قضية المرأة مازالت تقتضي معالجات واستقراء سيرة واستنتاج ما ينبغي من الأداء والفعل بطريقة تثريها وتحل الأمور العقدية فيها.. الشخصية الوطنية الديموقراطية والأممية الأستاذ الدكتور كاظم حبيب يقدم هذي المعالجة بحلقات بمناسبة يوم المرأة العالمي وألواح سومرية معاصرة تضعها بين أيدي القراء
|
التمييز والقسوة إزاء المرأة في العراق في العهود المختلفة
الدكتور كاظم حبيب
بمناسبة يوم المرأة العالمي في الثامن من أذار 2021 أنشر هذه الدراسة المكثفة عن واقع المرأة في العراق القديم وفي العهود الإسلامية وما تعرضت له من تمييز وظلم وقهر اجتماعي واقتصادي وسياسي وما تزال من جانب النظم الاجتماعية والسياسية التي حكمت العراق طيلة القرون ما قبل الميلاد وما بعده حتى يومنا هذا، رغم نضالها المرير والمعبد بالدم والدموع وانتزاعها بعض تلك الحقوق الشحيحة في فترات مختلفة التي يراد اليوم وفي ظل النظام السياسي الطائفي المحاصصي الفاسد، سلبها منها وفرض الهيمنة الذكورية المطلقة عليها.
وقد برهنت المرأة العراقية على فرضها هذا النهج الرجعي المتخلف وحيويتها وقدراتها النضالية قبل وأثناء انتفاضة تشرين الأول 2019 المجيدة وما قدمته من تضحيات بطولية لتحقيق الشعار الشبابي والشعبي المشترك، نريد وطناً حراً ومستقلاً وحقوقاً كاملة ومصانة، فما ضاع حق وراءه مطالب. فتحية وألف تحية للمرأة العراقية المقدامة، تحية لأمنا المرأة واختنا وابنتنا وعمتنا وخالتنا وكل النساء
1-7
التمييز والقسوة إزاء المرأة في العراق القديم.
احتلت المرأة مكاناً مركزياً مرموقاً في وسط وحياة العائلة والعشيرة في العراق القديم منذ العصر النيولتي (الحجري الحديث)، وفيما بعد العصر الشالكوليتي (النحاسي-الحجري)، حيث شكلت في حضارتي هذين العصرين، وربما قبل ذلك أيضاً، محور الإبداع الفني ورمز العبادة لعلاقتها الوثيقة بالحب والخصوبة وتجدد الحياة الإنسانية على الأرض. وتجلى ذلك في عدد لا يحصى من التماثيل بمختلف الحجوم التي كانت تمثل المرأة بأشكال وحالات متنوعة، فهي المرأة الحاملة، وهي الأم الحاضنة لأطفالها، وهي رمز الخصوبة والتكاثر وإعادة الإنتاج، وهي بنت الطبيعة والأرض، وكلاهما تتميزان بالخصوبة، كما أنها رمز الشمس والقمر بضوئهما ودفئهما معاً، إنها الحب والحياة. كتب الدكتور إبراهيم الحيدري مشيراً إلى ذلك بقوله:
“تركت لنا الحضارات العليا القديمة، منذ مطلع العصر النيولتي (30-10 ألاف ق.م) عدداً كبيراً وهاماً من المعلومات الأثرية كالتماثيل والرموز والأساطير التي كانت تعبيراً عن الديانات الزراعية القديمة التي تمحورت حول إلهة واحدة أطلقوا عليها “الأم الكبرى” أو “سيدة الطبيعة”، الني نشاهدها تارة على شكل امرأة حبلى أو مرضعة أو امرأة عارية الصدر وهي تمسك بثدييها بكفيها في وضع عطاء تارة، وترفع بيديها باقة سنابل، أو باسطة ذراعيها في وضع من يستعد لاحتواء العالم تارة أخرى، أو راكبة ظهور الحيوانات المفترسة.. ويظهر أن هذه التماثيل والرموز تشير إلى أن المرأة كانت تحتل مكانة دينية واجتماعية عالية، وكانت موضع رغبة واحترام ورهبة. فمن جسدها تنشأ الحياة، ومن صدرها ينبثق نبع الحياة”. (الحيدري، إبراهيم د. النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب. دار الساقي. لندن. 2003. ص 117/118).
وعرف العصر النحاسي-الحجري استمراراً لعملية تحول تدريجية بطيئة استغرقت آلاف السنين بدأت، كما يبدو، في نهايات العصر الحجري الحديث من نظام الأمومة ودور المرأة الرئيسي والمحوري في العائلة والعشيرة إلى نظام الأب ودور الرجل الرئيسي والمحوري، ولكنه كان تحولاً ثابتاً ومستمراً ومتفاقماً. كما عرفت عملية التحول هذه مرحلة معايشة قيادية من قبل المرأة والرجل، حيث لعب الاثنان دوراً مشتركاً متناغماً أحياناً ومتناقضاً احياناً أخرى، ولكنه منتزعاً من المرأة دورها ومحققاً خطوة فخطوة قيادة الرجل للعائلة والعشيرة ومن ثم المجتمع. أي بمرور الزمن أجُبرت المرأة على ترك مواقعها وبعض وظائفها في العائلة والعشيرة لصالح الرجل. كان الرجل، بتعبير أدق، ينتزع من المرأة تلك المكانة التي احتلتها والوظيفة التي أدتها والدور المميز الذي مارسته لصالحه. ارتبط هذا التحول بجملة من التغيرات الأخرى المتوازية التي طرأت على اقتصاد العائلة والقبيلة والعشيرة في مجتمع المشاعية البدائية وتحوله التدريجي الأكثر بطئاً صوب المجتمع القائم على الملكية الفردية للأرض والعبودية. واقترن هذا التحول أيضاً باستقرار الرجل مع العائلة بدلاً من تنقله المستمر في مرحلة جمع وقطف الثمار والصيد، في حين كانت المرأة وأطفالها هي المجبرة على الاستقرار وإدارة شؤون العائلة وتربية الأطفال وتنشئتهم وتوفير الغذاء لهم.
استند مجتمع المشاعية البدائية، بعد التحول صوب الزراعة وتربية الحيوانات، إلى جانب عدم إهمال الصيد، إلى مشاعية الأرض والإنتاج واستخدام مشترك لما هو متاح للعائلة والقبيلة من موارد ومن وسائل عمل وعيش وتغذية وسكن. في حين استند المجتمع الجديد، مجتمع العبودية، على الملكية الفردية للأرض وبقية وسائل الإنتاج، واقترن بتطور تقسيم العمل الاجتماعي بالاعتماد المتزايد على الاستقرار للعائلة والقبيلة أو العشيرة والإنتاج الزراعي ورعي الماشية، وبالتالي الاستناد إلى توزيع الثروة أو الإنتاج المتحقق بين افرادها وفق ملكية وسائل الإنتاج. ولا يعني الاستقرار هنا عدم تنقل العائلة أو القبيلة أو العشيرة الأكبر من مكان إلى آخر تحرياً عن ارض أفضل ومياه أغزر لأغراض الزراعة وتربية الماشية وتحسين مستوى المعيشة. كما بدأت عملية تحول لأسرى الغزوات والحروب من كونهم عاملين لدى العشيرة مع بقية افرادها وبشكل طبيعي إلى ملكية فردية وفق توزيع يستند إلى تقاليد وعادات أو أعراف استقرت تدريجاً عند الجماعات البشرية حينذاك. واقترن بهذا التطور نزوع الأفراد إلى الحصول على المزيد من الإنتاج الفائض وإلى استخدام الآخرين في العملية الإنتاجية لصالح زيادة الإنتاج وتنمية الثروة الفردية أو العائلية، التي نشأت في ضوئها وعلى اساسها مراكز قوة في المجتمع تستند إلى تلك الثروة أو الموقع الاقتصادي. ولعب الرجل دوراً بارزا في هذا التحول، في حين تراجع دور المرأة، رغم أنها كانت تقوم كما في السابق بعملية الإنجاب والمشاركة في أعمال الحقل وتدبير شؤون المنزل. ولم يبق التراجع في دور المرأة محصوراً في مجال اتخاذ القرارات حول العائلة أو البقاء أو الانتقال من موقع إلى آخر، بل شمل تدريجاً فقدان المرأة لبعض من حريتها وإرادتها المستقلة وتأثيرها في العائلة، إذ لم تعد تتمتع بنفس القدر السابق من الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص مع الرجل.
ومنذ تلك الفترة التاريخية بدأت ظاهرة النظام الذكوري تتخذ أبعاداً جديدة وتتفاقم جيلاً بعد جيل، إذ بدأ الرجل يتصرف إزاء المرأة وفق إرادته الخاصة ودون العودة إليها أو استشارتها حتى في تلك القضايا التي تمسها مباشرة، دع عنك القضايا التي تمس المجتمع ودويلات المدن أو الدولة المركزية فيما بعد. ورغم هذا التوجه الاستبدادي عند الرجل في السيطرة على كل شيء في حياة العائلة والعشيرة، إلا أن المرأة احتفظت بالكثير من الاحترام وحتى العبادة والحب. وهي التي تتجلى في الكثير من طقوس العبادة السومرية والأكدية وما بعد ذلك. لقد كانت المرأة ولفترة غير قصيرة لغزاً على الرجل بسبب دورها في الإنجاب وقدرة تحملها وصبرها. وكان الكتاب، في الفترة التي بدأت الكتابة، يشيرون إلى مكانة المرأة ودورها، كما يعبرون عن احترام المرأة لنفسها وثقتها بدورها ومهماتها في العائلة والمجتمع كآلهة وأم وزوجة وحبيبة. وكانت الكتابات الأدبية التي سبقت ملحمة گلگامش المكتوبة، إذ أن المنقولة منها شفاهاً أقدم بكثير من فترة تسجيلها كتابة، لا تتجلى فيها هيمنة الرجل الكاملة على المجتمع ولكنها تطرح الصراع القائم، في حين جسدت هذه الملحمة استكمال هذا التحول وهيمنة الرجل على المرأة وخضوعها لاستبداده وقهره.
يتجلى موقف المرأة في محاولتها الاحتفاظ بما تبقى لها من دور من خلال تمجيد نفسها، تمجيد الإلهة الأنثوية إنانا، تأكيد دورها المتعدد الأغراض. وينعكس ذلك بوضوح في ترتيلة بارعة سجلتها الشاعرة الأكدية أنخيدوانا، ابنة الملك سرجون الأكدي مؤسس الإمبراطورية الأكدية، وكانت تحتل منصب الكاهنة العظمى في مدينتي أور والوركاء، فهي تقول في مديح إلهة الحب والحرب إنانا (عشتار): يا سيدة النواميس الإلهية كلها، النور الساطع،
- المرأة واهبة الحياة التي تكتسي بالإجلال، محبوبة السماء والأرض.
- كاهنة الإله أنو، ذات الحلي العظيمة،
- التي تمسك بيدها النواميس الإلهية السبعة.
- يا سيدتي: أنت حارسة النواميس الإلهية العظيمة.
- أنت التي رفعت النواميس الإلهية وأنت علقت النواميس الإلهية في يدك.
- لقد ملأت البلاد بالسم الزعاف كالتنين.
- وأنت عندما تزأرين على الأرض يختفي كل ذي خضرة من سطحها.
- يا صاحبة المقام الأول، أنت “إنانا” السماء والأرض.
- تمطرين البلاد بالنار الملتهبة.
- يا مدمرة البلدان الأجنبية لقد أعطيت أجنحة للعاصفة.
- يا سيدتي أن البلدان الأجنبية تنحني خوفاً من صرختك.
- وعندما يمثل الناس أمامك، خائفين مرتعشين من نورك الوهاج فأنهم ينالون منك جزاؤهم العادل.
- يا سيدتي، أن أنونا الآلهة العظام، ينهزمون أمامك إلى الكهوف مثل خفافيش مرفرفة.
- إيتها الرحيمة، المرأة واهبة الحياة، صاحبة القلب النير ها قد أنشدتها أمامك بموجب النواميس الإلهية.
- ودخلت أمامك في الكيبار المقدس. أنا الكاهنة العظمى أنخيدوانا.
- حملة سلة الطقوس وأنا أشدو- ولكني الآن لم أعد أسكن في المكان المريح الذي أقمته لي.
- فإذا ما حل النهار، حرقتني الشمس، وإذا ما حل الظلام حدقت بي ريح الجنوب.
- لقد أضحى صوتي العذب مضطرباً – وتحول كل ما يسعدني إلى تراب،
- أنا أنخيدوانا، سوف أتلو الصلوات لها – وأقدم دموعي كالشراب العذب إلى إنانا المقدسة وأسلّم عليها.
- يا سيدتي، يا محبوبة الإله أنو، عسى أن يرق عليّ فقلبك – أنت معروفة، أنت معروفة (بعظمتك)، وما أنشدته لم يكن من أجل آنو، بل من أجلك أنت، لقد كومت الفحم (في المبخرة) وأقمت الشعائر.
- وأن ما تلوته عليك في منتصف الليل – عسى أن يعيده عليك الكاهن – المنشد في منتصف النهار.
- السيدة الأولى، يا عماد قاعة العرش، تقبلت صلواتها – واستعاد قلب إنانا راحته.
- كان يومها سعيد، وهي تكتسي بالحسن وتزخر بفتنة الأنوثة.
المجد إلى سيدتي إنانا، التي تكتسي بالحسن.”. (أنظر: باقر، طه، مقدمة في أدب العراق القديم، بغداد، 1976، ص 206).
وترسم أسطورة بابلية لوحة معبرة عن رؤية المرأة لنفسها ودروها في الحياة بثقة، ولكنها في الوقت نفسه محاولة لإقناع النفس بهذا الدور خشية فقدانه في خضم الصراع مع الرجل. فالإلهة المرأة عشتار تتحدث عن نفسها نيابة عن كل النساء في المجتمع البابلي، إذ تقول:
- “أنا الأول، وأنا الآخر
- أنا البغي، وأنا القديسة
- أنا الزوجة، وأنا العذراء
- أنا الأم، وأنا الابنة
- أنا العاقر، وكُثّر هم أبنائي
- أنا في عرس كبير ولم أتخذ زوجاً
- أنا القابلة ولم أنجب أحداً
- أنا سلوة أتعاب حملي
- أنا العروس وأنا العريس
- وزوجي من أنجبني
- أنا أم أبي، وأخت زوجي
- وهو من نسلي”. (أنظر: الحيدري، إبراهيم د.، النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب، مصدر سابق، ص 119/120، مأخوذ من فراس السواح، لغز عشتار، دمشق 1993، ص 7).
لقد كان مخاضاً عسيراً بالنسبة للمرأفقيد في عملية تحولها التدريجي غير المرئي تماماً من موقع الصدارة إلى موقع في الوسط مدفوعاً نحو المؤخرة.
تشير القوانين العراقية القديمة في العهد السومري أو شريعة حمورابي البابلية إلى وجود تقدير واحترام معينين وملموسين ودور نسبي مهم للمرأة بالمقارنة مع فترات لاحقة، ومنها الفترة الآشورية. ففي هذه العهود المتأخرة فقدت المرأة الكثير من حقوقها وتعرضت لسيطرة قوية واستبداد صارخ من جانب الرجل. ويتجلى هذا الموقف في العقوبات التي كانت تنزلها تلك القوانين بالمرأة الخاطئة، إذ تميزت بالقسوة البالغة تصل إلى حد الحرق أو الرمي بالنهر أو الإجلاس على خازوق …الخ. ويمكن بلورة إشكاليات المرأة في هذه الفترات من تاريخ العراق القديم بما يلي:
- التمييز المتفاقم بين المرأة والرجل في تشريع العراق القديم. ويتجلى ذلك في الفوارق الصارخة بين شريعة أورنمو أو لبت عشتار من جهة، وشريعة حمورابي والقوانين الصادرة في فترة الآشوريين من جهة ثانية، إذ كانت الأخيرة أكثر حطاً لكرامة المرأة ودورها وأقسى في إنزال العقوبات بها في حالة ارتكابها مخالفات.
- تقليص حقوق وحريات المرأة وفرض إرادة الرجل عليها في مسائل الزواج والطلاق والإرث إلى حدود مخلة بدور ومكانة المرأة في المجتمع.
- فرض عقوبات شديدة تتسم بالقسوة ضد المرأة المخطئة، في حين كانت عقوبات الرجل في أخطاء مماثلة إما فرض عقوبات مماثلة أو أقل شدة. يشير الأستاذ رضا جواد الهاشمي إلى التفاوت في الحقوق الزوجية فيقول: “كانت حقوق الرجل في عفاف زوجته صارماً حتى لو هجرها لبعض الوقت شريطة أن يترك لها مستلزمات العيش، ولكن القوانين البابلية منحت المرأة بعضاً من حقوق الرجل على زوجته، فكان عفاف الرجل جانباً من حقوق الزوجة على زوجها. فإذا ثبت أنه فرط بعفافه، تحكم لها المحكمة بالطلاق دون أن تخسر حقوقها المالية، علماً أن عقوبة المرأة في حالة أثبات نفس التهمة عليها هي الموت”. (أنظر: الهاشمي، رضا جواد. القانون والأحوال الشخصية. في كتاب: حضارة العراق. مصدر سابق. الجزء الثاني. ص 94).
- كانت عادة العراقيين القدامى الزواج بامرأة واحدة، ولكن مُنح الرجل حق التسري بعدد غير محدود من الإماء (المصدر السابق نفسه ص 90)، وهو الذي أخذ به الإسلام لاحقاً. “وجرت العادة أن تدفع الزوجة العاقر بأمة عندها لتكون لزوجها، وكأنها بعملها هذا تعوض زوجها النقص في الأبناء الذي يحيط بعلاقتها الزوجية”. المصدر السابق نفسه ص 90). وكان الرجل يتزوج أحياناً من امرأة أخرى لغرض الإنجاب. كما كان يحق له الزواج بكاهنة. وإذا ما أراد الزواج بأخرى لغرض الإنجاب تبقى منزلة الزوجة الثانية دون منزلة الزوجة الكاهنة. المصدر السابق نفسه ص 91).
ما كان للمرأة عمليا المكانة السياسية والاجتماعية المرموقة التي كانت للرجل في هذه المجتمعات، رغم أن المرأة كانت تصل إلى مرتبة الكهنوتية بمستوياتها العليا. وكانت هذه النظرة تنسجم إلى حدود معينة مع نظرة المجتمعات الرومانية والإغريقية القديمة ما بعد عهد الأم، إلى المرأة. إذ كان هؤلاء يرون بأن المرأة أقل عقلاً وكفاءة وقدرة من الرجل، كما كان موقف بعض الفلاسفة في اليونان، فمثلا كان أرسطوطاليس يعتبر العبد والمرأة يمتلكان عقلا صغيرا، محدودا وضيقا، يضاف إلى ذلك أنهما عاجزان عن استخدام حتى هذا القليل من العقل الذي يمتلكانه في تمشية أمورهم اليومية وشؤونهم الخاصة والعامة.
(Eckhard J. Dittrich. Das Weltbild des Rassismus. Cooperative-Verlag. Frankfurt am Main. 1991. S. 77-90).
- وكانت تشريعات العراق القديم لا تُنقِص من حقوق وواجبات وحريات المرأة فحسب، بل تفرض عليها سيطرة الرجل واستبداده بها وبالعائلة، إذ انتقل هذا الأمر إلى البيت عموما، ولكن على نحو خاص إزاء الأنثى في مقابل حرية واستقلالية أكبر للذكر من أفراد العائلة.
- وجُدت في العراق القديم تقاليد وعادات وطقوس دينية تشير إلى أن بعض تلك الطقوس الدينية يتسم بوجهة جنسية مقدسة كان المجتمع يمارسها ويطلق عليه ب “البغاء الديني” أو “البغاء المقدس.” وكما جاء في كتاب الدكتور عبد السلام الترمانيني الموسوم “الزواج عند العرب” كان هذا البغاء على نوعين:
النوع الأول: كانت تمارسه المرأة مع رجل غريب عنها، وغالباً ما تكون عذراء، وكان يجري لمرة واحدة إرضاء لآلهة إناث. فقد روى (هيرودت) أن المرأة في بابل كان ينبغي عليها أن تجلس مرة واحدة في حياتها في فناء هيكل الآلهة (ميليتيا Militia) أي (عشتارIshtar ) وأن تضاجع رجلاً غريباً عنها …”. (أنظر: الترمانيني، عبد السلام د. الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام. ط 3. طلاس للدراسات والنشر والترجمة. دمشق. 1996. ص 26).
“النوع الثاني: كانت تمارسه النساء لمدة طويلة مع كهان المعبد وزواره، وكان يجري هذا الطقس المقدس إرضاء للآلهة الذكور. وفي مصر القديمة (وكذا الحال في بابل، ك.حبيب) كانت العادة، حتى الفتح الروماني (سنة 30 ق.م) أن تختار أجمل بنات الأسر الشريفة في مدينة (طيبة) العاصمة وتنذر نفسها للإله (آمون)، وكانت تضاجع من تختاره من الرجال إرضاء للإله، فإذا أسنت واضحت عاجزة عن إرضائه، أخرجت من خدمته بمظاهر التشريف والتعظيم، وتزوجت رجلاً من أرقى الأسر. وفي بابل كان قانون حمورابي يميّز بين النساء اللائي يزرن المعبد ويمارسن الحب فيه لأول مرة، وبين نساء يلازمنه على خدمة كهنته وزوَّاره ومنها مضاجعتهن. (المصدر السابق نفسه. ص 27).
وكانت التقاليد في بابل تشير إلى أن المرأة التي ترتكب خطأ ما إزاء زوجها يفرض عليها الذهاب إلى المعبد والبقاء فيه فترة معينة للتكفير عن خطاياها من خلال عرض نفسها على من يرغب الدخول بها. (أنظر: رضا جواد الهاشمي، نظام العائلة في العهد البابلي القديم، ط 1، 1970).
وكل هذه التقاليد كانت تعبّر، بسبب كونها ملزمة دينياً واجتماعياً وليست من اختيار حر من المرأة ذاتها، عن ممارسة ذكورية قاهرة يفرضها الرجل على المرأة، وفيها عدم احترام لمشاعرها ورغباتها وإرادتها. وكان بعض تلك الممارسات يعد نِذراً، وبعضها الآخر عقوبة وتكفيرا عن خطايا ترتكبها المرأة بحق الرجل!
ومع كل هذه المظاهر السلبية في الموقف من المرأة، حافظت المرأة في العهود العراقية القديمة على تأثيرها النسبي في العائلة، كما لم ترتد الحجاب الذي ما تزال ترتديه المرأة في العراق الحديث في أغلب المدن العراقية حتى الآن. وإذ اعترف الرجل بوجود آلهة من الإناث، كان ملزما بعبادتها والخشوع أمامها والطلب منها رحمة أو رأفة به، أو طلب مساعدتها أو حمايتها له… وكانت الآلهة عموماً، الأنثوية والذكورية، تعبر في مضمونها الأساسي عن العلاقات الاجتماعية القائمة والصراعات فيما بين البشر من نساء ورجال، أو حتى فيما بين الذكور من الآلهة عموماً. كما كان حق المرأة في التعبير عما يجول في خاطرها من حب للرجل أو العكس أيضا. فالشعر الذي كشفت عنه التنقيبات في العراق يعتبر دليلا ثابتاً على جرأة المرأة ودفاعها عن حقها في الجنس وفي المشاركة في المجتمع، ولكنها كانت تعكس في الوقت نفسه إنها كانت مشروعاً ذكورياً للجنس والتكاثر أو إعادة إنتاج البشر. وكان من حق الحاكم أن ينتقل من عذراء إلى أخرى دون أن يكون هناك من يعاقبه، إذ أن الآلهة هي التي منحته القوة والحق في ذلك، لأنه يحمي البلاد وأسوارها من الأعداء. لنستمع إلى ما جاء في ملحمة گلگامش حول علاقته بنساء البلاد، وهي العلاقة التي أثارت الناس وشكلت جزءاً من شكواهم. فصاحب الملحمة كان راغباً في تسجيل ما كان يجري في واقع الحياة اليومي على شكل ملحمة تعلي شأن الحاكم، ولكنها في الوقت نفسه تعرب عن طبيعته الاستبدادية وسلوكه القهري، فهو الحامي من جهة، ولكنه الظالم من جهة أخرى، وهو الذي يغتصب كل ليلة امرأة، ولكنه في الوقت نفسه يمتلك الحكمة والجمال، إنه التناقض الذي كان يتلاعب في نفوس الناس إزاء مثل هذه الحالات الدائمة، إزاء هذا الحاكم المستبد. وهكذا كان قول صاحب الملحمة:
- هو راعينا القوي، كامل الجمال والحكمة
- “لم يترك گلگامش عذراء طليقة لأمها
- ولا ابنة المقاتل ولا خطيبة البطل”. (أنظر: باقر، طه. ملحمة گلگامش. منشورات وزارة الإعلام. الجمهورية العراقية. سلسلة رقم 78. بغداد. 1975. ص 57).
وبهذا المعنى كان گلگامش مغتصب الفتيات العذارى ونساء المجتمع المخطوبات ولم يتورع عن اغتصاب المتزوجات أيضاً. ويلاحظ المتتبع لأشعار تلك الفترة أن الشاعر كان يعبر عن نداءات الرغبة المتهيجة والشبقية المتعطشة إلى الرجل تصدر عن المرأة، سواء كانت إنساناً أم آلهة. لنستمع إلى نداء إنانا إلى دموزي كما ورد عند إبراهيم محمود نقلاً عن س. كريم في كتابه الموسوم “إنانا ودموزي: طقوس الجنس المقدس عند السومريين”:
- “أما من أجلي، من أجل فرجي،
- من أجلي، الرابية المكومة عالياً،
- لي، أنا الملكة، من يضع الثور هناك؟”
- “أيتها السيدة الجليلة، الملك سوف يحرثه لك، دموزي الملك، سوف يحرثه لك”. “احرث فرجي، يا رجل قلبي!”. (أنظر: محمود، إبراهيم. الجنس في القرآن. مصدر سابق. ص 31). (ملاحظة: استخدم مصطلح الحرث في المرأة من جانب القرآن أيضاً حين جاء في الآية ما يلي: نِساؤكم حَرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنىَّ شئتم وقدموا لأنفسكم….“، القرآن،. سورة البقرة، الآية رقم 223، ص 35).
ونقرأ في نشيد الأناشيد ما يلي:
- “أيها العريس، الغالي على قلبي
- عظيمة هي مسرتك، حلوة كالعسل،
- “لقد أمرتني، أقف مرتجفة أمامك”
- أيها العريس، لو تحملني إلى الخدر
- أيها العريس، فلأمنحك ملاطفات يدي،
- يا حلوي الغالي، بودي لو أغتسل (…) بالعسل …”. (المصدر السابق نفسه، ص 32).
يشير الأستاذ الألماني المتخصص بالدراسات الأثرية في منطقة الشرق الأوسط، الدكتور بارتل هرودا Barthel Hrouda إلى أن مكانة المرأة في المجتمع البابلي كانت متحررة نسبياً وأكثر من المجتمع الآشوري، وفي كل الأحوال فأن مكانة المرأة في الحضارة البابلية والآشورية كانت أفضل بكثير من مكانتها في المجتمع الروماني وكانت تتمتع بمجموعة من الامتيازات التي لم تتمتع بها المرأة الرومانية.
(Hrouda، Barthel Prof. Dr. Mesoptamien- Die antiken Kutluren zwischen Euphrat und Tigris. Beck’sche Reihe. 2030.Verlag C. H. Beck.München. 1997.S. 69/70).
إلا أن هذا لم يكن ليعني بأن الرجل كان لا يمتلك السيطرة على المرأة أو لم يتحكم بها، إذ كانت تلك المجتمعات هي الأخرى ذكورية صارخة.
*****************************************************************************
2-7
التمييز والمرأة في عهود الدول الأموية العباسية والعثمانية
عندما دخل الفاتحون العرب إلى العراق حاملين راية الإسلام دخلت معهم أيضا التقاليد العربية الجاهلية والبدوية التي كانت ما تزال سارية بشكل واسع جداً في أوساط القبائل العربية رغم إسلامهم، إضافة إلى ما ورد في القرآن وأحاديث الرسول محمد من وصايا وتوجيهات وأفكار إصلاحية ودعوات لممارسات جديدة أو تواصل مع الماضي بشأن المرأة. وابتداءً يفترض أن نفهم موقف القرآن من المرأة ومن ثم نتابع الممارسات الفعلية للذين تولوا مسؤولية المسلمين في العالم الإسلامي على امتداد قرون كثيرة. فما هو بالتحديد موقف القرآن من المرأة؟
بدأ محمد بن عبد الله دعوته للإسلام في المجتمع العربي المكي المتسم بالتقاليد الأسرية ذات الأصول القبلية البدوية والمحاطة بالبداوة رغم النشاط التجاري الذي تميزت به مدينة مكة بشكل خاص وقيام كثرة من التجارة برحلة الصيف والشتاء إلى الشام للتبضع أو بيع منتجات مكة، والتي شارك فيها محمد ايضاً باعتباره مسؤولاً عن تجارة خديجة الكبرى. وللمجتمع المكي تقاليد وعادات موروثة ومستقرة لعقود طويلة إزاء الأسرة والمرأة منبثقة من طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة ومن النظام الأبوي أو الذكوري الذي ساد المنطقة كلها حينذاك. وأصبحت هيمنة الرجل تشكل السمة المميزة للعائلة والقبيلة، ولكنها لم تحرم المرأة من حرية واسعة نسبياً، إضافة إلى مكانة اجتماعية محترمة، رغم استمرار وجود عادات وتقاليد بالية ومناهضة للمرأة باعتبارها كياناً مستقلاً.
انطلق محمد من الواقع المكي، بعد أن كان قد اطلع بصورة جيدة على الديانة اليهودية وتعاليمها، كما اطلع عبر رحلاته للشام على تعاليم الديانة المسيحية، في رحلته مع الإسلام ونشر الرسالة المحمدية في ارجاء الجزيرة والدول المجاورة، ساعياً إلى تغيير بعض العادات والتقاليد التي تحط من كرامة المرأة ومن حريتها، ولكنه كان محكوماً بأوضاع مكة ذاتها، فلم يخرج بالكامل عن تلك التقاليد والعادات والأسس المنيعة التي كان المجتمع المكي الارستقراطي يحتمي بها ويدافع عنها بعناد شديد. ويتجلى ذلك في الآيات القرآنية التي اتخذت مواقف متباينة إزاء المرأة في الفترات المختلفة والتي تجسد تناقضاً وصراعاً داخلياً واضحاً. كما كانت تتجلى في الأحاديث المنسوبة إلى محمد بن عبد الله.
فالقراءة المدققة للآيات القرآنية وللأحاديث المنسوبة إلى النبي محمد سيجد الإنسان نفسه أمام جملة من المواقف المتباينة التي تشير إلى تباين في فترات صياغتها والعوامل التي دفعت أو الظروف التي أثرت فيها، كما إنها تبين بأنها لم تكن بعيدة عما انتقل إلى العرب من تقاليد وعادات إزاء المرأة من العراق القديم أو من العهد الروماني والإغريقي القديم والعهد البيزنطي المسيحي في الشام، خاصة وأن التجار العرب كانوا على اتصال وثيق مع الشام في الرحلات التجارية والتي شارك فيها محمد أيضاً. وينطبق هذا الأمر على مشكلة الرق. إذ كان الموقف من الرقيق، سواء أكانوا رجالاً أم نساءً، من حيث المبدأ استنساخاً أو اعترافاً وقبولاً لما كان سائداً في المجتمع الجاهلي وتثبيته في القرآن وممارسته في المجتمع العربي الإسلامي، أو الإسلامي بشكل عام. كما كانت هناك مسائل ومواقف جديدة أكثر تشددا مما كان عليه الموقف في فترة الجاهلية إزاء المرأة. ولكن كانت هناك جوانب إيجابية أوردها النص القرآني أو تبناها النبي محمد التي أفادت المرأة، وهو قليل على أهميته، مثل رفض وأد البنات أو الهم الذي كان يشعر به الرجل عند ولادة ابنة له. ويمكننا هنا الإشارة إلى بعض المسائل التي جرى التركيز عليها في الإسلام إزاء المرأة والتي اتخذت بمرور الزمن أبعادا جديدة، سواء كانت أكثر سلبية أم إيجابية في مجال التشريع (أو) والممارسة العملية:
- رسم القرآن صورة متفردة للذكر تؤكد أنه الأصل في بني البشر، وأنه الكل. أما الأنثى فهي ليست سوى الجزء المتفرع عنه. (أنظر: محمود، إبراهيم. الجنس في القرآن. رياض الريس للكتب والنشر. بيروت. 1994. ص 133). فقد ورد في القرآن بهذا الصدد ما يلي: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخَلَقَ منها زوجها وبثَ منهما رجالاً كثيراً ونساء …”. (أنظر: القرآن. سورة النساء الآية 1، ص 77). كتب السيد إبراهيم محمود في هذا الصدد يقول: “ولعل ما يلفت النظر فيها، هو خلق (آدم) أولاً، الذي يقابل التأكيد على أسبقية الحضور الوظيفي للرجل، وتعزيز دوره في التاريخ وسلطته على المرأة، وتهميش دور المرأة، من خلال تبعيتها للرجل (ألم تكن حواء جزء من آدم، والجزء هو بمعنى ما، عدم وجود معنى له إلا بوجود الأساس له، أي الكل (آدم)، وحتى عندما يجري تعظيمها (كما في المولد “مولد ابن حجر مثلاً” فإن عملية التعظيم تكون لاحقة عليها، لأنها تحمل معها شارة “أفضل الأنام” محمد، وهذا يذكرنا بالعذراء التي ترتبط بالمسيح، ثم حورت لاحقاً لتصبح ثمئذٍ الروح القدس، كتعبير عن توجه رجولي مسيّس ..الخ”. (أنظر: محمود، إبراهيم. الجنس في القرآن. مصدر سابق. ص 79).
- قيمومة الرجل على المرأة، كما ورد في الآية القرآنية: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم….”. (سورة النساء. الآية 34. ص 83). وكان يراد من هذا التحديد رسم الحواجز والفوارق بين المرأة والرجل من منطلق ذكوري واضح، دون أن تُذكر المبررات لمثل هذه القيمومة على النساء. ورغم أن نشوء المرأة من ضلع أدم أو ما شاكل ذلك، الذي كما يبدو حدد عملياً قيمومة الكل على الجزء أو الرجل على المرأة، ليس سوى أسطورة لا تصمد أمام العلم، ولكنها أسطورة دينية تقبل من الناس على علاتها كما تقبل قضية الخالق ذاته، أو الملائكة أو كل الأساطير الدينية، بما فيها أسطورة ولادة المسيح دون أن يمس مريم العذراء رجل ما. وكان لقرار قيمومة الرجل على المرأة تبعات في الحياة العائلية والقبلية والاجتماعية والسياسية في حينها وحتى الوقت الحاضر.
- إبعاد المرأة عن احتلال المواقع الأساسية في الحياة السياسية أو العامة التي ترتبط بإدارة شؤون البلاد، حيث جاء في حديث منسوب إلى محمد قوله: “لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة”. (أنظر: العلوي، هادي، فصول عن المرأة، دار الكنوز الأدبية، بيروت، ط 1، 1996، ص 37). ويشير الكاتب المصري فهمي منصور إلى موقف محمد من المرأة بقوله: “ودونية المرأة برأي محمد تمنعها أن تؤدي بعض الأدوار. فعندما علم النبي أن الفرس اختاروا امرأة لتحتل العرش – ابنة كسرى – صرح محمد قائلاً “لن ينجح شيء من هؤلاء الذين يقبلون أن تحكمهم امرأة”. (أنظر فهمي، منصور، أحوال المرأة في الإسلام، منشورات الجمل، 1997، ص 44). ومثل هذا القول المنسوب إلى محمد، يعبر عن رؤية بدوية ذكورية صرفة. وفي مثل هذا الموقف الشديد المنسوب إلى النبي محمد إزاء المرأة سمح بصورة غير مباشرة أن يجتهد الآخرون في حرمان المرأة من تولي مركز الخليفة على المسلمات والمسلمين، أو أن تصلي في المصليات والمصلين أو أن تكون قاضية تحكم بين الناس. ويختلف الفقهاء في مدى توسيع رقعة الممنوعات على المرأة، فبعضهم يركز على منصب الخلافة، في حين يوسعه البعض الآخر. (المصدر السابق نفسه. ص 37). ولكنه في كل الأحوال كان الموقف المنسوب إلى محمد فيه إضعاف لدور ومكانة المرأة وفي قدرتها على المنافسة أو التماثل مع الرجل.
- وانطلاقا من موقع القيمومة على المرأة مُنح الرجل حق ضرب زوجته، أي إهانتها، في حالة معينة، وهي حالة كان الرجال العرب يمارسونها في الجاهلية، في حالة الخشية من نشوز المرأة، ممارسة الضرب عندما تستعصي على زوجها أو ترفض أن يغتصبها عنوة وهي غير راغبة رغم كونها زوجته، إذ جاء في الآية ما يلي: “… واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن في المضاجع واضربوهن فأن أطعناكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً أن لله علياً كبيرا”. (القرآن. سورة النساء. الآية 34. مصدر سابق. ص 83). والغريب في الأمر أن يحاول أحد علماء الاجتماع العراقيين التخفيف من أهمية مثل هذا الموقف من خلال القول مثلاً “ومعنى هذا أن القرآن الكريم حذَّر من المغالاة في ضرب الزوجة وعقابها، لأن ذلك قد يكون ظلماً وبغياً”. (الحيدري. المصدر السابق. ص 256). فهو بهذا المعنى قد قبل بالضرب وتوجيه الإهانة لكرامة المرأة، ولكن على قدر معين لكي لا يتحول إلى ظلم وجور، إذ كتب الدكتور إبراهيم الحيدري في مكان آخر من كتابه الموسوم “النظام الأبوي ومشكلة الجنس عند العرب” يقول: “والواقع، فقد اختلف المفسرون في تفسير الآية الكريمة، وأوَّلها البعض برجاحة العقل والرأي عند الرجل ووجوب سيطرته على المرأة، لأن عقلها يساوي نصف عقل الرجل، وكذلك إباحة ضربها، مع أن أغلب الفقهاء والمفسرين متفقون على أن القرآن الكريم حذَّر من لمغالاة من ذلك، وإلا يكون الضرب مبرحاً أو أن يكون قسوة وتعذيباً.”. (أنظر: الحيدري، إبراهيم د.، النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب. مصدر سابق. ص 256). أي أن الزميل يوافق أن يكون الضرب تأديباً. إذ أنه لم يشجب رأي الفقهاء، بل شجب إلى حد ما رأي المتشددين حين كتب يقول: “غير أن بعض الفقهاء المتعصبين ذهبوا إلى تقييد حرية المرأة وتحديد تصرفاتها وحركتها، واعتبروا وجودب طاعة الزوج طاعة عمياء حكماً سابقاً على طاعة الله، ما عدا في ما يأمرها بمعصية، ترك الصلاة والصوم أو أن يحملها على الزنى”. (المصدر السابق نفسه. ص 256). واعتبر الحيدري أن “مثل هذه التفاسير والتأويلات البائسة لمفهوم القيمومة، جرد المرأة من إنسانيتها وكرامتها ومساواتها في الخلق، وجعلها مجرد شيء، وهو ما رسخ دونية المرأة عند بعض فقهاء المسلمين ومن قلدهم في ذلك”، (المصدر السابق نفسه. ص 257). متعصبة، وليس تلك المعتدلة التي تقبل بالضرب التأديبي دون أن يقوله نصاً ولكن ضمناً. ومنه يبدو بوضوح بأن المرأة في القرآن قد صورت وكأنها مشروعاً مخصصاً للجنس بالدرجة الأولى وللتكثير بالدرجة الثانية بالنسبة للرجل، وبالتالي منح الرجل حق ضربها أن استعصت عليه جنسياً. كما منح الرجل حق التمتع بالزواج من أربع نساء في آنٍ واحد، مع حق التسري بعدد غير محدد من الجواري الحسان. وحالة التسري في الإسلام مماثلة لما كان عليه الحال في العراق القديم.
- لم يحرم الإسلام العبودية التي كانت سائدة في المجتمع العربي أو في المناطق التي استعمرها فيما بعد، بل أكدها في عدد كبير من الآيات القرآنية. فقد أشار الكاتب سردار أمد في مقال له عن “العبودية في الإسلام إلى ما يلي: ” القرآن ليس فقط لم يحرم العبودية بنص أو آية، بل الأنكى من ذلك أنه أقرها وثبتها من خلال سن القوانين المنظِمة لمجتمع العبيد، كما أنه شجع على امتلاك العبيد وذلك في آيات الزواج والنكاح فقد تم التطرق للعبيد في القرآن في 29 آية على الأقل ، وذكر” مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ” 15 مرة، ((فقد تكرر ” مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ – مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ – مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ” في القرآن بالآيات التالية: سورة النساء 3 – سورة النساء 24- سورة النساء 25- سورة النساء 36- سورة النحل 71- سورة المؤمنون 6 – سورة النور 31- سورة النور 33 – سورة النور 58 – سورة الروم 28- سورة الأحزاب 50 (ذكرت مرتين) – سورة الأحزاب 52- الأحزاب 55- المعارج 30). (أنظر: سردارد آمد، العبودية في الإسلام، موقع الحوار المتمدن، العدد: 2561 – 2009 / 2 / 18).
وقد مورست العبودية ضد النساء بشكل واسع جداً، وكذلك بيع الرجال كعبيد في سوق النخاسة الإسلامي. وكان التجار العرب يستوردون النساء الأفريقيات لبيعهن في مزاد علني في مدن الدولة العباسية مثلاً. كما تم استيراد النساء، إضافة إلى الأولاد، من مناطق مختلفة من مستعمرات الدولة العباسية أو مناطق أخرى مثل جورجيا. حتى الآن لم يلغ شيوخ الدين المسلمين العبودية، لأنها واردة في القرآن، ومازال هناك عبيد بطريقة مبطنة في دول عربية وذات أكثرية مسلمة لا يكشف عنها تماماً. ونجد كثرة من شيوخ المسلمين الوهابيين أو حتى غيرهم من فقهاء المسلمين الذين يدافعون عن الرق في الإسلام. فعلى سبيل المثال لا الحصر نورد ما يلي: “في عام 2003 أصدر الشيخ السعودي صالح الفوزان فتوى قال فيها أن الرق جزء من الإسلام وأنه جزء من الجهاد، وأن الجهاد سوف يستمر طالما بقي الإسلام، ثم هاجم الشيخ فوزان علماء المسلمين الذين قالوا عكس ذلك زاعماً أنهم “جهلة وليسوا علماء بل مجرد كتّاب”، وأضاف أن أي شخص يقول مثل هذه الأشياء هو كافر ملحد، جدير بالذكر أن الشيخ الفوزان كان يشغل المناصب التالية عند إصداره هذه الفتوى: عضو مجلس كبار رجال الدين الذي هو أعلى هيئة دينية في المملكة العربية السعودية وعضو مجلس الأبحاث الدينية وخطيب مسجد الأمير متعب في الرياض ومحاضر في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي هي مركز التعليم الوهابي الرئيسي في الدولة ” (المصدر السابق نفسه).
- وميز القرآن بين الرجل والمرأة لصالح الأول في مجال توزيع الإرث بين الأولاد والبنات من أفراد العائلة، فقد جاء فيه قوله: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين …”. (المصدر السابق نفسه. ص 27). (أنظر أيضاً: رضا جواد الهاشمي، نظام العائلة في العهد البابلي القديم، ط 1، 1970). ومثل هذا التمييز استند إلى أن الرجل حينذاك هو الذي كان يتحمل المسؤولية الاقتصادية في العائلة، رغم أن المرأة كانت تعمل وتساعد زوجها في تحصيل الرزق وتتحمل عبء الحياة والعائلة.
- وميّز القرآن بين المرأة والرجل في المحاكم أيضاً عندما تُطلب للشهادة على حدث ما، فشهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد.
- واعتبر المشرع الإسلامي، واستنادا إلى أحكام القرآن والتفسيرات التي أعطيت، بشأن المهر الذي يعطى للمرأة عند زواج الرجل منها وقبل دخوله فيها، سواء كان ذلك في زمن محمد أم في فترة الحكم الأموي والعباسي ومن ثم العثماني، مهرا يدفع انطلاقا من كونها مشروعا جنسياً بالنسبة للرجل، فهو المستفيد من هذا المشروع وكأن التمتع بالعملية الجنسية محصور بالرجل وليس تمتعاً مشتركاً. أشار هادي العلوي بصواب إلى رؤية المشرع في الإسلام للمرأة وزواجها من الرجل حيث كتب يقول: ” المهر هو ما يعطيه الرجل للمرأة من مال نقدي أو عيني لقاء زواجه منها، ويسمى أيضا الصداق …. وينظر إلى المهر على أنه ثمن جسد المرأة، ولذلك يطلق على أجرة المومس التي تسمى في الفقه “مهر البغي“، وهو من المحرمات. وبهذا الاعتبار يكون معنى المهر هو ثمن التمتع بجسد الزوجة…”. (العلوي. هادي، فصول عن النساء، مصدر سابق، ص 50).
- وامتلك الرجل في النصوص القرآنية مكانة أعلى وارفع من المرآة دون أن يتبين الإنسان سببا واقعياً يمنحه هذا الموقع المميز ويسلبه من المرأة، إذ ساعد هذا التصور الوحيد الجانب والذكوري في أن يكون الرجل العربي المسلم أكثر استبدادا وتشدداً إزاء زوجته أو ابنته أو أخته من عرب الجاهلية أو من المسلمين في الريف والمدينة في مختلف بقاع الأرض.
- وقدم القرآن المرأة على إنها الجزء اللعوب والساحر الذي يسكنه الشيطان أبداً، وهي التي تمارس كل الحيل والألاعيب من أجل السيطرة على الرجل بسحر جمالها وغنجها بحيث تثير شبقية الرجل وتلهب حواسه ومخيلته وتسقطه في فخاخها، “إن كيدهن لعظيم” كما يرد في القرآن، إنها الخطيئة بعينها منذ أن أغوت آدم بقطف وأكل التفاحة فأنزلهما الله من سمائه إلى أرضه، وستبقى هذه الخطيئة تلاحقها أبداً وتنغص عليها عيشها عبر الرجل الذي عليه أن يخضعها لإرادته، لكي لا تدفعه لارتكاب خطايا جديدة، إنها المشروع الجنسي الذي ينبغي أن يراقب أبداً وأن لا يمنح الثقة، إذ يسكنها الشيطان ذاته وذات كيدٍ عظيم.
وفي الوقت الذي حرر جسد الرجل من كل قيد إلا عورته، قيد جسد المرأة وأفسح عملياً لخيال الرجل أن يمارس دوره في حبسها فيما نراه اليوم من سجن معتم يضيق على المرأة المسلمة في الكثير من بقاع العالم، إنه الحجاب. وتشير الكثير من المصادر الموثوق بها إلى أن العرب في الجاهلية كانوا أكثر حرية في هذا الصدد، إذ أن النسوة والرجال كانوا يطوفون البيت الحرام وهم عراة أو شبه عراة دون أن يجدوا في ذلك إثماً من جانب المتعري أو الناظر إليه. (محمود، إبراهيم، الجنس في القرآن، مصدر سابق، ص 81). وفي سورة الأحزاب ترد مجموعة من الوصايا والمحرمات لنساء النبي محمد، ومنها موضوع الحجاب. وإذا كانت إحدى الوصايا الواردة في سورة الأحزاب، وهي التي تعالج الموقف من نساء النبي محمد بشكل خاص، تشير إلى نساء النبي بعدم التبرج كما كان عليه الحال في زمن الجاهلية الأولى، فأنها تطرح في نفس الآية وفي مكان لاحق ما يؤكد إقامة حجاب بين نساء النبي والرجال الآخرين، خوفاً على نساء النبي من إشكاليات نشوء علاقات مع رجال آخرين. فقد وردت الآية التالية في سورة الأحزاب: “يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً* وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى…”. (القرآن، مصدر سابق، سورة الأحزاب، الآية رقم ،3. ص 422).
