فقد العراق والعالم العربي اليوم عالماً جليلا من علمائه وقامة سامقة شامخة من قاماته ونخيله، فقد العراق والعالم العربي المفكر البروفيسور الدكتور جميل نصيف التكريتي برحيله عن عمر ناهز العقود التسعة ونيف.. بهذا الخطب الجلل أعزي العراق بخسسارته تلك الشخصية الوطنية الأكاديمية والفكرية التنويرية وأخص هنا بالتعزية الجامعة العراقية بعامة وجامعة بغداد وكليتي الآداب والفنون فيها وكوكبة آخر مساهمة له بشرف نالته مجلة ابن رشد عبر عضويته في الهيأة الاستشارية لها كما أعزي الحركة الأدبية والفنية وكل الناشطين في مجال النقد الجمالي بعمقه الفكري وأتقدم من عائلته أخواتي وأخوتي بخالص العزاء في رحيله لفقيدنا خلود الذكر الطيب وآيات الرحمة ولجميع لأحبة هنا جميل الصبر والسلوان
نعي الفقيد الراحل الدكتور جميل نصيف التكريتي
ببالغ الحزن والأسى أنعى إلى المجتمع الأكاديمي العراقي والعربي، البروفيسور الدكتور جميل نصيف التكريتي.. وإنني إذ أنعى هذه القامة الأكاديمية والفكرية الكبيرة لأتقدم من عائلتيه الصغيرة والكبيرة بخالص التعازي القلبية.
لقد كان الفقيد الراحل وسيبقى، عَلَماً بهيا تفتخر به حركة التنوير والفكر التقدمي وكل أولئك الذين تمسكوا بمنطق العقل العلمي والكفاح ضد دجل الخرافة ومسالك التخلف وأضاليل قيمه.
تمسك الدكتور جميل نصيف بمنهج جدلي يتشابك مع الأنسنة وقيمها السامية بثبات ومارس حياته الأكاديمية بلا وجل من مواقف السلطات باختلاف تقلبات مناهجها السياسية وربما القمعية في أحايين عديدة.. فكسب احترام محيطه من أساتذة ومفكرين ونقاد ومن تلامذته الذين اختطوا نهجه طريقا لمسيرتهم ومتابعتهم خطاه المعرفية الفكرية..
لم يخشَ في الحق لومة لائم وكان يورد أمثلته وقراءاته بلا تردد أو مماحكة فهو يتحدث انطلاقا من مواقف علمية النهج والمنطق العقلي في الاشتغال. ومثلما كنتُ أتشرب منه سقيا المرجعية الفكرية المتفتحة والعقلية العلمية وأنا على مقاعد الدرس ومن ثمّ إعداد رسالتي للماجستير وأطروحتي للدكتوراه كان النصير شديد البأس في مقارعة ما تعرض لمواقفي المدافعة عن الإنسان وحقوقه وحرياته وعن الفكر النقدي والنهج الجدلي التحليلي المتمسك بصواب ما تؤكده قيم الأنسنة والإنسان الحر الكريم. وكان من آخر أحاديثي معه كل ما أكد مواصلته في الثبات على ذياك النهج الموضوعي المعمق وبقي حتى آخر رمق يتحدث بحيوية مقارعا آثار التقدم بالعمر والزمن ومتغيراته..
إن ذكر مناقب هذا الرجل الإنسان بعمقه وسلوكه وقيمه أمر طويل المسار لكنه مما يمنح الطاقة والحيوية متجددة مستمرة بلا انتهاء.
لقد أنجب ونِعم ما أنجب من أبناء وبنات فهم عائلة تتسم بالإصرار على تحقيق الآمال والتطلعات وارتقاء أفضل مكانة علمية مهنيا وحياتيا وها هم جميعا يحملون ما وضعه فيهم من بذرة الإنسانية والسمو والرفعة والأنفة وعلو كعب العطاء والبذل الإنساني المشرق البهي. وما مات من خلَّف كتلك العائلة الفخر بما تمثله بوجودها وأفعالها النبيلة وبما تعمل به.
ولقد ترك وراءه إرثا فكريا معرفيا بكل معالجات جماليات الأدب والفن والنقد المسرحي المتحد بالعمق الفلسفي فأضاء معالم طريق النقد المسرحي العراقي الذي بقي حتى ستينات القرن الماضي بمعطيات الأداء الصحفي المستعجل لكنه أسس بكتاباته لمنهج مختلف نوعيا بميادينه وهو ذاته الأثر الذي تلاقفته الحركتين الأكاديمية والنقدية المتخصصة بدول عربية عديدة فاستضافت الراحل في جلسات وورش عمل ومؤتمرات لتستقي من عمق اشتغاله المعرفي بتلك الميادين ومن مثلها بميدان الترجمة عن الروسية الميدان الذي قدّم عملا يعادل جهود مؤسسية كبرى وخير مثال موسوعة نظرية الأدب بأقسامها وأجزائها الضخمة حجما نوعيا بعيد الأثر..
