هذه مجرد ومضة تعيد التذكير بحلقة من حلقات قوى الظلام المتحكمة بالسلطة والمجتمع في العراق؛ إنها حلقة إغلاق صالات العرض السينمائي والمسرحي طبعا استكمالا لأفعال الحجر والحظر على مجمل محاولات إنتاج ثقافة التنوير وما تتضمن من آداب وفنون.. وهي ومضة بمقدار تسليط الضوء على الحقيقة الكارثية وفضح دواعيها ومزاعم مرتكبيها ممن تتكامل جرائم منظومة حكمهم الكليبتوفاشية وكيف تشكل جريمة حظر دور العرض جريمة لمنع الاتصال بين نخبة الإبداع والحراك التنويري الشعبي الجماهيري ومهام بناء العقل المعرفي من جهة وبناء الشخصية الإنسانية ومنظومتها الروحية السليمة بمهام الفنون والآداب وطاقة فعلها السامية.. فلنتمعن أبعد من هذي الومضة إن أردنا الحديث عن إنسانيتنا وسلامة أنسنة وجودنا ومنع توفير أجواء اغتيال حيواتنا وقيمنا الأنجع والأسمى والأفضل
ما الموقف من مصادرة إبداع جماليات الحياة وحجب منافذ اتصال إنتاج الثقافة بالشعب؟؟
أغلَقوا دور السينما والمسرح واستهدفوا المبدعات والمبدعين وجوديا ومازالوا يدَّعون بأن نظامهم تعددي ديموقراطي وما قد يطفوا فيه هو مجرد هفوات يمكن (إصلاحها) بقصد الترقيع وتمرير جريمة النهج الظلامي! والكارثة أنّ بعض من يمتلك لهذا السبب أو ذاك فرصة اشتغال ضيقة يجتر هذا الادعاء ومزاعمه ويضرب مثالا بحالته المحدودة وأشباهها من دون التعرض للحقيقة المأساوية الجارية
إنّ المتابع بدقة وموضوعية سيجد أنّ قوى السلطة الظلامية، عند اضطرارها لأي شكل من أشكال التراجع أمام الإرادة الحرة تناور بزعم، أنَّ ذاك الحظر [والإغلاق] يجري باسم (التدين) بوصف الإبداع عندهم (كفر) وهنا واضح فعل الاتجار بالدين لاستغلال سلطة القدسية، ولكنها معهم ليست سوى تلك القدسية المزيفة المضللة ما لا يتفق ومعتقدات الناس وسلامتها بل لا يعدو عن تجسيد فعل تجيير التشويهات المضلّلة لتديّن جلباب وعمامة التخفّي والتضليل، بقصد ممارسة التكفير بمسمى التدين إياه؛ فيما القصد الفعلي الحقيقي، يتمثل بالمصادرة الفكرية السياسية وما تتستر عليه من منافع دنيوية دنيئة وأطماع قوى الظلام المحتمية بفساد مافيوي وعنف ميليشياوي فاشي الطابع!
لكن، الشعب الذي يزعمون تمثيل قدسية معتقداته دجلا وتضليلا، ليس سوى الشعب المحروم من منجز إبداع جماليات الحياة إذ لا غناء ولا رقص ولا استعراضات كرنفالية كما تلك التي عاشتها شعوب سومر وآشور وبابل والعراق الوسيط؛ هذا عدا بضع محاولات كفاحية لحركة التنوير، تظل هي الأخرى استثناءً وبحدود المسموح به من غض طرف سلطة الظلاميين، تمارسه لمجرد ذر الرماد في العيون والإيغال بالتضليل الذي افتضح عند غالبية أبناء الشعب، إذ أدرك الشعب وهو يدرك زيف أسس تكفير الإبداع ومبدعاته ومبدعيه من منتجي ثقافة التنوير من آداب وفنون. ذلك أنّ قوى الظلام تكفّر خلق جماليات تستمد وجودها من آلاف أعوام إنتاج ثقافة التنوير في وطن الحضارة السومرية لفصم الجيل عن تاريخه وثقافته وهويته ولتستبدلها بعبثية التزييف ومنطقه وما يُستهدف من ورائه في إنتاج خطاب مسخ لمسمى ثقافة الرعاع أو بكائياتها ومهازل اصطناع المخادعة…
إذن، ستبقى الحقيقة اليوم، تؤكد أن جماليات الشعب وإبداعاته تظل ((محاصرة محارَبة)) من قوى الظلام تلك، وأنّ الإغلاق مازال مستمراً بأشكال وباصطناع دواع مختلفة في كل مرحلة وظرف.. وأن تلك القوى تعيد إنتاج ظلامياتها لتكرّس التحكم بتفاصيل اليوم العادي للناس، بوساطة بلطجة جناحيها المافيوي الميليشياوي وسطوة منظومتهما الكليبتوفاشية عبر بوابة اغتيال الثقافة التنويرية ومنتجاتها ومنتجيها!
فهل بعد ذلك يتبقى موقف (صائب سليم) يسمح لإنسان بالصمت!؟ ألا يمنح ذاك الصمت أو السلبية بفرص تمرير جريمة اغتيال جوهرة (الأنسنة)؛ ممثلة باغتيال جماليات الإبداع ومنجز الناس فيه!!؟
فلنتفكر ونتدبر قبل مزيد تشوهات وسطوة ظلاميات قد تمرر شيئاً، لكنه لن يكون أكثر من بقع ضوئية لامتصاص النقمة الشعبية، فيما تحاصر إبداع جماليات الحياة بما تفتح له منافذ (ربما بعضها نخبوية لكنها طبعا جد محدودة ومحاصرة) وتفعل قوى الظلام ذلك لتنفيس الضغط ومنع أي انفجار محتمل برد فعل أو بفعل إنساني شعبي جماهيري مخصوص كما تؤكده مسيرة لإنسان وتمسكه بمنظومة سليمة للقيم ورفضه الخضوع لتلكم التشوهات الجارية.. دع عنكم أن تلك القوى المتخلفة تعمل على فرض منطق الخرافة بمشاغلة بعض هذا الجمهور ببكائيات ومناحات وأيضاً بأشكال سوقية، عادة ما ساعدت وتساعد المنظومة المشوهة على البقاء لمدة أطول..
بلى، لنتفكر ونتدبر من أجل أن نعيد تاريخا جماليا مستحقا لشعبٍ واع مستنير بعراقة تاريخه وعمق حضارته وعظيم قدراته ولا مجال لاستمرار إغلاق دور العرض السينمائي والمسرحي أو فتح كوة أو أخرى للتنفيس والمماطلة والتسويف بل لابد من فتح الحريات التامة بما يعيد الصلة بين كرنفالات الحضور الشعبي الجماهيري ومنجز الإبداع النخبوي الأكاديمي والممنهج بقيم التنوير ومعارفه وعمق خبراته باتجاه الجذور البعيدة للعراق القديم والوسيط والمعاصر بتاريخ وجود الدولة العراقية الحديثة..
لنتفكر ونتدبر كي لا يستمر الظلام يُغرِق عالم الإنسان البسيط ويلفه بالتخلف والخرافة ودجلهما القائم على التدين الزائف أو هراوة الميليشيا وعنفها
أوقفوا جريمة الاصطناع والتزييف ومؤسسات تحاول مخادعة الشعب وتضليله وأعيدوا حرية الشعب في كرنفالاته واستقبال منجزه في إنتاج ثقافة متكاملة التعبير عن حركة التنوير والتغيير واللحاق بعصر لم يعد يحيا على ترهات الزيف وخدع ما أُنْزِل بها من سلطان
***************************
المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=769038
***************************
اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنةوجودنا وإعلاء صوت حركة التنوير والتغيير