من بين أكثر القضايا استعصاء وإثارة للجدل تلك المتعلقة بحل الميليشيات التي تفاقم وجودها وتضخم؛ حدّاً بات أخطر من كونه قضية عابرة أو انتهاكا أو خرقاً أمنياً جزئيا هامشيا! فلقد صارت الميليشيا وجوداً موازٍ للمؤسسة العسكرية الأمنية وربما ببعض جغرافيا وجودها أعلى سطوة وصوتا من تلك المؤسسة الوطنية، حتى باتت تهدد رموز الدولة وترتكب أفدح الخروق والانتهاكات بحقها من دون وازع من ضمير أو خشية قانون!! فهي تعمل بقوانين تفرضها كرهاً بإسقاط القدسية على وجودها واتهام الدولة وخيارات الشعب بالكفر ومن ثم بالتهديد بوأدها متى شاءت، بشرعية مزعومة لتنفيذ الأمر الإلهي!!! وفي الوقت ذاته نجد بعض عناصر حديثة العهد بالحكم وبالسياسة، ترى أن المناورة هي طريق (الحل)؛ وهي تضمر حقيقة أن المناورة ميدان لتلك الميليشيات كي تواصل تكريس وجودها حتى تتمكن أكثر من سطوتها بالإكراه على كل مفاصل الدولة والمجتمع.. فما آخر ما وصل إليه الجدل وما مزالقه ومخاطر مخرجاته
حل الميليشيات بين المطلب الشعبي وبين مزاعم النظام المخادعة المضلّلة
بعد أكتوبر الثورة العراقية على واقع كرّسته سلطة مافيوية ميليشياوية؛ جابه الشعب رصاص ما سًمِّي الطرف الثالث وعنف القوات الرسمية مع عدة مناورات للسلطة ومنظومتها كان أولها إبداء تراجع نسبي وتشكيل حكومة لم تستطع امتلاك صلاحية السلطة الانتقالية كما أراد الشعب، بل أدارت الحكم بمسك العصا بالمشاركة من النقطة التي تسمح بتمرير مناورة السلطة ومنظومتها ومنطق تكريس الدولة العميقة التي اختلقتها أداة لأضاليلها وأباطيلها…
أما وقد أجرت تلك الحكومة عملية بمسمى (انتخابات) في ظل سطوة فعلية كاملة لمنطق السلاح وبلطجة المال السياسي الفاسد فإنّ المناورة الجديدة بعد أنْ قطعوا شوطاً تشدقوا فيه بإجراء إصلاحات وأشكال تجميل للوجه القبيح للسلطة ومنظومتها التي ثار عليها الشعب؛ هي مناورة تتوهم إمكان استكمال اللعبة بإعلان (وهمي بجوهره) لحل الميليشيات!
إنّ ما أسموه انتخابات قد جرى فعليا بتصويت (ينحصر بجمهور قواهم) بصيغة تمت إدارتها لإعادة توزيع الأدوار بما يتلاءم والمرحلة الجديدة لوجودهم وسطوتهم. إذ أنّ الشعب قاطعها رافضاً أن تجري مفصَّلة على مقاس الوجود المافيوي الميليشياوي وهو ما تتواصل مناورات التغطية على فعالياته المضللة بوجود حال من شهادة زور دولية حضرت بعض تفاصيل هامشية للعبة وبدل أن تكون مشرفة تدير المشهد كانت مجرد مراقب لم يشهد من الفعالية إلا هامشياتها التي وجد فيها ما يلبي تبرئة ذمة ودفع (ما هو أعظم) وإن بقصبة كما يقول العراقي…
ونفس اللعبة تتواصل بمناورة إعلان (مطالبة) مجرد مطالبة بحل (الميليشيات) حتى إذا تم الأمر فإنه سيكون محدودا ببعض تشكيلاتها من بين مئات مجموعاتها والأنكى أن حلها لا يعني إنهاء وجودها بل يعني أمراً ساذجاً واحداً هو وضع سلاحها في مشجب ميليشيات أخرى بمسمى الحشد (الشعبي) وكل العراقيين يدركون معنى وجود هذا المسمى ومخاطر استمراره على بنية جيش وطني ومؤسسة عسكري بعقيدة وطنية سليمة غير مخترقة ولا منتهكة!
ولا يمكننا حتى من باب المناورة المؤقتة أن نقر بوجود مرحلة انتقالية تسمح باعتراف بمأسسة وشرعنة لأي شكل ميليشياوي وإن تسمى بالجيش الشعبي وليس الحشد الشعبي لأن المشكلة بنيوية تتناول أساليب العمل ومناهجه وعقيدته العسكرية ومعاني وجوده وانتشاره..
دليلنا عدم انصياع قادة ما يسمى الحشد لأوامر قائد عام مع أنه منهم وإليهم ولا يصرح برفض وجود تشكيلاتهم لأن الحقيقة الساطعة تشي بأن الأوامر تأتي من قيادة خارجية موجودة بعاصة دولة إقليمية خطيرة التهديد، ولكنها قيادة تصل بغداد متى شاءت ومن دون تأشيرة أو تبرير لتمارس عملها مباشرة وميدانيا…
إن الحديث عن تسليم أسلحة ميليشيات لأخرى وتوصيف ذلك بأنه حل كلي وإنهاء وجودها (أجمع) ليس سوى خدعة حل وهمي يزعم أن مسمى ميليشيا مقصور على مجموعة منها ولا يضم ما جرى تسويقه بتخليق قوانين شرعنة لمجرد أن دمغة أو ختم الشرعنة القانونية كانت ومازالت بين أيدي زعماء الحرب الميليشياوية ممن احتل عضوية مجلس أسموه البرلمان زورا وبهتاناً…
والحقيقة الناصعة أن أي بلد يحترم وجوده الوطني وهويته المعاصرة القائمة على قوانين الحداثة والدولة العَلمانية ومنهج العقل العلمي لا منهج الخرافة ومنطقها لا يقر أيّ وجود ميليشياوي بأي مسمى وبأي إسقاط قانوني مزيف تمت ممارسته..
ومن ثمَّ فإن التعامل أو التعاطي مع تلك المشروعات المزيفة المضللة هو تراجع عن مطلب الشعب في الإنهاء الشامل والكلي لكل أشكال الوجود الميليشياوي وتسريح العناصر التي تم دفعها لاختراق هيكل الجيش الوطني ومؤسسته وليس العكس أي ليس بدمج لا مجموعات ميليشياوية مسلحة ولا حتى بإلحاق عناصر منها في المؤسستين العسكرية والأمنية بمستوياتها الوطنية الرسمية..
إن رفض التراجع عن المطلب الشعبي هو الوحيد الكفيل بضمان الأمن والأمان والسلم الأهلي وحماية السيادتين الخارجية والداخلية للبلاد ومنع انتهاكها الذي امتد لعقدين من الزمن الأغبر الذي شوّه كل معاني وجود المجتمع العراقي فيه وأحاله، بل عاد به إلى زمن الرق والعبودية بفروض طبقة الكربتوقراط التي اصطنعوها وها هم يحمونها بسلاح الميليشيا القمعية (الفاشية) النهج..
لقد كانت ميليشيات ما يُسمى الحشد (الشعبي) ميليشيات سائبة وما اتخذته من غطاء هو مجرد تسمية للمخادعة من جهة وإسقاط قانوني شكلا فيما الجوهر مازال هو هو نفسه بلا تغيير؛ من جهة منهج الفعل وما ترتكب أم منهج مصدر (الولاء) ولمن تتبع ولأية أوامر تخضع!؟
ومن هنا فإن تضخم الميليشيات لمستوى جيش مواز للمؤسسة العسكرية والأمنية للدولة يجب ويلزم أن يوصف بأنه أكبر من تهديدي وأشمل وأعمق من خطر داهم لأنه قوة ميدانية لشكل متفاقم من حصان طروادة بصيغ تحتاج اليوم لمصطلح جديد يمكنه أن يستوعب التعبير عنه بدقة بمستوى الخطر الداهم..
من الخطايا الكبرى أن يتوهم أو يظن ولو لوهلة أيّ عراقي أن الميليشيا بكل اشكالها يمكن أن تكون عامل استقرار بأي شكل لوجودها مشرعن و\أو غير مشرعن لأنها كلها أوجه لأدوات تعادي منهجيا السلم الأهلي والوحدة الوطنية وأية تلبية للحقوق والحريات لأنها موجودة بالأساس لتمزيق البنية الوطنية وهويتها وترك الشعب أعزلا يخضع لتشظياتها المقصودة المتعمدة بهذا التوجيه أو ذاك الاستهداف..
ولابد هنا من الانتباه على صياغة بيانات القوى الوطنية وعدم السماح بمنزلقات تفصلها عن الإرادة الشعبية وصائب خيارات الشعب وحراكه التنوير والتغيير الذي كان ومازال واصحا دقيقا لا لبس فيه فما عدا مما بدا أن نقرأ لبعضنا أنّ حشداً أو قوى مسلحة هي غيرها المجموعات الميليشياوية المسلحة التي يسمونها المارقة بمحاولة لتمرير ما يريدون تسميته بغير المارق وكأنه يتبع أوامر قيادة وطنية للدولة فإذا كان صحيحا أنها تتبع للقوات المسلحة العراقية وقيادتها الوطنية الرسمية فلتقبل بقرار حلها وإيجاد البديل الذي تحتكر المؤسسة العسكرية الأمنية السلاح بتركيبة ذات عقيدة وطنية بلا خرق أو انتهاك..
إن المرحلة التالية في حياة العراق الجديد هي مفترق طرق بين وجود العراق خيمة لأهله تجمعهم بعقد اجتماعي يصاغ بأقلامهم وعقولهم لتلبية مصالحهم وبين مسار ينتهي فيه هذا الوجود الوطني كليا ويصير العراق مِزقاً وإمارات تتبع بصيغ العبودية لزعماء حرب ميليشياوية تأتمر بأجندتين إيرانية تركية ولا قرار باسم دولة كانت تسمى العراق!!!
إن المطلب الشعبي هو حل كلي ونهائي لكل الميليشيات بمختلف المسميات واي شكل لها هو وجود غير مشروع لا بما يسمونه مارقة وقحة ولا بأي مسمى آخر من حشد منسوب للشعب عنوة وبالاسم لتزييف أو تضليل لم يقره الشعب ومازال يكافح لدحره وجوديا بما يستعيد به الوطن ووجوده في دولة يبنيها أهلها من العراقيات والعراقيين…
والقضية مع الميليشيات ليست مناورة ومحاولات درء تهديداتها في استمرار نهج التخريب الأمني ولكن القضية قضية وجودية ولا يمكن أن يديرها من كان ومازال جزءا من بنية الهالة الدينية وجلباب مناهجها ومركب الوصاية ومواعظ مركزية المرجعية [دينية أم سياسية برداء ديني من عمامة أو جلباب] وأوامرها..
لابد من إعادة تفعيل الحراك الشعبي الذي أجبر السلطة الكليبتوفاشية على التراجع النسبي للمناورة من أجل عدم السقوط بكماشة المناورات التي تعد شكلا للتنفيس وإدامة الاستغلال المافيوي الميليشياوي الفاشي وفرصة أخرى لتأجيل ما يتطلع الشعب بتضحياته لفرضه بطريق التغيير..
إن ميثاق العمل الوطني للمرحلة لابد أن يمر بمزيد مقاطعة وفضح للسلطة مما لا يقوم على النهلستية العدمية وعدم استثمار هذا الصوت أو ذاك من الموجود في هياكل مؤسساتية للدولة ولكن من دون الانجرار لمخططات الآخر المعادي بل بجر الصراع إلى ميدان يكون فيه نضال قوى التنوير أوضح أثراً وأبهى وجودا
***************************
برجاء التفضل بالضغط هنا للانتقال إلى الموضوع بموقعي الفرعي في الحوار المتمدن
***************************
اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركة النوير والتغيير