مر يوم التعليم شبه مغيّب أو مغيبا بالتمام ببعض البلدان بخاصة مع وجود تشوهات في استراتيجية رعاية التعليم أو التخطيط له.. ولعل توجه اليونسكو في تحويل التعليم إلى منصة بنيوية في التنمية البشرية وفي مكافحة التمييز والعنصرية وخطاب الكراهية مما يعد من أبرز أولويات التعليم في ظروفنا الراهنة تلك التي نشهد بانزلاق مجتمعات عديدة نحو العنف الفردي والجمعي المنظم ميليشاويا أو المنفلت في ضوء التفكك وخطاب الاستعداء والتنمر والكراهية وإثارة الأحقاد والضغائن.. فما موقفنا من إعادة تبني استراتيجية جديدة للتعليم في اليوم الدولي للتعليم؟ هل سنجد رأس الشليلة كما يقول العراقي في مبادرة التغيير؟؟ هذه معالجة موجزة في اليوم الدولي للتعليم الذي مر بالأمس بلا صوت يستحقه والإشارة للعراق تتضاعف وتتفاقم بخلفية ما يجري فيه وفي إدارة مسيرته منذ 2003 وحتى يومنا
اليوم الدولي للتعليم وإمكانات إنهاء خطاب الخرافة وتمكين خطاب العقل العلمي وفرص مكافحته خطاب الكراهية
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
تتفاقم لغة الاحتدام والعنف بمستوياته الفردية وحدود المجموعات الصغيرة بمختلف المراحل العمرية ومنها أبرزها تلك التي ترافق مرحلة التعليم من حيوات الأطفال والفتيان، وحتى تلك المظاهر التي باتت تتفشى وتتحكم بعلاقات المجموعات الكبرى والدول في تسيّد منطق الكراهية والعدوان مع تفاقم موجة صراعات عنيفة رفعت بشكل مثير نسب القلق من استفحال مشكلات خطاب الكراهية وأشكال التعصب والتمييز المتفشية فعلياً.
ولأن التعليم بخاصة بهذي المراحل المبكرة من نشأة الأجيال واكتسابها ثقافة بعينها، يمنح فرص إنضاج الوعي واستنارة العقل ومنحه منطق التفكير العلمي وإبعاد أي شكل للخرافة وسطوتها عليه، فقد توجهت دول العالم المتحضر نحو توظيف التعليم استجابة لنداء اليونسكو ومنطق التجربة والاختبار ليكون التعليم منصة أولى في غرس ثقافة السلام والتعايش بمنطق احترام الآخر ومبادلته الاعتراف بمبادئ العدل والمساواة ومنع التمييز والعنصرية تجاهه، وأبعد من هذا وذاك تجنب الوقوع بمطبات ارتكاب ممارسات العنف القائمة على التمييز والكراهية..
لقد أكدت المواثيق والقرارات المعتمدة من اليونسكو ومنظمات الأمم المتحدة على أن خطاب التمييز والانحياز والمنطلقات العنصرية إنما تمعن بخطاب الكراهية وتمكين أشكال العنف المادي والنفسي وخطابهما من التفشي الوبائي ما يُلحق الأذى والضرر المباشر وغير المباشر بالمجتمعات ومكوناتها وبينها وبين بعضها الآخر عند الاتساع بالنظرة إلى المخرجات..
وفي ذات السياق أكدت مخرجات مؤتمرات المنظمات المعنية أن الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي والأدوار الخطيرة للإعلام المنحاز قد غذت الأزمات بالكراهية خطابا عنفيا عدوانيا فهددت الأمن والسلم المحلي للمجتمعات والدولي للأمم والشعوب.. ولعل ثلثي مستخدمي النت قد تعرضوا لخطابات تمييز وكراهية وشكل من التنمر والعدوانية، وهو ما دفع نسبة تقارب 85% باتت قلقة من خطاب (أضاليل) طالما كان سببا في تسويق أو إفشاء أمراض الكراهية تلك..
إننا نؤكد مع اليونسكو أن التعليم بخاصة في مراحله المبكرة هو الأداة الأقوى وذات الأولوية في مكافحة خطاب الكراهية بتفكيكه وإيجاد سبل معالجته عبر وضع (المعايير) التي تحدد آلية نهوض التعليم بنشر مفاهيم السلام وقيمه وقطع الطريق على الاختلافات المثيرة للصراع والأزمات ومنطق العنف فيها بما يهيئ فرص إحداث التنمية البشرية سواء ببناء الشخصية أولا أم ببناء محيطها الموضوعي القائم على التنمية والتقدم، على أن مجتمعاتنا وإداراتها الحكومية والمدنية ينبغي أن تتخذ بدءًا من قوانين البناء وسياساته استراتيجية منهجية تفرض مهام أولها تطوير المناهج الدراسية وتغيير مفرداتها ووسائل اشتغالها..
