هذه محاضرة جرت بغرفة اتحاد الشعب قبيل الانتخابات العراقية العام 2010 ولكن جوهرها بما يخص قراءة (أكاديمية) ملموسة لواقع الناخب ووسائل تنويمه وابتزازه مازالت قائمة ما يتطلب موقفا جوهريا يستند إلى العقل العلمي (الأكاديمي) وإلى تراكم تجربة ثورية للشعب وأوسع جماهيره من دروس انتفاضاته وثوراته في فبراير شباط 2011 وفي يوليو تموز 2015 وفي أكتوبر تشرين أول 2019 وما تلاها من تحولات.. إن تلكم القضية ستبقى عصب الفكر التنويري لقوى التغيير الديموقراطية العلمانية وتحديدا عقلها العلمي (الأكاديمي).. فهلا أعدنا القراءة بتمعن وتفكر وتدبر!؟
محاضرة الأكاديميون والانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة
غرفة اتحاد الشعب البالتالك
الخميس 25 شباط فبراير 2010 تمام الثامنة مساء بتوقيت وسط أوروبا
تيسير الآلوسي
- شكر لهذه الدعوة وتحية لإدارة الغرفة
- تعليق على أمل أن تكون الغرفة تكاملية مع جهود الآخرين سواء من
ذات التفكير والنهج والغاية أم المختلفين
- ترحيب وشكر للضيوف المدعوين ووجودهم بكل اتجاهاتهم وخياراتهم الفكرية الفلسفية السياسية الاجتماعية
- توكيد على ترحيب بالتفاعلات أولا منها المختلفة جزئيا أو كليا والمتفقة مع حالات تنوع واجتهاد وإضافات فلا وجود للمطلقات بين البشر ولا وجود للكمال المطلق والصواب المطلق عند طرف
- ترحيب بالحضور من غير العراقيين للاطلاع على تجاريب تبقى بحاجة لتفاعل الآخرين كيما تتخذ السياق الأنضج والأكمل
- أرجو من الإدارة التفضل بتسجيل كل ملاحظة وتعليق وسؤال وتفاعل بكل الاتجاهات من دون أي شطب أو إهمال وبرجاء لمن يُغفل سهوا ت التذكير كيما لا يهمل طلبه أو سؤاله أو تعليقه
محاضرتي أيتها السيدات أيها السادة، تمثل مدخلا رئيسا لأمسية اليوم؛ تُعنى بالأكاديميين وجهودهم المعرفية العلمية وأدوارهم في الحياة العامة وعلاقاتهم بمحيطهم الاجتماعي الأوسع وتحديدا في موضوع الانتخابات طبعا الانتخابات البرلمانية العراقية مادة..
وبإيجاز وقبل أن ندخل إلى مادتنا نؤشر اشتمالها على ركنين رئيسين هما: الركن الأكاديمي وركن الانتخابات.. فمن هو الأكاديمي؟ وما الانتخابات؟ وما شروط علاقتهما الوظيفية؟ وما انعكاسات الدور الأكاديمي في توجيه الانتخابات إلى غاياتها الصحية الصحيحة؟
أما الأكاديمي فله تعريفه ومحدداته وشروط اشتغاله.. ولكننا نجد فوضى الألقاب العلمية في مجتمعات التخلف وثغرات الفساد التي باتت تتسع حتى دخلت من نوافذ الجامعات وإدارات الميادين البحثية.
وبتنا نرى شخصا يُقدَّم كونُه أكاديميا وهو لا يقنعنا حتى بلغته وبنية أفكاره ونسقها المعرفي.. كما نشهد حاملي شهادات لا علاقة لهم بجوهر معطيات الأكاديمي ومنجزه وطريقة أو منهج تفكيره..
فالسمة الأكاديمية تشترط:
* الشهادة العلمية التخصصية العليا (ماجستير ودكتوراه وما يعادلهما) في حقول المعرفة بمعنى الإعداد النظري المنهجي..
* الروح الموضوعي والمنهج العلمي في العمل.
* البحث والتقصي بالاستقراء والاستنباط بأسس التفكير العلمي
* قيم التفتح والامتناع قطعا عن أي شكل للتعصب والانحياز السلبي
* تقديم منجز علمي ملموس مع إضافة معرفية منتجة في سياق متابعة البحث بعد الحصول على الإعداد أو ما نسميه الشهادة ولكن الشهادة والإعداد النظري لا يكفيان فالجانب العملي مهم بمعنى أن يسجل (الأكاديمي) عطاء ملتزما بسياقات البحث العلمي ومنهجه وآلياته.. وليس كل من حمل شهادة يمكن أن يحمل لقب الأكاديمي وسمات اشتغاله..
* وهناك سمة الأمانة في ألا يدلي (الأكاديمي) بمادة من دون سند علمي حقيقي…
* أما شرط العمل في الجامعة أو مراكز البحث فهي مجرد فرع من فروع العمل الأكاديمي.. وإن كانت شرطا لحمل ألقاب التدرج العلمي المعروفة..
وبالانتقال إلى الركن الثاني الذي سيكون مضمونه منصبا على الانتخابات اسمحوا لي أن أتحدث مسبقا عن جملة أمور نحن بحاجة لها كيما نشتغل أكاديميا علميا على الظاهرة وتفاصيل مفرداتها.
دعونا بدءا نتساءل عن معنى الظاهرة بالمعطى العام؟
تعريف الظاهرة اختزالا
هي منظومة طرق للتفكير وقوالب أو نماذج ثابتة نسبيا للعمل؛ يمارسها الافراد بإرادة واعية أو من دونها في مجالات الحياة العامة ولكل ظاهرة دواخلها ومضامينها مثلما لها سمات خارجية موضوعية.. وتعرف العلوم الاجتماعية الظاهرة التي تنتجها الحياة اليومية بأنها: منظومة اجتماعية وأصول أو قواعد واتجاهات عامة تشترك في ممارستها مجموعة أو فئة أو طبقة أو مجتمع، فيتخذون منها أساسا لتنظيم حيواتهم سلوكيا قيميا، فتنسق علاقاتهم وتضبطها بروابط محددة. ويمكننا الإشارة هنا إلى سير المجتمع بمحددات وقواعد في شؤونه الاجتما اقتصادية والسياسية والعقائدية والقانونية أو العرفية وغير ذلك…
والظاهرة نسبية في وجودها بحكم ظروف نسبية ظهورها أو ولادتها وظروف التحكم بها.. ويمكننا القول: إن الظواهر المرضية الشاذة تدخل في النسق العام لوجودنا الإنساني ولا يمكننا أن ننفي عنها انتماءها لوجودنا الاجتماعي ومساراته وإفرازاته.. فأي ظاهرة اختلال جزئي تبقى طبيعية الوجود لكن الكارثة وغير الطبيعي في الظواهر تلك التي تهدد وجودا إنسانيا اجتماعيا عندما تعبر عن صراع هدام متعارض مع وجودنا فالصراع المدمر حال غير طبيعية بالمرة؛ إذ نرصد التعارض بين الظاهرة التدميرية وطبيعة التجانس في المجتمع ووجوده.. عندها نحن لا نتحدث عن ظاهرة في مجتمع أو لدى فئة بل عن عناصر تخريبية تدميرية بحاجة لمعالجة مختلفة…
دعونا نتصور التحديد الإحصائي لتراكم الوقائع هذا التحديد يبقى نسبيا ويرتبط بنوع السلوك فقولك: إن نسبة تأخر سن الزواج أو نسبة الطلاقات في مجتمع هي 1% لا يشكل ظاهرة ولكنه سيكون ظاهرة عندما نتحدث عن ذات النسبة في موضوع الانتحار مثلا… وعندما نتحدث عن حجم ضحايا الإرهاب في الوسط العام يمكننا الحديث عن مستوى الإرهاب بعامة لكن الأمر لا يقف عند تحديد مستوى كميا عندما يتعلق الأمر باختفاء مكونات اجتماعية قومية أو دينية..
مثلا عندما يتعلق الأمر بهجرة نسبة 98% من الصابئة المندائيين وعندما نتحدث عن مقتل عدد ممن تبقى فإن القضية تصبح بمستوى إبادة جماعية والأمر ذاته عندما نتحدث عن الأيزيديين أو المسيحيين، ولا أعتقد هنا أن مسلما يعتقد بأن قتل أبناء المجموعات القومية والدينية يمثل تكليفا شرعيا له.. ومن يعتقد بهذا ليس سوى إرهابي مخالف للقيم الإنسانية وقوانينها وللشرائع والأديان وفروضها… فما العمل؟
هكذا النسبية تعطيك إجابات لا رساضية إحصائية مجردة بل كيفية نوعية محددة بشأن كل ظاهرة مستقلة مشروطة بظروفها الخاصة نسبيا.. فالرشوة مثلا ظاهرة اجتماعية ليست وليدة انحراف خلقي أو جشع مادي حسب بل هي ظاهرة يشترك في وجودها عددُُ من الأنساق والسياقات الاجتماعية اقتصادية والسياسية والنفسية…
أقصد هنا أن أحيلكم إلى أننا (نحن الأكاديميين) لا يمكن أن نعالج ظاهرة ما بالمواعظ (الأخلاقية) والنصائح المجردة كما تفعل توصيات مرجع ديني أو مصلح اجتماعي تجاه شخص أو فئة تشعر بالعجز عن التغيير أو الفعل بإيحاءات خارجية و\أو ذاتية ويبدأ الحديث من هنا عن مرجعية نحمّلها نسبة أخطائنا وما يترتب على أفعالنا وسلوكياتنا.. ونسقِط القدسية على بشر ليكون مرجعا وهو ليس بالضرورة مرجعا دينيا فقد حصلت الإسقاطات الفكرية الفلسفية …
ويمكن هنا أن نرصد حال التكلس والجمود وقدسية فكرة أو اعتقاد مما يسود اليوم في مجتمعنا فنسجل ذرائع واختلاقات وإحالات ذلك داخل وعي العامة بالآتي:
- العمق التاريخي (القدم) الالتفات إلى الوراء: حيث جلّ المعرفة والحكمة وسداد الرأي يكمن في القديم على مبدأ أن مسار التاريخ يتجه نحو التدهور وأن الماضي أسلم وأصح..
- الانتشار: الامتداد الأفقي لرأي أو فكرة أو سلوك وانتشاره بين الناس يزيد من سلطته وسطوته حتى يشيع قول هل أنت أحكم من كل هؤلاء؟ فنقطع الطريق على الرأي السديد وعلى التجربة الموضوعية بمنطقها العلمي.. إن حال حماية اتساع انتشار الرأي أو حماية الاعتقاد الجمعي برأي تفرض سلطة قسرية قامعة للتفكير العلمي.. وفي الحقيقة ما ينتشر من آراء عادة ما يكون الأسهل والأقل تكليفا بجهد التفكير وأكثر تناسبا مع الميول والرغبات الخاطئة واسعة الانتشار.. مثلما تسري الإشاعات وأخبار الفضائح أسرع من سريان نفيها وبراءة الشخص منها.. وقد اعتمدت بعض الكتل على إشاعات وإشاعات مضادة من قبيل تهم بالفساد وأخرى بالعمالة والتخوين والارتباط بالأجنبي وأجنداته من دون توضيح بل من دون حاجة للتوضيح بالخصوص اعتنادا على هذه السمة.
- الشهرة: للمشهور سلطته في شهرة فكرة أو رأي أو سلوك وفي منح سلطة التأثير. والإشارة هنا إلى استمرار الأخذ برؤية انتهى زمنها لمجرد أنها جاءت عن مشهور في زمانه… وهناك مشهور سلبي آخر هو المشهور المعاصر الذي عادة ما يكون من تصنيع أبواق إعلامية معاصرة لشخص لا يمتلك أهلية إبداع الأفكار والسلوكيات القويمة سوى أن وسائل الإعلام لمَّعته لسبب أو آخر.. ويمكن تمثيل الأمر بنجم كاتب إنترنت أو صاحب برنامج في فضائية ومثل هؤلاء ممن يدخلون البيوت بلا استئذان أو فلتر عقلي منطقي… إذ لا يسأل المتلقي ما علاقة شخص مشهور في فن أو مهنة بما يقدم من دعاية لإقناعه.. وسنأتي إلى دور هؤلاء في توجيه الناخب أكثر من تأثير متخصص وعالم أو أكاديمي..
- الرغبات والأماني: بمعنى الميل لتصديق ما يلبي رغباتنا وميولنا وأمانينا ولو من باب متوهم.. بطريقة أدري أنك تكذب عليّ ولكنني أصدقك وأجاريك فيما تدفعني إليه ولا أستطيع الإشارة لوهم ما قلته لي وخطله لأسباب نفسية مدروسة ليس هذا موضع الحديث عنها تفضيلا..
- إنكار قدرة العقل: بالاستناد إلى حال تخيل كون الأمور تجري جبريا بطريقة مقررة سلفا (المكتوب على الجبين لازم تشوفوا العين) وهو ما يرفضه المنطق العقلي والفكر الديني المتنور…
- التعصب: بأسس طائفية أو قومية أو دينية من باب التشدد والتطرف والبحث عن الحماية في أطر ماضوية…
ومن دون أن ننكر دور وأهمية هذه التوصية والوعظ وإبداء التوجيه من متخصص أو غيره في تحقيق نتائج تأثير إيجابية وتغيرات بنسبة مقبولة نقول في هذا المجال: إننا ينبغي أن ننتقل في رصد وعلاج الظواهر العامة من موقع الواعظ والناصح فقط إلى موقع الباحث العلمي الذي يتجه إلى جذور الأمور وجوهر القضايا…
ولعل أول الأمور التي ينبغي لنا توفيرها هي المعلومة أي تزويد الناس بالمعرفة وتنويرهم بأسس الظواهر لمساعدتهم على تجاوز آثار الاحباط واليأس (والتيئيس) تلك التي تربطهم بقيود التخلف وتبعية مرجعيات مزيفة وأوهام مرضية…
وكيما نفعل ذلك نحتاج لتوفير فرص صناعة
التراكم المعرفي
التنظيم والمنهجية وقدرات الربط بين مفردات الظاهرة
تبيّن الأسباب
النظرة الشمولية غير الجزئية القاصرة
توفير اليقين الموضوعي لا الذاتي حسب ومطابقتهما
- التراكم: المعرفة البشرية و أي علم لدى الإنسان لم يولد مرة واحدة. بل جاء في خضم مسيرة طويلة من التجريب ومن إزالة ما يخفق في البرهنة على صوابه ومراكمة ما تثبت صحته.. ويشير هذا إلى أن الحقيقة العلمية تبقى مفتوحة على التطور بمعنى إتاحة الفرصة للتراكم المعرفي والبحث العلمي أن يحققا في صواب (المفردة) العلمية ليكشف لنا عن معطى (جديد) أرقى وأعلى رأسيا في سياق التراكم والبناء لبنة لبنة وطابقا طابقا في صروح العلوم البشرية ومبانيها. وطبعا هذا يؤدي إلى التوسع المعرفي في النظريات والقوانين والاتجاه إلى مزيد من الدقة ومزيد من التفصيل وإلى إضافة معلومات جديدة أكثر اتساعا وأبعد تركيبا وتعقيدا، فيما الحقيقة العلمية التي تنمو وتتطور لا تُلغى بل يجري البناء عليها في ضوء مفهوم (التراكم)…
قد يقول هنا قائل: إنّ الحقيقة العلمية التي تتغير تشير إلى كونها نسبية غير ثابتة (ليست مطلقة) وفي الحقيقة لا تعارض بين وجود ثبات في الحقيقة العلمية كما في أوزان الأشياء وفي عناصرها المكونة كأن نقول أن الملح مكون من عنصري الكلور والصديوم أو الماء مكون من الأوكسجين والهيدروجين وهكذا.. أما النسبية فلا تأتي الحقائق العلمية إلا بالاستناد إلى الزمان أو المكان فوزن جسم على الأرض غيره على القمر أو على المريخ بالاستناد إلى الجاذبية وهي نسبية لا تتعارض وثبات أو سمة الاطلاق في حقيقة الوزن وقانون الجاذبية.. وفلسفة قوانين الفيزياء القديمة والحديثة نسبية في زمان استخدامها وحدود معرفتنا بقوانينها ولكنها لا تتعارض وصواب ثباتها بوصفها حقيقة علمية لا منازع فيها..
لقد سقنا الحديث عن نسبية الحقيقة العلمية وثباتها لأن بعض مثيري الجدل البيزنطي من معارضي التفكير العلمي ومنطقه ودافعي الناس قسرا للإيمان بخرافاتهم يساجلون بالقول: هاكم لقد نفى العلم حقيقة من حقائقه فيتهمون التفكير العلمي بالعجز والنقصان بناء على مبدأ التغير والتطور فيه، أو في ضوء عدم وصوله إلى تفسير ظاهرة أو معالجة أخرى في مرحلة زمنية بعينها.. وهم هنا يمهدون لتقديم بدائلهم القائمة على خعبلات معادية للعقل ومنطقه…
على أن الرد المناسب يؤكد أن مبدأ الحركة والتغير هو مبدأ قوة كونه يراكِم عناصر جديدة مضافة من جهة ويتسع بتفسير الظواهر وقراءتها بدقة أفضل.. وهو تغير يعلو ببناء العقل العلمي وأدوات تحليله مفرداته.. وبهذا تتسع نسب إجابات العلم على أسئلة الواقع وتضيق نسبة الجهل بتلك الإجابات.. إن الاتساع في تعاطي العلم مع الظواهر يتم عميقا باتجاه رأسي عمودي حيث مراكمة قراءات جديدة مضافة أكثر دقة في أمور يجري دراستها مجددا فيما يتسع أفقيا في قراءة ظواهر جديدة تبدو أمامه عبر كشوف وتعاملات جديدة..
- التنظيم: يشتغل العقل الإنساني باستمرار وبلا توقف وغالبا ما يعمل بعفوية أو تلقائية في ضوء تداعيات ذهنية (استجابات) لمثيرات محيطه وبنسبة أقل بوضوح يعمل بمنطق علمي موجه منظم إراديا. إن سمة التداعيات الحرة الطليقة لأفكارنا كما في أحلام اليقضة أو كثير من لحظات الحوار الداخلي تظل عفوية غير مرتبة أو منظمة مثلما يجري في التفكير العلمي. إذ نجد هنا أن أهم سمات التفكير العلمي هو توجيه أفكارنا بترتيب محدد وبتخطيط مقصود.. وما يمكن أن يوسع استخدامنا هذه الآلية بحاجة لتغيير كثير من العادات الشائعة سواء فرديا مع أنفسنا أولا أم جمعيا مع الآخرين.. وأذكِّر هنا أننا نطلق (لخيالنا) عمليات التفكير لدينا العنان ونتنقل من مفردة لأخرى بانسيابية غير موجهة وبتداعيات تجر بعضها بعضا بلا إرادة أو سيطرة واعية منّا.. كما أُذكـِّر هنا بالتنقلات (الحوارية) من معالجة مفردة إلى أخرى ومن موضوع إلى آخر بطريقة التداعيات (والتفاطين) عندما تجري الحوارات في جلساتنا الخاصة والعامة وهذا ما يفضي إلى عدم التركيز على الموضوع أو الفكرة وعدم تناولها بمقدماتها الصحيحة ولا معالجة أسئلتها ومن ثمّ عدم الوصول إلى خواتيمها المنتظرة..
ويحتفظ التفكير العلمي والعلم نفسه بمبدأ (التنظيم) أساسا لمنطقه في التعاطي مع اشتغال العقل وتوجيه الذات بطريقة منظمة وكذلك في محاولة إعادة تنظيم عالمه المحيط (الخارجي).. فكلا العالمين الداخلي للإنسان والخارجي المحيط به يمتلكان حالا من أنتروبيا أو عشوائية وتعقيد التفاصيل وتشابكها وتمددها في مفردات كثيرة. ومن أوليات التنظيم التي ينبغي أن يحققها التفكير العلمي، هي أن نختار من جملة هذه المفردات شديدة التعقيد عشوائية الوجود وأن ننظمها بما يتلاءم وحاجاتنا ومقاصدنا.
على أن التنظيم قد يكون علميا وقد لا يكون من جهة الإطار ومجال الاستخدام فمن التنظيم ما يدخل في النصوص الإبداعية الجمالية الفلسفية كما في تنظيم الأسطورة وتفسيرها الظواهر الطبيعية بمعاني وغايات تتواءم وإرادات شبيهة بالإرادة البشرية وحركتها.. وفي الفلسفة وفي الفكر الديني سنجد قراءات تنظم الكون أو تراه بنظام يوحي إلى غائية أو إلى وجود الخالق بخلاف حجم العشوائية الذي ترصده العلوم في هذا الكون.. المبدأ هنا يفصل بين التنظيم علميا والتنظيم في الخطابات البشرية الأخرى. وما يميز التنظيم علميا هو منهجه ورفيق التفكير العلمي والعلم ذاته لا النتائج ولا المعلوماتية التي نكسبها بل اتسامه بالمنهجية مع الانتباه على أن تعددية المناهج لا تتعارض وثبات هذه السمة بين سمات التفكير العلمي..
وفي المنهج هنا يتخذ من التفكير العلمي للإنسان أدواته ممثلة في (ملاحظة) الظاهرة فـ التجربة المجراة على تلك الظاهرة من زوايا متعددة وجزئيات كثيرة والتركيب بجمع القوانين والقواعد الجزئية المتوصل إليها من التجربة ووضعها في النظرية التي يجري توظيفها في حالات القراءات الجديدة التالية عبر الاستنباط والاستنتاج.. وتلكم أمور إجرائية لجهدنا في تنظيم الظواهر والعلاقات وتفاصيل أمورنا تنظيما موجها بإرادتنا الواعية وبقدرات إدراكنا الناجمة عن التراكم المعرفي، وطبعا ليس باكتفاء بإجرائية منهجية بل تتسع سمة التنظيم لتشمل فكرة قدرات إيجاد الترابط بين الجزئيات حيث لا تترك الحقائق بصورة منفصلة مفككة بل يُكشف عن العلاقات بينها وصيغ الترابط وقوانينه.. وهكذا لا يُضاف جديد علمي إضافة كمية منفصلة بل يجري الربط بينه وما سبقه بما يشيد الحقيقة الأشمل عبر جسور العلاقة بين حقيقة وأخرى وعبر ربط محدد بينهما.
- السببية \التعليل: ليست تداعيات التفكير بجملتها تفكيرا علميا إلا عندما تتسم باستهداف إدراك الظاهرة والبحث في أسباب وجودها.. وهدف البحث في الأسباب يكمن في إشباع الميل النظري للإنسان في التعرف إلى علة كل شيء وإن كان هذا الميل قد وُجِد بدرجات متفاوتة لدى الأفراد والجماعات البشرية. أما الهدف الآخر للبحث في الأسباب فيكمن في أنّ معرفتنا سبب الظاهرة يمنحنا فرصا أوفر للتحكم بالنتائج وتحسينها. فمعرفة سبب المرض يعطينا فرصة أفضل لمعالجته…
إنّ شروع الإنسان بسؤال لماذا هو الذي يدخله مرحلة مراكمة معرفية بوساطة التفكير العلمي.. لقد أورد فلاسفة اليونان أنواعا أربعة من الأسباب في محاولة لتحديد فكرة السبب ممثلة في السبب المادي والسبب الصوري والسبب الغائي والسبب الفاعل.. فيمكنك على وفق اليونانيين أن تقول أن الحديد أو الخشب هو السبب في صنع الكرسي أو السرير لأنه صنع من تلك المادة أو صورة الكرسي أو السرير هو سبب له وذلكم ليس موضوعيا منطقيا صائبا كما نرى اليوم. فالمادة ليست سببا لوجود السرير بل أداة والصورة تبقى فكرة في الذهن لا يمكنها إنتاج المحسوس مباشرة.. والغاية لا نجد دورها إلا بعد أن نوجد الشيء فهي ليست سببا في وجوده.. على أنه من المفيد القول إنّ السبب الغائي دفع التفكير البشري إلى التعطل عن البحث في الحقائق الطبيعية حيث طبع الإنسان كل حقيقة طبيعية بغاية بشرية سواء باتجاه تحقيق رغبة البشر أم بمعاكستها.. كأن ينزل المطر طاعة وتنفيذا لرغبة بشرية أو ينقطع رفضا لها ونحن نعرف أن نزول المطر ظاهرة طبيعية لا علاقة لها بغاية تحقيق رغبة بشرية من جهة الحدوث… وما يبقى لدينا مما يساعدنا على فهم السبب هو السبب الفاعل أي أن صانع الشيء هو سبب وجوده….
إن السببية تظل موجِّها مهما لتفكيرنا (العلمي) وقد اعتمدها جهدنا طوال القرون الأخيرة على الرغم من الرأي الفلسفي الذي يرى أن العلاقة بين السبب والنتيجة ليس ضروريا حتميا إلا في ذهن الإنسان وأن الربط بينهما يجري فقط في ضوء الخبرة البشرية الناجمة عن تعاقب (وتكرار) بين حدوث السبب ونتيجته ولا صحة للضرورة أو الحتمية في الرابط بينهما (هيوم).. غير أن العلم لا يقف عند الرأي الفلسفي والاعتقادات في قراءات الحقائق بل يجري بمنطقه في فحص الظواهر. ومن هنا تقدم باتجاه فحص نعدد أسباب بعض الظواهر المعقدة التركيب فوظَّف الإحصاء في إيجاد معامل الارتباط بين جملة أسباب الظاهرة لتبيان السبب الرئيس المؤدي لتلك النتيجة (الظاهرة). وتوسع في استخدام السببية مع تقدمه في البحث عن المباشر وغير المباشر في الارتباط بين السبب والنتيجة، وهذا ما يؤكد مجددا التقدم العلمي القائم لا على إلغاء ما سبق بل التعمق فيه والتوسع المعرفي.
- الشمولية: يعكس الفن والأدب تعبيرا عن عملية تفكير تعكس الفردي تعبيرا وتفاعلا مع الآخر. إلا أنَّ المعرفة العلمية لا تكون إلا شمولية من جهة تحققها في جميع الظواهر وتصدق لدى جميع العقول.. ومن يقرأ الإبداع الفني في شخصية مبدعه لا يحتاج إلى هذا في قراءة الحقيقة العلمية التي تبقى مشاعة بين البشر كونها غير شخصية الوجود..
- اليقين: يتوافر الاعتقاد أو اليقين بالحقيقة العلمية، لدى البشر بصورتين هما اليقين الذاتي (النفسي) فرديا بما يجسد الميول والرغبات والاتجاهات الفكرية التي نعتقد بها ويقبع محدودا بتجربتنا الفردية. والتزمت بيقيننا الفردي وتجربتنا المحدودة يجعلنا الأكثر جهلا بالحقائق المحيطة بنا. ذلك أن تصديق إشاعة لأنها تلبي رغبة لدينا أو الإيمان بخرافة رافقتنا منذ الطفولة أو تصديق خبر أو رأي منقول إلينا يعود لمحدودية ثقافتنا أو معارفنا.. فنحن يوم لا نمتلك اطلاعا وافيا على الرأي الآخر لا يمكننا أن نقطع بصواب ما لدينا ونرتاح لاعتقادنا بأننا أصح فيما نملك كما في اعتقاد أي مؤمن بفكر أو مذهب ديني لم يطلع على ما لدى الآخر ويبقى معقتدا بصواب ما يؤمن به.. إن اليقين الفردي الذاتي هذا يظل قاصرا مضللا..
واليقين علميا ينبغي أن يكون موضوعيا لا فرديا يستند إلى جملة الخبرات البشرية وآخر ما برهنته علميا وبأدلة منطقية ترفض ما تكلس جامدا بسبب اليقين الذاتي المضلل وتبدأ بوساطة نظرية الشك ليحل اليقين الموضوعي محل اليقين الذاتي مثلما أزاح الكشف عن حركة الأرض فكرة كونها ثابتة مركزية وتبين أنها ليست كذلك… والثابت هنا توكيد ألا حقيقة مطلقة غير قابلة للتغير فالعلم يتحرك إلى أمام ويمتلك قدرات التجديد عبر الكشوف التي تستخدم ما سبقها من مستويات معرفية..
- الدقة: في وقت نمتلك فرديا كثيرا أو قليلا من الغموض في تفاصيل يومنا العادي لا يقبل العلم ومنطقه العقلي إلا وضع أدق المحددات لكل حقيقة. ولابد هنا للتفكير العلمي من أن يتسم بطابع (الدقة).. أن يكون دقيقا في وصف ظاهرة وتحليلها والتعاطي مع أسبابها ونتائجها. وتبلغ هذه الدقة الرياضية تفاصيل رقمية متناهية لا ندركها ومن هنا كانت العلوم سابقا تشتغل (كيفيا) بقراءة الظاهرة وصفا ينطلق من العقل الفلسفي.. إلا أن المرحلة الحديثة باتت تستخدم الرياضي (الكمي) ما دفع إلينا بنتائج مهمة في الكشوف العلمية من الفيزياء والكيمياء ومعادلاتهما الرياضية إلى الإنسان ومحاولات دراسته بمنهج علمي دقيق لا يقبل باستثنائه من التحليل والدرس بقوانين العلم الجديدة…
- والتجريد: إنّ استخدام الدقة الرياضية ونظريات (الكم) تؤدي بنا إلى الاطلاع على سمة التجريد في القيم الرقمية أو وجود الشفرات (كود) التي لا تعبر عن كيف بعينه بقدر ما تعبر عن سمات مجردة ترسم العلائق بين أطرافها.. حيث س+ ص= ص+س في جميع الأحوال الكيفية… وحيث اصطلاح خطوط الطول والعرض تمثل فرضيات متخيلة لا رسوما على الكرة الأرضية…
وأمر التجريد ليس رغبة خارجية بلا سبب فنحن على سبيل المثال نستطيع أن نسمع مدى موجيا محددا من الصوت ولا نسمع مديات أقل أو أعلى ولكننا عندما ندرس الأطوال الموجية سنتعرف إلى أصوات لا نسمعها بالوضع الكيفي المحدود كميا.. ومثل هذا في الأمواج الضوئية التي تتحدث عن وحدة الجوهر الذي نراه في ألوان منفصلة نضع حواجز بينها فيما التجريد يمكننا من كسر أحوال الفصل الخارجية التي يجريها بعض غير المؤمنين بالتفكير العلمي ومنطقه.. فالتجرد والنظر بموضوعية إلى حقيقة عالمنا يجعلنا نتعرف إليه أدق وأفضل بما يساعدنا عل السيطرة عليه تماما وتوجيهه إلى ما يخدم الإنسان.. بينما البقاء أسرى النظر الكيفي العيني يجعلنا أسرى لا نفقه آليات فهم محيطنا وتوظيفه لمصلحتنا لبقائنا حبيسي الخوف من المجهول!
والآن كيف نقرأ الانتخابات وتحديدا الانتخابات العراقية واي القوائم ستكون ذات الحظوة بالمقاعد لماذا؟ وما النتائج؟
لكل بلاد أوضاعها وظروفها المخصوصة بالاستناد إلى طبيعة المجتمع وتركيبته والمشكلات التي عانى منها والتركة التي ورثها
ولابد للديموقراطية الوليدة أن تحتار النظام الانتخابي المناسب على وفق الحقائق المتوافرة
ومن يختار النظام الانتخابي أما جاهل بالنظم بالانتخابية فيختار كيفما توصل من دون دقة أو موضوعية أو أنه يعرف النظم الانتخابية ويختار منها ما يتوافق وشرطا ضيقا مخصوصا به وبمجموعة بعينها
وكثيرا ما كان لآلية الانتخابات مثالبها نتيجة اختيار النظام الانتخابي وإجرائيته
لاحظوا أولا الانتقال من النظام الرئاسي الفردي إلى الديموقراطية النيابية وسلطة لامركزية باتساع مفرداتخا
لاحظوا أن البرلمان لم يكتمل تركيبا وبقي بحدود مجلس النواب فيما مجلس الاتحاد لا يوجد من يتحدث عنه لا قانون تم تشريعه ولا تحضيرات تمت لانتخابه
لاحظوا أن الانتخابات تجري بلا قانون أحزاب ما أفسح فرصا لخطاب التهم الجاهزة وعمليات التسقيط في ظل أشمل قدرات تطويع لاختراع أية تهمة وأدلتها
المشكلة هنا ليست في خطاب الاتهام ومن سيفوز في الانتخابات التالية ولكنها في إخضاع العقل العام لفلسفة العجز عن تحقيق الذات والتعرف إلى الأنسب والالتجاء إلى القدرية وتسليم الأمر إلى الله والقعود عن العمل للتغيير
النظام الانتخابي يخفف أو يزيد من التوتر والصراع والخاسرين قد يندفعون لاستخدام وسائل عنفية في التعاطي مع الجولات التالية التي يقرؤون فيها عدم توافر فرصة لفوزهم في ظل نظام بعينه
هناك إشكالية في التعاطي مثلا مع القائمة المفتوحة فلصالح الدفع بالقائمة يجري تجنب السماء المتأخرة في القائمة لدفع قائمة صغيرة للصعود أو لدفع قائمة كبيرة لأوسع عدد من المقاعد
الانتخابات محكومة بهل كونها تجري لأول مرة أو لعمق التجربة أو انها انتقالية وكم حزب جدي حقيقي وكم من المصنوعة لأسباب الصراع الانتخابي
النظام الانتخابي سيفرز أمورا وظيفية منها السيطرة أو عدمها على دور زعماء الأحزاب أو الكبار في الحركات والأحزاب….
الانتخابات التي تفضي لصعود قوة أو حزب لم ينتخبها الشعب تؤدي إلى مشكلات مضاعفة وهذا ممكن في الوضع العراقي في ظل قانون الانتخابات البديل هو احتمال التصويت لقوى جديدة
أشكال انتخابية
موروثة عن الاحتلال أو عن عناصر مسؤولة انتقالية من الاحتلال إلى سلطة الحكم (العراق)
بوجود عناصر من الحكم الاستبدادي السابق تشيلي
عن لجنة خبراء واستفتاء نيوزيلندا
إشراك المواطنين والمجتمع المدني في تصميم قانون الانتخابات
ناجمة عن مفاوضات سلام بين متنازعين (جنوب أفريقيا)
تمثيل المجموعات القومية والدينية
الدائرة الوطنية والدوائر المتعددة (محافظات)
الانتخابات الأولية والعامة كيف تم اعتماد مرشحي القائمة
البرامج
الاستفتاءات والاستبيانات
الدعم المادي للأحزاب
أرضية المافيات والعصابات والميليشيات
أرضية استغلال الرموز الدينية
أرضية استغلال سلطة السيطرة في البرلمان لتوجيه التشريعات والقوانين
صياغة قانون الانتخابات
تأخير تشريع القوانين المهمة
استغلال المنصب
استغلال المال السياسي
استغلال المال العام
استغلال أشكال السطو على الثروة العامة رشوة سرقة صريحة
الانتخاب كيف نؤثر في الناخب المنوم مغناطيسيا
كيف نجذب الناخب السلبي (العازف عن التصويت)
قدرات الاتصال المباشر
المناخ العام للانتخابات
موضوع التزوير المحتمل
سيجري هنا وضع تصورات محدَّثة للتوجه إلى انتخابات مبكرة يُفترض أن تكون الطريق لإزاحة قوى مافيوية ميليشياوية بوسائل سلمية أي تغيير النظام (الكليتوفاشي) إلى نظام (ديموقراطي علماني) بلا تزييف وضحك على الذقون أم سنعود لذات قرار المقاطعة إذا ما فرضوا تلاعباتهم بأضاليل واباطيلها يعرفها الشعب ابتغاء إعادة إنتاج نظامهم لا استجابة لإرادة الشعب!!!؟؟؟؟؟؟