في 21 آذار مارس سيحتفل العالم باليوم العالمي لمكافحة التمييز العنصري على وفق القرارات الأممية ذات الصلة وهنا لابد للناشطات والنشطاء في مجال حقوق الإنسان من إعادة قراءة متأنية في تلك الوثائق من جهة وتسليط الضوء على أبرز محاورها والتزاماتها الواجبة كيما يجري تمكين مجتمعاتنا بكل مكوناتها وأطيافها من التعرف إلى الحقوق والحريات التي يمكن بوسائل سليمة سلمية أن تحمي الكرامة وترتقي بحفظ الحقوق والحريات والاستجابة لمبدأ المساواة ومنع التمييز لأي سبب أو ذريعة وبهذه المناسبة أسجل شخصيا مساهمتي المتواضعة بأمل أن تغتني بتفاعلات الحركة الحقوقية بخاصة في بلدان الشرق الأوسط وفي العراق حيث حال الاحتلال والتدخل الخارجي وما فرضه ويفرضه من تمييز أوقع أفدح الكوارث بشعوب المنطقة ومكوناتها وأشير هنا إلى الاحتلال الإسرائيلي وإلى التدخلات السافرة المقيتة لدولتي إيران وتركيا مثلما أشير إلى جملة من جرائم التمييز التي يتعرض لها أبناء شعبنا بمختلف الأسس والذرائع الواهية المقيتة.. فما العمل؟
التمييز وأشكاله بين مرتكبي جرائمه والمكافحين لكبحها ولوضع الحلول النهائية لها
د. تيسير عبد الجبار الآلوسي
عانت الحضارة البشرية منذ ولادتها الأولى من ثغرات جابهت المجتمعات في حينه؛ فكافحت قوى التمدن والأنسنة من أجل توزيع عادل للمهام ومنع حدوث أي شكل للتمييز في الواجبات والحقوق. لكن ذلك لم يمنع استمرار ظاهرة التمييز العنصري الذي عرّفته الأمم المتحدة بعصرنا على أنه: أيّ تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يكون من تبعاته تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساس أو التمتع بها أو ممارستها، بمبدأ المساواة، بجميع الميادين السياسية و\أو الاقتصادية و\أو الاجتماعية و\أو الثقافية أو بأي ميدان في الحياة العامة.
وتعمقا في قراءة مفهوم التمييز تجد الدراسات الراصدة أنه، يمثل التعرف إلى (الصفات و\أو الاختلافات بين الأشخاص أو الأشياء مع دفع الخيارات والعلاقات بين الناس للاستناد إلى تلك الصفات الشخصية. ويقوم التمييز أيضا على أسس أخرى، مثل لون البشرة أو الدين أو الفكر، وعموما عندما يحدث التمييز ((غير القانوني هنا حصرا))، فكثيرا ما يُوصف بأنه ارتكاب فعل مجرَّم وقع (ضد) أيّ شخص أو مجموعة من الناس وعلى حساب حقوقهما و\أو حرياتهما.
ولقد فتحت الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري باباُ قانونيا لشرعنة أية تدابير تسعى لتأمين التقدم الكافي لبعض الجماعات العرقية أو الاثنية المحتاجة أو لبعض الأفراد المحتاجين إلي (الحماية) ورفضت عدّ ذلك من باب التمييز العنصري طالما لم يأخذ طابع الاستمرار بعد تحقق الغاية الإيجابية منها. على سبيل المثال فإن المجموعات التي توصف بالأقليات أو السكان الأصليين كثرما وقع عليها ظلم الطغيان وانتهك حقوقها وجوديا كارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجينوسايد تتطلب إزالة آثارها تعويضات من نمط بعينه وهو أمر يتطلب موقفا أو تدابير تتناسب والجهد المنصب على إزالة آثار الجرائم الكبرى تلك من دون أن يكون ذلك تمييزا لحين الوصول لإنهاء آثار تلك الجرائم وهي آثار غائرة في الوجدان كما الحال مع جرائم إبادة حدثت بحق الكورد في العراق وأخرى من جرائم ضد الإنسانية مما وقع بحق الكلدوآشور السريان والإيزيديين والصابئة المندائيين لكننا مع الأسف نشهد تداعيات خطاب يقع الأول منه في منطق الشوفينية والاستعلاء والآخر عند النظرة الدونية والتهميش والازدراء تجاه المجموعات المهمشة حداً أباح لقوى السلاح المنفلت وعنفها (الإرهابي) أن تواصل الإيغال بارتكاب مختلف جرائم الاختطاف والاغتصاب والاعتداءات المسلحة الدموية على الإنسان وعلى الأعيان المدنية الخاصة به وبتراثه وثقافته وتوغل أكثر في جريمة تحجيم فرص العيش بحرية وكرامة وبمبدأ المساواة ما جعل أتباع تلك المجموعات والمنحدرين منها ينزوون قسراً في معاقل هي الأخرى باتت هدفا سهلا لجرائم يُزعم أنها تُرتكب باسم (أغلبية) ليس لها في تلك الجرائم لا ناقة ولا جمل ولكن الكارثة أن ذرائعية الجريمة تتخفى وراء تشوهات معتقدات مفروضة بديلا عن الإيمان الحقيقي لكل المجموعات المسالمة في تركيبة الشعب..