ثم جاءت في نفس السورة آية لاحقة تقول: “… وإذا سألتموهن مَتاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيماً*”. (سورة الأحزاب، الآية 53، ص 425).. كما وردت آية أخرى في القرآن تشير إلى الحجاب بصيغة ما حيث ورد ما يلي: “يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما”. (سورة الأحزاب، الآية 59، ص 426). وقد استغل بعض علماء وفقهاء الدين هذه التوصيات والمحرمات على نساء النبي لتعميمها على المجتمع النسوي الإسلامي وترك المجال لخيال الرجل أن يغوص في متاهات حولت الحجاب إلى سجن حقيقي بالنسبة إلى المرأة وفي مناطق كثيرة من العالم الإسلامي، كما في أفغانستان واليمن وغيرهما. لقد أكدت هذه الآيات إلى أن المشكلة كانت لدى نساء النبي الكثيرات، وكان على محمد أن يتخذ الموقف الذي يصون زوجاته إزاء ما كان يقال بشأنهن، فكانت تلك الآيات حيث تقرر فيها الموقف من نساء النبيل لا غير. لقد اعتبر هؤلاء الفقهاء نساء النبي قدوة حسنة لبقية النساء في الإسلام، وبالتالي عليهن ما على نساء النبي، رغم التمييز الذي طرحه القرآن في بداية الآية رقم 32 من سورة الأحزاب بقوله “…لستن كأحد من النساء….”، وبعض هؤلاء الفقهاء، وبمرور الزمن، بالغوا في التشدد في الحجاب حتى أصبح قطعة من قماش أسود أو أي لون آخر تغطي جسد المرأة من قمة الرأس إلى أخمص القدمين. وهو تعبير عن قلق الرجل وشكه وخوفه على ما يمكن أن ترتكبه المرأة ذاتها أو تتسبب فيما يمكن أن يرتكبه الرجل من خطايا وذنوب بسبب إغوائها ودفعها لارتكاب تلك المعاصي! ولكن ليس في هذه الآيات أي تعميم للحجاب على بقية النساء كما يشير إلى ذلك بصواب الدكتور رشيد البندر عندما كتب يقول: “ثم جاءت النصوص بوجوب الحجاب الكامل لجسد المرأة بينما ترى مذاهب أخرى أن الحجاب لا يشمل الوجه والأطراف وأن الرجوع إلى أسباب نزول الآيات سيوضح مهمتها الوقائية في حينها”، (البندر، رشيد د.، بعض النصوص والتشريعات الدينية الخاصة بالمرأة، في مجلة الثقافة الجديدة، العدد ،62. شباط وآذار 1995، ص 76).
- ولنساء النبي فقط. فليست هناك نصوص قرآنية تفرض الحجاب على كل النساء، لكن هناك فتاوى من فقهاء أو أحكاماً منهم فرضت الحجاب على النساء وأن اختلف هؤلاء الفقهاء في تفسير الحجاب ومداه وما يفترض أن يغطيه من جسد المرأة. وجاء في القرآن فيما يخص النساء عموماً قوله بضرورة حفاظهن على فروجهن لا غير، أي ليس وجوههن أو سواه من جسم المرأة، كما هو الحال مع الرجل، إذ ورد في الآية 35 من سورة الأحزاب بهذا الصدد ما يلي: “إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقنتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين لله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما*”. (القرآن، سورة الأحزاب، الآية 35، ص 422).
- ومن أجل زيادة تشويه أخلاقية وطباع أو سلوكية المرأة في الحياة الدنيا قُدمت المرأة للرجل في الحياة الآخرة، أي في الجنة أو الفردوس، على أنها الروعة في الحسن والجمال وبديع الأخلاق، وبالتالي منح الرجل المزيد من الحرية في ممارسة ما يريد معها في الآخرة، ولكنه فتح خياله لممارسات مماثلة في الحياة الدنيا.
واعتبر القرآن أن مهمة المرأة، إضافة إلى كونها مشروع جنس وتمتع للرجل، تتلخص في إعادة إنتاج الإنسان والإكثار من الإنجاب، وعندما تكون عاقراً يمكن للرجل أن يستبدلها بامرأة أخرى أو يتزوج عليها. ونسب إلى محمد قوله: “سوداء ولود خير من حسناء لا تلد”. (العلوي، هادي، فصول عن المرأة، مصدر سابق، ص 41). وفي هذا المقطع يلاحظ القارئ صيغة التمييز بين المرأة السوداء والمرأة البيضاء، كما اعتبر المرأة السوداء غير ذات حسن، وهو معيار لرجل أبيض يميل عموما إلى البيضاوات من النساء أولاً، ولكنه يريد ويهمه الإنجاب قبل ذاك، إذ يقول “وإني مكاثر بكم الأمم”. (المصدر السابق نفسه). وجدير بالإشارة إلى أن الغزالي اعتبر النكاح بمثابة الرق، وهذا يعني المزيد من عملية الحط من كرامة ومكانة المرأة ومغالاة في إهانتها وإخضاعها لإرادة الرجل، إذ كتب يقول: “النكاح نوع رق، فهي رقيقة له فعليها طاعة الزوج مطلقاً في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه”. (المصدر السابق نفسه، ص 36، عن كتاب “آداب النكاح من الإحياء“).
- إذ أن الزواج في الإسلام يقوم على أساس عقد بيع وشراء. فالمرأة تبيع فرجها للرجل ليتمتع به ويكاثر به نوعه. تشير الكاتبة الدكتورة شهلا حائري، وهي ابنة أحد آية الله حائري في إيران تقول: “على امتداد القرون، لم يتغير تعريف الشيعة لمؤسسة الزواج كثيراً. ويعرف الحلًِِي، وهو فقيه من القرن الثالث عشر الميلادي، عقد الزواج بأنه “ذلك النوع من العقود الذي يؤمن سيادة الرجل على فرج المرأة “البضع”، من دون أن يعطيه حق الملكية، كما هو الحال في الزواج من جارية”. (أنظر: حائري، شهلا د.، المتعة الزواج المؤقت عند الشيعة، حالة إيران 1978-1982، ط 9 منقحة،. شركة المطبوعات لنشر والتوزيع، بيروت، 2004، ص 59). علماً بأن البعض يحاول أن يشير إلى أن عقد البيع والشراء يتم في حالة زواج المتعة الممارس من قب الشيعة، وخاصة في إيران، في حين أن الزواج الدائم هو عقد إقامة عائلة. إلا أن الدلائل العملية والكثير من الكتابات تدلل على أنه لا يختلف كثيراً فكلاهما عقد بيع وشراء أحدهما مؤقت والآخر دائم، رغم أن الدائم يمكن فسخه أيضاً.
ويبدو لقراء القرآن من الجنسين بوضوح كبير أن القرآن، كما استنتج الكاتب إبراهيم محمود بصواب في كتابه الموسوم “الجنس في القرآن”، ذكوري المنهج والمضمون، إذ كتب يقول: “ولغة القرآن تبدو في جوهرها رجولية (ذكورية) المرأة كجسد حاضرة فيها على أكثر من صعيد، كرغبة تحتاج لضبط وانضباط متواصلين، هي المتقلبة باستمرار لمتضمناته!”. محمود، (إبراهيم. الجنس في القرآن، مصدر سابق، ص 148).
وقد ترك هذا التصور القرآني للمرأة المرتبط بعضه برؤية عربية سابقة، وبعضه الآخر ناشئ عن تقاليد متوارثة لا في الحجاز فحسب، بل في المنطقة بأسرها، وبعضه الثالث وارد عند الأديان الأخرى كاليهودية والمسيحية، ولكنه جميعاً لم يبلغ المستوى الذي بلغه القرآن في رؤيته للمرأة على الشاكلة التي أوردنا جزءاً منها في أعلاه. وبمثل هذه الرؤية عن المرأة وفر القرآن للرجل المسلم إمكانية إضافية لفرض تفوقه المزعوم على المرأة واستبداده بها وتقييد حريتها وحركتها بل وصل الأمر إلى حد امتلاكها كما يمتلك السيد عبده، فهي ناقصة العقل، تماما كما كانت رؤية أرسطوطاليس في اليونان القديمة إلى المرأة. وقد تفتقت مخيلة المشرع في الإسلام وفق المذهب الذي ينتسب إليه في وضع قائمة بالممنوعات على المرأة، تفوق كل تصور وتبتعد حتى عن تلك التصورات الواردة في القرآن عن المرأة. وشكلت المرأة عمليا مجالاً رحباً من مجالات الفقه في الإسلام سيطر فيها الفقه الذكوري، كما هو في القرآن، على المعالجات التي أعطيت للمشكلات التي كانت تواجه المرأة. وقلة ممن حاول أن يمنح المرأة بعض الحقوق وأن يخفف من التزمت الذي يراد فرضه عليها، فاعتبر من باب المنصفين للمرأة والمتفضلين عليها. ولم تمنح المرأة من الناحية العملية إمكانية أو حق المشاركة في الفقه عملياً، إذ هناك ندرة من تضلع من النسوة في شؤون الدين، كما لم نسمع عن ذلك في العهود الأموية والعباسية والعثمانية على سبيل المثال لا الحصر. وبالتالي حصر الرجال الفقه بالذكور من المسلمين دون الإناث المسلمات رغم عدم ورود أي آية تبعد النسوة عن الفقه الإسلامي. وقاد ذلك إلى أن يبقى المتحكم بالتشريع الإسلامي هو الفكر الذكوري والممارسة الذكورية، وأن الذكور يقررون للنساء المسلمات ما يناسب الرجال. أما ما يناسب النساء في الرجال وفي غيره فلا يجده الإنسان في شرع الذكور النافذ المفعول في المجتمعات الإسلامية ولا في القرآن.
ويبدو أن بعض الكتاب وهم يحاولون الدفاع عن الإسلام في موقفه من حقوق المرأة يقعون في خطأ السكوت عن بعض الأسس المبدئية في الموقف من المرأة والرجل حتى يصل بهم الأمر إلى التغني باعتراف القرآن بإنسانية المرأة، وكان هناك من لا يعترف بكونها إنساناً مثل الرجل أو أي شك في ذلك، إذ كتب الدكتور إبراهيم الحيدري يقول: “اعترف الإسلام بإنسانية المرأة ومساواتها بالرجل في الخلق …”، وفي مكان آخر يقول: “. (أنظر: الحيدري، إبراهيم د.، النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب، مصدر سابق، ص 253). كما اعترف بإنسانيتها ومساواتها مع الرجل في الخلق والإيمان والتكليف في الكثير من الحقوق والواجبات، مع التمييز النسبي بين الذكورة والأنوثة، …”، (المصدر السابق نفسه، ص 256)، ويرى في ذلك منقبة كبيرة. إن الدكتور إبراهيم ينطلق في رؤيته لحقوق المرأة في الإسلام من مواقع ذكورية أيضاً تماماً تسمح له بتقليص حقوق المرأة، كما وردت في القرآن، ويختلف مع بعض المشرعين في التشدد في تفسير بعض الآيات والاجتهاد فيها. فهو يقول مثلاً: “وقد أرسى الإسلام مبادئ اجتماعية واقتصادية وأخلاقية جديدة وعادلة لتحرير المرأة من قيود عبوديتها وجهالتها. وقد نزلت آيات قرآنية تدعم هذه المبادئ وتخص المرأة بسورة مخصصة لها من بين 114 سورة، بينما لم تخص الرجل بسورة واحدة”. (المصدر السابق نفسه، ص 250). يؤكد الكاتب هنا على أن ما جاء في القرآن إزاء المرأة كله عادلاً، وبالتالي فهو يقر كل الجوانب السلبية التي أشرنا إليها سابقاً بما في ذلك نقص عقل المرأة مثلاً. كما أنه يرى بأن ذكر سورة عن المرأة في القرآن هو تكريم لها في حين لا يرى بأن القرآن كله تقريباً كتب بلغة وعقلية ذكورية، إضافة إلى أن هذه السورة بالذات هي التي تضع القيود الشديدة على المرأة. يضاف إلى ذلك أن الإسلام قد أقر الرق، وبالتالي يشمل هذا النساء أيضاً، ومارسه المسلمون بكثرة وحرية كاملة استناداً إلى أحكام القرآن. ويبدو ان التفكير الذكوري عند الدكتور إبراهيم الحيدري هو الذي أوحى له بأن القرآن قد اعترف بإنسانية المرأة، ولكن لم تطرأ في باله أن القرآن قد اعترف بإنسانية الرجل أيضاً، باعتبار ذلك تحصيل حاصل. ويبدو لي بأن الرجل ومهما تحرر من ذكورية المجتمع الذي يعيش فيه، تبقى تلاحقه داخلياً ومجتمعياً تلك الذكورية المهيمنة لتنعكس في عبارات من هذا النوع، مثل أن القرآن اعترف بإنسانية المرأة، وكأن المرأة، وليس الرجل، كان بحاجة إلى اعتراف القرآن بها كإنسان لتصبح إنساناً فعلاً. علماً بأن الكاتب يدافع في كتابه عن المرأة بشكل عام ومن مواقع ديمقراطية، ولكنه يصاب بالعقم والعجز عن رؤية أو نقد موقف الإسلام من المرأة.
لا شك في أن الإسلام لعب دوراً مهما في التصدي لجملة من التقاليد السيئة التي كان عرب الجاهلية يمارسونها، كما كانت تمارسها بعض الشعوب الأخرى، إذ رفضها الإسلام ووضع تدريجا حداً لبعضها، كما في وأد البنات، أو شجبه لتفضيل الذكور على الإناث والتي ما تزال سارية في جميع المجتمعات الإسلامية، أو رفض تقديم النساء الجميلات أو المخطئات هدايا أو عقوبة لهن إلى دور العبادة كما كان عليه الحال في العراق القديم (الحضارة البابلية)، حيث تكون المرأة ممنوحة لممارسة الجنس معها لمن يشاء من الرجال، وهي عادة قديمة تمارس حتى اليوم في بعض مناطق الهند ومن قبل العوائل الفقيرة بشكل خاص. فالعائلة الهندية في تلك المناطق التي يموت لها أكثر من طفل أو ممن لا تقوى على إعاشة البنات تنذر ابنتها التي تولد وتبقى على قيد الحياة ابتداءً من عمر سبع سنوات للرقص أمام الرجال في المعابد، ووضعها لممارسة الجنس معها في المعبد أيضاً ولمن يشاء من الرجال ابتداءً من سن الثالثة عشر. ويطلق على هذه الظاهرة السيئة في الهند “تماتا: وهي ما تزال تمارس حتى اليوم، رغم نضال المرأة ضدها والسعي لإبطالها دينياً.
إن متابعة وضع المرأة المسلمة في العهد العباسي ومن ثم في الفترة التي أعقبت غزو هولاكو للعراق، ومن ثم في العهد العثماني، بعد أن دخلت كثرة من أمم أخرى غير العرب في الإسلام، كما مرّت بعهود مظلمة وقاحلة ثقافياً وإنسانياً، أصبحت أوضاع المرأة في الدول العربية، وخاصة المرأة المسلمة، أكثر صعوبة وبؤساً وفاقة في المجالات المختلفة، حيث فرض الرجل والمجتمع الذكوري قيوداً جديدة إضافية على المرأة لم تكن معروفة من قبل أو حتى بعد دخول الإسلام إلى العراق بفترة غير قصيرة.
كيف كانت طبيعة وأشكال الاستبداد الذكوري إزاء المرأة في تلك الفترات العباسية أو ما بعدها في العراق؟ يمكن تحديد واقع المرأة حينذاك بأنها كانت رهينة الرجل في البيت ورهينة المجتمع الذكوري في الحياة العامة، ورهينة السلطة الذكورية في إطار الدولة، إضافة إلى دور الإسلام في منح الذكور خصائص وامتيازات وحقوق كثيرة مميزة بالمقارنة مع المرأة التي جردت من تلك الخصائص والامتيازات والحقوق ولم يبق لها سوى عقلها الناقص وجمالها الذي تسحر به الرجال وتوقعهم في شباكها! فتفوق الرجل على المرأة، كما جاء عند بعض المفسرين، ب “العقل والعزم والحزم والرأي والقوة والجهاد وكمال الصوم والصلاة والنبوة والخلافة والإمامة والآذان والخطبة والجماعة والجمعة والشهادة في الحدود والقصاص وتضعيف الميراث وملك النكاح والطلاق وإليهم الانتساب وهم أصحاب اللحى والعمائم …”. (أنظر: العلوي، هادي، فصول عن المرأة، مصدر سابق، ص 35). والمقصود هنا بأصحاب اللحى والعمائم هم الرجال الذين كانوا يتركون لحاهم ويرتدون العمائم حينذاك في زمان الشخص الذي قدم هذا التفسير. لقد اجتمع كل ذلك ليقرر:
– إبعاد المرأة عن مراكز الدولة الحساسة، وعن الخلافة والقضاء والشرطة والجيش وما إلى ذلك. وجرى التطرق حول إبعاد المرأة تماما عن مركز الخلافة وحصره بالرجل بصورة مطلقة، رغم عدم ورود ما يشير إلى ذلك في القرآن، فيما عدا ما نسب إلى محمد حول عدم صلاح قيادة المرأة للمجتمع، إذ كان ذلك كافياً لتشريع ما يشاء الرجال من قيود ضد المرأة، إن صح ما نسب إليه، بما في ذلك إبعادها عن منصب الخلافة.
– فرضت في فترات مختلفة على المرأة عدم الخروج من البيت أو الخروج بمعية الزوج أو أحد المحارم، وفي فترات أخرى فرض منع خروج الرجل مع المرأة لأي سبب كان. كما منعت أحياناً من الصلاة في الجامع، أو أبعدت عن مواقع الرجال، وكأن بينهما الشيطان الذي يفعل فعله الدوني ولا بد من العزل بينهما، حتى أطلقت أحاديث غريبة تعبر عن تفكير جنسي مشوه ومريض تشير إلى أنه: ما اجتمع رجل إلى امرأة على انفراد إلا وكان الشيطان ثالثهما، في وقت كانت الصلاة في الجوامع مباحة للنساء في زمن محمد، كما كان حضورها المجالس ومناقشاتها وأسئلتها مباحة، وكانت السبب في تجاوز محمد ذكر الآيات القرآنية وكأنها موجهة للرجل وتضمين الآيات ما يشير إلى أنها موجهة إلى الرجل والمرأة في آن واحد.
– فرض الحجاب على المرأة في زمن محمد ولكنها اقتصرت على زوجات الرسول والمؤمنين من حوله، ولكنها اتخذت في فترات لاحقة للتمييز بين الحرائر والرقيق من النساء وأصبح الحجاب سائدا بين نساء المدينة من الحرائر، في حين بقت البادية والريف ولفترات طويلة بدون حجاب، رغم الفهم المتباين للحجاب ذاته، وكيف يستخدم وما الأجزاء التي يغطيها من الجسم. كتب الجاحظ في هذا الصدد يقول: “فلم يزل الرجال يتحدثون مع النساء في الجاهلية والإسلام حتى ضرب الحجاب على نساء النبي (ص) خاصة”. (الأطرقجي، واجدة مجيد عبد الله، المرأة في أدب العصر العباسي، مصدر سابق، ص 37). ويبدو أن الخليفة العادل عمر بن الخطاب لم يكن عادلاً إزاء المرأة ولم يكن محباً لها، بل وكما يبدو كان جائراً عليها. كتب منصور فهمي بهذا الصدد ما يلي: “وأن صدقت الروايات فأن عمر –أحد صحابة محمد- هو الذي نصح النبي بأن يعزل النساء، وعن أنس قال، قال عمر يا سول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب.“ ورواية أخرى تقول “قالت عائشة كان عمر يقول لرسول الله أحجب نساءك.“ في بادئ الأمر تردد محمد في اتخاذ مثل هذا القرار ولكن فيما بعد راح يطبقه. والأرجح أن رسول الله، تحت ضغط صاحبه عمر، قد صاغ الأمر الإلهي لوضع العراقيل للعلاقات الحرة بين الرجال والنساء، …”. (أنظر: فهمي، منصور، أحوال المرأة في الإسلام، مصدر سابق، ص 51/52).
كتبت الدكتورة الأطرقجي تقول: “ويبدو أن الحضارة والمدنية والاختلاط بالأجانب هي التي أدت إلى التشديد في حجب الحرائر عن الرجال، ويؤكد ذلك ما ذكره ياقوت في أعراب مرباط الذين حافظوا في باديتهم على نقاء مجتمعهم (فكانوا لا يجدون حرجاً في أن تخرج نساؤهم إلى ظاهر مدينتهم لمسامرة الرجال ومجالستهم إلى أن يذهب آخر الليل، فيجوز الرجل زوجته وأخته وعمته وخالته، وإذا هي تلاعب آخر وتحادثه فيعرض عنها ويمضي على امرأة أخرى فيجالسها كما فعل بامرأته)”. (المصدر السابق نفسه. ص 37). وهكذا سادت العباءة المجتمع بأسره، حتى أصبحت بالنسبة إلى بعض المذاهب الإسلامية واجباً ملزما على النساء لا يجوز التخلي عنه، فأصبحت المرأة سجينة العباءة السوداء التي تغطي كامل جسدها، إضافة إلى البوشية (القناع الذي يغطي الوجه) التي دخلت على المرأة لتحجب وجهها، وتتحول إلى قطعة سوداء من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، وبالتالي، تصبح المرأة إنساناً غير معروف، لا وجه له ولا ملاح ولا شخصية مميزة أمام الآخر والمجتمع، إنها الثروة الخاصة التي يفترض إبداء الحرص الفردي عليها وإبعاد خطر النظر في عينيها وإغوائها للآخرين.
– وإذا استثنينا بعض النسوة اللاتي برزن في مختلف العهود المنصرمة وهن قليلات جداً، فأن استثمار المرأة قد تم في ثلاثة مجالات لا غير، وهي:
- مجال لإشباع الشهوة الجنسية عند الذكر: فهي الجسد الذي يشبع الذكر من خلاله رغباته الجنسية، ولم يطرأ على بال الذكر المسلم بأن المرأة لها حق التمتع بالشهوة الجنسية، لها الحق في إشباع رغباتها أيضاً تماماً كما هو حق الرجل، وأن في جسد الرجل ما يشبع رغبات المرأة. ففي الوقت الذي تتهم المرأة بقدرتها على إغواء الرجل وبشبقيتها، لا يذكر حقها في التمتع بالجنس مع الرجل. وهذه الذهنية الذكورية تعبر عن أنانية شديدة وما تزال سائدة حتى يومنا هذا، فقد كتب السيد محمد قطب في كتابه “شبهات حول الإسلام” يقول: “كان الإسلام قد أباح للسيد أن يكون عنده عدد من الجواري من سبي الحرب يستمتع بهن وحده، ويتزوج منهن أحياناً إذا شاء”. (أنظر: قطب، محمد. شبهات حول الإسلام. دار الشروق. بيروت. 1995.. ص 60). فعنده المرأة هنا سلعة تباع وتشترى لغرض المتعة لا غير متى شاء احتفظ بها ومتى شاء باعها لمن يشاء، ومتى شاء تزوجها أو تركها أمة لديه. فالمرأة لا إرادة لها، ويخشى حتى التعبير عن حقها في المتعة مع سيدها عند المناكحة المتبادلة. فالنكاح متعة من طرف واحد، والرجل هو الذي يطأ أو يدخل في المرأة متى يريد وليس المرأة تدخل فيه متى تريد. إنها لغة ذكورية تلك التي يستخدمها الرجال، في حين أن اللغة العربية تمتلك خاصية مميزة وخصصت للمرأة مكانة مميزة أيضاً تخاطبها بها مباشرة.
- مجال لإعادة إنتاج الجنس البشري: فهي امرأةٌ ولودُ ومربية للأطفال. وهنا أيضاً وبسبب الجهل اعتبرت المرأة هي المسؤولة عن جنس المولود الجديد إن كان بنتاً أو ولداً، في حين برهن العلم على أن الرجل هو المسؤول عن جنس الوليد بنتاً جاء أم ولدا. وهذا التمييز بين الولد والبنت لصالح الولد نقرأه في القرآن، رغم أن القرآن حرم وأد البنات، إذ جاء على لسان امرأت عمران حيث جاء في سورة آل عمران الآية التالية: “إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرّراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم* فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس للذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم* فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً…“. (القرآن، سورة آل عمران، الآيات 35-37، دار الجيل، بيروت). وجاء القبول هنا في ضوء دعاء أم عمران أولاً، وكون الله كان يريد لمريم المولودة أن تكون أم عيسى، وفي هذا يبقي التمييز بين الذكور والإناث لصالح الذكور. وفي هذا تأكيد آخر على ذكورية لغة القرآن.
- مجال العمل والكدح البيتي: فقد اعتبرت المرأة خادمة في بيت زوجها، سواء أكان ذلك للطبخ أم التنظيف أم غسل الملابس وما إلى ذلك، وإذا كانت من العوائل الحاكمة والغنية فستبقى في بيتها لتقوم مجموعة من العبيد الخصيان أو الجواري على خدمتها. وهي في الوقت نفسه تمارس الفلاحة في الحقل أو حتى تمارس بيع ما ينتج في المزرعة أو الحقل. وتقوم المرأة إضافة على ذلك بدور المحفزة والمشجعة والباعثة للحماسة في نفوس المقاتلين لكيلا يخسروا المعركة. وعندما تقع المرأة في الأسر وفي أيدي الأعداء تتحول إلى عبدة عند المنتصر يتصرف بها كما يشاء.
أما المهمات الأخرى في المجتمع فقد حصرت عملياً بالرجل.
وإذ منع الإسلام سلوك أو إمكانية المراهطة عند المرأة، التي وجدت في مجتمع الجاهلية في الحجاز، كما منع أنواعاً أخرى من النكاح التي عرفت في الجاهلية، (الترمانيني، عبد السلام د.، الزواج عند العرب، مصدر سابق، ص 19- 50). فأنه سمح به وبغيره للرجل من خلال التزوج بأربع نساء والعدد الذي يقدر على امتلاكه من الإماء للتسري بهن. كما يحق له الزواج على أساس المتعة، أي امتلاك حق نكاح المرأة لفترة محددة يقررها الطرفان وفق عقد مؤقت يتم فيه إيجار فرج المرأة. (أنظر: حائري، شهلا د. المتعة الزواج المؤقت عند الشيعة، حالة إيران 1978-1982. ط 9 منقحة. شركة المطبوعات لنشر والتوزيع. بيروت. 2004). ويسمى بالزواج المنقطع أو زواج المتعة ويطلق عليه أحياناً بـ “الصيغة” بالعامية في مناطق الشيعة في العراق وفي إيران، وترفضه بعض المذاهب الإسلامية، (الترمانيني، عبد السلام. الزواج عند العرب. مصدر سابق. ص 39). ولكنها تمارس ما يماثله تقريباً. وكان هذا الزواج معروفاً في الجاهلية، باعتباره استمتاعاً بالمرأة مدة من الزمن مقابل أجر يدفع لها أو لعائلتها، وكان المولودون من البنات والأولاد بنتيجة هذا الاتصال الجنسي “ينسبون إلى أمهاتهم وإلى عشيرتها”. (المصدر السابق نفسه. ص 39).
– لقد تحكم الرجل الأب أو الأخ أو الزوج أو حتى القريب في أمر ابنته أو أخته أو قريبته في أمور جوهرية تخص المرأة وحياتها ومستقبلها، منها مثلاً:
- تحديد الرجل الذي تتزوج منه.
- أو منعها من الزواج لأي سبب كان، ومنها ظاهرة النهوة.
- المنع من الاختلاط بالرجل أو الخروج من البيت وحضور صلاة الجمعة في الجامع أو السفر البعيد.
- فرض الحجاب على المرأة وبالصيغة التي قررها الرجل أو التقاليد التي فرضها المجتمع الذكوري.
- عدم السماح لها بالسفر لوحدها خارج مدينتها أو بلدها.
وكان الشك يحيط بالمرأة من جراء النعوت التي لصقت بها، سواء ما جاء في القرآن أم على لسان الأولياء الصالحين. وقد أدى ذلك بالرجل إلى التشدد في مراقبة المرأة، سواء أكانت زوجته أم ابنته أم أخته أو حتى إحدى قريباته. وكان الرجل يصرف الوقت والمال لتأمين ذلك. كتب الجاحظ بهذا الشأن يقول: “ولو لم يكن إلا الاهتمام بالحفظ والحراسة وخوف العار من خيانتهن والجناية عليهن، لكان في ذلك المؤونة العظيمة والمتعة الشديدة، غير أن أولى الأشياء بالرجال حفظهن وحراستهن”. (المصدر السابق نفسه. ص 39).
- وأوردت الدكتورة واجدة الأطرقجي رواية عن أبي الفرج الأصفهاني تقول: “كان للمراكبي جارية يقال لها مظلومة، جميلة الوجه، بارعة الحسن، فكان يبعث بها مع عريب إلى الحمام أو إلى من تزوره من أهله ومعارفه، فكانت ربما دخلت معها إلى ابن حامد الذي كانت تميل إليه، (المصدر السابق نفسه. عريب جارية من القيان. ص 39)، فقال فيها أحد الشعراء، وقد رآها عنده:
لقد ظلموك يا مظلوم لمّا أقاموك الرقيب على عريب
وفي الشعر الشعبي والغناء العراقي ما يعبر عن هذا النوع من الشك القاتل والمستند إلى رؤية فكرية دينية متشددة من المرأة عند الرجل حين تقول الأغنية:
ثاري البنات أشكال مثل الجفافي تسعة يخونن زاد وحده التوافي
(شرح: ثاري البنات أشكال مثل الجفافي، أي تعددت طباع البنات وهن شبيهات بالمناديل أو المحارم اليدوية، تسع يخونن زاد وحدة التوافي، أي تسعة أعشار النسوة يخن الزاد والملح الذي يربط بين الحبيبين، بينما واحدة فقط هي التي توفي بوعدها ولا تخون حبيبها).
وفي الوقت الذي منح القرآن الرجل الحق في الزواج من أربع نساء وامتلاك عدد غير محدود من الجواري لأغراض التسري أو النكاح، منع عن المرأة ذلك وفرض عليها الزواج برجل واحد طيلة حياتها، إلا إذا مات الرجل أو طلقها، ولكن كان له الحق في الحجز عليها ومنعها حتى من الخروج من البيت. وفي فترات لاحقة فرضت على المرأة تقاليد جديدة مخالفة لما جاء في القرآن تحرمها عملياً وليس شرعاً أو قانوناً من الزواج برجل آخر. أما في الجاهلية فقد كانت التقاليد واحدة بالنسبة للرجل والمرأة من حيث السلوكية الجنسية. وهذا لا يعني أنها كانت جيدة، ولكنها كانت تقاليد متقاربة أو واحدة، أي أن المجتمع الجاهلي على ذكوريته كان أقل ذكورية من ذكورية المجتمع الإسلامي في جوانب غير قليلة.
وهذا الموقف من المرأة في المجتمع الإسلامي وفي التقاليد التي تناقلتها الشعوب هي التي ميزت علاقات الرجل بالمرأة على امتداد الفترات التي نحن بصددها، سواء كانت تلك العلاقة على مستوى الأفراد أو العشيرة أو المجتمع، وكذلك علاقة المرأة بالدولة، وهي علاقة سيادة الرجل على المرأة وتبعية المرأة للرجل وخضوعها لإرادته ورغباته. وهي تعبير عن ظاهرة الاستبداد التي تناقلتها الأجيال منذ أن فقدت المرأة، الأم، مكانتها الرئيسية في العائلة والقبيلة والمجتمع لصالح الرجل.
*****************************************************************************
3-7
الواقع الاجتماعي ومكانة المرأة في المجتمع في العهد الملكي
كانت المرأة في ولايات بغداد والبصرة والموصل، سواء في نهاية الحكم العثماني، أم بعد تأسيس الدولة العراقية، التي تشكلت من هذه الولايات الثلاث، تعيش تحت ظروف معقدة جداً وتحت تأثير عوامل متشابكة، تتحكم بحرية ونشاط ومكانة ودور المرأة العراقية في البيت والمجتمع وفي اتجاهات تطورها. ويمكن تلخيص تلك العوامل بالنقاط التالي:
- كان المجتمع العراقي، عربه كُرده وأتباع قومياته ودياناته ومذاهبه الأخرى يعيش خلال الفترة المذكورة في ظل سيادة العلاقات العشائرية، قبائل رحل وشبه رحل وزراعية، إضافة إلى وجود مجتمعات المدن المتخلفة جداً، ولكنها تبقى متقدمة بالقياس إلى واقع التخلف الشديد للمجتمع الريفي وتأثيره المتوصل على المدينة. وكانت الآفات الثلاث المعروفة “الفقر والجهل والمرض” هي السائدة في البلاد.
- ومنذ نهاية القرن التاسع عشر حتى سقوط الملكية في العراق في عام 1958 نمت وتطورت وتكرست علاقات الإنتاج شبه الإقطاعية المتشابكة، لاسيما بعد “قوانين أرنست دواسن” في عام 1932/1933 الخاصة بأراضي الدولة الزراعية، مع بقايا العلاقات الأبوية للمجتمع العشائري وفي ظل الهيمنة الاستعمارية المباشرة، الانتداب حتى عام 1932، أو غير المباشرة وعبر السفارة البريطانية حتى عام 1958. وكان لهذه العلاقات شبه الإقطاعية شبه الاستعمارية تأثير مباشر على الريف والزراعة، كما كان لها تأثير غير مباشر على المدينة أيضاً، من خلال نزوح وهجرة غير منقطعة من جانب العائلات الفلاحية الفقيرة وشبابها إلى المدينة مع استمرار علاقات العائلات النازحة بالعشيرة وعاداتها وتقاليدها من جهة، وبالريف والزراعة من جهة أخرى. وبالتالي كان الفلاحيون الريفيون يحملون معهم تقاليدهم وعاداتهم وذهنيتهم غير المتفتحة إلى المدينة، لاسيما وأنهم كانوا يعيشون في مناطق عشوائية وعلى هامش المدن والاقتصاد الوطني والثقافة والحياة الاجتماعية، وكانوا يشكلون فئة رثة حقاً تتحرى عن أي عمل ممكن في المدينة لسد قوتهم اليومي وتخشى من الشرطة التي تطاردهم وتريد إعادتهم إلى الريف ولأصحاب الملكيات الكبيرة الذين هربوا منهم أساساً بسبب استغلالهم وظلمهم، بذريعة مديونيتهم لهم.
- وكانت المجتمعات الريفية والحضرية قائمة على أساس ذكوري، فالرجل هو المحور المركزي للعلاقات الاجتماعية في البيت وفي المجتمع وأما الدولة، وفي السلطة السياسية والاقتصادية والعلاقات الخارجية. وسمح المجتمع الذكوري بتراكم الكثير من العلاقات والعادات والتقاليد المتخلفة خلال قرون كثيرة بالنسبة للعلاقة بين الرجل والمرأة، كما استطاع الرجل تنميط هذه العلاقة وأنتج لها جملة من المعايير والقيم الخاصة بها تكرست في الرؤية الفردية والجمعية المجتمعة.
- وكانت الغالبية العظمى من بنات وأبناء المنطقة تعيش تحت راية وفكر الإسلام الدائري المغلق، مع وجود رايات وأفكار لديانات أخرى مثل المسيحية واليهودية والصابئة المندائية والإيزيدية، إضافة إلى مذاهب كثيرة بالنسبة إلى مختلف الديانات التي لا تختلف من حيث كونها تتحرك في دائرة مغلقة. وكانت للإسلام والديانات الأخرى قيم ومعايير معينة في العلاقة بين الرجل والمرأة من الناحية النظرية، ولهم قيم ومعايير أخرى، بعضها متماثل وبعضها مختلف، من الناحية العملية. ولم تكن القيم الأولى سائدة أو معمول بها بل كانت شكلية ولكنها مؤثرة نسبياً، في حين سادت الثانية في التعامل اليومي بين الرجل والمرأة في البيت وفي المجتمع وعلى مستوى الدولة.
- وكانت للفتاوى والتشريعات الصادرة عن شيوخ الدين والمؤسسات الدينية تضع قيوداً شديدة وكثيرة وقاسية جداً على المرأة، في حين تعفي الرجل منها أو من أغلبها. وكانت هذه المؤسسات تستند في تفسير هذا النهج في التشريع الديني إلى هيمنتها الذكورية على مختلف المؤسسات والحوزات الدينية للأديان المختلفة، إذ لم تكن المرأة تحتل أي موقع في التراتبية الدينية لشيوخ الدين المسلمين أو بالنسبة للديانات الأخرى. ولم يكن المسلمون من شيوخ الدين يعتمدون القرآن وحده في وضع أسس الشريعة والتعاليم والتقاليد، بل إلى أحاديث محمد ايضاً، سواء الصحيحة منها أو المنسوبة إليه صواباً أم خطأً، إضافة إلى ما درج عليه الصحابة من الحديث عن ممارسات محمد اليومية في الموقف من المرأة وكذلك اجتهاداتهم التي تنطلق من ذكوريتهم فقط. إذ كان شيوخ الدين يعمدون إلى الاجتهاد فيما يرونه مناسباً وينسجم مع ذكوريتهم لفرضه على المرأة المسلمة أو المرأة في المجتمع عموماً، إذ كان للإسلام تأثيره المباشر، وبهذا القدر أو ذاك، على سلوكية النساء من أتباع الديانات الأخرى، أو أنهن كن يتأثرن بالديانات الأخرى في بعض ما كن يقمن به أو يجتهدن فيه. ولا شك في أن شيوخ الدين قد عمقوا وشددوا من القيود المفروضة على المرأة من أجل تكريس وتشديد الخلاف مع الأديان الأخرى من خلال إبراز وبلورة المزيد من نقاط الاختلاف، رغم أن الإسلام لم يكن يأخذ بها في عصر النبي محمد، أو في عصر الخلفاء الراشدين أو فيما بعد ولفترة غير قصيرة.
- ولا بد من تأكيد حقيقة أخرى هي أن المجتمع في العراق قد تأثر كثيراً بسياسة وسلوك وممارسات الدولة العثمانية وشيخ الإسلام وأحكامه إزاء المرأة التي كانت في الغالب الأعم أكثر تخلفاً وتشدداً مما وصل إلينا من مواقف اتخذت إزاء المرأة في صدر الإسلام أو في الدولة الأموية والدولة العباسية، رغم وجود فترات من الانحطاط الحضاري الفعلي في تلك الدول أيضاً في الموقف من المرأة ومن حريتها ونشاطها ومكانتها ودورها في المجتمع.
- ورغم وجود أوضاع مشتركة تواجهها المرأة العراقية في المجتمعين العربي والكُردي، فهناك بعض التباين لصالح المرأة الكردية، وهو محدود، كما يمكن أن يسري هذا على واقع المرأة المنحدرة من العائلات الأرستقراطية أو الميسورة والحاكمة، وبين المرأة المنحدرة من صفوف العامة من الناس.
- كما كانت معاناة النساء من أتباع الديانات الأخرى لا تختلف كثيرا عن معاناة النساء المسلمات من حيث شدة وكثرة القيود الاجتماعية والهيمنة الذكورية عليهن وممارسة القسوة بحقهن. وإذا كانت المرأة المسيحية أو اليهودية تتمتع ببعض الحرية في جوانب معينة، مثل التحرر من الحجاب الثقيل، فإنها كانت تواجه نفس ذهنية الاحتقار، بسبب كونها امرأة لا غير! إذ أن موقف الديانات عموماً واحد، والموقف الناشئ عنه أو عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية القائمة، هي الآخرة واحدة ولا تختلف كثيراً إلا في الممارسة اليومية. مع حقيقة أن العائلات المسيحية قد تأثرت بشكل أوسع بالحركة التنويرية التي حصلت في أوروبا وأثر ذلك على مسيحيي بلدان العالم الأخرى، ومنها العراق، كما أن لدى الصابئة المندائيين علاقات أفضل بين المرأة والرجل.
ولكن، ماذا كانت حصيلة فعل هذه العوامل على دور ومكانة المرأة وحقوقها المشروعة في المجتمع العراقي الجديد، سواء أكان ذلك في الريف أم المدينة؟
لا شك في أن تأثيرات تلك العوامل على الريف في نواحي معينة كان أشد وأقسى، ولكن التعامل مع نساء المدينة لم يكن بدوره سهلاً، بل ينهل من معين واحد، هو القسوة الصارخة والدونية أحياناً إزاء المرأة في المجتمع. وإذا كانت المرأة تتمتع ببعض الخدمات التي توفرها المدينة، فأن المرأة في الريف تفتقدها تماما. وإذا كانت المرأة في الريف تتمتع ببعض الحرية في الخروج إلى الحقل والكدح فيه مع الرجل، فأن المرأة في المدينة كانت حبيسة الدار والمطبخ إلى حدود بعيدة.
من عبء هذه القيود الثقيلة على المرأة انطلقت الحركة الديمقراطية العراقية المطالبة بحقوق المرأة من المدينة بسبب الأجواء العامة التي تسود فيها والجديد الداخل إليها من الخارج والتحولات التدريجية التي طرأت على أحوال المرأة في المدينة ولم يتحقق ذلك بالنسبة إلى الريف حيث حافظ على علاقاته المعروفة طيلة فترة الحكم الملكي. إن طبيعة الحكم الملكي الإقطاعي والعشائري والسياسات التي مارستها الحكومات المتعاقبة وسلطات الاحتلال العثماني قبل ذاك، ومن ثم سلطات الاحتلال البريطاني، قد ساهمت جميعها في تنمية سلوكية القسوة في المجتمع وبين أفراده عموماً وإزاء المرأة خصوصاً وعمقت وشددت من إذلال كرامة وإنسانية الإنسان والمرأة على نحو خاص.
وسنحاول فيما يلي التطرق إلى جوانب من واقع مصادرة حقوق المرأة العراقية حتى انتصار الانتفاضة العسكرية وثورة الشعب في عام 1958 والتغيرات النسبية التي طرأت على أوضاع المرأة في فترة الحكم الجمهوري الأول وفق القرارات الصادرة عن حكومة عبد الكريم قاسم.
الممارسات الفعلية إزاء المرأة
تضافرت مجموعة من العوامل التي هيأ لها المجتمع الذكوري منذ قرون طويلة لينتزع من المرأة مكانتها ودورها وكامل حقوقها الأساسية في المجتمع وحوّل المرأة تدريجاً إلى إنسان سلبي عاجز عن التعامل والتفاعل واتخاذ مواقف الندية مع الرجل، أو في مقاومة جهوده لإذلالها وفرض تبعيتها الكاملة له، أو فرض السيادة المطلقة عليها ونزع جميع أدوات وسبل الدفاع عن نفسها التي يفترض أن تتحصن بها. وعلى مدى قرون طويلة من ممارسات الهيمنة الظالمة بدا للمرأة وكأن لم يبق لها سوى ذرف الدموع على وضعها البائس والقبول به، سواء أدركت البؤس الذي تعيش فيه أم لم تدركه، بسبب دور المجتمع الذكوري في إقناعها بأنها خلقت هكذا وأن الله قد كتب عليها هذا المصير العاثر ولا مفر من حكم الله، إذ أن الحاكمية لله.
وتقدم المرأة، في الميثولوجيا الشعبية وفي الأساطير المنقولة والمكتوبة وفي القرآن وفي أراء النبي محمد في المرأة والأحاديث المنسوبة إليه، أو في علاقاته وتصرفاته الإيجابية والسلبية مع النساء، وفي مواعظ علماء ورجال الدين، على أنها ذلك الإنسان الضعيف العقل والناقص والشيطاني النزعة والهوى، فهي لعوب لا تؤتمن ومصدر شك دائم وعدم ثقة. فهي المالكة لسمات قادرة من خلالها على إغواء وإغراء الرجل وإسقاطه في هواها وحبائلها. واستناداً إلى هذا الحكم المسبق يتطلب الحذر منها والخشية عليها والخوف من أفعالها، ومن حق الرجل رعايتها بسبب نواقصها وقلة عقلها من جهة، ولكن يحق له تأديبها بالضرب والحبس في البيت وفرض العزلة الطويلة عليها أو حتى قتلها في حالات معروفة أباحها العرف وثبتها قانون دعاوى العشائر العراقي مثلاً، إذ أن „الرجال قوامون على النساء“! كما ورد في الآية القرآنية التالية:
“الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا “. (القرآن، سورة النساء، آية 34). والشك في المرأة ينطلق من أسطورة الخطيئة الأولى التي ألُصقت بحواء (المرأة)، وهي من صنع الرجل ابتداءً، كما جاء في التوراة، وبحواء وآدم معاً، كما جاء في القرآن، حيث أغواها الشيطان ودعاها إلى أكل التفاحة، وهي بدورها أغوت وأقنعت آدم بقطفها وأكلها معاً، وكان مصير الاثنين فقدان الفردوس والنزول إلى الأرض. (ملاحظة: وردت هذه القصة في ثماني سور في القرأن هي سورة البقرة، سورة آل عمران، سورة الأعراف، سورة الإسراء، سورة طه، سورة ص، سورة الكهف، سورة الحجر، إضافة إلى ورودها في التوراة).
وتحت تأثير مختلف المذاهب الإسلامية المتباينة في مواقفها من المرأة وتجليات ذلك في الشرائع المتباينة للمذاهب الرئيسية والفرعية، وكذلك دور التقاليد والعادات الموروثة من حياة البداوة والريف ومن التركة الثقيلة للدولة العثمانية في المجال الاجتماعي والموقف من المرأة، تفاقمت مجموعة كبيرة من تصرفات المجتمع وأفراده إزاء بعضهم البعض وإزاء المرأة بشكل خاص. فالرجل، سواء أكان أباً أم أخاً أم أبناً أم زوجاً أم خالاً أم عماً للمرأة، يحتل الموقع الأول ويملك حق اتخاذ القرار في العائلة ولأفرادها ولنسائها بشكل خاص، فهو صاحب الكلمة الأولى والحل والفصل. وعليه تقع مسؤولية توفير مستلزمات العيش والحماية والوئام في البيت، وهو الذي يقوم بالأعمال الشاقة التي تتطلب استخدام العضلات أو القيام بأعمال الحراثة والجني أو تمثيل العائلة أمام العشيرة أو شيخ العشيرة أو في المضيف أو أمام المؤسسات الأخرى، كما تقع على عاتقه مهمة المشاركة في حماية القرية أو العشيرة أو الدفاع عن المدينة. وللرجل الحق في الزواج والاحتفاظ بأكثر من امرأة واحدة في آن واحد (الحق في الزواج والاحتفاظ بأربع نساء تحت رعايته في آن واحد، علماً بأن محمداً استثنى نفسه من هذه القاعدة وتزوج بتسع نساء وقيل أكثر. (ملاحظة: كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى القرشية أول زوجات محمد وكانت أرملة، ثم تزوج بعد وفاتها بشهر واحد سودة بنت زمعة القرشية وكانت أرملة.. وكان زواجه الثالث بعائشة بنت أبي بكر الصديق، وهي قرشية أيضاً. وتزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب للمرة الرابعة وكانت أرملة أيضاً. ثم تزوج للمرة الخامسة بأرملة أخرى هي أم سَلمَة، تلتها أم حبيبة، باعتبارها الزوجة السادسة، وهي رملة بنت أبي سفيان، أرملة عبد الله بن جحش. وكانت زوجته السابعة هي زينب بنت جحش وهي أرملة. ثم تزوج للمرة الثامنة بأرملة أخرى أسمها زينب قتل زوجها وهو يحارب في جيش النبي.، وبعد معركة مؤتة (629م) يتزوج محمد من الجارية جويرية ويعتق أبويها. ويتزوج بعد معركة خيبر زوجته العاشرة صفية وهي يهودية وكانت ضمن أسرى الحرب. راجع في هذا الصدد: فهمي، منصور. أحوال المرأة في الإسلام. مصدر سابق. ص 25-35. راجع أيضاً: المنجد في الإعلام. ط 26. المطبعة الكاثوليكية في عاريا. لبنان. حزيران 1982). كما كانت زوجته الأخرى هي ميمونة بنت الحارث. (أنظر: كم عدد زوجات النبي وجواريه: موقع شبابيك. 28 نيسان/أبريل 2020).
كما يحق للرجل امتلاك ما يشاء من الإمات، ما دامت الرغبة والإمكانية المالية متوفرتين، ومن حقه تطليق المرأة متى شاء أو أن يضربها لتأديبها إن خرجت عن إرادته ورغباته أو أن يفرض العزلة عليها، وله أن يدخل فيها متى شاء ذلك، وعليها أن تكون رهن إشارته، إذ أنها موضوع جنس، فهي قد وجدت أصلاً للنكاح، ولإنجاب الأطفال لا غير. وكان لمحمد جاريات وأماء، ولبعض زوجاته جاريات. (المصدر السابق نفسه).
تبدأ التربية العائلية في البيت العراقي بإبراز التباين في موقف العائلة إزاء الذكر والأنثى منذ الولادة. ففي الوقت الذي تعم فيه الفرحة ويسود الانشراح عند ولادة الذكر، يسيطر الحزن الثقيل ويعتصر الألم الأم الحبلى عند وضعها أنثى، خاصة إذا كان المولود بكراً، بسبب موقف الزوج وعائلته من الزوجة، إذ كان ينتظر ويتوقع أن تلد له ولداً يحافظ على نسله واسم عائلته للأجيال القادمة ويرفع رأسه بين أفراد العشيرة. ويتجلى هذا في موقف الأم أيضاً. فالأم تهدهد ابنها في مهده وتغني له ترنيمة العزة والقوة والرجولة والشهامة والجسارة، وتذكيره بأنه حاميها عند الكبر والمدافع عن شرف العائلة وأخواته والعشيرة، نجد أغاني أخرى تذكر المرأة بما ينتظرها من عمل شاق في البيت وإنجاب للأطفال …الخ. تعيش الأنثى في البيت في حالة من التمييز المستمر بينها وبين أخيها الذكر من جانب أفراد العائلة، ابتداءً بالأب وانتهاء بالأم، وتشارك المرأة ذاتها في ذلك، سواء أكان ذلك في الريف أم المدينة. وفي الوقت الذي يتمتع الولد بحرية كبيرة في الحركة والخروج واللعب مع الأقران وعدم القيام بأي واجب يذكر في البيت، يكون على البنت في الوقت نفسه مسؤولية العمل في البيت مع الأم في أعمال الطبخ والتنظيف وفي كل شيء يخص البيت، فهي والحالة هذه تكون مغبونة منذ الولادة ويرافقها هذا الغبن المقصود حتى مماتها.
وخلال الفترة موضوع البحث كان وضع المرأة من حيث التشريع والواقع كما يلي:
– حرم القانون الأساسي العراقي الصادر عام 1925، والذي يعتبر في بعض جوانبه مدنياً، المرأة من جملة من الحقوق الأساسية. ويعتبر هذا التحريم إخلالاً رئيسياً بمضمون المجتمع المدني. ومن تلك المحرمات أن تكون المرأة ملكة على العراق، وأن تكون رئيسة للوزراء أو وزيرةً في مجلس الوزراء، وأن تكون عضواً في مجلس النواب والأعيان، وأن تكون حاكمةً أو قاضيةً شرعيةً، أو أن تحتل عملياً أي مركز مرموق في الدولة. لقد أبعدها كلية عن الحياة السياسية الرسمية، وجسد في ذلك أقسى صيغ المجتمع الذكوري، وحصر كل وظائف الدولة والمجتمع بيد الذكور. تقول المادة الثانية والأربعون ما يلي: „لكل رجل عراقي أتم الثلاثين من العمر، ولم يكن له أحد الموانع المنصوص عليها في المادة „30“، أن ينتخب لعضوية مجلس النواب. ..“. (أنظر: الحسني، عبد الرزاق. تاريخ الوزارات العراقية. الجزء الأول. القانون الأساسي العراقي. المادة التاسعة والسبعون، فقرة 1. مطبعة دار الكتب. بغداد. 1974. ص 324). أما لغة القانون الأساسي العراقي فكانت كلها لغة ذكورية بحتة. ولم يأت ذكر للنساء إلا في مسألة „النكاح والصداق والطلاق والتفريق والنفقة الزوجية وتصديق الوصايات، …“. (المصدر السابق نفسه. ص 329). كما لا تجد حقوقٌ للمرأة في قانون دعاوى العشائر، فالمرأة في هذا القانون تعامل وكأنها سلعة مملوكة للأب أو للزوج، على سبيل المثال لا الحصر، إذ تدخل في باب التسويات المختلفة بين العشائر والقبائل العراقية. وعلى امتداد الحكم الملكي لم يتم استيزار امرأة أو انتخابها إلى مجلس النواب أو تعيينها في مجلس الأعيان العراقي، رغم بروز سيدات عديدات كان في مقدورهن أن يشاركن بحيوية في هذه المؤسسات. وقد اعتمد هؤلاء على إبعاد المرأة عن احتلال المواقع الأساسية في الحياة السياسية أو العامة التي ترتبط بإدارة شؤون البلاد، لقول منسوب إلى محمد جاء فيه: “لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة”. (أنظر: العلوي، هادي. فصول عن المرأة، دار الكنوز الأدبية، بيروت، ط 1، 1996، ص 37.).
– أجبرت المرأة العراقية على امتداد القرون المنصرمة حتى سقوط الملكية على أن تبقى حبيسة الدار وتنقطع عن الحياة الاجتماعية والسياسية، ولا تخرج إلا بإرادة زوجها أو مع أحد أفراد العائلة من الذكور، ولم تعد تصل إلى الجامع للصلاة أو تجلس مع أقرانها من الرجال في مضيف الشيخ، فالمضيف موقع الرجال فقط. وإذا كانت المرأة الريفية حبيسة الدار، إلا في حالات خروجها مع الرجل لنثر البذور أو للحصاد وجني الثمار، كما تخرج أحياناً لبيع الخضروات في سوق المدينة القريبة من القرية، فإن المرأة في المدينة لم تكن تتمتع حتى بهذه النزهة النسبية. ولكن المرأة استطاعت أن تنتزع حق الدراسة في مختلف المراحل، وأن تشارك في الفعاليات السياسية خارج إطار الحكومة وفي الانتفاضات والمظاهرات والاجتماعات الشعبية وفي الأحزاب السياسية السرية، كما كانت تشارك بقدر ما في النشر الصحافي. وتمكنت المرأة من الحصول على مجال عمل في المخازن الكبيرة، سواء الخاصة منها أو العامة كبائعة أو موظفة ومستخدمة في دوائر الدولة وفي التعليم الخاص للبنات.
– يتوزع العمل بين المرأة والرجل على أساس أن مكان المرأة الثابت هو البيت وتقع على عاتقها مهمات الطبخ والتنظيف وغسل الملابس والحياكة، (وفي الريف تعمل على تجميع الحطب ونقله والروث وتهيئته واستخدامه لصنع الخبز في التنور، أو العمل في الحقل وفي جني المحاصيل وفي تسويق الخضروات والفواكه مثلاً)، إضافة إلى إنجاب الأطفال وتربيتهم.
– وسلب المجتمع من المرأة حق اختيار زوجها. فالزواج يبقى بإرادة الوالد أو الأخ أو العم، كما لا يحق لها عملياً أن ترفض الرجل الذي يراد لها أن تتزوجه بقرار من العائلة. ونادرة تلك الحالات التي تتم بخلاف ذلك، بغض النظر عن رغبة وإرادة أو عمر طالب الزواج. ويمكن أن تتعرض المرأة في زواجها للنهوة (أي منعها من الزواج من غير الناهي) من قبل أبن العم أو أبن الخال، أو أبن العمة وأبن الخالة.
كما يفرض على المرأة الزواج على سبيل المبادلة، فالأخ الذي يتزوج امرأة، يمكن أن يمنح أخ الزوجة أخته ليتزوج منها دون أن يكون للمرأة رأي في ذلك، وهو ما يطلق عليه “گصة بگصة“”(الگصة تعني الجبين).
– ليس للمرأة كلمة مسموعة في البيت أو في المجتمع، إلا بعد أن تصبح جدة كبيرة السن، حيث يمكن أن يسمع رأيها في البيت، ولكن قلما يؤخذ به.
– لا يحق للمرأة الاختلاط بالمجتمع الذكوري. وينطلق هذا الموقف من ذهنية احتقار المرأة والخشية من أفعالها واحتمال تدنيس شرف العائلة والعشيرة، بسبب تصرفاتها الشيطانية أو عن قلة العقل. ومن المعروف أن شيوخ الدين يتشددون في السماح للقاء بين رجل وامرأة في غرفة واحدة بمفردهما، إذ لا بد أن يكون الشيطان ثالثهما، إذ أن كيدهن عظيم!
– لا تمتلك المرأة الحق في أي شيء، بينما يحتفظ الرجل بكل الحقوق، حتى في قتلها، إذا ما قامت بفعل يعتبر ضمن „تدنيس الشرف“!
– والمرأة من الناحية العملية سلعة بيد الرجل، فهي موضوع الجنس للترفيه عن نفسه، وسلعة يتم من خلالها التكثير، وله الحق في اقتناء أربع زوجات وما يشاء من الجاريات. وهي سلعة يتم تداولها كالنقود في الفصل في حالات (الزنى والقتل والصيحة والفسدة والنهيبة)، (أنظر: سلمان، عبد علي. المجتمع الريفي في العراق. وزارة الثقافة والإعلام. دار الرشيد للنشر. 1980. ص 116).
وهي سلعة، عندما تولد له بنتاً، فلها سعرها عند تزويجها. وينبغي أن يعرف الإنسان بأن المرأة التي تستخدم “كفصلية” في المنازعات تعامل في الغالب الأعم معاملة حقيرة من جانب المستفيد من الفصل. وقد قيل في حينها ما يلي بهذا الصدد:
أخذ منكم الفصلية أسمعوا بحاله اشصار
(الشرح: يخاطب قائل النص عائلة المرأة التي أعطيت ابنتهم فصلية للعائلة الأخرى، بأن الذي أخذ أبنتكم كتعويض يعاملها معاملة سيئة يرثى لها).
– ظلت المرأة العراقية في العهد العثماني وما بعده تعيش في ظلمات الجهل والأمية والإبعاد الكامل عن الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية. وعندما تشكلت الدولة العراقية بقيت المرأة بعيدة عن التعليم، إلا البعض منهن اللواتي تسنى لهن تعلم القراءة، وخاصة القرآن، وبعضهن الكتابة أيضاً في الكتاتيب الخاصة بالبنات. حتى فجرت مجموعة من الماركسيين الاشتراكيين والديمقراطيين والمثقفين المتفتحين معركة إعلامية في الصحف المحلية حول حرية المرأة ومكافحة الحجاب ابتداءً من عام 1924 وعبر جريدة الصحيفة لصاحبها ورئيس تحريرها حسين الرحال. (أنظر: قيس إدريس، ذاكرة عراقية، ملاحق المدى، 16 حزيران/يونيو 2019). ورغم اختلال التوازن في المجتمع بين القوى المحافظة التي ترفض أي شكل من أشكال حرية المرأة وبين تلك القوى التي كانت تدعو لمثل هذه الحرية وتناضل من أجلها. ورغم الصعوبات الكبيرة استطاعت القوى الأخيرة أن تحرك الإنسان العراقي للتفكير بهذه المشكلة وأن تدفع بنسمات فكرية جديدة منعشة ومحفزة لنضال الرجل قبل المرأة ومعها من أجل انتزع حقوق المرأة. ومع نهاية النظام الملكي كانت المرأة العراقية قد قطعت شوطاً ملموساً في مختلف مراحل التعليم وولجت مجالات التدريس والوظائف الحكومية وحصلت على شهادات عالية في عدد مهم من الاختصاصات لتبرهن للمجتمع العراقي بأنها قادرة تماماً كالرجل في القيام بمختلف الأعمال والمهمات. ولكن مع ذلك بقي المجتمع العراقي محافظاً إزاء المرأة وإزاء حقوقها المختلفة، إذ أن الدولة ذاتها كانت من الطراز المحافظ المتأثر بالتقاليد العثمانية والفارسية في الموقف من المرأة، رغم التوجه المدني المحافظ في جزءٍ من النخب الحاكمة والمثقفة العراقية حينذاك.
– ومنذ إقامة الدولة العراقية الملكية في عام 1921 حتى عام 1932 استمد القضاء العراقي أحكامه الشرعية من مؤلفات وفتاوى شيوخ الدين والمجتهدين التي أقرت من دار الإفتاء في الدولة العثمانية. (أنظر: رابطة المرأة العراقية. نحو عام 2000: المرأة العراقية … الواقع والتحديات. ندوة عقدت في كولون/ألمانيا. كانون الأول 1999. مداخلة بعنوان: „تعامل القوانين العراقية مع المرأة“. للسيدة بشرى الحكيم. ص 61).
وفي عام 1932 صدر لأول مرة مشروع قانون لتنظيم الأحوال الشخصية في العراق والذي اعتمد في ذلك على مبدأ التمييز بين المذاهب المختلفة. ولكن الهيئة التشريعية في العراق لم تصادق عليه وبقي مشروعاً حتى سقوط الملكية. أي استمر العمل بتلك الفتاوى البالية حتى صدور أول قانون ينظم الأحوال الشخصية وقضايا العائلة في نهاية عام 1959. (أنظر: قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وتعديلاته. موقع دار العراق، القوانين والتشريعات العراقية).
– بلغت نسبة النساء الملمات بالقراءة والكتابة حتى عام 1947 حوالي 3% من مجموع نساء العراق. (أنظر: الفخري، سالمة. الرابطة تتبنى مشروعاً لمكافحة الأمية. مجلة „المرأة“، العدد الأول، السنة الأولى، 1959، ص 23). وهذه الحقيقة وحدها تجسد حالة المرأة العراقية. ففي الوقت الذي تقرر فتح مدارس الأمية للرجال في عام 1927-1928، فتحت أولى مدارس الأمية للرجال في عام 1927 سجل فيها 2074 رجلاً، في حين تم فتح مدارس لمكافحة الأمية بين النساء في عام 1934-1935 بلغ عدد المسجلات فيها 634 امرأة. ثم بلغ عدد النساء المسجلات 76 امرأة في عام 1941. ثم أغلقت هذه الدورات الدراسة حتى فتحت مرة أخرى في عام 1946-1947 حيث سجلت 75 امرأة فيها. وفي عام 1951-1952 ارتفع عدد المسجلات إلى 820 امرأة، ثم ارتفع إلى 2686 امرأة في عام 1955-1956 موزعات على 29 مركزاً في جميع أنحاء العراق، احتلت بغداد العاصمة 11 مركزاً. (المصدر السابق نفسه). ومنذ عام 1957/1958 بدأت رابطة الدفاع عن المرأة تطور دورها ونشاطها في مجال مكافحة الأمية أيضاً وتعزز من علاقاتها بين نسوة العراق وخاصة في المدن.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن دور المرأة العراقية قد بدأ بالبروز أكثر فأكثر في أعقاب الحرب العالمية الثانية وانتعاش الجو الديمقراطي على صعيد العالم ومنطقة الشرق الأوسط والعراق. حيث ازداد عدد المدار الابتدائية المتوسطة والثانوية في أغلب المدن العراقية، وذلك اتسع قبول البنات في دار المعلمات (كلية الملكة عالية) والكليات العراقية، رغم كون التعلم في الكليات قد اقتصر بشكل خاص على بنات العائلات الغنية والمتوسطة والمثقفة، إضافة إلى بنات النخب الحاكمة. إذ كان المجتمع قد قطع شوطاً نسبياً جيداُ في بلورة بعض سمات المجتمع المدني، رغم ضعف ديمقراطية الدولة والحكم بشكل خاص. كما كانت طالبات الكليات في الغالب الأعم فارعات الرؤوس، لاسيما في الخمسينيات من القرن العشرين، والتي لا يمكن مقارنتها مع الحالة الراهنة والبؤس الذي تعاني منه المرأة العراقية والتي سنبحث فيها لاحقاً.
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى المجزرة التي نفذها الجيش العراقي في عام 1933 بحق قرية سميل التابعة للواء الموصل حين أقدم على قتل النساء والرجال والأطفال في هذه القرية دون رحمة أو وازع من ضمير. كما لا يمكن نسيان قتل وجرح عدد من النساء العراقيات اليهوديات على أيدي الرعاع في بغداد ضمن مجزرة الفرهود في الأول والثاني من حزيران/يونيو 1941 حيث قتل 144 مواطناً ومواطنة من اليهود فيها.
****************************************************************************
4-7
المرأة وسياسة حكومة الجمهورية الأولى
فجرت الانتفاضة العسكرية وثورة الشعب في عام 1958 إلى حدود غير مألوفة طاقات المرأة في المدينة بشكل خاص، كجزء حيوي وأساسي من طاقات المرأة والشعب. فقد خرجت إلى الشوارع في مشاركة واعية بالمظاهرات العارمة التي عمت العاصمة بغداد وسائر أنحاء العراق. وبدأت المرأة بتنظيم صفوفها في رابطة المرأة وفي الشبيبة واتحاد الطلبة وفي النقابات العمالية وفي مختلف المجالات التي أمكنها خوضها حينذاك، ثم شاركت في المقاومة الشعبية وحملت السلاح للدفاع عن الجمهورية. وفي أول تعديل وزاري أدخل عبد الكريم قاسم أول امرأة في مجلس وزراء عراقي، وهي الطبيبة السيدة نزيهة الدليمي، باعتبارها رئيسة رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية، كما أنها كانت عضوا في الحزب الشيوعي العراقي. (ملاحظة: لم يكن إسناد منصب وزيرة شؤون البلديات إلى الدكتورة نزيهة الدليمي على أساس كونها شيوعية أو ممثلة للحزب الشيوعي العراقي، بل على أساس كونها امرأة أولاً وممثلة لرابطة المرأة العراقية ثانياً. إلا أن هذا الإسناد لم يكن بعيداً عن محاولة ترضية الحزب الشيوعي العراقي الذي لم يحظ بأي منصب وزاري في الوزارة الأولى للجمهورية العراقية، إذ كان قاسم يعرف، كما يعرف الجميع، بأن الدليمي كانت كادراً متقدماً في الحزب الشيوعي العراقي ثم أصبحت عضوة في اللجنة المركزية للحزب). وكان هذا الإسناد بمثابة التعبير عن دور المرأة في المجتمع العراقي الذي يراد إقامته، خاصة وأن دور رابطة المرأة العراقية قد اتسع بشكل واضح في تعبئة النساء العراقيات للمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي محو الأمية وصيانة الجمهورية، إضافة إلى دور الرابطة النضالي في الفترة التي سبقت الانتفاضة العسكرية. وبهذا الصدد كتبت الدكتورة سعاد خيري حول نشاط الرابطة لكسب المرأة وتعزيز دورها في العهد الجمهوري ما يلي: “بين ملايين النساء في المدينة والريف، فاستقطبت أعداداً كبيرة من بضع مئات تعمل سراً قبل الثورة إلى منظمة علنية تضم عشرين ألفاً في 8 آذار 1959 وبلغت (42) ألفاً في 8 آذار 1960 واعتمدت على قواها في فتح (78) مركزاً لمحو الأمية بلغ عدد الدارسات فيها (7503) امرأة وتطوع للتدريس في هذه المراكز (605) رابطية متعلمة واستطاع عدد من الدارسات أن يكملن تحصيلهن العلمي والتوظف أو العمل كعاملات فنيات. كما فتحت (111) مشغلاً لتعليم الخياطة وبعض المهن وأقامت للمتدربات الأسواق والمعارض وخرجت وجبات متعددة آهلات للعمل وأقامت المستوصفات في المناطق الشعبية والريفية وأبدعت الجوالة لترفع الوعي الوطني والصحي، في الوقت نفس، وتعالج النساء والأطفال الذين لم يتسن لهم العلاج الطبي طيلة حياتهم“. (أنظر: خيري، سعاد د.، ثورة 14 تموز، من تاريخ الحركة الثورية في العراق، ط 1، دار أبن خلدون، بيروت، 1980، ص 173).ولعبت الفتيات في المدارس المتوسطة والثانوية وكذلك الفتيات في المعاهد والكليات دوراً كبيراً في عملية التوعية الفكرية والسياسية والسعي إلى التعريف بحقوق المرأة ونشرها على نطاق واسع. ولا شك في أن الأحزاب السياسية العراقية قد لعبت دوراً مهماً في تنشيط هذه الحركة وفي دعم المرأة لانتزاع حقوقها. وكان لضغط الرابطة والأحزاب السياسية، وبشكل خاص الحزب الشيوعي العراقي، الذي تبنى منذ سنوات طويلة حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، الدور البارز في صدور قانون الأحوال الشخصية الذي تضمن تصوراً نسبياً جديداً عن المرأة وحقوقها في العراق.
وكان صدور قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 أكبر إنجاز تحقق للمرأة في العراق في العهد الجمهوري الجديد، رغم جميع النواقص وتردد المشرع في صياغة الحقوق الأساسية التي تضمن حقوق المرأة ومساواتها الفعلية بالرجل. إذ يعتبر هذا القانون خطوة متقدمة على طريق طويل لتحرر المرأة من عبودية الرجل والمجتمع الذكوري والدولة الذكورية. فماذا تضمن هذا القانون بشأن المرأة من جوانب إيجابية ونواقص جدية إزاء حقوقها ودورها ومكانتها في المجتمع؟
حرك المشرع العراقي عدداً من المسائل الجوهرية بشأن المرأة والعائلة وحقوق المرأة الأساسية واختلف نسبياً في بعضها مع النص الأساسي الذي ورد في القانون باعتماده على الشريعة الإسلامية.
المسألة الأولى: إلغاء قانون دعاوى العشائر العراقية وما تضمنه من مواد مناهضة للمرأة وحقوقها الأساسية، وخاصة حق قتلها „غسلاً للعار“.
المسألة الثانية: تضمن القانون تشريعاً حول العائلة وتنظيم علاقاتها وبلور بعض الحقوق المهمة للمرأة، رغم بقاء القانون من حيث المضمون والشكل ذكورياً واضحاً.
المسألة الثالثة: مساواة الأنثى بالذكر في الإرث، أي تخلى عن القاعدة الواردة في القرآن „وللذكر مثل حظ الأنثيين“.
المسألة الرابعة: منع تعدد الزواج إلا بإذن من قاض شرعي وبشروط.
المسألة الخامسة: حق الأم برعاية الطفل في فترة الزواج وبعد الفراق.
المسألة السادسة: منع زواج البنت إلا بعد بلوغها سن الرشد وتوفر الصحة العقلية.
ولكن المشرع العراقي لم يستطع تجاوز الواقع القائم وطبيعة السلطة ذاتها وميزان القوى في المجتمع، إضافة إلى تأثير العادات والتقاليد والشريعة الإسلامية على المشرع ذاته، مما جعل القانون يحتوي على ثغرات كبيرة ونواقص جدية أبقت الكثير من القيود الثقيلة على كاهل المرأة العراقية ولم تسمح بتحريرها، كما أن الممارسة الفعلية للقانون من جانب أجهزة الدولة والمحاكم الشرعية قد أعاق أو عطل تنفيذ بنوده، ولكنه عمق من ممارسة الجوانب السلبية في القانون وواصل العمل وفق التشريعات السابقة، إذ أن القانون نفسه قد سمح بذلك من خلال صياغاته المرنة أو القلقة وغير الحاسمة للنصوص القانونية. ويمكن الإشارة إلى بعض سلبيات قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959،
المسألة الأولى: في الوقت الذي ألغى قانون دعاوى العشائر، ترك مجموعة من المواد القانونية في التشريعات الأخرى على حالها بحيث تسمح بممارسة قانون دعاوى العشائر بشأن المرأة مع واقع إلغاء ذلك القانون.
المسألة الثانية: لم يمنح المرأة حقها في الحصول على قطعة أرض زراعية ضمن عمليات توزيع الأراضي الزراعية وفق قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958، إذ حصر ذلك بالرجل، إلا في حالة فقد المرأة لمعيلها ثم تفقد هذه الأرض إذا ارتضت بمعيل آخر من الرجال، في حين كان منح المرأة حق الحصول على قطعة أرض أسوة بالرجل يسمح للمرأة الريفية غير المتزوجة أو المطلقة بممارسة الزراعة وتأمين استقلالية اقتصادية لها عن الرجل.
المسألة الثالثة: عجز المشرع عن تجاوز القواعد التي فرضها التقاليد والعادات في عدم زواج المسلمة من امرأة كتابية، مسيحية أو مندائية.. إلخ، والعكس صحيح أيضاً. وبهذا واصل التمييز بين الناس على أساس الديانات والمذاهب.
المسألة الرابعة: عجز القانون الجديد عن الخروج عن الرؤية التقليدية للمرأة في المجتمع ألذكوري والتي كرست العلاقة بين المرأة والرجل على أساس أنها علاقة قائمة على النكاح وإنجاب الأطفال وتبعية المرأة المطلقة لزوجها، في حين أن العلاقة بين المرأة والرجل لا يمكن أن تبقى قائمة على تلك الأسس، بل يجب أن تنهض على أساس الشراكة والمساواة في الحقوق والواجبات والاحترام المتبادل، حتى النكاح يفترض أن لا يفهم على أنه تمتع الرجل بالمرأة بل تمتع الطرفين بهذه العملية الجنسية التي يفترض أن تعبر عن حب متبادل ومسؤولية مشتركة إزاء العائلة. ومن هنا نلاحظ وجود مجموعة من معوقات تحرير المرأة أو تمتعها ببعض حقوقها، منها على سبيل المثال لا الحصر:
– حق الرجل بالطلاق من زوجته متى شاء، في حين حدد حق المرأة في حالات معينة. وفي حالة إصرارها على الطلاق أو مغادرتها الدار الزوجية يحق للرجل اعتبارها ناشزاً، وبالتالي تحرم من الزواج طيلة حياتها. (خيري، سعاد د.، ثورة 14 تموز، مصدر سابق، ص 174).وفي الوقت الذي أعطى القانون للرجل حق الطلاق من زوجته في حالة ثبوت الخيانة الزوجية، حرم المرأة من هذا الحق في حالة قيام الرجل بخيانة الحياة الزوجية.
