ضياء طمان
-مدخل: في عام 2001 نشرت مقالًا بجريدة الأخبار المصرية بعنوان(التعليم والتعلم والدروس العمومية). حاولتُ فيه فض الاشتباك الهائل المخيف بين التعليم وظاهرة الدروس الخصوصية- التي تحولت بالتقادم إلى عمومية- بقيمة التعلُّم. نَعَم.. وذلك بأن تقوم الدولة بحل مشاكل المعلم من الألف إلى الياء أو حتى إلى الباء. وعلى الشعب حل مشكلة تلاميذه وطلابه، بإعلاء قيمة التعلّم الذاتي، الذي يقوم فيه التلميذ والطالب- تحت لواء معلميه الفضلاء الأجلّاء الكامل- بتعليم نفسِه بنفسِه، بكل طرائق ووسائل ووسائط التعليم الذاتية العالمية المناسبة لمرحلته التعليمية. وذلك مقابل مَنحِ أبنائنا التلاميذ والطلاب إجمالي مبالغ قيمة الدروس- أو نسبة مناسبة كافية منها- التي يحصل عليها المدرسون، تحفيزًا لذلك التعلّم الذاتي، ومصروفاته. وتأسيسًا لقيمة الادٍّخار الدائم أو المؤقت، ليستخدم أبناؤنا تلك المدخرات الشهرية في مشترياتهم الخاصة، أو رحلاتهم، أو كيفما اتفق. وإعادةً لتوزيع دخول أفراد المجتمع. حيث يتوقف استنزاف دخول الأُسر، في تلك الدروس، بتحويلها برِضىً وسعادة لمِنَحٍ داخلية لفلذات أكبادها. وترسيخًا لقيمة تحقيق الذات بالبحث والكد والجد والدأب في نفوس أبنائنا وأحفادنا من الصغر. وهذا أهمُّ وأعظمُ وأجلُّ ما في التعلم الذاتي.
– وهأنذا أبدأ مقالي الجديد أيضًا، بالتعليم والتعلم، مُضيفًا إليهما التربية ،كمدخلٍ ثانٍ لفضِّ الاشتباك الرقيق بين مُوافِقي مسرحة المناهج التعليمية، ومُخالِفيه وأنا منهم. عساني بالمقالين، أكون قد قدمتُ رؤيتين عفيفتين، لقرة عيوننا الموقر.. الطفل.
“أنا جريءٌ جدًّا
والدليلُ: أنني للآنَ،
لمْ أَقُلْ يومًا للأعْورِ في عينِه،
أنه أعورُ في عينِه.”
-التعليمُ هو تحصيلٌ معرفيٌّ مباشرٌ للمتعلِّمِ، من آخَرين، يتعلمُ فيه المتعلمُ المحتوى التعليميَّ، الذي يقررُه الآخرونَ، بلا إرادةٍ منه. وتتكونُ وسائلُ التحصيلِ المعرفيِّ فيه، من منظومةٍ تعليميةٍ كاملةٍ متخصصةٍ أو أكثر، بالإضافةِ إلى وسائطَ تعليميةٍ عديدةٍ ومتباينةِ التأثير.
-والتعلُّمُ هو تحصيلٌ معرفيٌّ مباشرٌ للمتعلمِ، من آخَرين. أو ببحثِ المتعلمِ بنفسِه عن محتوىً تعليميٍّ مباشرٍ، يقررُه هو لنفسِه، بلا إرادةٍ من الآخرين. وتتكون وسائلُ التحصيلِ المعرفيِّ فيه، من منظومةٍ تعليميةٍ كاملةٍ متخصصةٍ أو أكثر، ووسائطَ تعليميةٍ عديدةٍ ومتباينةِ التأثير.
-أما التربيةُ، فهي تأصيلٌ سلوكيٌّ للمُتَرَبّي، من آخَرين، بوسائلَ مباشِرةٍ أو غيرِ مباشرةٍ بإرادةِ الآخرينَ، أو بإرادةِ المتربي كذلك. أو ببحثِ المتربي نفسِه بنفسِه عن محتوىً تربويٍّ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ، بإرادةِ المتربي وحدها. وتتكونُ وسائلُ التأصيلِ السلوكيِّ فيه، من منظومةٍ تربويةٍ كاملةٍ متخصصةٍ أو أكثر، ووسائطَ تربويةٍ عديدةٍ ومتباينةِ التأثير.
وفي مسعايَ التحفُّظي على مسرحةِ المناهجِ للأطفالِ، أيًّا كانت أعمارُهم؛ سأتجاوزُ الفرقَ الواضحَ بين مفهومِ التعليمِ والتعلمِ- ما دام التحصيلُ المعرفيُّ هو غايتَهما الواحدة. وذلك لتيسيرِ المقارنةِ بينهما وبين التربية. عسى أن نصلَ معًا بموضوعيةٍ ومَودَّةٍ- بتلك المقارنةِ- إلى ما أرمي إليه من مبرراتٍ منطقيةٍ وشعورية لهذا التحفظ. الذي أراه بالطبع تحفُّظًا إيجابيًّا، لصالحِ الطفلِ، ولصالحِ مسرحِه النبيلِ ومدرستِه الجميلةِ. واختصارًا للمقارنةِ المذكورةِ، التي تتمثلُ -بدون ترتيب -في: الغايةِ والهوية والوسائل والمردود والآفاق والمحتوى والتوجه والوسائط والنزعة والقياس والرؤى، وغيرِها من المحدداتِ، دعوني أقارنُ بين التعليمِ والتربيةِ فقط في كُنْهِ تأثيرِ كلٍّ منهما على الإنسانِ، التي أصِلُ بها مباشرةً إلى مبتغاي. وبجَلاء.. فنحن جميعًا نَعي أن التحصيلَ المعرفيَّ أو(التعليمَ) عقليُّ التأثير. أما تأصيلُ السلوكِ أو (التربيةَ) فوجدانيةُ التأثير. وبالعقلِ والوجدانِ تكمُن الإنسانية وتتكامل. لكنَّها لا تستَوي إلا بتثقيفهِما الثقافةَ الخاصةَ المناسبةَ لكلٍّ منهما. فثقافةُ العقلِ في ترشيدِه بالفعل. وثقافةُ الوجدانِ في تحريضِه على الفعل. نَعَم.. الثقافةُ فعلٌ ناطقٌ، لا ثرثرةٌ خرساء. وفعلُ ترشيدِ العقلِ عِلمٌ، وفعلُ تحريضِ الوجدانِ حُلم. ويظلُّ العِلمُ هو الركنَ الركينَ للعقلِ النابضِ الراشد. ويظل الحُلمُ هو الركنَ الركينَ للوجدانِ الحُر الحار. والعِلمُ تعليمٌ، والحُلمُ إبداعٌ. والمسرحُ هو أبو الإبداعِ والفنونِ وسيدُها، ومسرحُ الطفلِ أَوْلى بهذه السيادة. ذلك لأنه أولى بتثقيفِ وجدانِ الطفلِ الغضِّ من الكبير؛ الذي من المفترضِ أن وجدانَه قد جفَّ وتشبَّع واكتمل. فأصبح مُخَيَّرًا بين سُموِّه ودُنوِّه. بخلافِ الطفلِ صاحبِ الوجدانِ الشفيفِ المُسيَّرِ، المتوجسِ، المفتونِ ببراءته ونقاءِ سريرتِه وطهارةِ حواسِّه وضآلةِ خبرتِه. الذي نسعى إليه جميعًا بشرفٍ؛ لتثقيفِ وجدانِه الطليق. وهذا لا ولن يحدثَ إلا بمبدعين لا بمُعلمين. وإن كان التعليمُ والإبداعُ مُتَمِّمَيْن للإنسانيةِ السَّويَّةِ بِلا جدال؛ إلا أن استبدالَ وسائلِ التعليمِ ووسائطِه بوسائلِ الإبداعِ ووسائطِه أو العكس؛ لَهُوَ خطأٌ كبير. فالخلطُ بين العقلِ والوجدانِ، كخلطِ الزيتِ بالماء، اللذينِ لا يمكنُ خلطُهُما إلا بإضافةِ بعضِ المُستحلباتِ؛ التي تُجبِرُ بعضَ جزيئاتِها المُحبةِ للماءِ بالانجذاب لجزيئاتِ الماءِ، وتجبرُ بعضها الأًخرياتِ الكارهةِ للماءِ؛ بالانجذابِ لجزيئاتِ الزيتِ الكارهةِ للماء. ورغمَ ذلك، يعودُ كلٌّ من الزيتِ والماءِ أدراجَه، بَعد فترةِ الاسْتِبقاء. التي تعتمدُ على حجمِ كلٍّ منهما، ونوعِ المستحلب. ليبقى الماءُ -الأعلى كثافةً – حاملًا الزيتَ -الأقلَّ كثافةً- على رأسِه حُبًّا واعتزازًا لا بُغضًا ونُكرانًا، كما أشاعوا. وكأنني أرى الماءَ وجدانًا، وكأنني أرى الزيت عقلًا، وكأنني أرى المستحلباتِ، أولئك الحياديين الذين يحاولون دمجَ المنطقِ بالخيالِ، والعقلِ بالوجدانِ، والتعليمِ بالتربيةِ، والعلمِ بالإبداع..، الذين يحاولون مقايضةَ قاعةِ الدرسِ بقاعةِ المسرحِ.
ويبقى الشاهدُ بعد رحلةِ الزيتِ والماءِ، أنني لا أخشى على المسرحِ من التعليمِ، ولا على التعليمِ من المسرح. و جُلُّ ما أخشاه هو تأثيرُ تلك الازدواجيةِ على عقلِ ووجدانِ طفلِنا الوحيدِ، الذي يقفُ مَشدوهًا وحدَه بين هذا وذاك، مُفتقدًا بهاءَ مدرستِه وهيبتَها، وجلالَ مسرحِه ورَونقَه؛ فينصرفُ -مُرتَبِكًا – عنهما معًا؛ متحفِّظًا عليهما معًا، دون أن يصلَ بعقلِه الغريرِ إلى سببِ هذا الانصرافِ، ودونَ أن يرى بوجدانِه الوثير سببًا لذلك التحفظ.. هذا الانصرافُ وذلك التحفظُ اللذان دَفعاني للبحثِ والتأملِ مخلِصًا؛ فاكتشفتُ -بفرق الخبرة العقلية والوجدانية بيني وبين الطفل – وجودَ ذلك الكائنَ العجيب، الذي يرتعُ بعقلِه في مسرحِ الطفلِ، وبوجدانِه في مدرستِه دون تمييز؛ والذي يراه طفلُنا الأسيفُ -بودادِه – كائنًا عاديًّا مثلَه بلا أجنحةٍ، لكنه أيضًا بلا قلبٍ وبلا روح. فيستغربُه الطفلُ ويتجنبُه ويتحاشاه وقد يتنمَّرُ به، إنْ لمْ يكُن جهرًا، فَسِرًّا لا محالة.
ويُخطئُ من يتصورُ أنَّ مسرحةَ المناهجِ فرصةٌ لتبسيطِ المعلوماتِ، ولتحريكِ وتجديدِ هواءِ التعليمِ النظريِّ الروتينيِّ الساكن. فطفلُنا الخلّاقُ المنشودُ لا يحتاجُ لتبسيطِ معلوماتِه، بإلباسِها زِيًّا آخر. بل عليه هو -بإشرافِ معلميه الأشرافِ – أن يسعى ويبحثَ وينقِّبَ ويتقصّى( بعمقٍ وحُريةٍ) عن تلك المعلوماتِ النظريةِ والعمليةِ والمعملية. وذلك لن يتأتَّى إلا بتثقيفِ عقلِه ووجدانِه معًا كما ذكرت. ويعلمُ كلُّ المخلصين المهتمين المهمومين بالطفلِ، أنَّ تبسيطَ المعلوماتِ بإقحامِها بالدراما، هو نوعٌ من الإشفاقِ على الطفلِ، الذي هو وجهٌ آخر للتدليلِ المُخِلِّ له والتواطؤِ معه، وتملقِه وممالأتِه، التي قد تُرضيه مؤقتًا، لكنها تُقصيه عن الرضا الدائمِ حتمًا.
ويخطئُ كذلكَ كلُّ من يتصورُ من مبدعي المسرحِ، أن مسرحةَ المناهجِ التعليميةِ فرصةٌ لترويجِ مسرحياتِهم الممنهجةِ، ودرامياتِهم الذهنيةِ، التي غالبًا لا تحملُ في طَيّاتِها قِيَمَ الإبداعِ المسرحيِّ الفارهةِ، التي من المفترضِ أن تنضحَ بالجَيَشان العاطفي، الذي هو هديلُ الوجدانِ والمحكُّ الحقيقيُّ للإبداع.
وقد يستحسِنُ بعضُ المبدعين التربويين(المثاليين الوسَطِيين)، ويباركون مسرحةَ المناهجِ لبعضِ الموادِ المناسِبةِ للمسرحةِ، كمادةِ التاريخِ على سبيلِ المثالِ والحصر. لكن للأسفِ تظلُّ رؤيتي كما هي وتحفُّظي قائمًا كما هو. فخلافُنا استراتيجيٌّ رؤيويٌّ جوْهري. فَعنْ أي تاريخٍ وأي شخوصٍ وأي أحداثٍ وأي حَبكاتٍ ومعالجاتٍ دراميةٍ سنتمكنُ من توفيرِها وتضفيرها وتمشيطِها بخيال المبدعين؟! والتاريخُ لا يكذبُ، حتى لو جاءنا مكذوبا. وعلينا أن نُقدمَه للطفلِ كما هو، دونما تجميلٍ أو تقبيح. لَعلَّ الحقيقةَ تساهمُ في تحفيزِ ملكات الطفل النقدية. وهذا لا ولن يحدثَ إلا فقط بالوسائلِ والوسائطِ العقليةِ، لا الوجدانيةِ، التي قد تضيفُ أو تحذفُ وتبالغُ أو تُهَوِّنُ وتُعظِّمُ أو تحقِّرُ.. إلخ؛ طبقًا لخيالِ مبدعيِ العرضِ المَنُوطين ورؤيتِهم الإبداعيةِ، في عروضِ مسرحِ الكبارِ، الذين قد يمتلكون بعضَ الحقائقِ، التي تُسهمُ في تقييمِهِم للعرضِ المسرحيِّ المُتَخيَّلِ، سلبًا أو إيجابًا، مما يُثري العرضَ ووجدانَ متلقييه.
-وقد يتوقعُ مؤيدو ومريدو مسرحةِ المناهجِ، تحفُّظي كذلكَ على مسرحِ السايكو دراما. لكني على العكسِ تمامًا، أراني مُمتنًّا لذلك المسرحِ الدراميِ التراجيديِّ الخاص الشكلانيِّ، لمرضانا النفسيين الرُّقَقاءِ، الذين يُفرِّغون طاقاتِهم النفسيةِ السلبيةِ، فيما بينهم كممثلين مُكلَّفِين، وبين معالجيهم المُخرجين اضطرارا. فبين مسرحِ المنهاجِ العلميِّ الإعلاميِّ، ومسرحِ المأساةِ الدراميِّ النفسيِّ، أحداثٌ جَلَلٌ غائبةٌ كالشمس.
وتبقى لي كلمةٌ وصورة: إنَّ مسرحَ الطفلِ وإنْ تَحقَّقت وترسَّخت فيه كلُّ عناصرِ ومُقوِّماتِ الإبداعِ والنجاحِ، من فُرجةٍ ومتعةٍ وإثارةٍ وإبهارٍ ودهشةٍ في العرضِ المسرحيِ للطفلِ العربي في مسرحِ المناهجِ نسبيًّا، داخل قاعاتِ التعليمِ أو خارجها، أو حتى مُطْلَقةً في العروضِ المسرحيةِ الإبداعيةِ الطبيعيةِ للطفلِ، فأنا أرى أن كلَّ تلك العناصرِ مجتمعةً، لا ولن تكفي وترضي وتُشبع(الآنَ) وجدانَ طفلِنا الجديدِ المُغايرِ كما كانت. فَقَد رأيتُه ولا أزالُ -بفؤادي– وهو يبحثُ في كلِّ عُروضِه المسرحيةِ عن قرينِه الصالحِ، لا بطلِ العرضِ المُجَسَّدِ أمامَه. بل يبحثُ عن قرينِه الصالحِ المعنويِّ، الذي يحمي عقلَه من الإفراطِ ويقي وجدانَه من التفريطِ؛ ليظلَّ عقلُه عقلًا ووجدانُه وجدانًا، نَعَم..، هو لِذاتِه يسعى كمَا نسعى. ولا لخلطِ الزيتِ بالماء.
” البحرُ لا نيلٌ،
والنيلُ لا بحرٌ،
هذا مِلحٌ فُراتٌ،
وذاك عذبٌ أُجاج
نِعْمَ الغريمانِ هُما
نَعَم..،
نِعْمَ الغريمانِ اللذانِ لا يبغيان”
للتفضل بالاطلاع أكثر على منشورات الأديب ضياء طمان يرجى الانتقال إلى صفحته بالضغط هنا
***************************
اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركة النوير والتغيير