ولابد هنا من الإشارة إلى جهود أممية بشأن مكافحة التمييز العنصري بأشكاله، يأتي هذا العام باهتمام مخصوص بالرياضة وممارسيها وجماهيرها العريضة بمئات الملايين حيث تطفو بوضوح ممارسات عنصرية او تمييزية الأمر الذي تطلب ويتطلب موقفا حازما لمجابهة تلك التشوهات ومكافحتها كما في برامج اليونسكو التي تأتي شعار “دروب المستعبدين: المقاومة والحرية والتراث” المستمرة منذ عقود لخلق ثقافة إنسانية بديلة تقوم على احترام الكرامة وحظر ازدراء الإنسان لأي سبب عنصري أو تمييزي..
وعندما نشير إلى هذين المصطلحين وممارستهما سنجد أن العنصرية من الاتساع ما يجعلها تقوم على كونها أعمق أو أخطر نطاقا من التمييز؛ فالعنصرية هي: (الاعتقاد) بأنَّ مجموعة بعينها أرفع مستوى من مجموعة أو مجموعات أخرى. ويُعدّ التعبير عن العنصرية على شكل نكات (عنصرية)، و\أو بالافتراء أو ارتكاب جرائم الكراهية بعض أشكالها الفجة في ازدراء الآخر وامتهان كرامته وتسويغ الاعتداء عليه، وهذا ما قد يكون أحياناً، متجذراً بفجاجة ومبالغة أكبر في المواقف والقيم والمعتقدات (النمطية) بقوالبها الجامدة المتفشية الأمر الذي يمنحه اتساعا وسط حال التجهيل والتضليل.
غير أن التمييز على الرغم من أنه أدنى من العنصرية نفسها، إلا أنه يبقى متشعباً ومرتبطا بها بخلفية أشكال ظهوره وتعبيراته أو تمظهراته؛ من قبيل التمييز المباشر، التمييز غير المباشر، عدم إتاحة إمكانية الوصول، المضايقات بالوانها وأشكالها، استمراء التحرش الجنسي وتبريره تجاه من يُرتكب بحقه التمييز، مع إصدار التوجيهات الآمرة في ضوء منطق التمييز.. لنجابه التمييز العنصري بأشكاله القائمة على أساس العمر والإعاقة أو العجز أو النوع الاجتماعي أو الدين والمذهب أو الإثنية أو العرق أو الحالة الاجتماعية وربما يتبدى على أساس الحمل والأمومة وما إلى ذلك من مرادفات هذه الصور.
إنّ التمييز الذي يغزو المجتمعات بخلفية نُظم الشمولية التوتاليتارية العقائدية تتفاقم في ظلاله أزمات الإنسان الفرد من قبيل زيادة حالات التوتر ومن ثمّ التسبب بارتفاع خطر الإصابة بضغط الدم وأمراض القلب على سبيل المثال. ويدفع التمييز إلى معضلات نفسية مركبة معقدة مع تفاقم خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق المزمن وأشكال الضغط العصبي والاضطرابات العاطفية الانفعالية إلى درجة ظهور اندفاعات انتحارية أو الانخراط ببعضها فعليا.. على أن ذلك لا يبقى مقصورا محصورا بالفرد وإنما يتسع ويتفشى مجتمعيا ما ينجم عن تعمق الشكوك والظنون التي تستفحل معها أحوال الريبة بكل مستويات البيئة الاجتماعية وذلك أدعى لإحداث التمزق في نسيج المجتمع من خليته أو نواته العائلية وحتى جماعاته الفئوية والنوعية. على أن تلك الخطابات القائمة على التمييز تسبب بأخطر مشكلات التعامل العنصرية ومنها على سبيل المثال إطلاق العنان لكراهية الأجانب أو الآخر لأي سبب عنصري..
