مجدداً يواصل نظام حكومة بغداد التي تتسمى بالاتحادية فيما تمارس المركزية وبالديموقراطية فيما تمارس العنصرية والشوفينية وبالمدنية وتمارس الثيوقراطية وبالحداثة وهي تجتر أسوأ ما في تاريخ دول الطائفية المهزومة منذ قرون وهي المدعية التقوى والتبتل وهي الأكثر فسادا وتجسيدا للكليبتوقراطية.. حتى أن القضاء بات مفتضحا بتفصيل قراراته على مقاس لا وعود زائفة للحكومة بل مقاس الدولة العميقة بتركيبتها المافيوميليشياوية بكل التشوهات التي تتاجر بها بأوجهها المتعددة لوسائل التخفي والتستر ومن هنا فقد بات واضحا ما ينبغي للشعب أن ينهض به بجانب نضالاته المطلبية المستحقة ألا وهو تبني العمل الفعلي المتواصل المستمر من أجل تحقيق التغيير الشامل
ثلاثي المال والسلطة والدين السياسي وبطلان مخرجات تحالفهم الكليبتوفاشي
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
بدءاً تتأتى الكليبتوقراطية نظاماً شاملا للفساد بأشكاله باستيلاد طبقة الكربتوقراط وتفعيل أدوارها التي تتمأسس في التشكيلات المافيوية بما هو أكبر من عصابات الفساد المنظمة؛ سواء منها تجار العملة ومهربيها أم تجار المخدرات ووصولا إلى الاتجار بالبشر وبقوت الإنسان ومصيره حيث لا يُكتفى بحرمانه من الأجر ويصير جهده ووجوده خاضعاً للسخرة وهو نفسه أي الإنسان بلا ثمن، بلا كرامة، لا يُخشى جانبه في سلطة الفساد تلك…
ولكن القضية تتعمق شروخها، فتحتاج في إحكام قبضتها لسلطة عنفية تتخفى مرة بالقانون وأخرى بقوة لا تحسب للقانون حسابا قدر ما هي قوة عنفية إرهابية تفرض وجودها عبر تحولها إلى قوة متسلطة في واقع الحياة ممتلكةً سلاحا فوق قدرة سلاح الدولة ومؤسساتها القانونية الوطنية.. وتلكم هي البنى الميليشياوية وسلوكها التسلطي الفاشي الطابع والهوية..
لكن، متى وكيف تطفو لسطح الواقع حال الوجود المافيوي والميليشياوي؟ وكيف يلتحمان ويتحدان معاً للتحول من الوجود المافيوميليشياوي إلى النظام الكليبتوفاشي بكل خصائصه وإن احتفظ بقدرة التخفي أو تجيير ما توصل إلى امتلاكه فعليا من سلطات باختلاف أشكالها ووسائلها؟
في البدء، وفي مرحلة استيلاد طبقة الكربتوقراط، تتفشى ظواهر، فساد مالي يتبادل قدرات فعله واستغلال تلك القدرات مع اللصوص في عملية تراكمية لجرائمهم، ومع تكريس اللصوصية وتفشيها فعلا إجراميا سائداً، تبدأ ظواهر الفساد السياسي الذي يستقوي بامتلاكه السلطة وتوسيعه التغلغل بمفاصلها، عبر اختلاق الدولة العميقة وتركيزه على تلك المهمة النوعية، بعيداً عن الأنظار بوقوفه خلف الواجهات الرسمية الحكومية..
ولكنَّ، كلا الفسادين المالي والسياسي؛ سرعان ما ينكشفان على عيون الشعب الفاحصة؛ مع استفحال ما يُرتكب بحق العدالة الاجتماعية و\أو مع تسيير خطى تفاصيل اليوم العادي للإنسان المواطن.
إنما من أجل مزيد حال التخفي والمناورة، وبوجود الواجهة الحكومية ومؤسساتها، يلتجئان إلى غطاء مضافٍ، قد يمكنه تأخير افتضاح جرائم التحالف المافيوميليشياوي أو العبث بجزء من الناس وتوجهاتهم ولو مؤقتاً، ذلك الغطاء المضاف هو جلباب التدين وعمامته التي تتستر بالقدسية الزائفة كي تفرغ العقل وتعطله؛ لتتمكن من حشوه بالخطاب البياني ومفردات الأسطرة لتضليله بجملة من الأباطيل، ما يؤشر بعمق ودقة معطيات عمامة التخفي والتستر أو التزييف بالتنبيه على أوهام خرافية ترتدي لبوس القدسية التي أشرنا إليها من قبل..
هنا في هذه المرحلة يكون النظام قد تحول نوعيا وكليا من منطقة ممكنة الإصلاح إلى منطقة يستحيل معه المنطق الإصلاحي ويتحتم تغييره، في ظل ظهور تحالف ثلاثي: المال السياسي الفاسد والسلطة السياسية القمعية مع الدين السياسي وخرافات أضاليله وبطلان أحابيلها وعنفها وكل ما ترتكب استغلالا للشعب..
إنّ الوصول إلى منطقة سلطة تحالف ثلاثي المال والسلطة والدين يؤكد إفصاح هذا الثلاثي عن نظام كليبتوفاشي وإن دخل بمناورات وأشكال تسريب لبعض الاحتقانات بالاستناد إلى جسور علاقة إقليمية و\أو دولية تكفي لتمرير فرص التفجرات الثورية بمعنى كبح انتفاضات الشعب وثوراته القائمة على مهمة التغيير الجوهري الكلي الأشمل.
إن نموذج النظام العراقي الجديد الذي تم تكريسه ما بعد 2003 هو نموذج حاذق بتجيير كثير من أبواب العلاقات المحلية والإقليمية والدولية للإبقاء على وجوده من قبيل معطيات تركيبة الدولة العميقة ولعبة المرجعيات الدينية واصطباغ السلطة بالتقية فيما لا نستثني جسور التحالف بل التبعية المطلقة لنظام إقليمي للدكتاتورية الدينية أو النظام الثيوقراطي بنهجه التخريبي الإرهابي تجاه دول المنطقة.. بجانب كل هذا اللجوء إلى اتفاقات دولية بمسميات لفظية من قبيل الاتفاقية الاستراتيجية بهذا المحور، أو ذاك الأمني، أو الاقتصادي أو ما يمنح إنعاشاً عابراً يمارسون به الضحك على الذقون ويستغلونه في تمرير مزيد عمليات فساد وإفساد ولطالما افتضحت اتفاقات مهمة بحجم ما احتوته من فساد دع عنكم عدم التنفيذ لسبب أو آخر من التلاعبات..
إنَّ المشكلة في نظام كما نظام ما بعد 2003 في العراق يكمن في استغلاله المظاهر الشكلية المفرغة من مضامينها للديموقراطية ومؤسساتها فيما الأساس يتمثل في توجيه الأداة (الانتخابية) نحو الإتيان بالقوى التي يريدها وتلبي أباطيله.. وهو ذاته الذي لا يهمه توقيع أية اتفاقية أممية حقوقية أو إنسانية بمختلف محاورها لأنه يعرف كيف يُفلت من التزاماته تجاه ذلك..
يمكننا الحديث عن تمييع النظام وواجهاته الحكومية لتحقيقات مضطر إليها لكنه يعرف وسائل التميع والتمرير من مثل مضي أكثر من عامين على مجازره تجاه ثورة أكتوبر العراقية وبقاء دماء عشرات الآلاف بين شهيد ومصاب وجريح بلا قرار قضائي يحسم الجريمة ويمنع إفلات المجرمين من العقاب مع أن الجريمة برقبة أعلى سلطة في النظام..
يمكننا الحديث عن عشرات آلاف ضحايا السجون السرية والمخبر السري وأحكام الثأر والانتقام بلا أي مسوغ ولا أي مبرر أو ذريعة قانونية أو إجراءات قضائية واجبة وملزمة! ومثل ذلك يمكننا الإشارة أوضاع المرأة العراقية والعنف الأسري وشرعنة كثير من القرارات المجحفة وغير العادلة.. ومثلهما قضايا الصناعة والزراعة وأوضاع الطبقة العاملة والفلاحين والطلبة والشبيبة ومجمل مسار عملية سياسية شوهاء بمضامينها وجوهرها التركيبي..
إنّ تجاوز هذه الحقيقة التشخيصية أو محاولة العبور عليها بترك الأمور للواجهة سواء منها الحكومة أم مؤسساتها أو حتى مؤسسات السلطة السياسية من قضائية أو تنفيذية او تشريعية وإلقاء التبعات عليها باستبدال الوجوه عند الضرورة والتراجع تفرض تلك الحقيقة لزوما توكيد جوهرها مع كل حراك مطلبي يخص هذا القطاع أو ذاك مما لا يتعارض والحراك الاستراتيجي للتغيير بل يصب في صنع التراكم النضالي لصالحه..
فالكفاح المطلبي ضرورة لا تنتظر حتى يتم التغيير النوعي الجوهري ولكنه يصب فيه إنما لا يشغل هذا الكفاح (المطلبي) أذهان قواه عن المهمة الأعمق والأشمل للتغيير ولا يكتفي جمهور الكفاح بما قد يتحقق جزئيا فيي مطالبه الجزئية.. فالقضية تبقى اليوم بعد تكريس منظومة استغلال كلية خطيرة، تبقى في التغيير وليس في حدود استجابات تمييع مهمة التغيير.. وليس من التغيير أية استجابة محدودة لأنها إن لم توضع فيما يتراكم لتلبية التغيير ستكون مجرد مناورة أو تلاعب بأذهان الشعب وهو ما لم ولن يقره أي قطاع شعبي فما بالنا والشعب برمته سجل موقفه الثوري للتو ومازال يكافح لتلبية ما ثار عليه وما ضحى من أجله..
إننا بوعي تام ندرك معنى وجود الواجهة المسماة حكومة لا تهش ولا تنش بقدر ما تأتمر بما يوجهها به طغاة السلطة من أمراء الحرب زعماء الميليشيات بوصفهم هم الحكام الحقيقيون للبلاد والعباد..
فلا يلجأنّ اليوم أحد نحو (استقبال أو إقرار) عطايا اللصوص مما ينهبون وصدقاتهم مما يسرقون فهي صدقات على أناس من وسط الشعب تتأتى كما هي الحقيقة من أموال الشعب وثرواته لكنها لا تزيد على فتات فلتتواصل الحركة الشعبية بمستوياتها المطلبية والسياسية التي تمثل وحدها البديل الحقيقي القادر على التغيير والحسم وعدم الوقوع في دوامة المقدس وجلابيب التستر وأعمة التخفي وما تمرره بتحالفها وأضاليله..
فلنتفكر ونتدبر قبل امتداد البشاعات والفظاعات لتطال خيرة مناضلي الشعب.. ولنعاجل بأوسع تحالف لقوى الديموقراطية فالمرحلة بوضوح هي مرحلة اختيار نهج الديموقراطية التي تتأسس على تلبية العدالة الاجتماعية ومنع تفريغ السلطة وقوانينها من مضامينها لدولة عَلمانية ديموقراطية تلبي مسار الشعب
وللمعالجة بقية
***************************
اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/ تيسير عبدالجبار الآلوسي
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير