يجابه مجتمعنا الإنساني بعامة والعراقي وشرق الأوسطي بصورة أخص مشكلات معقدة مركبة وما أكثر الأولويات التي تفرض نفسها في عصر تتسارع فيه المتغيرات حتى باتت أشكال التمييز بين المجتمعات والدول وبين المجموعات والفئات الديموغرافية .. إن إشكالية المعرفة وتفعيل القدرات العقلية واشتغالها بسلامة وصواب ظلت مقيدة حتى يومنا بما أوقع مجتمعاتنا بمزيد انتهاك صارخ فج للتييز ولاختلاق خطابات الكراهية والاحتقانات والانشغال بصراعات غير مبررة ولعل إشكالية حرية الوصول إلى المعلومة هي واحدة من أسباب التخلف وجفاف قدرات التعبير ما لم يجر التعامل معها بأولوية مناسبة.. فكيف سنقرأ هذي الإشكالية؟ وكيف سيكون فعلنا بشأنها؟ هذه ومضة نضعها لإثارة تساؤلات ربما تجد من يحاور ويفعّل الموضوعة بصورة عقلانية موضوعية سديدة
حول حرية الوصول إلى المعلومات وعلاقتها بحرية التعبير واتخاذ القرار الأنجع؟
لقد تجسَّد مفهوم حرية الحصول على المعلومة و\أو الوصول إليها، بكونه أحد أبرز أوجه الإشارة إلى حماية الحق بـ(حرية التعبير) بكل ما يخص استعمال شبكة الإنترنت، ومجمل وسائل الاتصال وبرامجها. ومن هنا فلقد كانت حرية المعلومة والوصول إليها، بحال مجابهة مع أداء الرقابة على محتوياتها ومضامينها ودور ذلك في السماح بحرية الوصول من عدمه، أو مجابهة أشكال العراقيل والذرائع لظواهر فرض الرقابة أو القيود والمحددات.
وبخلاف حقوق الإنسان فردياً جمعياً، في نشر المعلومة وتداولها أو استهلاكها بالوصول إليها وإشاعة توظيفها الحر من أجل تبني المواقف واتخاذ القرارات في ميادين المعارف والعلوم أو ميادين الحياة وشبكة العلاقات والتفاعلات مما يتاح عندما توجد المعلومة حرة متاحة بصورة مفتوحة أو بلا حواجز أو انتهاك ومصادرة إذ على سبيل المثال ينبغي إتاحة الوصول إلى اللغات المحلية واحترام ظواهر التنوع والتعددية في بصمات الإنسان ومجموعاته أو هوياته، بجانب إتاحة ظاهرة الاستمرارية في الحصول على المعلومة والتعلّم بما في ذلك إنهاء قيود مفروضة على التعليم الإلكتروني المفتوح واستمرارية فرص الاتصال وتداول الجديد مع الاحتفاظ بجودة المعلومة ومنع التشويش أو التشويه ما ينتقص من جودة التعلّم وقد يُفشي الأمية المعلوماتية فيكبح أبرز عناصر اندماج المجتمعات والمجموعات الإنسانية بمجتمع الحداثة والمعلوماتية الأكثر تقدماً..
ولربما حدث ذلك بسبب من عدم توافر العدالة والمساواة وحق الوصول للمعلومة بالتمييز على أساس الجنس، مثلما إتاحة وصول الذكور أكثر من الإناث بأكثر من الضعف في خلل بنيوي صريح يصل أحيانا نسبة 75% للذكور مقابل 25% للإناث! أو على أساس العمر بافتراض الإغراق في المحددات، بل المحظورات في التعامل الصغر سناً.. والأنكى وجود تمييز في الوصول إلى المعلومة بين المجتمعات والشعوب على أساس العرق والإثنية ونجد شعوبا ودولا متقدمة مفتوحة في حق الوصول إلى المعلومة وأخرى محجوب عنها داخليا خارجيا..
إن من القيود التي تقف بوجه الوصول إلى المعلومة ظاهرة التمييز تجاه فئات مجتمعية من قبيل ذوي الهمم والقدرات الخاصة أو احتجاب المعلومة لارتفاع الأسعار وامتناعها على فئة الفقراء من ذوي الدخل المحدود حيث لا مجال لتوافر البنى التحتية المكوّنة المساعدة في الوصول للنت مثلما أجهزة الكومبيوتر وأجور النت وما إلى ذلك..
إن فرص التقدم والتحديث في مسيرة الاشتغال لأي إنسان ومجتمع تتأتى في ضوء نسبة وصول لشبكة الاتصالات ومثل هذا لا يؤثر في قدرات اتخاذ الموقف المعرفي والانتماء للعصر وتقنياته، بل أبعد من ذلك قد يكون مما يحمل في إطاره اختراق سلامة الممارسة الديموقراطية فلا ديموقراطية حقيقية من دون معرفة سليمة وعميقة لا يحدها عائق مصطنع..
من هنا وجدنا ضرورة التوكيد لا على الوصول للمعلومة وتوافر شبكة الاتصال حسب بل اقتضى التنويه بقوة إلى سلامة المعلومة النابعة من حرية الوصول من جهة ومن انعتاقها من مؤثرات التحكم والتشويه الأمر الذي يقتضي معرفة المصدر وسلامة وضوحه وتجنب التكاليف المادية وغيرها نسبة لإمكانات المجتمع وأفراده..