إنّنا متأكدون الآن بعد موجز النظرة التي سلطناها على العنصرية والتمييز للتو، من كونها سمات وممارسات تُرتكب فيها جرائم مختلفة نتيجة ظواهر (التحامُل) في تبني انتماء و\أو هوية مع التجاء للتماهي مع انتماء أو جماعة بعينها حصراً وهو الأمر الذي يجسد مقدمات التعصب الذي يدفع من جهة إلى الانقسام والكراهية ومن جهة أخرى يسوّغ شيطنة الآخر على أساس الاختلاف ما يتسبب بتفكك المجتمع الإنساني واختلاق الصراع والاحتراب المتفاقم حجما وأثراً كما كرة الثلج في نموه..
ولا ننسى هنا دور زعماء العنصرية والتمييز في بث السموم والضغط لإفشاء ظواهر الريبة بين أطراف مجتمعية وإلقاء اللوم على الآخر مع مفاقمة الهلع والخوف منه تبريرا للتمترس ضد وارتكاب أشكال التمييز تجاهه..
لاحظوا معي أن ظاهرة الفقر الذي يكاد يمحق البصرة العراقية وهي الأغنى بثرواتها المعدنية والزراعية وغيرهما يُلقى على الكورد بمحاولة لإثارة الحفيظة ضدهم وادعاء أن المشكلات الاقتصادية وحتى الاجتماعية ناجمة عن وجودهم الذي نعرف أنه تعرض باستمرار للهجمات القمعية ولجرائم كبرى مفضوحة.. فلماذا هذا التمييز!؟ الأمر لا يتعلق باختلاقه ولكن بما استدعى توظيفه واستغلاله وجلب تبعاته التي تعني فيما تعنيه حاجة زعماء التمييز لإثارة أشكال الشقاق تبريرا لاستمرار سطوتهم على مقاليد سلطة وما وراء ذلك!!
وحتى يكتسب التمييز وجوده المستفحل ويمنع أي مناقشة لمغالطاته وكوارث ظهوره ووجوده ينسبه زعماؤه وبشكل مفضوح إلى الأخلاق والأيديولوجيا بل إلى يوغلون في ادعاءاتهم ومزاعمهم بأن يكسونه بجلابيب عصمة الدين وقدسيته طبعا باصطناع خطابات مضلله مشوهة للدين نفسه مع استغلال ظواهر التجهيل وتشويهات منظومة التعليم ووسائل بناء الشخصية بطريقة مرضية مشوهة.
إلا أننا بعد هذه الجولة بين استدعاءات العنصرية والتمييز وأسبابهما الحقيقية وتبعات ظهورهما نسجل أن جملة من الوثائق قد تم اعتمادها من المجتمع الدولي والأمم المتحدة لمكافحة أشكال التمييز في عصرنا الحديث كان منها:
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري
- إعلان بشأن العرق والتحيز العنصري
- إعلان وبرنامج عمل ديربان
- الوثيقة الختامية لمؤتمر ديربان الاستعراضي
- اعتماد الإعلان السياسي في الذكرى السنوية العاشرة لمؤتمر ديربان
- قرار بإعلان 21 آذار / مارس اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري (A/RES/2142(XXI))
- قرار بإعلان أسبوع التضامن مع كفاح الشعوب ضد العنصرية والتمييز العنصري (A/RES/34/24
- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)
لقد جرَّمت تلك الاتفاقات والمعاهدات أشكال التمييز وهي تحاول توكيد ثقافة إنسانية بديلة على أساس إنهاء:
- أشكال التمييز العنصري والعرقي.
- وأشكال التمييز ضد الأشخاص من غير المواطنين المعروف أحياناً بكراهية الأجانب
- وكل أشكال التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي بضمنه الترهيب الذي يصل حد التصفيات الجسدية وما يمثل الوصمة الاجتماعية لمجتمعات بعينها.
- وعمل الأمم والشعوب على إنهاء التمييز القائم على أساس الطبقة الاجتماعية
- وإنهاء التمييز القائم على أساس الإعاقة
- وإنهاء التمييز المرتبط بكل تلك المشكلات التي تجابه النساء والفتيات من تمييز لمختلف أسبابه.
وفي ضوء ذلك طالبت الأمم المتحدة الحكومات والمجتمعات بمختلف أرجاء عالمنا بما نصه الآتي:
- التخلُّص من القوانين التي تنطوي على تمييز، وإطلاق سراح كل شخص يقبع في السجن بسببها.
- حماية كل شخص – أياً كان- من التعرُّض للتمييز والعنف.
- سنُّ قوانين ووضع سياسات تعزِّز الإدماج والتنوع في جوانب المجتمع كافة.
- اتخاذ الإجراءات الرامية للتصدي للأسباب الجذرية للتمييز، بما في ذلك رفض النمطية والمواقف والاتجاهات التي تشكل دُعامة التمييز.
المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن
***************************
اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/ تيسير عبدالجبار الآلوسي
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير