هذه المادة هي أوليات نهضتُ بإعدادها تحضيرا لندوة و\أو حوارية مفتوحة ينظمها المركز الثقافي بجامعة البصرة.. شخصيا أقدمها نواة ومادة لحوار مفتوح لا يعنيه هنا وجود متخصص أو وظيفته بقدر ما يعنيه طلب إغناء المعالجات بتقديم البدائل كليا أو جزئيا بما يخدم مسيرة بناء الوعي الحقيقي ودحر الوعي الزائف وربط المنجز بالتنمية البشرية حيث نتحول بالمواطن من إكراهه على القيود والأصفاد إلى تحرره منها وخلق شخصيته الواعية بمعنى المستقلة الفاعلة المؤثرة.. فهل ستقدم هذه المادة مقترحات مفيدة وقطرة في محيط ثورات مفكرينا وعلمائنا؟ هل ستكون علامة مهما صغر حجمها وكان متواضعا في جهودنا التنويرية مجتمعة حيث أعلام إبداع البحوث والرؤى النقدية ممن نستند إليهم في إعداد هذه المواد وكل في ميدانه من الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع والفكر السياسي.. تحايا للجميع ممن مثل ثروة لهذا النص المتواضع إذ أننا نشتغل من وجودنا وسط بحر العلوم والمعارف وليس من عدم وتحايا لكل من سياسهم بالحوار وإغنائه والتقدم به عمليا فعليا قبل النظري
الوعي وفرص التنمية البشرية
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
محاور
تمهيد في قراءة واقعنا العام
البنية التحتية وواقعها الاقتصا اجتماعي
البنية التحتية للثقافة والأدب والفن وحركة العقل العلمي
أسئلة التنوير والتغيير بنية كل من الذات الفردي والجمعي
أسئلة التنوير والتغيير واستدعاء الذاتي والموضوعي في عملية التنمية
الذاتي بين استشراف المستقبل والالتفات للوراء
الالتفات للوراء بين تحويله لدروس منتجة مثمرة وبين العيش بقيوده
والآن من هي الشخصية القوية؟ ما سبب وصفنا للشخصية بالقوة؟
إذن هل الوعي ومنطق العقل العلمي هو القوة؟
هل قوة السلام هي مكمن البناء والتنمية؟ هل تستقيم التنمية مع حجاج وجود العنف المجتمعي والاستعدادات المسلحة للأفراد…
منذ العام 2003 راهن الجميع على متغير كلي شامل يستطيع تجاوز المشكلات العقدية التي حاصرت العراق بأمراضها العضال فكان من أبرز وقائع المرحلة ليست تلك المراهنة بل ما تمّ رصده كالآتي:
- تخريب البنية التحتية صناعة وزراعة وركائز استراتيجية
- تخريب التعليم والصحة والخدمات النوعية الأساس
- تخريب منظومة القيم الثقافية المعرفية والسلوكية …… ومن ثم إحداث تخريب رأس المال البشري حيث:
- تدهور شامل بالأوضاع الصحية الإنسانية تبعا للتلوث باشكاله البيئية المناخية وغيرها \ التلوث الإشعاعي
- تدهور في ثقافة المواطن بسبب الأميتين الأبجدية والحضارية وانهيار التعليم ومستوياته
وهكذا كان سحق الطبقة المتوسطة بعد العبث بمصير العمال والفلاحين واستيلاد طبقة كربتوقراط مافيوية لصوصية بقيمها وبنيتها وأدائها.. كان ذلك بداية لتضييع فئات مجتمعية عديدة تحت قيود وأصفاد بلا ما يمنعها ويتصدى لها
فوُلِدت أزمة رأس المال البشري سواء بميدان أو خلفية الصحة أم التعليم، واي إحصاء موضوعي سيكشف الخطر الذي نجابهه:
صحياً في الولادات المشوهة خَلْقيا وفي حجم العوق البدني والنفسي وفي حجم الإدمان على المخدرات وتفشي أمراض مزمنة وأخرى حادة معيقة عن الأداء الطبيعي مع إنفاق يشوبه الفساد بصورة خطيرة من قبيل توافر أبنية المستشفيات والأجهزة والكوادر التي تفشت وسطها ظاهرة الهجرة…
ولظروف العراق (المعروفة) فإنه لا ينفق إلا مستويات متدنية من الميزانية العامة على حقلي الصحة والتعليم مقارنة بحجم الحاجة التعويضية ومقارنة بدول المنطقة وتلك المشابهة للوضع العراقي…
كما ينبغي الإشارة إلى تدهور كفاءة الإنفاق وفعاليته أو جودة مخرجاته بميداني الصحة والتعليم وخدماته فيهما دع عنكم تحديات الاقتصاد الكلي، ما يتطلب إجراءات فورية عاجلة تنتج متغيرات نوعية باتجاه أفضل ما يمكن تحقيقه لصالح تغيير مستويات رأس المال البشري لتلبية نمو اقتصادي بنيوي بمدياته الاستراتيجية بعيدة المدى.
ومن هنا فإن إطلاق التنمية البشرية عندنا، ستبقى مؤشرا جوهريا للتغيير الأنجع والأكثر صوابا من كل الخيارات الأخرى بمجال أولويات عملنا..
لا يمكننا أن نغض الطرف عن أن العراق واجه نتيجة جملة أسباب مجموعة من الصدمات الساخنة مما لم يكن جاهزاً لمواجهتها من قبيل:
- انهيار أسعار النفط ومن ثم انخفاض إيرادات الموازنة.
- استنزاف الفوائض المالية المتراكمة.
- ظهور جائحة كورونا وإجراءات الحجر المرافقة لها وما فرضته من الشلل وتعطل أنشطة اقتصادية عديدة بخاصة قطاع الخدمات من النقل والتجارة والسياحة بأشكالها.
- نمطية الاقتصاد سواء نظامه الريعي أم انهيار الركائز الأساس.
- تخلف أساليب الإنتاج واجترارها منظومة لا تسمح بسرعة تلافي الصدمة الوبائية حيث لا مجال للعمل الإلكتروني والمؤتمت..
- هول منظومة الفساد وطابعها المافيوي المتغول.
- الطابع التراكمي لانسداد الحلول من قبيل نقص الوظائف.
- انعدام فرص تقديم حزم الحوافز لإعادة تفعيل الاقتصاد إلا بشروط مجحفة.