لقد كان وسيبقى أثر تلكم القامة كبيراً بالمستويين الأكاديمي المعرفي الجمالي والإنساني القيمي. ومن هنا فإنني في لحظة ألم فراقه الأبدي أؤكد أن رحيله جسداً ليس برحيله روحا وأثراً ومنجزاً.. ومن هنا فإنّ هذه الشخصية الأكاديمية العراقية هي بمستوى الشخصية الوطنية العراقية السامقة التي يحق لها أن تجد الاحتفاء ليس في الجامعة العراقية وكليّته العريقة ولا بوزارتي التعليم والتعليم العالي حسب بل وعراقيا على المستوى الوطني تخليداً لآثار علمائنا الأجلاء الأفاضل وهو أحد كبار رموزهم الباقية في الأنفس ذكرا عطرا طيبا..
ومن الطبيعي والمؤكد أن اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين ومجمل الجمعيات والنقابات الأدبية والنقدية والفنية ستحتفي به عَلَماً لها ورمزا باقيا من رموزها الخالدة تُطلق اسمَه على أعمال لها ومنجزات ومؤتمرات وقاعات وأقسام وكليات علمية في التخصص دع عنكم أسماء مدارس ومعاهد لتقتدي بما أسس له من قيم سامية نبيلة وأفنى العمر بما يقارب القرن من عمره في ذاك السمو بحراك الأنسنة..
ولقد شرفتُ بأنه كان أستاذي في مراحلي الجامعية كافة وكان الناصح المرشد الذي أستفيء بظلاله الوارفة وعظاته التي يقدمها بروح متفتح وأريحية وإخاء يجعل المرء أمام تواضعه ونبل خصاله وسموها خجلا أمامه..
اليوم تفارقنا برحلة الأبدية يا رفيقاً لكل طالبي التنوير والتقدم والعَلمنة طريقا لأنسنة وجودنا وكبح جماح الوحشية والقسوة والتشوهات التي طالما تحدثنا بشأنها وكيفية الخلاص من آثارها السلبية بتقديم المثل الإنساني وصواب نهجه..
اليوم أبقى متصفحا لتلك الأحاديث والحوارات لأنقلها إلى محبيك حتى ممن اختلف معك فكرا ونهجا فأنت مثال التسامح ورائع القيم التي تؤكد الإخاء، الوفاء للآخر واحترامه والدفاع عن حقوق الجميع في العيش الحر الكريم.
اليوم أواصل العهد متمسكا بما خططتَهُ بفكر علمي رصين احتضن ما ينقل جماليات الإبداع ليحيله إلى قيم عمل وسلوك يومي يرتقي بوعي الناس ويحصنهم ضد تخريب وجودهم..
نم قرير العين فوراءك عائلة تكتنز خيرها من إرثك ووراءك من يواصل المشوار في منجز المعارف والعلوم بلا تشوهات أو أشكال تخريب تحاول مصالح ضيقة فرضها لكنها مندحرة حتما وهو الدرس الذي تركته بتلامذتك وزملاء المسيرة الأكاديمية والفكرية التنويرية
عزائي بل عزاء محبيك بملايين من قرأ لك وعرف شخصك قامة بهية وعالما جليلا أنك تبقى الرمز والإيقونة لكل ما فيه جلال القيم والأخلاق متحدة بالمعارف التي نثرتها رياحين وسط قاعات الدرس والمحاضرات وصالات الجدل الفكري والنقدي الجمالي..
أعزّي في رحيلك وفقدك، الخاصة والعامة وحتما بهذه اللحظة أذكر جامعة بغداد وكليتي الآداب والفنون الجميلة وكل منصة أكاديمية مررت بها في بلدان الضاد العربية وكل محافل الأدب والفن والدراسات الجمالية في العراق، ودول العربية وفي روسيا التي قضيتَ فيها مراحل البحث الاستثنائية بتميز استثنائي مشهود هناك..
لك خلود الذكر الطيب ولعائلتك وجميع زملائك وتلامذتك ورفاق المسيرة جميل الصبر والسلوان
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
في المهجر كان رحيلك الأبدي كما أغلب رواد الفكر والإبداع وعلماء العراق! ولكن الوطن بقي في القلب حتى آخر رمق وكنتُ شاهداً على ذاك الوفاء والحب الذي حملته للوطن واضعا إياه في صميم القلب والروح، نم قرير العين مع الراحلين الغرباء
هذا النعي المؤلم لعراقنا يفقد شخصية وطنية أكاديمية عالية المقام يتوجه أيضا بالعزاء لكل الأحبة من علماء الجزائر والمغرب وليبيا ومصر حيث استقبلتك منصاتهم الأكاديمية عالما جليلا تضع المشورة حيثما يقتضي وكنتَ العلَم الخفاق للعلم ولمنطق العقل يسمو بالإنسان قيما أخلاقا سامية ومعارف وعلوم باهرة.. نودعك إلى الأبدية بعهد المواصلة