إننا هنا لا نكتفي لضبط مبدأ حق الوصول إلى المعلومة وتوافره ومنع التشوهات والتأثيرات المختلفة في محتواه، بل نشدّد على (وسائل التعبير عنه) أيضاً.. مع امتناع دائم عن انتهاك مبدأ الخصوصية بنهج تكاملي وامتداد لبعضهما بعضا بما يكفل ضبطا لمعاني احترام مبدأ وانعتاق أو حرية آخر بصورة لا تسمح بالتناقض الاتلافي السلبي..
إننا بحاجة لتوكيد حقيقة أن ما جرى ويجري من (انتخابات) وطنية أو محلية لم يُمنح فيها فرص تداول فعلي نزيه للمعلومات وحدثت فجوات رقمية بين المدن والأرياف وبين المحافظات من عاصمة وأخرى جنوبية وغربية وبين مراكز المحافظات وأريافها الأمر الذي سمح بتمرير شخوص كشفت سنوات العقدين المنصرمين عن حقيقتهم وما أوقعوا من نكاية بناخبيهم نتيجة حجب المعلومة باختلاف الأسباب..
إن الفجوة الرقمية لا تحجب المعلومة قهريا دائما، ولكنها قد تشيع ظواهر في استخدام النت بما يدفع للفت الأنظار بعيدا عن الحقائق وسنجد أن ما يشغل شعبا و\أو أمة ليس هو ذاته عند آخر وبينما تتطلب الحياة معارف وعلوماً ميدانية يتم مشاغلة جيل أو مجتمع بقضايا من قبيل الروحانيات المصطنعة مما لا علاقة له حتى بتلك الأمور المفبركة لبث منطق خرافة أو منظومة قيم تمارس أمرا وتُظهِرُ آخر!
إن الحديث عن دور الفجوات الرقمية مركب معقد بحاجة لدراسات سوسيوسايكولوجية بما يعيد الاتزان لمنطق سليم لحرية المعلوم وحق الوصول إليها بعدالة تجاه المجموعات الديموغرافية المختلفة محليا سواء بالانتماء العرقي الديني والمناطقي أم باختلاف المستويات من فقر وغنى مادي بحسب الحال؛ وأيضا بالنظر إلى المجتمعات والدول كما بين نامية ومتقدمة من الدول..
إن تلك الظواهر وما يقف وراءها من أسباب تضيف أسبابا مضافة لاختلاق أسباب للكراهية ولحال التوتر والاحتقان والحنق على الآخر وتكريس الانقسام العرقي الفئوي والتمييز بين المجموعات الديموغرافية وبين الأرفاد أنفسهم وأود التركيز هنا على تهميش النساء وحتى منعهن من الوصول المباشر للمعلومة دع عنك مستوى التعليم واختلافه من منطلقات قيمية تخص التمييز في المجتمعات الذكورية وكيف تؤثر في إمكانات التعامل مع المعارف والعلوم وكيف تتم أحوال التوظيف على سبيل المثال لا الحصر ما طبيعة المفردات والمصطلحات المستخدمة في لغة فئة مهمشة تجاه فئة لا تتعرض لذات التمييز ما قد يشيع لا المفردة في خطاب الأولى وإنما أساليب خطابات تصب في صيغ التنمر والقهر والاستلاب والمصادرة والعنف والكراهية ما يعقّد فرص المعالجة بخاصة منها الشكلية في ادعاءات بعض جهات تتحدث عن حلول لها ادعاء وزيفا..
وددت فقط تسليط إضاءة أولية تفتح فرص الحوار والتعمق وربما البحث العلمي في مجال بات يحمل أولويته في حيواتنا المعاصرة.. والكارثة أننا نظن أن قضية توفير النت المنزلي قضية كمالية أو هامشية نتيجة أولويات الحياة اليومية مع اتساع نسب الفقر وفجوته بين الفئات المجتمعية ومع اتساع التمييز بمجتمع (ذكوري) يهمّش النساء ومع إيغال قوى المجموعات القومية الأكبر عدديا كما العربية تجاه الكوردية والتركمانية والسريانية وغيرها ما يشيع تكريسا لخطاب استعلائي شوفيني تذكيه سياسة عامة من جهة إشاعة أهمية الدولة المركزية على حساب احترام التنوع والتعددية وكأن الأخيرة هي السبب في التفكك بخلاف الحقيقة وطبعا يدفع لتلكم القراءة نقص المعلومة وحجبها عمن يتحدث بثقافة التنوير والعدالة ومنع التمييز والدفاع عن الحقوق..
وددت أن أشير من بوابة تعريفية جد مختزلة إلى قضية جوهرية تخص إنسان العصر ومجتمع الحداثة ومكاننا ومكانتنا وسط عالم يتعمق بدراسة الكون وتأثيرات مسيرتنا بكل عقباتها وإشكالاتها على مساراتنا وقراراتنا، فيما لا تُمنح قضية حرية الوصول إلى المعلومة بوصفها إشارة صريحة عميقة الغور تجاه حرية التعبير ووسائله وأشكاله إلا مرورا عابرا مما يعد من نوافل القول بينما توغل قوى الاستغلال نتيجة ذلك في نهجها وفي لعبث بعقول الناس ومن ثم قراراتهم ومصائرهم..
لا أطيل بل أدعو القارئة العزيزة والقارئ العزيز للإدلاء برؤاهن ورؤاهم في تلك الإشكالية وماذا تُمنح عندهم من نسب اهتمام وماذا يعتقدون في ضوء ذلك من نسب سلامة القرار وقدرات الدفاع عنه…
وتحايا متجددة للجميع
***************************
اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنةوجودنا وإعلاء صوت حركة التنوير والتغيير