- تفريغ الموازنة للميزانية التشغيلية لا الاستثمارية أي الاستهلاكية لا المنتجة..
- تراجع فرص العمل في ظل علاقات إنتاجية متخلفة متهالكة بعيدة عن التنوع فيما كادت تغلق قطاعها الأبرز باستقطاب حوالي مليوني أجنبي منهم حوالي النصف في مجال القطاع النفطي حصرا..
إن الأوضاع الاقتصادية عندنا، انكمشت بنسبة تقارب الـ10% عام 2020، بانخفاض عن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في سنة 2019 ومقداره 4.4%.
وهكذا كان تجاوز عجز الموازنة 28% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020، فيما يمكن تقدير احتياجات التمويل الإجمالية إلى ما نسبته تقارب الـ40% من الناتج الإجمالي أو ما يقارب الـ70 مليار دولار الأمر سيطلق العنان للتضخم ولاستنزاف احتياطي العملات الأجنبية في البنك المركزي العراقي بخلفية الديون والتعويضات المهولة وخفضه إلى أقل من 3 أشهر بحلول عام 2022 ولننظر إلى حقائق من قبيل دفع الرواتب والأجور أقصد تأخرها ومن قبيل انخفاض سعر العملة وأمور كثيرة أخرى
فما المطلوب بإيجاز في قراءة هذا التمهيد، يمكن القول إن:
- 1. معالجة معوقات تنويع الاقتصاد، من خلال: الاستدامة المالية والحوكمة الاقتصادية، وإصلاحات القطاع المالي، وإصلاحات بيئة الأعمال، وتحسين مخرجات رأس المال البشري وإصلاحات نظم الحماية الاجتماعية والعمل، وإضافة التمويل المبتكر.
- 2. إصلاح الحوكمة وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في قطاعات إنتاجية مختارة: إصلاحات الزراعة والصناعات الزراعية، وإصلاحات قطاع الكهرباء وإصلاح قطاع الغاز، مع إضافة إصلاحات الصناعات التحويلية، والصناعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر أيضا.
- الاهتمام بتطوير فعاليات الاقتصاد الرقمي، لتسريع عملية التنمية الاقتصادية وسد الفجوة التنموية.
لكن قبيل المتابعة ينبغي تعريف رأس موضوعنا ودوره في بناء الشخصية أو الذات الفردي والجمعي أقصد الإجابة على تساؤل ما الوعي؟ بقصد الالتفات إلى المطلوب في مهام التصدي لتلك الصدمات بمختلف مساراتها وليس الاقتصادية فقط:
أما تعريفنا الوعي فنقول فيه:
إنّه اصطلاح نريد به الدلالة على ضمِّ أمر أو شيء. بمعنى: حفِظه وفهمَه حد امتلاكه وضمه لأدوات فعله واشتغاله. إذن هو بصيغة أخرى جملة من التصورات والمعتقدات والآراء التي تعيّن موقف الإنسان من الحياة وتحدد سلوكه .وإنما يعبر الوعي عن حالة العقل عند إدراكه إشكالية، بتواصله المباشر مع بيئته أو محيطه الخارجي الموضوعي بوساطة جملة أدوات الاتصال أي نوافذ الوعي من حواس الإنسان الخمس. من هنا يتميّز بملكات المحاكمة المنطقيّة الذاتيّة، بالارتباط بالمحيط الموضوعي.
إننا ندرس الوعي ومفهومه كونه قضية حاسمة ومحورية في التنمية البشرية، فامتلاكه ضرورة وجودية، لبناء الإنسان الواعي لذاته وبيئته، فمن دونه يقع العجز عن تحريك أية فرصة للتنمية.. لأن التنمية تقتضي (الوعي) الذي نقصد به كما أشرنا إدراك الحقائق ومفردات الواقع ومضامينها عقلياً منطقياً… فخارج سياق العقل العلمي لا يكون الوعي ولكن يغزونا بدلا منه منطقُ الخرافة والوهم وشبح البديل المضلل كمثال السراب الذي ترصده الأبصار لحظة تعطيل البصيرة.
لهذا السبب لا يكون الوعي اشتغال العقل حلُميا بمنطق الإيهام ومطبات الأضاليل لأن منطق العقل المدرك للحقيقة وللعلاقة بها كونها بيئة موضوعية تتأتى من نضج المرحلة الراشدة ونهج التفكير النقدي وشروط اشتغاله الفاحصة..
إنها شروط واجبة ملزمة تتأثر بمنظومة شاملة كاملة؛ الذهنيةِ منها والنفسية والاجتماعية مباشرة التماس والاتصال أو غير مباشرة وبعيدة متخفية أحيانا.
على أنّ اشتغال الحواس الخمس ليس تجريبيا يقوم على خبرة الاكتشاف في العلاقة بالآخر كما بمرحلة طفولة الإنسان بل مجددا أؤكد أن الوعي المستند لمنطق العقل العلمي النقدي يحتاج لسلامة صحية من جهة أي سلامة اشتغاله وإلى التعليم ومجمل وسائل الاتصال المعرفية الثقافية، بانفتاح تام على الفضاء المعرفي الكوني أقصد أهمية النظرة العميقة والشاملة لا الجزئية أو الناقصة القاصرة.
لأننا بمجرد الوقوع بمطب توهم إدراك حقيقة وأخذها على أنها مسلَّمة قطعية ونهائية غير قابلة للنقاش نكون بمطب كون الوعي وعياً سلبياً مقلوباً رأسا على عقب أو زائفا، أي أن أفكار المرء ورؤاه لا تتطابق والواقع وما يعبر عنه من حقيقة وجودية. والوعي قد لا يكون واقعيا أو منقوصا أو مجتزأً يكتفي بالاسترخاء في معلومة ليبني منطق الخرافة والوهم أو منطق الأسطورة ونهج تفكيرها…
لهذا السبب نحن لن نتحدث عن الوعي من دون مكونين اثنين هما: التعليم والتثقيف أو العلم والثقافة؛ حيث إدراكهما واستيعابهما فعليا بنهج يعيد إنتاجهما إبداعيا، بصورة مثمرة أو الجهل بهما أو بأحدهما والجهل هنا هو الأمية بشكليهما: الأبجدي والحضاري…
أما التعليم فهو حق أساس من حقوق الإنسان، يعد عاملا جوهريا أو فاعلا قويا للتنمية يبدأ بكونه من أقوى أدوات معالجة ظاهرة الفقر وتحسين الصحة وتمكين مبدأ المساواة بين الجنسين بجانب منح السلام والاستقرار نسغا أو دما لحياة سوية مجتمعيا.
لنتذكر أن المعيار العالمي يرصد زيادة بنسبة تقارب الـ10% في الأجر لكل عام إضافي من التعليم المدرسي.
ولنتذكر أن المجتمعات المحلية ستحقق نمواً اقتصاديا في المدى البعيد أو الاستراتيجي.
وسيحفز التعليم قدرات الابتكار..
كما يعزز التماسك الاجتماعي.
والمعنى أن التعليم سيبني الوعي المعرفي تمكينا لتنمية رأس المال البشري.
لكن ينبغي الالتفات إلى أن وجود مدرسة أي مدرسة لا يعني نجاحنا ولن يعني بالضرورة التعلّم إذ يمكننا القول افتراضيا أن أكثر من نصف الأطفال عندنا لم يتمكنوا بعد تخرجهم من المدرسة الابتدائية من قراءة سليمة لقصة قصيرة وأكثر من ذلك عدم فهمها. وتخيلوا حجم كارثة فقر التعلم ما لا يقل أهمية وخطورة عن مهام مجابهة الجوع والتشوهات الخَلقية والفقر المدقع.. إن معضلة فقر التعليم هي مؤشر بين الثقة بالنفس وافتقادها ما يدفع لمشكلات معقدة تابعة لها…
لهذا السبب كان نشر التعليم قد تطلب إدخالا إلزاميا للتعليم الإلكتروني وسيلة لمجابهة كورونا وطبعا لمجابهة المشكلات المادية بشأن الأبنية وأمور أخرى تستدعي إصلاحا لمنظومة التعليم الأساس والمهني والمستويات الأخرى…
ولأننا قلنا للتو أن الثقافة هي عنصر لازم آخر للوعي بات واجبا أن نتحدث عن هذا المكون إذ أن الوعي إن لم يمتلك صحيح المعلومة ومن ثم صحيح القرار كان وعيا زائفا وهو أمر يحدث حين ينهار التعليم ويتخذ ثقافة مفبركة تضليلية ونهجا يقوم على منطق الخرافة وهنا سنتذكر الكتاب والسينما والمسرح والغناسيقا ومجمل الفنون والآداب كونها ليست مجرد قيمة روحية حسية ومتعة من منظومة تزجية الوقت وتضييعه ولكنها بنيوية في وجود الذات وإحساسها بوجودها وبعلاقتها بالواقع المحيط..
إن إدراك نظرية الدراما، نظرية الأدب يؤدي إلى إحراز انتصار للوعي الحقيقي لا الزائف وهي ملء الشخصية بثقافة بناء وإنتاج ثمار مفيدة لأنسنة وجودنا وللتقدم به إلى أمام أو بصيغة أخرى لتحقيق التنمية البشرية أولا ومن ثم إحراز التنمية التي تعود على الإنسان فرديا جمعيا بمتغير نوعي يسير إلى أمام وأعلى…
لكننا هنا بحاجة لاكتشاف التلاعب والاستلاب أو التضليل الذي يتخفى ويتمترس خلف قدسية مزعومة أو مطلقات ترفض الجدل وتمتنع عليه حيث تكفير الفكر النقدي وجدليته هنا توضع الأصفاد والأغلال لحجب الإنسان من التفكير الراشد بتزويق تلك الأباطيل المضللة، فتسلب إرادته وتحيل عقله على التقاعد أو التبطل بمختلف الوسائل سواء بالتجهيل أم بحشوه بالخرافة أم باختراق قدراته النفسية والعقلية…
بهذه الحال يجب تأسيس مزيد مؤسسات صناعة الفكر مع التأكيد على أن المقصود هو الفكر التنويري وموضوعية اشتغاله وسلامته، ومزيد مؤسسات نشره ووضعه بين يدي الإنسان. وأن نجتهد بأكبر قدر من الإمكانات لأجل صناعة رأي عام يدرك الحاضر ويستوعب مفرداته ويعي المستقبل وسبل استشرافه وتلبية ما يحققه فعليا.
لكن أمام مؤثرات داعمة وأخرى معرقلة ما يتطلب تأكيد مسلَّمة أن مؤثرات الوعي الحقيقي وليس الوعي الزائف تكمن في:
صواب المعلومة
صواب الربط وبناء العلاقات
صواب الاستقراء والاستنتاج
صواب القرار
بخلافه ستتشوه الحقائق والعلاقات والقرارات وتلج نفقا مسدوداً لأن الوعي [الحقيقي] هو المعادل للإدراك الصحيح الصائب فحيثما أصاب وكان الإدراك صحيا صحيحاً حققنا الوعي الصادق وحيثما تم ضخ المغالطات قيدنا الوعي ووضعناه بمنطقة الوعي الزائف ومن ثمّ عرقلنا التنمية بقصد فرض نهج يمكّن منظومة الفساد المافيوية واستغلال الإنسان بل استعباده بمختلف الذرائع التي تتعارض والحرية وإنسانية الإنسان الذي يحيا في الخيال معطِّلا العقل والإدراك فنقول هنا بـ غياب الوعي أو زيفه…
ولاستثمار موضوعة الوعي نبحث في أصنافه وأنماطه ذاكرين هنا أن من الوعي:
- الوعي العفوي التلقائي أو قيامنا بنشاط من دون بذل مجهود ذهني كبير ولا يتعارض ومزاولتنا أية أنشطة ذهنية أخرى.
- الوعي التأملي الأمر الذي يتطلب حضوراً ذهنياً كبيراً، وقدرات عقلية مميزة، من ذكاء، وإدراك، حافظ وذاكرة متوقدتين الأمر الذي يمنع من مزاولة أي نشاط آخر في ذات الوقت.
- الوعي الحدسي المباشر الفجائي بفطنة إدراك الأشياء والعلاقات والأحداث، من دون قدرة استدلال وبرهنة.
- الوعي المعياري الأخلاقي الذي يسمح بإصدار أحكام قيمة على الأحداث والأشياء والسلوكيات بقصد القبول والرفض.
كما سنذكر أنماط الوعي في ضوء تصنيف آخر على وفق ما صنعه العقل ومنطق تطوره، بالإشارة إلى:
ما يرتبط بالسلوك : كالوعي الأخلاقي والوعي السياسي والوعي الفني \ الجمالي
أو
ما يرتبط بالمعرفة النظرية : كالوعي الفلسفي والوعي العلمي.
ونحن هنا نوافق هيغل Hegel بكون الإنسان في إطار وحدة الوجود هو الكينونة الوحيدة التي تعي ذاتها.. بقدرتها على إسقاط الذات وقراراتها على محيطها الموضوعي الخارجي. لكنها هي نفس الذات التي قد تتغير و\أو تنتقل بظروف بعينها من حال إلى حال كما يقول يوهان هيربرت: إذ يمكن للأفكار أن تنتقل من حالة واعية (واقعيّة) إلى حالةٍ مزاجيّة لا إراديّة (لا واعية)، على ألا نهمل حقيقة أنه يوجد خطٌ فاصل بين كلتا الحالتين أسميناه (عتبة الوعي)…
ونحن بقدراتنا على قراءة الواقع حيث الشك سبيل وحيد لليقين كما يؤكد ديكارت فإننا يمكن أن نختبر جميع عناصر الوعي كما فعلها فلاسفة وعلماء سواء منها: دراسة بنية الوعي وتركيبته التي من عناصر حسيّة وتصوّر وشعور وخيال وذاكرة وحركة انتقالا وتغيرا وانتباها… إلخ
إن جميع التجاريب أكدت أن الوعي مرتبط بوجود الإنسان العاقل المفكر المدرك لذاته ما يعني ضمنا المدرك لارتباطه بالآخر وتبادله منطق العيش المشترك
مع الإنسان بتطمين حقوقه وحرياته تمكينا للسلام………..
ومع البيئة\الطبيعة بمنع الاعتداء على قوانينها أو تلويثها..
وأعود لمحدد دلالات الوعي وتقسيمها أو تصنيفها بين:
الدلالة السيكولوجية: نلمس الوعي السيكولوجي بمعنى معرفة الإنسان بعواطفه وانفعالاته ومجمل مشاعره وميوله، وإدراك الدوافع التي تحرك سلوكه وتؤثر في توجيهها .ولنفس الدلالة (السايكولوجية) فإن فرويد يساعدنا بقراءة اللاوعي على أنه مجموعة الرغبات والغرائز المكبوتة في أعماق النفس مما لا يمكن معرفتها بشكل مباشر من الذات، على الرغم من تأثيرها بسلوك المرء طبعا من دون أن يعي بوجودها وتأثيرها.
الدلالة المعرفية: يشير الوعي هنا إلى وجه آخر مما يعرّف به، بالإحالة إلى الفعاليات العقلية التي ينجزها الإنسان من (التفكير والتذكر والتخيل أو الإبداع) بصورة مدركة وموجهة …
الدلالة العضوية: حيث يشير الوعي قدرة الدماغ على القيام بعملياته العضوية العصبية والإدراكية وإدارة أجهزته وتوجيهها بمعرفة وإدراك.. بخلافه يكون غياب الوعي و\أو تشوهه كليا أو جزئيا…
ولكن بتقسيم ثانٍ سنتمكن من التحدث عن الشخصية الفردية والشخصية الجمعية بمنطلقين:
أولهما الوعي الفردي المعبر عن شخصية المرء الفرد ما تبنيه وتكونه الأمور التي منها: الخبرة الفردية والدربة\ العمق النفسي \ ونهج تفكيره وفلسفته ومستوى تعليمه ولا يستوي هنا العالم بالجاهل في وعيه
ثانيهما الوعي الجمعي المعبر عن فئة أو مجموعة أو طبقة أو شعب و\أو أمة تمتلك نمطا معيشيا سلوكيا أو ثقافيا مشتركا؛ الأمر الذي يتجسد في قيم وعادات وتقاليد جمعية عامة.. ريف، مدينة، شرق أوسط، أوروبا .
ولكن لنتذكر حقيقة تعريفية للوعي يمكننا أن نلخصها بقواسم مشتركة قدّمها عدد من الفلاسفة وإن بخصوصية بعينها لكل منهم… ما يهمنا منها هنا، هو تلمس تعريف مناسب للوعي كيما نفيد منه في تناول التنمية البشرية بصورة موضوعية سليمة وناضجة..
فـ ديكارت قدم بنظريته أداته أيّ الشك في كل شيء بما في ذلك وجوده لكنه كان متأكدا أنه يفكر بما لا يقبل الشك.. بهذا تأكد له بوضوح أنه لا يستطيع أن يشك في أنه يفكر، فجاءت عبارته “أنا أفكر إذن أنا موجود“. وعليه فإن الانقطاع عن التفكير يعني انقطاعا فعليا عن الوجود… وجاء برجسون ليدحض أي طابع ذاتي منغلق أو أي وجود نسبي مجتزأ للوعي فهو إدراك للذات والأشياء في استمرارية خطها الزمني إذ أنك ابن ماض وحاضر ومستقبل فالوعي انفتاح على الحاضر والماضي والمستقبل بوجود العالم الموضوعي لا بغيابه بمقاربة أخرى يؤكدها فيلسوف آخر يشير إلى كون الذات الواعية لا توجد من دون إسقاط وعيها على العالم ما ينظر إليه سارتر بكونه أمر لا يحدث من دون وجود الآخر…
لكن كانط رأى أن وعي الذات لنفسها بوصفها وجودا قيميا أخلاقيا لا يدل بالحتم على أن وعينا مطلق بالأشياء؛ وهكذا يظل وعينا بالأشياء وعيا نسبيا. وهذه فرصة للإشارة إلى أن موقف برجسون القاضي باستمرارية الخط الزمني في رؤية الوعي وموقفه أو وجوده لن تتعارض مع نسبية وعينا الأشياء لأن إدراكها لا يتوقف فهي باستمرار لا تصل المطلق…
ويستكمل الفيلسوف هوسرل Husserl تحديد موقفنا من الوعي وأؤكد أنه يستكمل لأنه لا يضع تعارضا في تحديده مع أي من المحددات الفلسفية الأخرى.. إنه يقول: إن الوعي قصدي باستمرار ودائما يستهدف الشيء المُفكَّر فيه؛ إنه انفتاح على العالم حيثما انفتح على الذات، بقصدية تحقيق وعي بالعالم تحقيقا لوعي الذات…
ونحن لا نستطيع أن نتمثل الوعي بمعزل عن الأوضاع الاجتماعية وعلاقاتها الإنتاجية أي بالانفتاح على البعد الموضوعي لوجود الإنسان كما يشير ماركس ولعل دليلنا يتجسد في اختلاف درجات الوعي عند الذوات \ الأفراد لأن وجودهم الاجتماعي هو الذي حدَّد ويحدد وعيهم؛ طبعا في ضوء فعل الوعي إذا ما اختارت طريق التأثير أو تبادله مع بيئتها وهو ما يحدث فعليا سواء بالإيجاب أم السلب.
فالوعي يسعى لتغيير الواقع ليؤكد أنه [الوعي] صائب صحيح، في حين أن المساهمة بتكريس ذاك الواقع المريض ستعني بالحتم أن الوعي زائف.
وفي متابعة استقرائية، نأخذ من نيتشه أن الإنسان اصطنع أو اختلق لنفسه أوهاما لتأطير حياته وأسقط عليها سلطة الحقيقة المطلقة، لتقنين وجوده؛ بوضع أطر مختلفة من واجبات ومسؤوليات وقيود وضوابط لتصير عنده الحقائق في عمق الذات مجرد أوهام يستدعيها من عالم النسيان متذكرا إياها كما يقال…
لكن آخرين وعلى رأسهم فرويد يرون أن كثيرا من أفعالنا لا ندركها ما لم نعيدها لعمقنا النفسي، المختفي، حيث اللاشعور. وهكذا فالوعي ليس وحده وإنما مع اللاشعور يلعبان معاً دوريهما في وعي الذات؛ إنّما من دون نسيان الإرادة والاختيار أو الانتقاء………
إن مجمل هذه التركيبة التعريفية التي تكاملت بموضع وتعارضت في آخر، هي ما قرأناه في ولادة طفولة العقل الأولى مع محاولة الفكر الإنساني المبكرة للإجابة عن أسئلته بشأن الوجود؛ فكانت [يومها] خليطا من قصص الخوارق والديانات الشعبية والمنظومات القيمية الأخلاقية والتأملات الماورائية الميتافيزيقية .ولكن الوعي لم يراوح هناك عند أعتاب طفولة العقل الأولى ومنظومتها تلك بل تغير فكره من الأسطوري ليصير بمنطقة الوعي بميل ملموس نحو الفلسفي أكثر منه الديني…
وهنا مرَّ [الوعي] بمراحل أولها لـ طاليس الذي رأى أن أصل الوجود وكل شيء هو الماء. حيث فلسفة الطبيعيين وعلومهم المادية المحسوسة وبمرحلة تالية كانت الفلسفة العملية التي أطلقت منظومة القيم الأخلاقية التي تناولت الإنسان وعلاقاته الاجتماعية بما يخدم الوجود الفردي للإنسان.. وهنا ولِدت عبارة سقراط اعرف نفسك
ومع المرحلة الثالثة كان أرسطو قدم تصنيفه للفلسفة حيث الفلسفة النظرية علوماً ومعارف والفلسفة العملية منظومة قيمية أخلاقية ثم فلسفة الجمال من آداب وفنون. لتؤكد الفلسفة منطق وعي الإنسان المعبر عن حركة التنوير والتحرر من سلبية ماضوية انتهت مهامها ممثلة بـ(الفكر الأسطوري) القائم بعصرنا على تغييب العقل. لكن العقل يبقى الأداة الأساس لمعرفة العالم اليوم بالاستناد للخير والفضيلة والبحث عن غد أفضل، الأمر الذي لا يستقيم من دون التفاؤل والأمل وبذل الجهد لتلبيته..
على النقيض من ذلك وحيثما قدمنا التفسير الغيبي اللاهوتي وغيَّبنا العقل العلمي أوقفنا البحث في واجب الإنسان تجاه نفسه ووجوده بخلاف موقفنا عند تحدثنا عن دوره أي دور العقل البنائي غير الممكن من دون الوعي ومن دون سلامة إعادة الفكر ومنع تقييده [كما فعلت أوروبا القرون الوسطى يوم سطت الكنيسة وحظرت التنوير والتفكير فانفصلت الفلسفة عن الإنسان ووجوده الاجتماعي…]…
**** والآن كيف يمكن للوعي أن يدخل في تطوير الذات ومن ثمّ في التنمية البشرية
إننا أمام اصطلاحين فبناء الوعي و\أو تطوير الذات يخص الذات الفردي فيما التنمية البشرية ستشمل الجماعة البشرية لكن هذين المصطلحين يتحدان في الارتقاء بحياة الانسان بوساطة تنمية قدراته ووسائله ودربته ومهاراته في مجابهته لتحدياته الوجودية…
إن فرص النجاح بالتنمية البشرية لا تتم إلا بأفعال وأنشطة تمر بـ برامج تنمية وتطوير وبدروس ودورات أو محاضرات وتجاريب واختبارات تستطيع تحفيز المرء وتأسيس أدوات تمكنه من الإنجاز…
إن تلك الدربة والمران والتوعية والتثقيف تتناول قضايا متنوعة لعل منها:
- تحسين الأوضاع الشخصية وترتيب الأوضاع العائلية على سبيل المثال.
- تحسين القدرات العقلية في فهم الأفعال والعلاقات الاجتماعية.
- تحسين كيفية الاستمتاع بتفاصيل اليوم العادي لحيواتنا وتخطيط أوقاتنا وبرامج عيشنا..
* [طبعا كل ذلك هو التمهيد الموضوعي لقراءة أمثلة كيفية تلقى جماليات عمل والتفاعل معه. نقدم مسرحية واثنين يختلفان معرفيا وشرحها في الندوة]
التنمية البشرية
لقد أكدنا مرارا أن الإنسان وإمكاناته وبناء الوعي عنده إنما يستهدف التنمية البشرية. فما هي أسس التنمية البشريّة تلك؟
في الحقيقة الموجزة المباشرة فإنها تستند لتطوير خبراتنا بما يخدم غايتين تلخصان عوامل العيش وسط منطق التطور الاجتماعي:
- الدربة بغاية توفير عوامل تصنع الحاجات المادية.
- الدربة بغاية توفير عوامل تصنع الحاجات الروحية الثقافية.
ولتحقيق ذلك لابد من محددات وضوابط تتمثل في:
- توفير فرص الرعاية الصحية والتعليمية والثقافية مع قدرة تخطيط الأنشطة بتوازن وبأسس سليمة.
- إمكان توظيف أو استخدام منجزات العصر كالتعليم الإلكتروني وأدواته من أجهزة الكومبيوتر وبرامجه وشبكات تواصله الاجتماعي.
- قدرة الانسجام مع الآخر وسلامة توزيع الموارد البشرية على وفق التخصصات والمستويات والقدرات الفعلية.
- نشر ثقافة المشاركة والعمل المنتج، وتمكين التفاعلات أو التنسيق دون التعدي على مبدأ المساواة والعدل.
- توفير فرص حرية التعبير وحقوق الإنسان والعمل الديموقراطي..
العلاقة بين الوعي بوصفه تنمية للذات وبين التنمية البشرية
إن تنمية الوعي وبناء الإنسان هو المكون الأساس والحاسم في التنميّة البشريّة. والأخيرة لا تتحقق من دون تنمية الذات، التي تتشكل من استيلاد: مهارات الحياة ومنها: تخطيط وقتنا وبرامج أنشطتنا وتفاصيل يومنا العادي.. بجانب اكتساب مهارة الاتصال والتفاعل مع الآخر، وقدرات إدارة ذواتنا وقيادة أنشطتنا ومحددات منظوراتنا إلى عالمنا المعاصر أي قدرة التخلص من ظواهر التقوقع الماضوي السلبي، لأن التأسيس على التجاريب السابقة لا يعني العيش فيها ولكنه البناء على الإيجابي منها سواء من مواد مازالت حية أو تلك التي تمنحنا العظات الصائبة، أي ما نستفيده من التجاريب…
ونحن نمضي بتطوير الذات عبر قنوات التأمل والتفكر والتدبر وإعادة البرمجة بتفكير نقدي
بجانب مهمة حيوية لإدامة واستمرارية التخلص من الأفكار السلبية التي ربما يدفعها العقل الباطن واللاشعور لتؤثر في سياقات اشتغالاتنا
ولعل تدريب الذات على ممارسة التفكير بطريقة إيجابية تعطي أفضل النتائج في التغيير.. أننا نمارس ذلك لأنّ الأفكار السلبية تتفشى بيننا ووسطنا في ظروف بعينها فتسطو علينا لكن مواصلة التدريب ومنح أنفسنا التفكر والتدبر الإيجابي يساعدنا على إعادة الاتزان لمسارنا بتصحيحه باستمرار…
لكننا إذا ما فكرنا سلبيا بمنطق اختلاق العقبات والعراقيل هيأنا الأجواء للفشل بخلاف ما أشرنا إليه للتو..
فمشاريعنا بدءاً من الصفر الرياضي وما يحيط بها من ظروف انطلاقها المتواضعة أو أنها تنطلق من لا شيء بل حتى بوجود مصدات الولادة والتأسيس والنمو.. ستكون تلك المشروعات مدعاة لإفشال المحاولة ومنع الوصول إلى التنمية البشرية المنشودة بمثل تلك السلبية المنبعثة ذاتيا أو المتأتية من مؤثرات محيطة… لكن ولوجنا مبدأ التراكم الكمي (إيجاباً) سيمنحنا فرص البناء والتنمية تنمية من تنمية الذات الفردي والجمعي في الآن…
من أجل ذلك ينبغي في تلقي هجمات التخريب وتدميريتها من أمور أو أفعال متشنجة ومصداتها ينبغي لنا أن نمارس أو نكون تجاه ذواتنا:
- ألطف وأكثر هدوءا وبعدا عن القسوة والخشونة مع أنفسنا وذواتنا [[ظواهر جلد الذات]] وأن نمتلك وسائل التخلص من الضغوط وآلامها بإيجاد هوايات وأنشطة مناسبة نفرغ بها توتر الصدمات وتأثيراتها متجنبين ضغط أو أحمال كثافة العمل وتواتره…
- وأن نمنح أنفسنا فرص الاغتناء بجماليات الآداب والفنون التي تُغني وتُثري لا تلك التي تثير الإحباط والانكسار وخيبات الأمل لنضرب أمثلة بالموسيقا والمسرح والقراءة.
- أن نتخلص من الأوهام السلبية واستباق العمل بالمحاذير المبالغ بها أو بفهم مغلوط لعدم الوصول للهدف وكأنه نهاية العالم بسبب حصر أنفسنا به.. وهذا يعني التعرف إلى الأفكار السلبية والتخلص منها..
- وهنا سنكون بحاجة للآخر الداعم وتجنب من يسيء لك بإشعارك بالعجز والانكسار وبأنك واقع بالخطايا بقصد الإفشال سواء بقصد أو من دونه ولهذا فإن النصيحة المقتضاة هنا هي أن تفتح الحوار مع طرف يبني ويهتم لأمرك وأن تتجنب تأثيرات المُحبِط المعرقِل لجهودك بالبحث في مراميه ومواع الثغرات التي يحاول التسلل عبرها..
- مثلما ينبغي مخاطبة الآخر إيجابيا بنائيا لا تخريبيا كذلك ينبغي أن تخاطب نفسك بإيجابية واحترام وتقدير أو إنصاف ومن هنا لابد من تجنب كثرة العبوس والاستسلام للكسل ودعم فرص الابتسام في تفاصيل لغة الجسد الذي يجب بناؤه بناءً صحي الحركة…
- مكّن نفسك من قدرة التسامح من دون أن تسمح لانتهاكٍ من عدواني أو متجاوز وردك هنا سيحتمي بقوانين التسامح ويكون قويا بها رافضا السقوط بمطب الرد من جنس فعل الاعتداء…
- إن تخصيص وقت لمراجعة أنشطتك وتأمل أحداث تفاصيل يومك العادي هو فعل تأملي جد مهم للتخلص من الهفوات وما قد يثير القلق ويشاغل بتضخمه وتفاقمه عند الشعور بتهديد المجهول مما لم تتعرف إليه وتتأمل فيه..
- على أن بعض الأفعال النفسية بنيوية في تقوية الشخصية أو الذات كأن تمارس سلوكا داعما من قبيل كتابة الهفوات والثغرات والنواقص والمطبات أو الأخطاء والغلطات ثم تمزيقها مع التدرب على قول ((لا)) وتجنب قول ((نعم)) بسهولة وتسطيح وبصيغة مطلقة تدفع لاستساغة مبدأ الخنوع والتبعية والذيلية.. هذه الفكرة اللعبة ودربتها تمنح فرص بناء الشخصية وهي لا تدار عبثيا أو اعتباطيا عشوائيا وإنما تنسج تفاعلها من تدقيق الأمور ورفض ما لا تقبله الذات الواعية..
ما هي أسس التنمية البشرية ومنطلقات تلبيتها وتحقيقها
إننا نجد التنمية البشرية تتحدد بكونها مصفوفة من الأدوات، والخبرات أو المهارات، التي تجسدها العلوم والمعارف والثقافة والآداب والفنون وتوظيفاتها وتطبيقاتها التي يلمّ بها المرء لتمكينه من تشخيص أهدافه، وتطوير قدراته، توصلا إلى تطلعاته وتحويل آماله إلى واقع معاش ومستقبل مضمون..
أما أسس تحقيق هذا المفهوم للتنمية البشرية فهي كما أوردنا في بناء الوعي وتطوير الذات تتمثل في:
التعليم أداة للحصول على تلك العلوم والمعارف التي تبني وجودنا المعاصر القائم على إعادة إنتاج المعرفة تطبيقيا إبداعيا عند المتميزين ممن يرفضون القوالب الجاهزة الجامدة ويتمكنون من تحقيق التجديد عبر الريادة والابتكار.. وفي عصرنا لم تعد الوظائف بأغلبها متاحة من دون التعليم المتخصص والخبرات العملية في ميادينه على أن التعليم المستمر وشروط المهارة والخبرة هي أفضليات ما عادت محل نقاش ولم تعد ميزة الشهادة المجردة كافية لأننا بصدد عالم يتنافس في كل لحظة على تبني الجديد في ظل الأتمتة وآخر منجزات التكنولوجيا…. إننا لسنا اليوم بحاجة لموظف الأرشفة المقولب لأن ذلك صار مهمة جهاز آلي وليس مهمة إنسان ووعيه أي كونه الذات المنتجة الخلاقة لا اللاهثة هربا من مطاردة الفقر، البطالة وضغوط الحاجات المادية والروحية وعلاقاتنا المجتمعية.
الثقافة
- تساعد الثقافة المجتمع في دراسة سلوك الأفراد بناء على نوع الثقافة السائدة في مجتمعات، وهذا يساعد على العمل المستمر لتطويره، ونزع ما بلي منه من عقول المجتمعات، واستبدالها بقواعد بنائية من شأنها أن ترتقي بالمجتمع كله.
- ولابد هنا من القول إن الثقافة هي الأساس الذي يتكامل مع التعليم لبناء الذات بالوعي الفردي والجمعي تمكينا لتطوير حركة التنمية البشرية للمجتمعات، فالمثقف يدرك حاجته وهدفه ولا يشتغل عشوائيا اعتباطيا بل بصورة مرسومة الغاية والطريق وتوجيهه بتخطيط موضوعي وبأسقف معلومة محددة…
إذن، فنحن نتحدث عن التنمية البشرية بقصد يشخص الأهداف بجانب ما ذكرنا من أسس و وسائل قبل إطلاق مسارها الفعلي التنفيذي
وعليه فإن من أهداف التنمية البشرية:
- تنمية المعارف والخبرات ودربة ما نمتلك من مهارات عبر دعم نظام التعليم الأساس وأنماط وبرامج التعليم.[وقفة بشأن واقعنا التعليمي]
- خلق بيئة صحية عبر استكمال الخدمة الصحية والرعاية الأساس بدءا بشؤون الوقاية والحصانة بلياقة بدنية ونفسية وتجنيب الصدمات [وقفة بشأن توافر الرعاية أو فشلها]
- توفير العيش الكريم بإنهاء البطالة والفقر والحاجتين المادية والروحية ومجمل الحقوق والحريات وحظر الانتهاكات والإساءات.. [وقفة للتداول]
- توفير فرص أداء أفضل بما يستجيب للشعور بالكرامة والاعتداد ومنع الانكسار والتبعية أو الوقوع بمطب حوادث العمل أو الجنوح لممارسات غير سوية نتيجة الجهل وخلل في ثقة المرء بنفسه.. [وقفة وتداول]
- تحسين المستوى أو الموقع الاجتماعي، ما يوفر للمرء فرص عمل أفضل ليس بمنطق الأجور الأعلى حسب بل بمنطق بناء جسور علاقات اجتماعية مختلفة نوعيا، ليس في موقع العمل وطابعه ولكن في فهم عمله ووظيفته الاجتماعية ومن ثم معنى أو مغزى عمله وكذلك موقعه الاجتماعي المختلف عما تقيمه مجتمعات التمييز الطبقي الفئوي.
بالمقابل هناك عراقيل ومعوقات تقف بوجه التنمية البشرية
لعل أبرزها في ضوء ما فهمنا من ربط إشكالية الوعي بالتنمية يتمثل في:
- انهيار التعليم أو تخلفه نتيجة الانتهاكات والخروقات البنيوية.
- انهيار الثقافة المعرفية منها والقيمية السلوكية وغياب مؤسساتها، حتى بوجود مبدعاتها ومبدعيها أو منتجيها.
- غياب التعليم المستمر وفرص التدريب وتطوير المهارات في سواء في المؤسسات والمنظمات أم في مراكز العمل ومواقعه
- تخلي أصحاب العمل في القطاعين العام والخاص عن مهمة التطوير وإلقاء التبعة على اكتساب المعرفة بالاشتغال المباشر.
- الافتقار للمتخصص و\أو تغييب الكفاءات في ميدان الموارد البشرية وتنميتها…
- تغييب و\أو غياب الوعي المؤسسي بخلفيته ومنهجيته وكذلك الفردي، بالارتباط بدوريهما تجاه أهمية التنمية البشرية ما أدى لإهمالها فعليا…
- في ضوء الإهمال فإن خيارات نسب ما للتنمية البشرية في الميزانية بقي بعجز مستمر لاحظ ميزانية وزارة الثقافة وبواباتها والتعليم دع عنك قضايا الهدر والفساد. وما تستلبه وتصادره أو تستنزفه.
- غياب فرص التنسيق والتنظيم بين منظمات المجتمع المدني وأدوار القطاع الأهلي والخاص في ميدان للتأثير مشروعات التنمية البشرية وتوظيفها.
ملاحظات سياقية عامة
إن لكل مجال تنموي قوانينه ومستهدفاته فمثلا التنمية الاقتصادية تحددت بالمعايير المادية وأرقامها الرياضية بهدف تقييم الرفاهية الاقتصادية ما يبعد الإنسان من أولوية الاهتمام.. ولأن مفاهيم حقوق الإنسان والحريات قد تقدمت وارتقت فإن البحث عن التنمية البشرية تصير أوضح استهدافا ما يضع الإنسان نفسه موضع الأولوية (هدفاً) وهو ما حدث منذ الربع الأخير من القرن المنصرم وهنا ظهرت معايير جديدة مساندة في تقييم منظمات التنمية كافة ومنها الصحة والتعليم والثقافة على سبيل المثال. لكن هل كان الإنسان في العراق هدفا تنمويا بذات التزامن أم أن المجتمع وُضِع قسراً بخدمة أهداف أخرى و\أو منزلقات ومخاطر بغير إرادته ومصالحه؟؟؟
إن ما يساعدنا على كشف الحقيقة يكمن في مقارنة الواقع العراقي مع دول شبيهة من جهة الثروات والدخل القومي كما مقارنة مستوى الأمية والتعليم بين مرحلتين زمنيتين ولا نتحدث عن شروطهما…
أما عند الحديث عن تسلسل العراق في المعايير الدولية كافة فإننا نجده في ذيل قوائم الإيجاب ورأس قوائم السلب
العراق الرابع أو الخامس عالميا بثروته النفطية وهو خارج المعيار بالغاز وبقية الثروات لعدم استثمارها لكنه الأخير بين مجموع قوائم الاهتمام بوضع المواطن
قراءة ظروف البصرة مثالا
إن دليل التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة يقيس متوسط الانجازات في ثلاثة أبعاد أساسية للتنمية البشرية هي: الحياة المديدة والصحية (((العمر المتوقع عند الولادة هو مؤشر للبُعد الأول)))، والمعرفة(((العدد المتوقع لسنوات الدراسة ومتوسط سنوات الدراسة يُعدان مؤشر للبُعد الثاني)))، والمستوى المعيشي اللائق(((نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي مؤشر على البُعد الثالث)))
أسباب تواضع مرتبة العراق في مستويات التنمية البشرية:
- سبب ثقافي في ضوء طغيان ثقافة الخرافة وتمجيدها للقسم المادية بمنطق الذي يملك قرشا يساوي فلسا فيكون الإنسان وسيلة تلهث وراء المال.. وعندما يطبق هذا على فلسفة الحكم يتنحى الإنسان عن أولوية الاهتمام…
- تشوه مختلف مؤسسات الدولة وتفريغها من وظائفها ومعانيها حيث افتقاد الرصانة أو الموضوعية والمهنية التي يُفترض أن تمنع الشخصنة والامتلاك أو مرجعية الوظيفة العامة لحصة فلان طرف أو علان جهة وزعامتها وهذا يعني انتفاء الخدمة ونوعيتها..
- خطل الاستراتيجيات أو انعدامها كليا أو بالجانب التنفيذي التطبيقي والمراوحة عند منطقة انتقالية على مدى عقود ما يسمح للعودة بل الرجوع الضار باستمرار للمربع التنموي الأول ومنطلقاته.. إن أسلوب الصدمات في رسم المتغير أدى إلى تمايز بين الغاية المستهدفة وقدرات الأداء بخاصة في تسليم المهام لمنعدمي الكفاءة ممن لا يمتلك العمق المتقدم القادر على ملاحقة متغيرات العصر فكان المتغير السياسي والاقتصادي بعيد عن المتغير الاجتماعي…
استراتيجية مؤملة للارتقاء بالتنمية البشرية وتطويرها:
على أن تشمل المستويين الرسمي الحكومي والشعبي بمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية
وهنا نجابه محاور التنمية البشرية في المعايير الدولية في:
- الحياة الصحية المديدة
- امتلاك المعرفة.
- تحقيق المستوى المعيشي الكريم اللائق.
فأما المستوى الرسمي الحكومي فينهض بتوفير التخصيصات الاستثمارية اللازمة للنهوض بالبُعدين الأول والثاني لتنمية حقيقية في المستويات الصحية التعليمية…مع توفير الاستثمارات لتطوير البُعد الثالث أو العيش الكريم…
بوجود المناخ القانوني والاجتماعي مع الاستقرار وفضاء السلم الأهلي..
وفي المستوى المدني غير الحكومي
نحن بحاجة لتغيير ثقافة المجتمع تجاه المال، للنظر إليه من منظور كونه وسيلة لا هدفاً ومن خلق أجواء حماية المواطن من النهج الاستهلاكي وما يدفع إليه من طابع تنافسي مقيت لكسب ما يعده غاية وهدفا بخاصة مع انعدام الأنشطة الجاذبة من ثقافة وآداب وفنون. في تلك الحال لن يكون المواطن الذي يحظى بالخدمة العامة بحاجة لصدقات من أرى واغتنى بطرق وأحابيل عبثية…
إن ولادة ثقافة جديدة صحية صحيحة هي عملية تراكمية لا يمكن أن تؤتي أُكُلَها بجهود تفتقد للاستراتيجية ولضافر الجهود المجتمعية الشاملة وبصورة دائمة مستمرة…
أود أن أتوجه بالتحية لكل من ساعد في إعداد و\أو مناقشة هذه المعالجة ومن قدمت أو قدم الأسئلة بميدانها بقصد الإثراء عبر الحوار واستدعاء ما متاح لتفعيل أدوارنا بتنشيط بناء الوعي ودفعه لمهمة تنمية بشرية سليمة الاتجاه والمخرجات.. أحيي المركز الثقافي وجامعة البصرة وأحيي مؤسسة إنجاز للتنمية والتطوير وكل من الفاضلين الدكتور عبدالكريم عبود المبارك والأستاذ عبدالعزيز الربيعي وكل من حضرت وحضر في تلكم الندوة وأعتذر عن عدم توافر التسجيل حاليا لوضعه هنا راجيا أن تكون هذه المادة أساساً للتفاعل والحوار مع انحناءة لبصرة العلوم والآداب والفنون بصرة الثقافة وحركة التنوير والتغيير ومسيرة منجز العقل العلمي وإلى لقاء آخر
***************************
رابط نشر المادة في الحوار المتمدن يرجى التفضل بالضغط هنا للانتقال إليها
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=720865
***************************
اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركة النوير والتغيير