إن مهمة مكافحة خطاب الكراهية تتطلب إذن تلك الاستراتيجية التي أشرنا إليها للتو اتفاقا مع خطط اليونسكو والجهات المعنية بالتحديد في توظيف إرادة التغيير باتجاه يزوّد المتعلمين بالمهارات والخبرات اللازمة للتعرف إلى الكراهية ومفرداتها وإلى الظلم ومعالمه وكيفية الرد عليهما بطريقة لا تجر القدم نحو العنف وتفاعلاته..
كما سيكون مناسبا ومهما التفكر بخطط إعداد المتعلمين من جيل التعلّم المدرسي، احترام قيم التنوع ومبادئ حقوق الإنسان، مثلما تعليمهم وتغذية منطقهم العقلي بآليات التعرف إلى الفروق بين خطابي (الكراهية) و (حرية التعبير عن الذات وعن التطلعات) بحدود ما تقبله الحقوق والحريات المثبتة في وثائق عالمية معروفة.
وبين قضايا المقررات الدراسية ومضامينها وآليات الحصول عليها وبين من يساعد في هذا من هيأة التعليم من المعلمين يكون إعداد المعلم وتدريبه ضرورة لا بد منها ليلعب المعلم دوره الرئيس في العملية التعليمية وفي مكافحة خطابات متفشية من قبيل التمييز والكراهية ومن ثم التنمر والعدوانية
لكن ماذا نقول بشأن بلدان تتسيد فيها خطابات العنف وصراعات اختلاق الكراهية والأزمات واستعداء الآخر بدل الاعتراف به واحترام وجوده بينما الواقع يمرر مصالح الأنانية والاستعلاء ودونية الآخر وتمكين حق طرف يأتي على حساب حق الآخر وليس على أساس تعايش الحقين ومساواتهما ؟
ماذا نقول والتعليم يجمد المقررات أمام منهجية نشر الخرافة وخطابها المتخلف مع إطلاق العنان لأولئك الذين يسمونهم معلمين وهم بلا شهادة أو بلا تخصص حيث يمنحون صلاحيات لأدعياء أو زاعمي أنهم دعاة دين وهم دعاة خرافة وإفشاء خطابات الصراع الطائفي وأشكال التمييز المحظورة باختلاف أسبابها؟
وماذا نقول حيث يسود التجهيل وتغييب منطق العقل العلمي وسطوة عنجهية التجاوز والأقوى وانتزاع المطالب والرغبات عنوة من الآخر ومن حقوقه وبالتحديد من حقه في الأمن والأمان والتعايش بأجواء السلم الأهلي؟
ماذا نقول تجاه منهجية تجنيد الأطفال إن لم يكن في ميليشيات ففي جماعات تغذي منطق العنف والعدوانية والتمترس خلف تخندقات مرة طائفية وأخرى مناطقية وغيرها على الجنس والطبقة وامتلاك الثروات المادية؟؟
إن نموذج العراق الذي تتفشى فيه سلطة قوى السلاح المنفلت من ميليشيات طائفية وعشائرية ومجاميع مافيوية وعصابات منظمة هي ما ينشر خطابه الذي يُعلي الكراهية والبغضاء والعداء والانقسامات المجتمعية وانقسامات بين الأفراد وحالات استعداء وتنمر في ظل هذه الأوضاع البداية تلزمنا بمكافحة هذا ((الفساد)) بمستويات التعليم المدرسي والجامعي، الابتدائي الأساس والعالي بما يعيد تنظيم وجود هذه المؤسسة وبنيتها ومنهجها ومستويات العمل وسلامته وسلامة خطابه المكافح جوهريا لخطاب العنف وجوهره المتمثل بالكراهية والتمييز..
لعل التعليم عندها يمكنه أن يلعب دوره الفعلي المناط به ويُبعده عن انحطاط منهج التلقين الكتاتيبي ويعيده نحو بناء شخصية الطفل وهو ينمو ومن ثم لتستقيم مسيرة التنمية البشرية برمتها بأسس موضوعية قادرة على كبح جماح الكراهية وخطابها الخطير..
فهل سنلتفت إلى أهمية إعادة دراسة سياساتنا التعليمية بصورة أشمل وأكثر جوهرية!؟
ذلك ما ينبغي لنا الكفاح من أجله سواء اعتمادا على قوى التنوير والتقدم أم على منظمات كاتحاد الطلبة العام أم على نقابات كالمعلمين وتفعيل سلامة النهج في التعامل مع المعلم المعد والمدرب على مهامه بالإضافة إلى كل تلك المحددات التي تحدثنا عنها اتفاقا مع إرادة اليونسكو من جهة ومع الأطراف المعنية أمميا وطنيا
المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=818410
***************************
اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/ تيسير عبدالجبار الآلوسي
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير