حكاية العطش والماء، هي حكاية الإنسان حيث حاجته الوجودية للماء؛ وهي حكاية الأرض الخضراء تبور وتتصحر حتى يفنى الزرع والضرع والعراق عبر آلاف أعوام وجود حضارته (الزراعية) كان لآلاف سنوات الألم والكفاح أرض السواد التي ترتوي من رافديه حتى أن صحارى البلاد كانت غابات تحيا فيها حيوانات البر الوحشية منها والأليفة بما يفي للصيد والعيش منها وعليها.. لكننا بذرائع شتى نتعرض لأخطر تهديد وجودي بحجب حصصنا المائية من بلدان ذات تخمة مائية بمعنى أن حجب حصص الماء عن البلاد لا تعني سوى عدوانا صريحا يقتضي في شرعة القوانين الدولية والوطنية الإنسانية خوض الحرب إذا ما اقتضت الضرورة وفُرِضت على العراق من أجل إعادة حقوق شعبه.. لكننا اليوم لا نرى سوى تسويفا ومماطلة وأفعالا لا ترقى للمهمة من حكّام بلا مسؤولية فهلا تفكرنا وتدبرنا؟؟؟
زخة مطر تكشف مستور قصور الخدمات وإهمال المدن، وتعيد ملف المياه إلى الواجهة
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي |
في أرض الخصب والنماء التي جار عليها إهمال قطع شرايينها من مصادر دول المنبع وأوغل في تجفيفها استخدام الوسائل البدائية المتخلفة في الرّي حتى انتهك التصحر المساحات الزراعية وأهلك الغابات فلم يبق إلا بقع ضيقة لم تتحول بعدُ إلى أرض بور..
ووسط مشهد الخراب هذا باتت مجاري الأنهر الشحيحة ووديانها مجرد مصبات للنفايات و/أو السموم المرسلة عبرها دع عنك ما يمثل مياها مركزة الملوحة أو بقايا معامل بموادها الكيمياوية كما يتدفق عبر مجرى الكارون أو غيره! لكن ما يفتضح هناك مما نجم عن إهمال كارثي يتعزز بإهمال الخدمات البلدية إذ عادة ما يتكرر تبريرها بشأن انسداد المجاري حداً تغرق معه الأحياء والمدن بمجرد زخة مطر عابرة كما حدث مجددا لمحافظات بغداد العاصمة والنجف والديوانية والناصرية والسماوة وغيرها في اليومين الأخيرين!!!
وكالعادة اختلطت مياه الصرف الصحي بمياه الأمطار لتصب مع مجاريها في الأنهار بمزيد تلوث لتلك المدن وللأنهار التي تخترقها.. لكن الكارثة المضافة أنّ زخة المطر التي رافقها البَرَد (الحالوب) قد محقت مزارع شلب بمساحة أكثر من 30 ألف دونم بمحافظة واحدة أو موقع صغير فما بالنا بمئات آلاف الدونمات في مناطق البلاد! وقد سجلت مخاطر لتلك الزخة على مدارس أطفال البلاد التي غرقت هي الأخرى وطفحت مياه الصرف الصحي وأحدثت صعقات كهربائية نتيجة الماس الناجم عن ذاك الطوفان المهدد لحيوات التلامذة والعاملين!!!
لا البلديات ولا التربية والتعليم ولا إدارة المحافظات ولا الزراعة والرِّي ولا وزارات التصنيع ومخرجات معاملها من البتروكيمياويات ولا أية استراتيجية بيئية أو مائية تحمي الحصص المائية وسلامة المياه الواردة وتتراكم المشكلات المستفحلة على حساب حيوات الناس حتى أن محافظات الجنوب كانت قد سجلت مئات آلاف حالات التسمم البشري وموت البساتين والحقول وتصحر أراضٍ بلا علاج وجل الموازنات المحلية بلا مخرجات لأنها ذهب لجيوب المحاصصة المنتفعة بينما مشروع تحلية ياباني بـ200 مليون دولار أنقذ نصف مليون بصري من كارثة كانت المحافظة قد تعرضت لها حداً أنّ 120 حالة إصابة خطيرة قد حدثت ولم يرف للفاسدين جفنٌ!
ونحن نؤشر بالتساؤل والملاحظة والرصد مجرد التساؤل وتسجيل مخرجات الرصد بشأن سياسات حكومية في بعض الأمور المائية ومعها مناهج عمل الفلاح والفلاحة في العراق في ضوء تلك السياسات وكالآتي:
- ماذا يشغل حكومات ما بعد 2003 من قضايا فعليا غير اختلاق أزمات مشاغلة في السياسة والأمن وبعض الهموم الاقتصادية في إطار قوانين المنظومة الريعية! بينما العراق يغرق في أزمة مركبة معقدة في الشأن المائي!؟
- ألم تستمر حكومات ما بعد 2003 بالملف النفطي كونه مصدرها الوحيد مالياً نقدياً مُهمِلةً القطاعات الأخرى ومنها الزراعي والصحي/البيئي ما تعمّق بإهمال الملف المائي!؟
- لماذا الإفراط في اعتماد الاستيراد للبضائع الزراعية حد استيراد الخضراوات على سبيل المثال وحصرا من إيران وتركيا الأمر الذي خلق منافسا ضارا للزراعة العراقية ومنتجاتها مثلما أوجد حالا من تقاليد تخالف تقاليد الزراعة والمزارع في البلاد!؟
- لماذا تمَّ إهمال أدوات الزراعة الحديثة!؟ ألم يفرض ذلك طرقاً بدائية في الرِّي وفي إيصال المياه للحقول والمزارع!؟ ثم ألم يدفع الأمر إلى استهلاك كميات مائية مهولة بلا جدوى…!؟
- هل يمكن إيجاد ملاكات بشرية وأيضا في ظل حصر الجهود بمحددات (إدارية) بحتة!؟باشتغال حيوي مثمر في ظل تراجع العمل (المؤسسي) المتخصص
- كيف يمكن لبلد تتوافر فيه ببعض المواسم كل تلك الأمطار وكميات الماء من دون أن يمتلك استعدادات كافية وخزانات يمكنها الاحتفاظ بكل قطرة ماء!؟ ألا يعد هدراً خطيرا ترك تلك الحجوم المائية تتسرب بلا استفادة مناسبة!؟
- كيف يتم ترك مياه شط العرب تضيع هدرا في مياه الخليج العربي من دون مراكز تحلية واستفادة تتناسب وتوفير تلك المياه الأخف نسبيا بملوحتها وتلوثها!؟ ألا يجدر الانتباه على إيجاد سدود تحجب دخول مياه الخليج العربي إلى النهر!؟
- تحفظ القوانين الدولية حقوق دول المنبع والمصب في الأنهار الدولية المشتركة بينما وجدنا تضييعا وتفريطا بالحقوق الثابتة قانونيا لصالح مواقف عدوانية لا تنظر لحاجة العراق وحقوقه الثابتة بقدر ما تضع أولوية بل أحادية في قرارات حجب الحصص المائية.. ألا يجدر بالحكومات العراقية أن تلجأ للتحكيم الدولي المتخصص الذي يعيد حصته ويمنع التجاوز عليه وانتهاك حقوق شعبه في المياه التي تمتد بأطوال من الأنهر تمثل أكثر من ثلثيها في العراق!!!؟
- كيف يسمح مسؤول عراقي لنفسه بالمشاركة في اتفاق يعد أدنى من صدقة مدتها شهر في استقبال كمية ليست بالأصل من مجرى النهر ولا من خزين سدود تركيا عليه، بل جزءا مما تساقط من أمطار ولا تستطيع السدود اختزانه!!؟ كيف يتم إقرار تلك الصدقة في وقت تهدد حال إقرارها بأن تكون صكا على بياض لمنع أي مفاوض عراقي من الحديث بعد ذلك عن الحصة الثابتة على وفق القانون الدولي!!؟
دعونا نؤكد مخاطر لا افتقاد الاستراتيجية في السياسة المائية التي تمثل أولوية وجودية لوادي الرافدين وحتمية التفاوض على الحصص المائية من الأنهر المحجوبة بتجاوزات وانتهاكات إيرانية وتركية وإنما الكارثة أن طول الصمت والقبول ببعض (صدقات) من أي من البلدين يمثل موقفا خطيرا في انتهاك القانون الدولي ودوره بتثبيت حقوق الشعب العراقي وأرض السواد التي يجري تبويرها واصطناع التصحر فيها!!؟
إن مخاطر إدارة ملفات التفاوض الاستراتيجية ستبقى قضية أكبر ممن تسلم تلك الملفات لانشغال عناصر غير مسؤولة وفاسدة بلا كفاءة أو خبرة بأمور لا ترقى لمهام التصدي للتحديات الوجودية فيها…
فلتنطلق حملات وطنية شعبية للضغط من أجل استرداد تلك الحقوق ولتبدأ بتوظيف أوراق الضغط الوطنية المتوافرة قبل أن يدخلوا العراق بأنفاقهم التي تخضع لسطوتهم وبلطجتهم مما لا يستطيع أي مسؤول جديد من التحدث بخلفية بيع البلاد والعباد الجارية اليوم
فهلا تنبهنا وتفكرنا وتدبرنا!!!!؟ أم أننا بلا وعي لمصيرنا ومصير أجيالنا القادمة!!؟
***************************
المقال ومعالجته في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=787960
***************************
اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/ تيسير عبدالجبار الآلوسي
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير