بقي الجيش العراقي مؤسَّسَاً على أحدث قوانين العمل العسكري المنظم وباستثناء بعض قطعات أُديرت بصورة عدوانية في ظروف أنظمة سياسية تقاطعت مصالحها مع الشعب العراقي ومع شعوب المنطقة ودولها فإن ذاك الجيش ظل صمام أمان الدولة العراقية وسيادتها يعمل بمنطق منظم بلوائح وعقيدة عسكرية سليمة تعتمدها دول العالم بمنطق حداثة اليوم وقوانينها.. ويُفترض أن تكون إعادة التأسيس قد أضافت حقوق الإنسان وحق تقرير المصير وحظرت الشوائب المرضية الخطيرة التي ربما شابت المسيرة ببعض مراحل إلا أن ذلك لم يحدث فعليا إلا بصورة مجتزأة عليلة فاقمت بإطارها ظاهرة تغليب القوى الميليشياوية على حساب القوات النظامية الرسمية المنضبطة بقوانين.. وهنا نتوقف لمعالجة ذلك من أجل اتخاذ الموقف الشعبي الأنجع لمكافحة ظواهر الدمج التخريبي بنيوياً الذي استهدف ويستهدف العراق وجودياً لمصلحة قوى وأجندات إيرانية وغيرها.. فهلَّا تفكرنا في معالجاتنا ومواقفنا؟؟؟
بشأن سلامة ضم الميليشيا للمنظومة المسلحة النظامية من عدمه!؟
مع ظاهرة حديث أطراف حكومية وأخرى من قوى أحزاب السلطة الكليبتوفاشية عن إشكالية دمج الميليشيات بالجيش والشرطة ومنظومة القوات المسلحة النظامية يتساءل المواطن عن معنى وجود (العقد الاجتماعي) أو (الدستور والقوانين الدستورية المعمول بها، لأن مؤدى الفكرة ومخرجاتها تتمثل في أن نجمع النهج الميليشياوي المنفلت المتمرد بالعسكري المنضبط المنظم؛ فهل يحق لمثل هذا أن نتساءل مجرد التساؤل عن صوابه من الخطأ والخطل فيه!؟
وسيظل ابن الشارع العراقي يطالب جهات العمل العام يسارها ويمينها علمانيّها وإسلاميَّها عندما تتخذ موقفاً أو تُصدر بياناً بشأن هذا الحدث أو ذاك بألا يأتي منها الموقف معزولا عما يحيط به مبرراً انقطاعه بالتركيز على جزئية من حدث لأنّ ذلك لا يعني، بأحد مساراته، سوى صرف النظر عن الحلقات المركزية والقضايا الجوهرية في أولوياتها مما يحيط ذلك الحدث أو تلك الإشكالية..
على سبيل المثال يسمع أبناء الشعب نداءات تدعو إلى توحيد القيادة العسكرية ولكن، في الدعوة لوحدة القيادة عمَّ يتحدثون في نداءاتهم؟ هل عن وحدة القوات البرية والبحرية والجوية أم تلك القوات أو أي قطاع فيها مفكك الفرق والألوية أم الموضوع ودعوته لم يجرِ فيه وضع معنى لتعدد القيادة ولا تحديد أية قيادة جرى ويجري الحديث بشأن ضمها للقيادة (العامة) الموحدة بالضرورة!؟
في كل تصنيف وإحصاءاته يرتب الإنسان ما يقرأه ويعالج مادته ففي إحصائه العام يصنف ما يشمله فيه بوصفه إنسانا بمختلف صفات وجوده ولا يستوي بالإحصاء إنسان مع حيوان. وفي إحصاء ثرواته يصنفها بين طبيعية كالنفطية وصناعية وزراعية وهكذا وهو لا يجمع نوعين مختلفين في إحصاء أو معالجة؛ إذ أنه ليس من المعقول أن نوحد القصدير والزنك أو أن نضع الصوديوم في الماء، فالنتيجة معروفة من خلطة العطار السحرية سواء مادية أو بشرية أو وظيفية من أي نوع..
وبشأن الحديث عن قيادة عسكرية موحدة، سنجد أنه بعد انتهاء عمليات التشكيل واستيلاد أو تفريخ وتناسل الميليشيات أو المجموعات المسلحة وتمكينها وسطوتها على الأوضاع، يتبقى لها في مرحلتها الأخيرة الولوج في آخر صمامات الأمان للإجهاز على ما تبقى من الدولة والمجتمع والقضاء على الهوية وإلحاقها في ضوء الظروف التي اصطنعتها بمن يضع عينه على البلاد وشعبها من قوى تجتر مشروعاتها أو غايات بناء إمبراطورياتها من مجاهل التاريخ المنقرض!
وتلكم هي الكارثة في أي حديث أو معالجة تتناول فكرة وحدة بين منهجين وغايتين (متناقضتين متضادتين) ومعروف التعارض بين فلسفة وجود الميليشيا [أية ميليشيا] وفلسفة وجود الجيوش الوطنية [أي جيش] وتجاريب السودان وليبيا ماثلة حتى الآن بكل ما يعيقها ويعرقلها ومثلهما الميليشييات في اليمن وما فرضه وجودها من انقلاب ومن حرب تطيح بمجمل أوضاع اليمن واليمنيين وشبيهها ميليشيا الإرهاب في لبنان وثلثها المعطل الذي جعل البلاد مشلولة مع اختلافات الأسماء والمسميات..
الضعيف يؤكل جهارا نهارا ومن تلعب به الميليشيات المنافسة للجيش الوطني في أي بلد، يكون بلا حول ولا قوة لضمان مصالح شعبه، فيبقى بلا حقوق ولا حرية للتعبير عن آلامه حتى بمجرد صرخة وجع أو شكوى!!! |
وعلى سبيل المثال فإن الأمور لا تؤخذ بالنيات أيا كانت سلامتها أو طيبتها حيث يجري تمرير بعض بيانات تدين (انتهاك) أمريكي كما تسميه وتعرضه على الجمهور [وربما هناك وجه حق في جانب من ذلك] ولكنها تعرض الإدانة للانتهاك كأنه الانتهاك الوحيد للسيادة وكأنها (تتصدى له) في حين أن تلك القوات (الأمريكية) والأوروبية موجودة بقوات تحالف على وفق اتفاقية دولية وواجبات محددة رسميا فيها..
إن هذا التركيز على طرف وإغفال أطراف أخرى ترتكب انتهاكات وفظاعات أخطر على الوجود الوطني العراقي يمنح مرتكبي الانتهاك الأخطر فرصته في الوصول لغاية إنهاء وجودي للبلاد، بالإشارة إلى ميليشيات إيران المتسترة بانتساب شكلي بالاسم للعراق..
لقد خطط من أنشأ تلك الميليشيات لمآربه يوم تعددت الميليشيات التي أنشأها واختلق اختلافات بينها إذ قصد قبول (أطراف) منها ونعرف تسميتها (عراقيا بالحشد) بالحشد ومن ثمّ يتم توليد الانشغال بمجابهات شكلية هي الأخرى تقف عند أعتاب التصريحات والنداءات وكأنك تناشد صديقا أو أخا فيما تواصل تلك القوى الميليشياوية الإيغال بالتخريب والترهيب والترويع والجرائم التصفوية التي وصلت حد جرائم ضد الإنسانية..
إن ذلكم لأمر لا يمكنه أن يكون تفكير أو منطق قائد وطني من أي طراز كان أو مسؤول رسمي سيبقى مُسَاءَلاً أمام الشعب وقوانينه الدستورية وطبعا لن يكون أمراً مسوَّغاً لأي من قادة العلمنة وفلسفة رفض أشكال التخريب مهما كان مصدره وأي قدسية أسقطها على نفسه وعلى فعله بل فعلته أي جريمته؛ إذ تدعي القوى الإرهابية المسلحة أنها تغتال وتقتل باسم التمثيل الحصري للإله أو للقدسية الدينية وعصمتها المفتعلة..
إننا ندرك الفارق بين نظامي ومنفلت وندرك هوية أو طابع تركيب وتدريب الميليشياوي والعسكري وفرق الضابط النظامي بل الجندي النظامي ومهامه عن الميليشياوي من أي رتبة إيهامية كان حتى لو كانت كما يدّعون رتبة فريق أو مشير أو لواء أو ما شابه من تسميات فهي مجرد مقياس لإجرامه واستعداده لخدمة أجندات غير وطنية…
ومن هنا لا يجتمع أن ندعو لدمج ونحن ندرك ونعرف معنى ومستوى (الدمج) وانحطاطه نوعيا دع عنك مشروعاته ولمن يأتمر ومن تكون مرجعيته..
كفى عبثا بتصريحات بلا طائل مخرجاتها بالمحصلة تخدم تكريس تلك القوى الإرهابية وتضعها على رقاب الشعب الذي ينشد بناء دولة بمؤسسات قانون دستورية غير مفبركة ولا تضم عناصر التناقض التي تعني الإصرار على تفجيرها من الداخل وأقصد هنا أن القوى الميليشياوية المنفلتة حتى إن قبلت مؤقتا دمجها فهي تنتظر اللحظة المناسبة لا كونها حصان طروادة حسب بل كونها اليد والقوة الضاربة للأعداء وبصورة مباشرة..
إن عراق الحضارة السومرية كان مهد التراث الإنساني يوم كان أول من وُلِدت فيه المدنية ودولة المدينة والتمدن وبغداد حاضرة الدنيا وشاغلتها كانت بغداد دار الحكمة والجامعة المستنصرية وعلمائها وعراق التمدن والمدنية كان على الرغم من كل الظروف هو من أنجب العلماء ومحا الأميتين كليا وهو ليس عراق اللطم والسوداوية والعويل بل عراق العقل العلمي الذي يبني ويتقدم وهذه المرة على الرغم من عشرات آلاف الاغتيالات التصفوية للعقل الوطني العلمي العراقي وعلى الرغم من تخريب صناعته وزراعته وإيقاعه بالفقر المدقع والتصحر بأشكاله..
فكفى نداءات تدعو لوحدة قيادة الجيش ولدمج القوات وهي تعني استيعاب قوات التخريب الإرهابية كما هي اليوم لكن من ينفك منها ليدخل ببرامج البناء فرديا سيعود لحضن الوطن وأهله وهو الحل الوحيد الذي يقبله العقل..
بالمختصر: لا سلامة لضم تشكيلات تخريبية تنتمي هوية وغاية ونهجاً لأجندات غير وطنية وهي بعد استفحال وجودها باتت تستهدف تنفيذ آخر مهمة لها باختراق بنية صمام أمان السيادتين الخارجية والداخلية لتخريبها بنيويا بذريعة الدمج وتوحيد القيادة لقوات من نظامين منفلت ومنضبط منظم.. فلنتنبه للعبث الإجرامي الذي يستهدف مجمل وجود الدولة العراقية وشعبها فكونوا على استعداد تجاه تلك المشاغلة القذرة بلا مجاملة لأنها ليست خدعة لأي عقل يفكر بضمير وطني وبهدف يحمي وجود الدولة لمصلحة الشعب..
سلمتم أيتها النبيلات أيها النبلاء بنات وأبناء الشعب العراقي في موقف الرفض الكلي لكل الميليشيات بكل أجنحتها وفروعها فهي ليست أكثر من إرباك وشرذمة لقوى الشعب ومنعه من الارتقاء لدولة تنتمي لعصرنا ومسيرته..
فهل نتفكر ونتدبر
|
***************************
المعالجة بموقعي الفرعي في الحوار المتمدن تفضل بالضغط هنا
***************************
اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركة النوير والتغيير
للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي اضغط هنا رجاءً