– عرَّف المشرع العراقي الزواج على „أنه عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل“، (رابطة المرأة العراقية،. نحو عام 2000: المرأة العراقية … الواقع والتحديات، ندوة عقدت في كولون/ألمانيا، كانون الأول 1999، مداخلة بعنوان: “تعامل القوانين العراقية مع المرأة“، للسيدة بشرى الحكيم. ص 63)، أي تصبح المرأة ملكاً له، كما تشير إلى ذلك بصواب الدكتورة سعاد خيري، (خيري، سعاد د.، ثورة 14 تموز،. مصدر سابق، ص 174).دون أن يؤكد على حقوقها وعلى دورها في الحياة الزوجية وحقها في اختيار شريك حياتها، رغم معرفة المشرع بأن الزواج من رجل معين يتم بالنسبة للمرأة في الغالب الأعم قسراً، بغض النظر عن إرادتها ورغبتها، وفي حالة الرفض يمكن للأب أو العم أو الآخر أن يجبرها بالضرب أو الحبس بالبيت أو حتى القتل في حالات معينة.
– منع المشرع فرض الزواج على المرأة أو الرجل واعتبره باطلاً في حالة حصوله، إذ نصت الفقرة الأولى من المادة التاسعة على ما يلي:
“1 – لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار إكراه أي شخص، ذكر كان أم أنثى على الزواج دون رضاه، ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلاً، إذا لم يتم الدخول، كما لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار، منع من كان آهلاً للزواج، بموجب أحكام هذا القانون من الزواج”. (قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته مع قرارات مجلس قيادة الثورة، منشورات مكتب الصباح للدعاية والنشر والإعلان، بغداد،1989، ص 22). كما فرضت الفقرة الثانية من المادة التاسعة من قانون الأحوال الشخصية العقوبة بالحبس ثلاث سنوات، وبالغرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتين على من يخالف ذلك. وإذا كان المخالف للقانون من غير هؤلاء المنصوص عليهم بالقانون فتكون العقوبة بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات ولا تقل عن ثلاث سنوات. (المصدر السابق نفسه، ص 22).
– كما لم يمنح المشرع جميع الحقوق الضرورية للمرأة في قانون العمل العراقي، بما في ذلك مساواة المرأة بالرجل في الأجر.
– نصت الفقرة الرابعة من المادة الثالثة على ما يلي: “لا يجوز الزواج بأكثر من واحدة إلا بأذن القاضي ويشترط لإعطاء الأذن تحقق الشرطين التاليين:-
أ – أن تكون للزوج كفاية مالية لإعالة أكثر من زوجة واحدة.
ب – أن تكون هناك مصلحة مشروعة”. (المصدر السابق نفسه، ص 19).
– من هذه الفقرة يتبين أن المشرع لم يحرم الزواج بأكثر من امرأة واحدة، بل سمح بذلك، ولكته حاول الحد منه من خلال منع غير القادرين مالياً على الزواج بأكثر من واحدة، إضافة لوجود مصلحة محددة للرجل بالزواج الثاني أو الثالث أو حتى الرابع. ومن تلك الحالات نشير إلى عدم إنجاب الزوجة للأطفال (العقم) أو المرض الذي يقعدها ويحرمها من المعايشة الزوجية الطبيعية. وأعطى المشرع للقاضي الحكم بمنع تعدد الزوجات في حالة نشوء خشية بعدم قدرة الرجل على ضمان العدل بين زوجاته. وفي حالة حصول ذلك خلافاً لقرار القاضي يحكم على المخالف بالحبس ستة شهور أو بغرامة قدرها مائة دينار أو بهما معاً.
– لم يشترط القانون تسجيل الزواج في المحاكم من أجل ضمان حقوق الطرفين، فترك ذلك عائماً مما يمنح الرجل حقوقاً أكبر من حقوق المرأة استناداً إلى التقاليد والأعراف السائدة.
– لم يمنح المشرع العراقي حق الطلاق للمرأة أسوة بالرجل، بل فرض على ذلك شرط توكيل الزوج أو تفويضه أو تفويض القاضي بذلك. وبهذا عمد إلى اعتبار المرأة من حيث المبدأ سلعة بيد الرجل فهو مالكها وهو الذي يمنحها حق المطالبة بالطلاق أو أن يقر القاضي ذلك، باعتبارها ناقصة العقل وغير قادرة على التصرف. ومنح القانون المرأة الحق للزوجة بطلب الطلاق في عدة حالات أبرزها أن حكم عليه بالسجن لفترة ثلاث سنوات أو أكثر أو هجرها لسنتين أو أكثر دون عذر مقبول لدى القاضي الشرعي، أو كان مصاباً بالعقم أو بعلة لا يؤمل زوالها أو رفضه الإنفاق عليها دون عذر مبرر، أو خيانة الرجل للزوجية …. (رابطة المرأة العراقية. نحو عام 2000: المرأة العراقية … الواقع والتحديات. ندوة عقدت في كولون/ألمانيا. كانون الأول 1999. مداخلة بعنوان: „تعامل القوانين العراقية مع المرأة“. للسيدة بشرى الحكيم. ص 69).
– وفي عام 1958 صدر القانون رقم 54 الذي تم بموجبه منع مزاولة البغاء ومكافحته على صعيد العراق، كما كان قبل ذلك قد صدر القانون رقم 41 لنفس السنة الذي شجع على إقامة إصلاحيات النساء لمساعدة النساء المومسات. ولكن هذا القانون الذي كان يبدو “تقدمياً” عجز عن أن يكون تقدمياً، إذ لم يوفر الأرضية الصالحة لمكافحة البغاء بصورة جديدة وبعيداً عن الإساءة لإنسانية النساء، ومنها توفير فرص العمل والاستقلالية المالية ومنع تعدد الزوجات الذي كان يقود إلى دفع بعض النسوة إلى ترك دورهن والعمل كمومسات في دور الدعارة أو إجبار البنات على الزواج بمن لا يرغبن فيهم أو ممارسة القسوة الشديدة ضد المرأة بما فيها الضرب والتهديد بالقتل أو الكبت الشديد اجتماعياً الموجه ضد المرأة أو اغتصاب النساء. ففي الوقت الذي أغلقت المواقع الرسمية لممارسة البغاء، أصبح البغاء منتشراً حيثما أمكن وعلى نطاق واسع وبعيداً عن الرقابة الصحية الضرورية على النساء المومسات ومنع انتشار الأمراض الجنسية بين النساء والرجال، رغم إن المشرع كان يعرف بأن البغاء هي أقدم مهنة في العالم. (أنظر: سلام خياط، البغاء عبر العصور: أقدم مهنة في العالم، رياض الريس للكتب والنشر، 1998).
لم يكن القانون رقم 188 لسنة 1959 سوى أداة مهمة، على نواقصه، بيد المرأة والقوى الديمقراطية للنضال في سبيل تحقيق تلك البنود وتطويرها ثم إجراء تغييرات أكثر عمقاً وشمولية لصالح المرأة. ولكن ما حدث هو عكس هذا الاتجاه تماماً. إذ أن جميع الدلائل والتحريات التي جرت في تلك الفترة كانت تشير إلى حقيقة أن تنفيذ بنود القانون التي اعتبرت إيجابية قد اصطدمت بمقاومة عنيفة من جانب المؤسسات الدينية الشيعية والسنية ومن القوى الرجعية والمحافظة، ومن المدعين بالدفاع عن الشريعة الإسلامية ومن العشائر والإقطاعيين. وكانت المحاكم تجمد وتعيق إصدار أي قرار لصالح المرأة بشأن توزيع الإرث أو منع الزواج بأكثر من امرأة واحدة أو الزواج المبكر للبنت التي لم يتجاوز عمرها سن الرشد.
ورغم ذلك انطلقت المرأة العراقية من خلال الزخم الذي أحدثته حركة الانتفاضة وثورة المجتمع والقوى الديمقراطية للمشاركة أكثر فأكثر في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية وفي احتلال بعض المراكز الإدارية المهمة وفي الدخول الأوسع للكليات والمعاهد العلمية والفنية والمهنية، والعمل في الصحافة والإعلام. ونشطت حركة المسرح العراقي لتدفع بالمرأة إلى مواقع جديدة وتكشف عن واقع حياتها المزرية التي عاشت في ظلها في العهد الملكي وأهمية تغيير ذلك.
كانت حملة القوى الرجعية المناهضة لحقوق المرأة قد تفاقمت وتداخلت مع الصراعات السياسية الأخرى، مما أعطاها بعداً جديداً، سواء بالنسبة للقوى المؤيدة وتلك المناهضة لحقوق المرأة. ومع اختلال التوازن الاجتماعي والسياسي لصالح القوى المناهضة للاتجاهات الديمقراطية والتقدمية في العراق، تزعزعت الأرضية التي كانت تقف عليها عملية الإصلاح الجديدة والبدايات الجادة لتغيير واقع المرأة لصالح القوى المناهضة لحقوق المرأة والذي لم يتجل في فترة ما قبل سقوط حكومة عبد الكريم قاسم، بل سبقت ذلك وفي فترة الجمهورية الأولى.
تراجع زخم الحركة الثورية وكذا الحركة الإصلاحية الاجتماعية في العراق منذ عام 1960/1961 في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى حدود بعيدة، وأصبح في نهاية عام 1962 وبداية عام 1963 بالحضيض، حين لم يستطع المجتمع أن يجد الصيغة المناسبة للحوار الديمقراطي السلمي لمعالجة المشكلات الداخلية والعربية، وبالتالي انتهى الصراع إلى نجاح ثورة الردة على مكتسبات المجتمع في السنوات المنصرمة، بما في ذلك الكثير من مضامين مكتسبات المرأة العراقية.
ورغم هذا التراجع النسبي في زخم العملية الثورية في العراق استطاعت المرأة تحقيق منجزات مهمة على صعيد تأمين بعض الحقوق التي أصبحت ممارستها أمراً طبيعياً مثل التعليم بمختلف مراحله والتوظف والاستخدام في أجهزة الدولة وفي القطاع الخاص أو المشاركة في النشاط الصناعي إلى جانب القطاع الزراعي وقطاعات اقتصادية أخرى، وتكريس المشاركة في النشاط الاجتماعي مثل رابطة المرأة والطلبة والشبيبة والنقابات العمالية والجمعيات والأحزاب السياسية والمرافعات في المحاكم العراقية … الخ.
وإذا أخذنا جانباً واحداً من عملية ولوج المرأة لأخذ موقعها في مختلف مجالات الحياة، وهو التعليم، سنجد أن عام 1959 قد شهد نمواً ملموساً بعدد التلميذات والطالبات والمدرسات والمدارس الخاصة بالإناث، ولكن النسبة بقيت متواضعة كثيراً بالمقارنة مع عدد التلاميذ والطلاب والمدرسين والمدارس الخاصة بالذكور، رغم أن عدد نفوس الذكور والإناث في العراق كان متقارباً. ففي الوقت الذي قفز عدد الإناث في مختلف مراحل التعليم وفي جميع المدارس والمعاهد الرسمية والأهلية والأجنبية في العراق في العام الدراسي 1959-1960 إلى 199841 تلميذة وطالبة، بلغ عدد الذكور في نفس العام 604955، أي كان التناسب بينهما قياساً إلى المجموع العام 24،8 : 75،2 % على التوالي ولصالح الذكور. وينطبق هذا الأمر على عدد المدارس والمعاهد بصورة أكثر تمايزاً حيث بلغ مجموعها في العراق 1792 مدرسة موزعة بين الإناث والذكور وفق التناسب التالي: 15،1 : 84،9 %. أما بالنسبة إلى المعلمات والمعلمين والمدرسات والمدرسين فكان العدد الإجمالي البالغ 25101 موزعاً بين الإناث والذكور على النحو التالي: 31،8 : 68،2 % على التوالي. والرقم الأخير يعبر عن أن حصة كل معلم ومعلمة ومدرس ومدرسة من الذكور كان أكبر بكثير من حصته عند الإناث. وكان العدد الإجمالي للإناث والذكور قد قفز من 525278 تلميذاً وطالباً في العام الدراسي 1957-1958 إلى 804796 تلميذاً وطالباً في العام الدراسي 1959-1960، أي بنسبة زيادة قدرها 53،2 %. (أنظر: دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960. مصدر سابق. ص 487/488). وهي الظاهرة الأكثر إيجابية لفترة ما بعد الملكية في مجال التعليم، إذ أمكن تأمين استيعاب عدد أكبر من التلاميذ والتلميذات والطلاب والطالبات في مختلف مراحل الدراسة في العراق. ويمكن إجراء مقارنة مهمة بين عدد البنين والبنات الذين سجلوا في الصف الأول الابتدائي للفترة بين 1957-1958 و1962-1963 لنتبين مدى تأثير التغيرات الإيجابية التي طرأت على موقف الحكومة والمجتمع من التعليم للبنين والبنات.
عدد المسجلين والمسجلات في الصف الأول الابتدائي في العراق
للفترة 1957-1958 و1962-1963
السنة | عدد البنين | عدد البنات | المجموع |
1958-1957 | 80977 | 27125 | 108000 |
1959-1958 | 106455 | 36096 | 143000 |
1960-1959 | 145662 | 53226 | 198888 |
1961-1960 | 152470 | 64612 | 217082 |
1962-1961 | 13834 | 58883 | 197237 |
1963-1962 | 125471 | 59391 | 184862 |
منشورات مركز البحوث التربوية والنفسية. جامعة بغداد. 1971.
ويستدل من الجدول في أعلاه على أربع ملاحظات مهمة، وهي:
* تنامٍ ملموس ومهم في عدد التلاميذ والتلميذات المسجلات في السنة الأولى بشكل عام، بحث بلغت الزيادة خلال الفترة الواقعة بين 1957-1958 وبين 1962-1963 حوالي 71،2%.
* في الوقت الذي بلغ التناسب في عام 1957-1958 بين البنات والأولاد 25:75 %، تغير هذا التناسب في آخر سنة من هذه الفترة، أي 1962-1963 إلى 67،9:32،1 %. وهو تغير ملموس ومهم تحقق خلال فترة خمس سنوات فقط.
* كان لزخم الثورة أثر كبير جداً على العائلات العراقية بحيث اندفعت إلى تسجيل أولادها وبناتها في المدارس بالنظر إلى قرار الأخذ بنظام التعليم الإلزامي في المدارس الابتدائية، والذي أُخذ به تقريبا في أعقاب الانتصار على الملكية. وفي الفترة التي أعقبت قفزة عام 191960-1961 في تسجيل البنات في الصف الأول الابتدائي، برز تراجع ملموس في عدد الطالبات في حين استمر التدريس للأولاد قائم على قدم وساق.
* إن نسبة عالية من البنات لم يسجلن في السنة الأولى الابتدائية وفرضت عليهن الإقامة في البيت وعدم الذهاب إلى المدرسة، رغم إلزامية التعليم للبنات والبنين للدراسة الابتدائية، وهي نسبة تزيد كثيراً عن نصف عدد البنات المستحقات للتسجيل.
وهذا الواقع مرتبط بثلاث حقائق مهمة جداً، رغم الوضع الثوري الذي نشأ في العراق في أعقاب إسقاط الملكية، وهي:
- نظرة التخلف والتمييز القائمة في المجتمع ولدى الرجال عموماً إزاء المرأة.
- ضعف مستوى وعي الغالبية العظمى من المجتمع وعدم تقديرهم لأهمية ودور المرأة لا في العائلة فحسب، بل وفي المجتمع والدولة والاقتصاد الوطني.
- المستوى المعيشي الواطئ للغالبية العظمى من السكان بحيث يتعذر عليهم توفير الموارد المالية الضرورية التي تسمح بدفع نفقات دراسة البنات أو حثهن على الدخول إلى المدرسة أو الاستجابة لمطالبهن كبقية الطالبات.
*****************************************************************************
5-7
المرأة في ظل حكم الانقلاب البعثي-القومي 1963
في الثامن من شباط/فبراير نُفذ انقلاب عسكري دموي بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب الناصرية والحركة الكردية المسلحة والمؤسسات والحوزات الدينية الشيعية والسنية والقوى الرجعية وشيوخ العشائر وبقايا الإقطاعيين وكبار ملاكي الأراضي الزراعية والكومبرادور التجاري الذين تضررت مصالحهم من خلال إجراءات الدولة الجديدة. وكل من هذه الجهات كانت ها مصالحها الخاصة وأخرى مشتركة تسعى إلى تحقيقها من خلال هذا الانقلاب الفاشي الدموي الذي دعت له وساندته الإمبريالية الأمريكية والبريطانية والفرنسية وشركات النفط الدولية الاحتكارية بقوة وقدمت كل ما من شأنه الخلاص من الحكم الوطني وإنزال أقسى ضربة ممكنة بالقوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية العراقية. وقد تحدث قائد حزب البعث حينذاك علي صالح السعد بصراحة كبيرة حين قال “لقد جئنا إلى السلطة بقطار أمريكي”. (أنظر: الناصري، عقيل، د.، من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (6-6)، الحوار المتمدن، العدد 3253 في 21/01/2011). تحدث البعثيون والقوميون في صحافتهم ودعاياتهم في الداخل والخارج بأنهم لاحظوا انحراف النظام القاسمي عن الأهداف التي كانوا يسعون إليها، والتي يمكن تلخيصها، بناءً على أدبيات هذه القوى فيما يلي:
1 . أن النظام القاسمي نظام غير قومي عربي، بل مناهض للقومية العربية. وهو مناهض للوحدة العربية، ومنها الوحدة مع سوريا ومصر.
2 . وبهذا المعنى، فهو نظام شعوبي يخدم مصالح غير عربية ويرفض التعاون مع جمال عبد الناصر أو السير تحت قيادته.
3 . وأن النظام القاسمي خاضع للحزب الشيوعي العراقي وتابع لسياساته، وبالتالي فهو يسير في ركاب المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتي.
4 . وأن عبد الكريم قاسم مستبد بأمره لا يحترم الحرية والديمقراطية.
5 . ولهذا فهو يكافح التيارات البعثية والقومية والإسلامية في العراق ويمارس اضطهاد هذه القوى.
واستناداً إلى كل ذلك رفعت شعارات تدعو إلى الوحدة العربية وإلى الالتزام بالقومية العربية وضد الشيوعية وضد الاستبداد والدكتاتورية، كما دعت إلى “الحياد الإيجابي” بعيداً عن مفهومه الناقص وبعيداً عن الاتحاد السوفييتي، حين رفعت شعار لا غربية ولا شرقية. كتب أحد قياديي حركة القوميين العرب الدكتور باسل الكبيسي بهذا الصدد يقول:
“وخلاصة القول أن “حركة القوميين العرب” انتهجت، خلال هذه المرحلة، البرنامج الذي وضعته لجنتها التنفيذية في عام 1959. ويتضمن هذا البرنامج ما يلي: التركيز على قضية الوحدة العربية، الصراع ضد الشيوعيين المحليين والقوى الرجعية في الوطن العربي، التأكيد على سياسة الحياد الإيجابي. دعم الثورة الجزائرية، وأخيراً وليس آخراً دعم الجمهورية العربية المتحدة على الصعيدين الداخلي والخارجي”. (الكبيسي، باسل. حركة القوميين العرب. تعريب نادرة الخضيري الكبيسي. بيروت. مؤسسة الأبحاث العربية. ط 4. 1985. ص 106).
أما القوى الإسلامية التي ساندت وساهمت بثورة الردة السياسية فقد تركز همّها في ثلاث نقاط هي:
1 . أن النظام القاسمي غير إسلامي.
2 . وهو نظام شيوعي ملحد يتعاون مع الشيوعية المحلية والدولية.
3 . وأن النظام يرفض الالتزام بالشريعة الإسلامية فحسب، بل أصدر قوانين ضد الشريعة الإسلامية، ومنها قانون الأحوال الشخصية ومنح المرأة حقوقاً خارج الشرع الإسلامي.
واتفقت على هذه الوجهة في محاربة نظام الحكم الجمهوري الأول القوى والأحزاب الإسلامية السنية والشيعية، رغم التباين والصراع فيما بينها على امتداد فترات طويلة. والآن أصبح النظام القاسمي هو عدوهما المشترك.
أما فئة كبار الملاكين وجمهرة صغيرة من الإقطاعيين فكانت تتفق مع الأفكار والسياسات المعادية لقاسم التي تطرحها هذه القوى، كما تضيف إليها بأن النظام القاسمي قد سلبها أرضها حين طبق قانون الإصلاح الزراعي وسلبها سلطتها حين أسقط الملكية، وسلبها نفوذها الاجتماعي والسياسي وحرمها من امتيازاتها الكبيرة التي تجسدت في قانون العشائر الذي كان ساري المفعول في ظل النظام الملكي وألغي من قبل حكومة قاسم بسبب انطلاق الفلاحين الفقراء والمعدمين وهم يناضلون في سبيل تطبيق قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958.
أما القوى القومية الكُردية فقد كان النظام القاسمي قد رفض تحقيق جملة من المطالب التي طرحتها وأصرت عليها ورفض عبد الكريم قاسم الاستجابة لها، رغم عدالتها، بغض النظر عن الطريقة أو الأسلوب أو الوقت الذي طُرحت فيه تلك المطالب، إذ أنها كانت قد أعلنت منذ عام 1961 ما أطلق عليه بثورة أيلول 1961 والتي كانت كما قد اعترف قادة الكرد به بأنها كانت متعجلة وكان المفروض التعامل بشكل أخر من جانب قيادة الثورة الكردية أولاً ومن جانب عبد الكريم قاسم من جهة ثانية.
لقد برهنت كل القوى التي شاركت في الانقلاب بأنها لم تكن مع الحريات العامة والديمقراطية ولا مع حقوق الشعب، ومنها حقوق المرأة، ولا مع الوحدة العربية، فسياسات نظام البعث الأول وحلفاءه من القوميين الناصريين تميزت بفرض إرهابٍ دمويٍ فاشيٍ سافرٍ أثار الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي ضدهم لما حصل في البلاد من اعتقالات لعشرات الألاف من المواطنين والمواطنات وقتل المئات منهم حيث سادت الفوضى والقتل على الهوية الفكرية والسياسية، لاسيما ضد الشيوعيين على وفق بيان الحكم العسكري رقم 13 لسنة 1963 المشؤوم الذي أباح قتل الشيوعيين أينما وجدوا. في مثل هذا النظام لم تحرم النساء من حقوقهن المشروعة والعادلة والمنتزعة فحسب، بل وفقد المجتمع كله، رجالاً ونساءً كامل حقوقهم المثبتة في الدستور العراقي والقوانين العراقية.
واستجابة لحلفاء القوى القومية والبعثية من شيوخ الدين في المؤسسات والحوزات الدينية الشيعية والسنية وشيوخ العشائر والقوى الرجعية والمحافظة صدر القانون رقم 11 لسنة 1963 حيث أجريت تعديلات سيئة على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 اسنة 1959 لاسيما في مجال توزيع تركة المتوفي حيث اضيف النص التالي إلى المادة 86 من أحكام الميراث، الباب التاسع بموجب المادة (1) من قانون التعديل الثامن لقانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959.
الوارثون بالقرابة وكيفية توريثهم:
1- الابوان والاولاد وان نزلوا للذكر مثل حظ الانثيين.
أي أن المشرع الجديد أنهى العمل بمساواة المرأة والرجل في حصتهما من الميراث عند توزيع تركة المتوفى، كما أجريت تعديلات أخرى على إمكانية تعدد الزوجات في حالة الزواج من امرأة أرملة خارج الشروط المفروضة على الرجل الذي يريد زيادة عدد زوجاته.
لم يميز نظام البعث بل عمد إلى المساواة بين الرجال والنساء في حملات الاعتقال والتحقيق والتعريض للتعذيب والاغتصاب والقتل تحت التعذيب. ولم يكن تعذيب النساء موجهاً ضد النساء اللاتي يعملن في الحقل السياسي فحسب، بل شمل كل النساء اللواتي تم اعتقالهن لأي سبب كان بهدف انتزاع الاعترافات بشأن القضايا التي اعتقلن من أجلها، حتى لو كانت التهمة جنحة أو مخالفة بسيطة. في حين أن لوائح حقوق الإنسان كلها تحرم التعذيب أياً كان نوعه ولأي سبب كان. (اللائحة الدولية لحقوق الإنسان لعام 1948).
نماذج من عمليات الاعتداء على شرف الفتيات في معتقلات وأقبية
سجون حكم البعث الأول
خلال العقود الأربعة المنصرمة على نجاح الانقلاب الفاشي في شباط/فبراير 1963 نشرت الكثير من المعلومات والوثائق المهمة عن عمليات القسوة التي رافقت هذا الانقلاب وخلال الأشهر العشرة من حكم البعثيين والحلفاء القوميين في العراق، سواء أكانت عمليات التعذيب أو القتل أو الاغتصاب الجنسي لفتيات باكرات أو لسيدات متزوجات. ولكن تبقى الشهادة التي أدلت بها الآنسة (ن. خ) طالبة كلية الزراعة، التي كان عمرها حينذاك 20 عاماً، ذات أهمية كبيرة لفعل الاغتصاب الجماعي من جانب الحرس القومي. وهي حالة موثقة في دوائر الشرطة ومسجلة لدى حاكم تحقيق ولا تقبل الشك. ونورد هنا إفادتها التي سجلت بتاريخ 11/4/1963 من جانب المحقق العدلي بعد أداء القسم بصحة ما تقول كما هي:
“في يوم السبت الماضي وكان الوقت الساعة الحادية عشر ليلاً أجرى التحري بداري، وكان الذين حضروا التحري حوالي ستة أشخاص واحد منهم يرتدي الملابس المدنية وأجهل أسمه والآخرين يرتدون ملابس الحرس القومي ويحملون بأيديهم الرشاشات.. وكان أيضاً معهم شخص يرتدي ملابس عسكرية أخبرني بأنه طالب في الصف الثاني من كلية التجارة.. وقد صعدوا هؤلاء كلهم فجأة إلى غرفتي حيث كنت نائمة وقالوا لي (أگعدي.. أگعدي) (أمشي داناخذ ج معنا) فاستفسرت منهم إلى أين؟ فقالوا: – (أنتِ ما عليج)، فلبست ملابسي وخرجت أنا وأمي معهم إلى سيارة عسكرية كانت واقفة في باب دارنا وكان يجلس فيها أربعة أشخاص برتدون الملابس العسكرية. ومعهم في السيارة فتاتين إحداهما “ب.ع” وأختها “ف. ع” وتحركت السيارة بنا إلى مركز الحرس القومي ولما سألتهم (والدتي) عن اتجاههم أجابه أحدهم “إنتِ ما عليج” .. وقال آخر ذاهبين ” إلى الكاظم للزيارة” وأخذوا يضحكون.. وقال آخر.. لا.. رايحين إلى “الإدارة المحلية”.. ووصلنا مركز المأمون ونزل السائق ومعه أحد من الحرس القومي وذهبوا إلى مقر الحرس.. ثم عادوا وقالوا إلى (أمي).. أنتِ وأبنتك أنزلوا هنا في الشارع وارجعوا إلى بيتكم.. ونزلنا. وتحركت السيارة العسكرية “بالفتاتين” إلى حيث لا نعلم..
وفي يوم الخميس الماضي أي قبل أسبوع ذهبت إلى ذار أختي في (الأرضرملي) وفي حوالي الساعة الثانية عشر ليلاً من نفس اليوم، طرق الباب.. ولما فتحناه شاهدت (والدتي) ومعها أثنين من أفراد الحرس القومي أحدهم السائق الذي جاء إلي في المرة الأولى وشخص أخر يرتدي ملابس مدنية ويحمل بيديه رشاشة وطلبوا مني أن أرتدي ملابسي واصحبهم مع والدتي إلى مركز الحرس القومي.. فطلبت منهم إبراز ورقة إلقاء القبض عليَّ إلا أنهم أجابوني بكلمة “أنتِ ما عليج” وهذه والدتك معنا لا تخافين.. فطاوعتهم وركبت السيارة وأخذونا إلى دار في الصالحية مقابل الإذاعة، وشاهدت هناك جماعة كثيرين من الحرس القومي، وعندما دخلنا الدار منعوا (أمي) من المجيء معي.. وأصعدوني إلى غرفة في الطابق العلوي، وحضر ضابط من الحرس القومي اسمه (علاء) وأخذ يضربني على وجهي ثلاث ضربات وقال لي اعترفي.. “أنتِ مو كنتِ شيوعية” … فأقسمت له بالله وبشرفي لم أكن شيوعية ولم أعرف معنى الشيوعية ولا أي حزب.. وطلبت منهم أن يجروا التحقيق معي ويسألون عني الجيران وأهل المحلة والأمن والشرطة إذا كان عندي أي ميول شيوعية.. فصرخ في وجهي وقال ما تعترفين “فراح نأخذ شرفك”.. فأجبته بأن شرفي هو أمانة في أيديكم.. وأنا أطلب حمايتكم.. وأنا أختكم. فتقدم حارس قومي آخر وبيده (عصا) وأخذ يضربني ويطعن بها بطني، وقد أصابتني غشاوة على عيني من الخوف والألم ولم أستطع أن أتبين وجه الذي كان يضربني بالعصا ويطعنني في (بيت الرحم) وأخذت أتوسل بهم.. وأطلب الرحمة منهم.. ” إلا أنهم طرحوني أرضاً، ونزعوا عني ملابسي إلى حد النصف” وأنا اقاومهم وأتوسل بهم. وأن أحدهم مسكني من ساقي وهو الذي ضربني كما أخذ (يقبلني من فمي) كأنه سكران.. ثم شاهدت أحدهم وعلمت اسمه (مدحت) وهو ذو شارب أصفر شاهدت وجهه وهو يمسك بي، كما وضع الوسادة على وجهي.. وأن ثلاثة منهم أو أربعة قاموا (بالفعل الشنيع ضدي) الواحد بعد الآخر، وقد أغمي عليَّ، بعد أن أصبح عندي نزيف دموي.. وأنا لا أستطيع بالضبط أن أشخص الذي زال “عفافي” منهم أولاً.. ولكن أستطيع أن أوكد أنهم عملوا معي الفعل الشنيع بالقوة واحد بعد الآخر..
وعلى سبيل المثال لقد ذكرت لي إحدى الموقوفات هناك، أن المعتدين على شرفها أيضاً كثيرون لكنها تستطيع أن تشخص واحد من الحرس القومي اسمه (زهير) هو الذي زال (…) أولاً.. كما أني بعد أن فقت من الإغماء ونهضت وأخذت ابكي وأندب حظي التعس الذي أوقعني بيد هؤلاء… في هذا الوقت جاءني أحد الحرس القومي وهو أبيض اللون متوسط القامة وأخذ يتوسل بي أن أفسح له المجال (بالاعتداء ثانية على شرفي).. فصرخت في وجهه إلا أنه لطمني بشدة على وجهي وطرحني أرضاً ثم (قام بالفعل الشنيع معي).. بينما كان بقية المعتدين عليَّ “يتفرجون” ويضحكون.. ويشجعونه بالقيام.. بكذا.. وكذا.. من الأعمال أللا خلقية التي مارسوها معي. وبعد أكثر من ساعة من الوقت.. طلبوا مني أن أنزل وأغتسل، وأعالج النزيف الدموي الشديد الذي لطخ ملابسي.. وقد حذروني أن أتكلم بشيء إلى أمي أو إلى الموقوفين أو الموقوفات هناك.. وسلمت أمري إلى الله.. ونزلت فاغتسلت وبعدها أخذوني إلى موقف كان فيه (ثلاث فتيات).. وبعد الحديث استفسرت من (الفتيات) عما إذا كان قد جرى ضدهم ما جرى لي من العمل الشنيع.. فقالوا “نعم” لقد اعتدى الحرس القومي على شرفنا وزالوا (…) منذ الأمس. وفي اليوم الثاني نادوا عليَّ، وربطوا عيوني بمنديل وقدموني إلى الملازم ظافر لإجراء التحقيق معي، وعندما لم يجدوا شيئاً ضدي.. هددني بالقتل لكل عائلتي إذا أفشيت لأحد (العمل الشنيع) الذي قام به الحرس القومي ضدي، ووافقت على ذلك.. ثم أركبوني سيارة لإيصالي إلى أهلي، لعدم وجود شيء ضدي.. بعد أن عصبوا عيوني.. وفي الطريق رفعوا العصابة عن عيوني وقال ضابط الحرس القومي المدعو (علاء) … (غداً نتقابل في الجسر أو أي محل آخر تحبين) فأجبته أنا ما أقابل أحد.. وقد اعتديتم على شرفي بدون ذنب.. فمد يده في جيبه وناولني (منديل) وقال لي خذي هذا (المنديل) تذكار مني.. فرفضت وبعد الإلحاح أخذته منه.. وهو الآن لدى أخي المدعو (ز.خ) وبعد أن وصلت أهلي.. أخبرتهم بما جرى.. وأخيراً قدمت شكوى إلى الشرطة.. وأني أطلب اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الفاعلين وهذه إفادتي..
توقيع
ن. خ المحقق العدلي حليم عباس”
11/4/1963 (هيئة الدليل الدولي، المنحرفون، مصدر سابق، ص 103-105).
وفي كتاب صادر عن ضابط استخبارات مركز البصرة وموجه إلى آمر حامية البصرة بعدد /1س/131 بتاريخ 17/6/1963 يؤكد فيه بأن كافة أهل البصرة يتحدثون عن أن عدداً من أفراد الحرس القومي قد اعتدوا على شرف فتاتين موقوفتين هما “ع. س.” و “ف. أ”، وأن والد المجني عليها “ع. س” قد سافر إلى بغداد لتقديم الشكوى. والضابط الذي رفع هذا الكتاب يطلب “مفاتحة الجهات المسؤولة بوضع حدٍ لهذه التصرفات اللاقانونية والأعمال الجرمية التي ازدادت في الآونة الأخيرة من قبل الحرس القومي.. وعلى رأسهم قائد الحرس القومي المدعو (فتحي). (نفس المصدر السابق. ص 122)“.
وعرض كتاب “المنحرفون” صوراً لفتيات عراقيات جرى قتلهن ودفنهن بملابسهن في قبور مختلفة وبعضهن تركن في الصحراء حيث تم التهامهن من الحيوانات المفترسة، إضافة إلى صور مواقع تعذيب النساء وآثار الدماء، وكذلك وثائق أخرى تدين عناصر من الحرس القومي باغتصاب عشرات النساء أثناء التحقيق معهن. (نفس المصدر السابق، 64-71، ص 101-122).
إن التقارير المنشورة وما ورد في كتاب “المنحرفون” من فضح لطبيعة سلوك قادة وأعضاء الحرس القومي ولجنة التحقيق الخاصة تؤشر عدداً من القضايا التي قام بها بعض أفراد الحرس القومي أو لجنة التحقيق الخاصة، وينسى أربعة أمور جوهرية، وهي:
1. أن النظام كله، قيادة وقاعدة وأجهزة، كان منحرفاً عن جادة الصواب وعن مراعاة حرية الإنسان وحقه في حياة آمنة وحق التعبير عن الرأي والعقيدة وعن بقية مبادئ وأسس لائحة حقوق الإنسان.
2. وأن النظام يفضح البعض من الجرائم التي ارتكبها الحرس القومي ولجان التحقيق الخاصة، ولكنه يبتعد عن الإشارة إلى جرائم أبشع ارتكبت أيضاً بحق الناس العراقيين وقوى المعارضة أولاً، كما يبتعد عن الإشارة إلى دور القوى القومية التي شاركت ومارست كل تلك الجرائم مع البعثيين، سواء أكانت عمليات مطاردة وتعذيب وقتل أم اغتصاب وسرقة أموال وابتزاز الناس.. الخ.
3. وأن القوى القومية التي أعدت بعض التقارير والكتاب المذكور مارست في أعقاب سقوط نظام البعث وتسلم السلطة من قبلها بانقلابها في 18 تشرين الثاني 1963 نفس أعمال التعذيب والقتل والإعدام والسرقة والاغتصاب التي فضحتها في مواجهة المعارضين والتي سنتحدث عن بعضها في المبحث القادم.
4. وأن النظام كله مسئول عن الحرب التي شنها الجيش العراقي ضد الشعب الكردي، إذ لم يشر التقرير إلى الجرائم البشعة التي ارتكبت بحق هذا الشعب وقواه السياسية بعد أن فجرها النظام في حزيران/يونيو 1963. إذ لم تتعرض القوى المسلحة الكردية والقرى والأرياف إلى قصف جوي متواصل وتدمير واسع فحسب، بل وإلى حملة اعتقالات واسعة في صفوف المواطنين وزجهم في السجون وتعريضهم للتعذيب الشرس والقتل تحت التعذيب أو الإعدام بحجة المشاركة في العمليات العسكرية ضد الجيش العراقي.
*****************************************************************************
6-7
جرائم نظام البعث الصدامي ضد نساء العراق (1968-2003)
في أعقاب انقلاب القصر 17-30 تموز/يولبو 1968 بدأ صدام حسين في وقت مبكر ببناء جمهورية الرعب البعثية، على أسس معينة لا تختلف كثيراً عن جميع الدكتاتوريات في العالم، خاصة في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ولكنها تميزت عنها في عدة نواحي تستوجب الإشارة إليها لأهميتها في مواجهة نظم من هذا الطراز في المستقبل، منها:
* استفاد إلى أقصى الحدود من خبرة وتجارب الدول الأخرى في سبل ممارسة الإرهاب والقمع والقسوة البالغة لحماية النظام الدكتاتوري من الرافضين له والمناضلين ضده أو المنافسين له من أعضاء حزبه.
* كوَّنَ خمسة أجهزة أمنية رسمية تمتد أفقيا وعموديا في المجتمع العراقي والقوات المسلحة كانت تقوم بمراقبة الناس أولا، وكان بعضها يقوم بمراقبة البعض الآخر ثانياً، وكان يديرها أفراد من عائلة صدام حسين وخيوطها جميعاً تنتهي بيديه، كما أن بعضها كان يعمل في الخارج لمراقبة الجاليات العراقية أو الحصول على معلومات تجسسية لمصلحة النظام ثالثاً. وكان أفراد هذه الأجهزة يرتبطون بعدد كبير جدا من الوكلاء الرسميين وغير الرسميين من النساء والرجال، سواء أكان ذلك وفق إرادتهم للحصول على مكاسب أم تحت طائلة التهديد والوعيد. وهي أجهزة كانت منظمة وفق الأسس الحديثة ومزودة بأحدث وسائل التكنيك والتكنولوجيا وبالخبراء من مختلف البلدان، إضافة إلى الخبرة التي تراكمت لدى العراقيين العاملين فيها. كما أرسل مجموعات كبيرة إلى البلدان الاشتراكية والرأسمالية للتدريب والحصول على أحدث المعلومات في مجالات تنظيم العمل والتجسس وانتزاع الاعترافات. (أنظر: الخفاجي، عصام د. إرهاب الدولة والانحطاط السياسي في العراق. تقرير الشرق الأوسط، أيار/مايس-حزيران/يونيو 1992 (باللغة الإنجليزية).
* وضع تدريجاً أفراداً من عائلته ومن عشيرته على رأس الأجهزة الأمنية ودوائر الدولة والوزارات المهمة وهو المشرف والمراقب لها. فقد “أصبح كامل حسين زوج ابنته رغد، (قبل ذبحه وذبح أخيه بعد هروبهما مع زوجتيهما إلى الأردن وعودتهما إلى بغداد، ك. حبيب) وزيراً للدفاع، وأخوه صدام كامل حسين رئيساً للأمن الخاص، وأصبح أخو صدام غير الشقيق وطبان إبراهيم الحسن وزيراً للداخلية، كما وأصبح الأخ الثاني غير الشقيق سبعاوي مديراً للأمن العام ولجهاز المخابرات، وكان كلاهما لم يكملا غير التعليم الابتدائي تماما مثل حسين كامل. أما ابن عم صدام حسين، علي حسين المجيد (علي كيماوي)، فقد أخذ ينتقل من مسؤولية كبيره الى مسؤولية أكبر وكان من ضمن ما تسلمه إدارة الأمن العام ووزارة الحكم المحلي، ووزارة الدفاع وعضوية مجلس قيادة الثورة والمسؤول المباشر عن تنفيذ عمليات الأنفال الإجرامية ضد الشعب الكردي واستخدام السلاح الكيماوي في مدينة حلبچة ومنطقة بهدينان بكردستان العراق، وكان مثل حسين كامل لا يملك غير شهادة الابتدائية، بينما كان الابن البكر لصدام عدي، قد تسلم من أبيه رسميا أوراق ترشحه كوريث للحكم” .(أنظر، جعفر المظفر، د.، رنا صدام وحسين كامل .. ليلة الغدر بشيخ القبيلة. موقع الحوار المتمدن، العدد 6830، في 03/03/2021). أما ابنه قصي فقد أصبح مرشحاً لوراثة أبيه لحكم العراق بعد إصابة عدي بعاهة بعد محاولة اغتياله. وكان قصي “مشرفاً على “الحرس الجمهوري” و”الحرس الجمهوري الخاص” المكلف مع “لواء الحماية” الخاص بصدام وعائلته وعلى “الأمن الخاص” المكلف بالتعاطي مع الاضطرابات وأشكال المعارضة المسلحة التي شهدها العراق حينها كذلك أشرف منذ العام 1999على “جهاز المخابرات” من خلال عمله في “مجلس الأمن الوطني” الذي شكله والده عام 1992من أجل انهاء حالات التمرد التي قد تواجه الحكم، وهو ما كان قد حصل في “الانتفاضة الشعبية” في آذار مارس 1991بعد حرب الخليج الثانية.1991“.(أنظر: قصي صدام حسين، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، أخذ المقتطف بتاريخ 05/03/2021).
* شكل النظام وصدام حسين محكمة الثورة التي ترفع إليها كل المسائل التي تمس قوى المعارضة السياسية العراقية والدولة التي كانت أحكامها تقع في الغالب الأعم بين الموت والمؤبد، إن لم يكن الشخص المتهم قد قتل تحت التعذيب حتى قبل تقديم اسمه للمحاكمة.
* استخدم في ممارسة الإرهاب وإرعاب المجتمع وقمع المعارضة كل الأساليب التي عرفتها النظم الاستبدادية السابقة مضيفاً إليها كل ما استجد من أساليب التعذيب وممارسة القسوة في إسقاط الضحية أو تدمير كرامته وثقته بنفسه وقدرته على الصمود، أي أنه دمج بين أساليب القهر البربرية للاستبداد التقليدي وأساليب القرون الوسطى والأساليب الحديثة الأكثر تطوراً من الناحية التقنية والمنتجة في بلدان الشرق والغرب.
* حظي النظام قرابة 30 عاماً بدعم كامل من دول الشرق والغرب ومساعدة في التسلح وخوض الحروب الداخلية ضد الشعب العراقي والحروب الخارجية وفي مساعدة النظام للإفلات من العقاب بسبب ممارسته سياسات مناهضة لحقوق الإنسان والتعذيب والقتل الجماعي، رغم أن العالم كان يعرف بكل ما كان يجري في العراق تماماً. كما أنه حظي بدعم الدول العربية لسنوات طويلة حتى غزوه واجتياحه واحتلاله الكويت وتهديده لبعض الدول في منطقة الشرق الأوسط.
لقد تسنى لصدام حسين الحكم الفعلي في العراق قرابة 35 عاماً باسم البعث، سواء كنائب للرئيس أو باعتباره رئيساً مباشراً للجمهورية العراقية، وبادعائه منتخباً من الشعب بالرغم من رفض الشعب العراقي له ولنظامه الفاشي الدموي. ويمكن تلخيص أهم الأسس التي أقيم النظام الصدّامي على أساسها في النقاط المهمة التالية:
- اعتبار كل الناس في المجتمع، سواء أكانوا من الرجال أم النساء، أعداء محتملين للنظام الجديد الذي أقيم في العراق عبر انقلاب عسكري، وبالتالي يفترض هذا التفكير تطوير أساليب وأدوات اليقظة والحذر منهم جميعاً دون استثناء.
- من اجل حماية النظام من جميع الأعداء المحتملين لا بد من تكوين ألة عسكرية قوية وعقائدية قادرة على تدمير العدو المحتمل حال بروز شك بسيط به، حتى لو كان أقرب أقرباء رأس النظام، فالولاء بالأساس ليس للنظام بذاته بل لرأس النظام ومن خلاله للنظام الذي يقف هو على رأسه. لقد سعى لخلق أسطورة القائد الضرورة والتاريخي للأمة العربية والنموذج القدوة في كل شيء.
- من أجل حماية النظام يفترض تغييب كل أصحاب الفكر الآخر والناشطين في الحياة السياسة من غير أتباع النظام أو العاملين والعاملات تحت رايته، سواء بتصفية تلك التنظيمات أو الأشخاص بالتي هي أحسن ومن خلال تقديم الجزرة المناسبة، أو بالسجن والتعذيب والتدمير الكامل الجسدي لوجود صاحب الرأي والموقف الآخر. وفي هذا الموقف لا يوجد أي تمييز بين المرأة والرجل فكلاهما سواسية ويتحملان نفس العواقب من جراء حملهما للرأي الآخر. ومن الجدير بالإشارة إلى أن الذهنية الصدّامية، التي ساهمت بتعميق وتشديد الجوانب العنصرية والشوفينية والاستبدادية والقمعية في فكر البعث العفلقي، فهو فكر إقصائي واستئصالي للآخر، سوا أكان الآخر فرداً أم جماعة أم حزباً أم جماعة قومية أخرى أم حتى شعباً آخر.
- تعتبر كل مخالفة لقواعد النظام أو القوانين التي أصدرها بمثابة عدوان على النظام وعلى رأس النظام وبالتالي فالعقوبة تنزل بهم كما تنزل بالسياسيات والسياسيين المعادين للنظام أو المخالفين لرأي رأس النظام.
- يفترض العمل على كسب الناس إلى حزب النظام ومنظمات النظام، سواء أكانوا مستقلين أساساً أم أعضاء في أحزاب أخرى، ويفترض ممارسة جميع الأساليب لتحقيق هذا الهدف، ومنها العنف والقسوة للفرد، سواء أكان رجلاً أم امرأة، ولأفراد عائلته. إلا أن عضوية الحزب أو المنظمات المهنية التابعة له لا يعني الثقة بها، بل يفترض فرض الرقابة عليها وعلى أفعالها والتيقن المستمر منها. وقد أكد في خطبه له “إن كل العراقيين بعثيون وأن لم ينتموا!”. (عبد الخالق حسين، د.، البعث الصدامي والبعث المعتدل، موقع دويتشة فيله، DW، في 10/12/2009).
- وللوصول إلى مثل هذا الهدف لا يمكن الاعتماد على جهاز واحد، إذ أن الشك بولاء الأجهزة الأمنية ذاتها يفترض أن يبقى قائماً باستمرار لكيلا يضعف موقف اليقظة والحذر منها، خاصة وأنها تمتلك وسائل العنف في يديها أيضاً، وبالتالي لا بد من تشكيل أكثر من جهاز أمني متعدد الأغراض وأحدهما يراقب الثاني وهلمجرا، وتبقى خيوطها بيد رأس النظام ذاته وأقرب المقربين له من أفراد عائلته وعشيرته وناحية العوجة في تكريت (محافظة صلاح الدين).
- إن وجود التعدد في الأجهزة الأمنية غير كاف لحماية رأس النظام من المجتمع، فلا بد والحالة هذه أن يتحول جزء كبير من بنات وأبناء المجتمع إلى مخبرين للنظام الأمني الذي كونه، سواء بدفع رواتب لهم أم بالتطوع. على أن يكون عمل هؤلاء في مختلف المجالات والمستويات وأكبر عدد ممكن منهم، إذ بذلك يتم ربط هذه المرأة أو ذاك الرجل بالنظام وحركة عجلته واتجاهات تطوره. ويمكن لهؤلاء أن يرتبطوا بآخرين وبالتالي يمكن تحويل الملايين من البشر ممن لا يثق النظام بهم بأساليب وطرق مختلفة بالنظام وأجهزته الأمنية وغير الأمنية وبمنظماته المهنية. والهدف من وراء ذلك شد المواطنة والمواطن بعدة خيوط لا يمكن الإفلات منها ويبتعد عن كل نشاط يمكن أن يؤذي النظام بأي صورة من الصور.
- ولا يكفي ربط النظام بمثل هذه الخيوط الأمنية لحماية النظام من نشاط المناوئين له، بل لا بد له من السيطرة الكاملة على الجهاز والنشاط الاقتصادي في البلاد لكي يشعر كل إنسان في المجتمع بأنه محتاج للنظام في الحصول على رزقه وعلى حجم الرزق الذي يريد الحصول عليه. وتتم السيطرة بشكل خاص على أجهزة الإعلام كلها لضمان تربية المواطنة والمواطن بالأفكار والسلوكية التي يريده رأس النظام لأفراد المجتمع، إذ بدونها يمكن نشوء بؤر مضادة له. وقد وفق الاقتصاد الريعي النفطي الأموال اللازمة لربط عدد كبير من الناس ورزقهم اليومي بالدولة، وبالتالي منحه القدرة على التحكم بهم معيشياً وانتزاع تأييدهم له.
- وأكثر الأمور أهمية بالنسبة للنظام هي أنه يمنح الحرية لمن يشاء ويسلبها ممن يشاء في كل الأمور التي تمس المواطن وحقوقه المشروعة دولياً، ولكن من حيث المبدأ لا توجد حياة حرة ولا ديمقراطية بصورة مطلقة، إذ يفترض على المواطن إبداء آيات الخضوع والطاعة التامتين لرأس النظام وتعليماته في الحياة والعيش والعمل، وفي أوقات الحرب والسلام. وخطبه وتعليماته تعتبر قوانين وقواعد عمل ملزمة للناس، سواء أكانوا من الرجال أم من النساء.
- لا تكفي فروض الخضوع والطاعة لرأس النظام، بل يفترض العمل المتواصل على تمجيد رأس النظام والتسبيح بحمده. ومن هنا تعززت وأصبحت فعلاً يومياً، وهما العقاب لمن لا يلتزم بذلك، والثواب لمن يلتزم بذلك. فتبارت مجموعات من الشعراء والقاصين والكتاب والرواة وكاتبي المقالات الصفراء وناشري مطبوعات التمجيد عن الحياة الشخصية للدكتاتور وعن “أفعاله العظيمة!” من النساء والرجال التي ارتبطت بحصولهم على أوسمة وهدايا نقدية وعينية كالسيارات ودور السكن والحلى الذهبية والمعالجات الطبية باعتبارها عطايا القائد الضرورة للمخلصين والمخلصات له من أبناء شعبه، لكل المادحين والمداحات. وكان النسيان أو العقاب يشمل الآخرين ممن لا يقف مع فرق المداحين والمداحات.
- وخلال فترة غير قصيرة مارس النظام سياسة فرق تسد ونهج التحالف لضرب وتدمير طرف ثالث وهكذا استطاع النجاح في ضرب العديد من الأطراف بهذه السياسة. ولكن لم يكن العيب فيه وحده، بل العيب في الأطراف التي قبلت الوقوع في فخ التحالفات المؤقتة للتخلص من الآخرين، أو لقناعة بأن في مقدورها التأثير على وجهة سير النظام، رغم الدروس الماضية التي كانت قد أوضحت بعدم إمكانية الوصول إلى تغيير في طبيعة هذه المجموعة من القوى السياسية ذات الاتجاهات الشوفينية والعنصرية والاستبدادية. ومع أن القوى التي وقعت في حبائل النظام لم تكن كثيرة، إلا أنها كانت كافية لتعزيز مواقع النظام في فترات أحس بها بالضعف والحاجة للآخر وأضعفت مصداقيتها في أعين كثير من المؤيدين لها قبل ذاك.
- ومن أجل منح فكره وسياسته قوة دافعة وكاسحة هيمن النظام على أجهزة الإعلام السمعية والبصرية والمقروءة وعلى النشر والطباعة والمسرح والسينما بهدف التثقيف الكامل بوجهة البعث، وكذلك على مناهج التدريس في مختلف مراحل التدريس ابتداءً من الروضة وانتهاءً بالدراسات العليا.
- ووفق سياسات خارجية معينة مارسها النظام تسنى له ولفترة طويلة التحكم بعلاقاته السياسية والاقتصادية والثقافية مع أغلب دول العالم في فترة كان العالم ما يزال يعاني من عواقب الحرب الباردة بين الشرق والغرب أولاً، كما كانت سياسة دول العالم، التي تقوم على أساس المصالح وليس على المبادئ التي تضمن حقوق الإنسان والشعوب، وبالتالي كان النظام مستعداً لتلبية مصالح تلك الدول من خلال الثروة النفطية الهائلة من جهة، ومن خلال استيراد المزيد من السلع العسكرية والاستهلاكية بسبب امتلاكه لعوائد النفط الخام المصدر من جهة ثانية. وقد حققت الدول الكبرى وغيرها الكثير من الأرباح على حساب مصالح وحياة ومستقبل الشعب العراقي من خلال أسلوب وأهداف تعاملها غير الإنسانية مع النظام العراقي. هذا الواقع سمح للنظام التعامل الوحشي مع المجتمع العراقي ومع النساء العراقيات لأكثر من ثلاثة عقود.
- إن النهج العسكري العدواني والحروب التي أججها النظام البعثي نحو الداخل والخارج لم تتسبب في موت العسكريين من الرجال فحسب، بل وفي موت الآلاف من المدنيين بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى الحصار الاقتصادي الدولي، الذي نجم عن اجتياح واحتلال الكويت ورفضه الانسحاب منها، الذي أتى على حياة عشرات الألاف من المواطنين والمواطنات، لاسيما الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن خلال الفترة الواقعة بين 1991-2003. وكان الدكتاتور المتوحش صدام حسين يتحدى الناس، ومنهم النساء والأطفال الذين يعانون من الفقر والجوع والحرمان، من على شاشات التلفزة، حين كان يقول بأنه لا يعاني من الحصار الدولي المفروض على العراق، بل أنتم، لأنه يتناول لحم الغزال الذي يقوم باصطياده!!
- ومن الجدير بالإشارة إلى أن واقع الاقتصاد الريعي النفطي والموارد المالية الهائلة التي تساقطت على رأس النظام الدموي قد ساعدته في فرض الدكتاتورية والتسلط على الشعب، وبشكل خاص عدد من المسائل الأساسية: 1) هي التوسع في جهاز الدولة المدني والعسكري وربط الموظفين وعائلاتهم بالنظام من خلال الرواتب والامتيازات والمنح والعطايا؛ 2) بناء ترسانة عسكرية هائلة في العراق لم تكن للأغراض الدفاعية فحسب، بل واقتناء أسلحة هجومية حديثة، وإقامة صاعة عسكرية واسعة بمساعدة ودعم الدول المنتجة للسلاح، إضافة إلى سعية لإنتاج أسلحة دمار شاملة لاسيما الكيماوية والجرثومية؛ 3) وفرت له إمكانية التعامل الاقتصادي والعسكري مع الخارج لا في شراء تأييدها له بل ودعمها المستمر لنظامه السياسي الدكتاتوري؛ 4) التوسع في بناء قاعدة اقتصادية للقطاع الحكومي بهدف الهيمنة على مجمل العملية الاقتصادية وإخضاع القطاع الخاص له والهيمنة على المجتمع.
أساليب تعذيب النسوة في نظام البعث وصدام حسين
نتيجة كل ذلك أقام صدام حسين في العراق نظاماً دكتاتورياً يتميز بالقسوة والشراسة والسادية الدموية، نظاماً لا يميز بين الشيخ والصبي، وبين المرأة والرجل، وبين المريض والناصح، في التصدي لمن يشعر بأنه يشكل بهذا القدر أو ذاك خطراً عليه. وفي المقابل سكت العالم عن كل ما كان يعرفه من ممارسات إجرامية لهذا النظام سكوت أبي الهول. ولهذا السبب أيضاً تمكن النظام من البقاء فترة طويلة في الحكم. وبقي المجتمع العراقي إلى حين سقوطه عام 2003 يعاني من قسوة النظام وجلاوزته ومن سياساته وعقوباته ونشاط أجهزته الأمنية العديدة. والنسوة في العراق عانين من طبيعة هذا النظام ومن سياساته باتجاهات عديدة، فقد فقدن أقرباؤهن في الحروب الداخلية والخارجية وفي السجون والمعتقلات، وحرمن من حقوقهن المشروعة وجرى التجاوز حتى على حقوقهن التي ضمنها الدستور المؤقت للنظام. كما واجهن غضب النظام وقمعه الشرس بشكل مباشر عبر الملاحقة والاعتقال والتعذيب والسجن دون محاكمة والاغتصاب الجنسي والقتل تحت التعذيب أو الإعدام بمختلف الأسباب والأساليب.
لقد فقدت المرأة حقوقها البسيطة التي تمتعت بها قي ظل العهود والحكومات السابقة، وخاصة تلك الحقوق التي تمتعت بها بعد ثورة تموز 1958، وأصبحت من جديد تعاني من ويلات اضطهاد الرجل في البيت والذكور في المجتمع عموماً ومن الدولة بقوانينها وعقوباتها وسلبها كامل شخصيتها تقريباً.
لقد صادرت دولة البعث وصدام حسين حق المواطن العراقي في السفر إلى خارج البلاد دون تأشيرة سفر رسمية. والحصول على مثل هذه التأشيرة مقترن بمجموعة من العقبات الكبيرة أولها موافقة أجهزة الأمن والاستخبارات على سفر المرأة أو الرجل، حيث يمنع كل الأشخاص المشتبه بانتمائهم إلى حزب أو منظمة سياسية معارضة أو مشتبه بكون المواطن يحمل افكارا مخالفة لأفكار حزب البعث من السفر. ومما يزيد من صعوبات السفر حتى بعد الحصول على موافقة أجهزة الأمن عجز الغالبية العظمى من أبناء وبنات الشعب العراقي عن دفع المبلغ المقرر عن تأشيرة الخروج والتي تبلغ 400000 دينار عراقي أو ما يعادل 400 دولار أمريكي. وفي خضم الحملات الإيمانية الهستيرية للنظام أصدر القانون رقم 32 لسنة 1999. “فوفقاً لقرار مجلس قيادة الثورة البعثي وعلى وفق ما جاء بقانون رقم 32 لسنة 1999 الساري المفعول بالوقت الحاضر يشترط صراحةً موافقة ولي الأمر قبل بلوغ المرأة سن الأربعين، أما اذا كانت المرأة متزوجة فيشترط موافقة زوجها، واذا كان متوفياً ففي هذه الحالة يشترط ان تعرض شهادة وفاة زوجها إضافة الى وجوب تسجيلها في هوية الاحوال المدنية للزوجة. وبالنسبة لأطفالها يجب أن يكون لديها قيمومة وحجة وصايا وابرازها، وفي هذه الحالة أي إذا كانت ارملة فإنه لا ينتهي شرط الموافقة وإنما يجب في هذه الحالة موفقة ولي أمرها طالما انها لم تبلغ بعد سن الاربعين، وذات الشروط التي ذكرناها بالنسبة للمرأة الأرملة تنطبق على المرأة المطلقة وعليها ابراز ورقة طلاقها والتي يجب ان تكون مسجلة في المحكمة لا أن يكون الطلاق خارج المحكمة. ” وهي اخر موضة بعثية هدفها حرمان المرأة من حقها الطبيعي في السفر الذي كانت تمتلكه قبل ذاك. ومثل هذا القرار يعتبر إساءة كبيرة إلى سمعة المرأة ويقلص من حقوقها ومن حريتها التي كفلها لها حتى الدستور المؤقت البعثي. (أنظر: سفر المرأة دون محرم..بين القانون وآراء الناس، موقع وكالة نون الخبرية، في 22/11/ 2008)، يضاف إلى كل ذلك عدم السماح للأشخاص العاملين في المهن الحرة وكذلك الوزراء والموظفين السابقين من درجة مدير عام فما فوق بمغادرة البلاد إلا إذا حصلوا على ترخيص من الدوائر الأمنية وأودعوا مبلغا ماليا ضخما لضمان عودتهم، (المنظمة العربية لحقوق الإنسان. تقرير المنظمة.1997. مصدر سابق. ص 151). إذ في حالة منحهم موافقات على السفر يعتبر النظام أفراد عائلات المسافرين بمثابة رهائن لدى الحكم تُقتاد إلى السجون وتتعرض للتعذيب أو حتى القتل في حالة عدم عودة هؤلاء إلى العراق. والقيود الأمنية لا تشمل السفر إلى خارج البلاد فقط، بل تمتد أيضا إلى داخل البلاد، وبخاصة إلى منطقة كُردستان وعموم الشمال من جهة، وإلى منطقة الجنوب من جهة أخرى. وكانت نقاط المراقبة الأمنية منتشرة على امتداد الطرق بين بغداد والمدن الأخرى والجنوب أو بينها وبين الشمال ومنطقة كُردستان.
ولم تختلف أساليب التعذيب التي كانت تمارس ضد النساء عن تلك التي مورست ضد الرجال، فكن في هذا الأمر سواسية، إلا أن ما كان يصيبهن وهن حاملات مثلاً يفوق ما كان يصيب الرجل، إذ غالباً ما كن يفقدن حملهن بسبب التعذيب، أو يقتلن وفي بطونهن حملهن أو يلدن وهن في السجن ثم تتم مصادرة أطفالهن أو حتى يقتلون.
نشرت الكاتبة البريطانية جين ساسون في عام 2003 كتاباً جديداً باللغة الإنجليزية، ثم ترجم في نفس العام إلى اللغة الألمانية تحت نفس العنوان “ميادة ابنة العراق”. Sasson،( Jean.
Mayada Tochter des Irak. Blanvalet. 2. Auflage. München. 2003. S. 118).
يحكي هذا الكتاب قصة حياة سيدة عراقية من عائلة عراقية معروفة هي “ميادة نزار جعفر مصطفى العسكري”، حفيدة الشخصية القومية العربية المعروفة ساطع الحصري من جانب الأم (سلوى الحصري)، وحفيدة القائد العسكري العراقي ووزير دفاع أسبق في العهد الملكي جعفر مصطفي العسكري من جانب الأب (نزار العسكري). وفي هذا الكتاب تسجل الكاتبة البريطانية لوحة مريعة ومحزنة جداً لواقع النظام العراقي في فترة حكم صدام حسين وتضع القارئة والقارئ في صورة واقعية، ولكنها جزئية، لمعاناة النسوة في بعض معتقلات النظام العراقي وخارجه وعن جملة من أساليب التعذيب التي مورست ضدهن في معتقلات مديرية الأمن العامة (البلديات) في بغداد على أيدي جلاوزة النظام، كما تقدم لوحة صادقة عن سلوكيات بعض أبرز مسئولي النظام وأجهزته الأمنية. وضعت السيدة ميادة العسكري في الزنزانة رقم 52 الخاصة بالنساء. كانت الزنزانة قد صممت لتسع ثمانية أشخاص في الحد الأقصى، ولكن وجدت نفسها مع سبعة عشر امرأة. تفوح من هذه الزنزانة رائحة العفونة والبول والرطوبة وبرودة الأرضية الكونكريتية المسلحة. ثمانية عشر امرأة: سمارا وعلياء ورشا ورولا وإيمان وصباح ومنى وسفانة وسارا وجميلة وحياة وآسيا وأمان ومي وأماني وأنوار ووفاء وميادة. ليس بينهن سوى ثلاث نساء اتهمن بهذا القدر أو ذاك بالسياسة، إحداهن بعثية وأخرى متهمة بقربها من الشيوعيين وثالثة اعتقلت لأن زوجها وابنها هربا إلى تركيا خشية الاعتقال بسبب اتهامهما بالعمل مع الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية. أما ميادة فاتهمت في احتمال استخدام أحد العاملين لديها جهاز الاستنساخ في مكتبها في استنساخ بعض البيانات لقوى دينية شيعية. أما البقية فالاتهامات الموجهة لهن أما السفر بجواز سفر مزور أو فقدانهن جواز سفرهن واستخدامه من أخريات للسفر إلى خارج العراق أو حصول سرقة في الدائرة التي يعملن بها أو تلاعب مديرهن بحسابات البنك الذي كانوا يعملون به …الخ.
جميع النسوة المعتقلات في الزنزانة رقم 52 تعرضن للتعذيب الشرس يومياً تقريباً وبالتناوب لانتزاع اعتراف منهن بأنهن مشاركات في التهم الموجهة إليهن دون أن تكون التهم الموجهة لأغلبهن، إن لم نقل لجميعهن، صحيحة أو مستندة إلى وثائق دامغة، إذ لم يكن التحقيق سليماً من الناحية القانونية، كما لم يكن التحقيق سوى عملية تعذيب وإهانة واستباحة، وخلال عملية التعذيب كانت تطرح الأسئلة من الجلادين أنفسهم. بعض النسوة قضى ثلاث سنوات مثلاً وانتقل من معتقل إلى آخر إلى أن حط الرحال في الزنزانة رقم 52، وعانين من التعذيب بمختلف صوره وأشكاله في كل تلك المعتقلات، ولكن قمة العذاب كانت في معتقل الأمن العامة في البلديات. أغلب النساء المعتقلات كن من أتباع المذهب الشيعي، إلى جانب الكرد وميادة العسكري وهن من أتباع المذهب السني.
تصف الكاتبة البريطانية وصفاً دقيقاً وحزيناً لحالات من التعذيب التي تعرضت لها سارا مرة وسفانة مرة أخرى أو سمارا أو منى أو جميلة أو ميادة أو غيرهن من المعتقلات. كما كانت تنقل عن ميادة وصفها لحالة المعتقلين الآخرين من الرجال والنساء في الزنازين المجاورة. ففي نهاية الفصل الموسوم “جدو ساطع” الحصري، نقلاً عن ميادة العسكري، تشير الكاتبة ساسون إلى المعتقل الإسلامي أحمد المتهم بالوهابية، والذي كان يؤذن في الصباح الباكر أو يتلو آيات من القرآن بصوت مرتفع يصل عبر الجدار العازل بين زنزانته وزنزانة النساء فتقول:
“من خلال الجدار كان بإمكانهم سماع صوت الشاب الوهابي المتدين وهو يدعو إلى الصلاة بصوت مرتفع. وفجأة تحولت صلاته إلى صراخ. بلغت التوتر العصبي لدى ميادة إلى الحد قفزت من مكانها وتشبثت بذراعي سمارا وصرخت مرعوبة: “إنهم يقتلونه! إنهم يقتلونه!”
ردّت عليها سمارا بصوت منخفض قائلة: كلا، ولكن ما يفعلونه به هو أبشع من الموت، وبشكل خاص لرجل مسلم متدين.
لم تفهم ميادة ما كانت تعنيه سمارا، إلى أن سمعت، كيف كان الرجال يسحبون أحمد إلى الممر حتى وصولا به بشكل متعمد أمام مدخل زنزانة النساء. وبدأوا باغتصابه واحداً بعد الآخر. كانت ميادة في حالة ارتعاب. الاغتصاب البهيمي استمر حوالي ساعة واحدة، ثم سمعت ميادة، كيف كان أحد الحراس يضحك وهو يقول لأحمد: ” ريح نفسك. أنت الآن امرأة لثلاثة رجال ويجب أن تكون منذ الآن طوع إرادتنا”.
( Sasson، Jean, Mayada Tochter des Irak, Blanvalet 2. Auflage, München, 2003, S. 118, ترجمة النص من ك. حبيب).
وفي الفصل الموسوم بـ “التعذيب” تصف الكاتبة نقلاً عن ميادة حالة الزنزانة والنسوة المعتقلات وأساليب التعذيب التي كن يتعرضن لها يومياً، سواء أكان ذلك في الصباح أم في الليل، رغم أن عمليات التعذيب كانت تتم في غرفة التعذيب الخاصة ليلاً. مورس في الغرفة المهيأة لأغراض التعذيب من قبل جلادين ضخاماً غلاظ النفوس وبليدي الإحساس، قساة لا تعرف الرحمة طريقها إلى قلوبهم، يتلذذون ويقهقهون ويتندرون فيما بينهم وهم يمارسون الأساليب التي تؤدي إلى إصابة المرأة المعتقلة بالرعب والخوف والتشنجات العصبية بسبب عذابات التعذيب أو خشية الموت تحت التعذيب. كان الضرب المبرح بالسياط على الظهور أو الضرب بالعصي والسياط على باطن الأقدام أو الضرب العشوائي في كل مكان من أنحاء الجسم، وخاصة على العمود الفقري والرقبة، أو التعليق والضرب وتقييد الأيدي أو استخدام التيار الكهربائي على المواقع الحساسة من جسم المرأة وإنزال الصعقات التي تعرض الضحية إلى شتى أشكال العذاب والاقتراب من الغيبوبة أو السقوط بها فعلاً. كان التعذيب عادة يومية لا مناص منها، ولكنها كانت تتباين فيمن يسحب للتحقيق أو لمجرد التعذيب والتلذذ به. يجري التعذيب في أحيان غير قليلة والمرأة عارية تماماً بهدف إذلالها أو التمتع الجنسي السادي بعذاباتها وهدر كرامتها أو بعض الأحيان اغتصابها دون أن تجرأ المرأة المغتصبة جنسياً التحدث بذلك أو حتى دون أن يجرأن الأخريات من النسوة الاستفسار عن ذلك. ولكن كل الدلائل كانت تشير إلى حصول ذلك. وتحت سياط التعذيب سقطت جميلة جثة هامدة. كان فرك أعقاب السجائر المشتعلة في جسم الضحية، على الثديين والحلمة وفي البطن والظهر والساقين والمؤخرة حالة اعتيادية في عمليات التعذيب. وكان التعذيب يمارس بسبب اعتياد الجلادين على ممارسته دون الرغبة في الحصول على معلومات، إذ كان الجلادون يدركون أن ليست هناك معلومات يمكن الحصول عليها أو يمكنهن الإدلاء بها.
وتصف ميادة عبر الكاتبة البريطانية ما حصل لهن جميعاً حين جاء الجلادون واقتادوهن واحدة تلو الأخرى وبحركة سريعة جنوبية صوب غرفة التعذيب والصراخ يملأ الممر والقاعة التي وضعوا فيها وكيف بدأ التهديد بإطلاق العيارات النارية وكأن هناك من يريد قتلهن جميعاً. كانت الصورة مأساوية وكان الرعب قد سيطر على كل النسوة دون استثناء وكان الصراخ منهن يعم القاعة وكانت قهقها وزعيق الشرطة السرية المكلفة بحراستهن وتعذيبهن والتحقيق معهن يعلو كل الأصوات. كن قد تدافعن واصطدمت الواحدة بالأخرى في غرفة مظلمة لا يعرفن أين وماذا يراد بهن، ثم تم دفعهن إلى مؤخرة القاعة حيث فرض عليهن الوقوف جنباً إلى جنب ووجوههن صوب الحائط. ثم بدأت الشرطة بتهيئة البنادق الرشاشة وكأنهم يريدون رمي النساء. أيقن النسوة بأنهن يعشن آخر لحظات حياتهن، فبدأ بعضهن بالصلاة والدعاء وبعضهن الأخر يفكر بما ترك خلفه من أطفال وأمهات كبيرات السن.. الخ. وبعد عدة ساعات من هذا النمط من التعذيب النفسي والجسدي أعدن إلى زنزانتهن وهن أقرب إلى الغيبوبة والموت منهن إلى الحياة. هكذا كانت رغبة الجلادين في أن يتمتعوا بتعذيب النسوة على هذه الطريقة، إذ لم يكن لهم ما يقومون به غير ذلك النوع من العمل غير الإنساني والبشع.
لم يكن النظام العراقي قد مارس التعذيب ضد النسوة تماماً كما كان يفعل مع الرجال فحسب، بل زاد عليها بقطع رؤوسهن بحجة العهر والرذيلة، في حين كان النظام نفسه يغوص في العهر السياسي والرذيلة الفعلية واغتصاب النساء والرجال على حد سواء، إضافة إلى الفساد المالي والإداري.
لقد تميز نظام البعث العراقي، بقادته وأجهزته الأمنة وسلوكه الفعلي، بالعنصرية والشوفينية إزاء القوميات والشعوب الأخرى، كما تميز بالفاشية السادية والدموية. يكفي أن نشير هنا إلى أحداث مريعة نفذها نظام البعث ضد الشعب الكردي في عمليات الإبادة الجماعية ضد الشعب الكردي في إقليم كردستان العراق في عام 1988 حيث استخدم القتل الجماعي وتسبب في قتل وموت أكثر من 182 ألف مواطن ومواطنة من كردستان العراق وأغلبهم من الكرد المسلمين والإيزيديين، إضافة إلى المسحيين، كما استخدم السلاح الكيماوي في حلبچة حيث راح ضحية الإبادة الجماعية واستخدام السلاح الكيماوي والتغييب القسري والموت الألوف من النسوة والأطفال وكبار السن. ومثل هذا النظام لم يكن ليستحق البقاء لولا وقوف الدول الكبرى ولسنوات طويلة إلى جانب هذا النظام والاستفادة من نفط العراق وموارده المالية.
**********************************************************************
7-7
التمييز والقسوة إزاء المرأة في العراق في العهود المختلفة
المرأة في ظل النظام السياسي الطائفي المحاصصي الفاسد في العراق
“يمكن للمجتمعات أن تكون جاهلة ومتخلفة،
ولكن الأخطر هو أن ترى جهلها مقدساً”.
الفيلسوف البريطاني بيرتراند راسل
واقع المرأة في المجتمع في العراق
لم تكن معاناة المرأة في ظل النظام الاستبدادي القمعي البعثي-الصدامي إلا مغالاةً وإمعاناً في اغتصاب “حقوق المرأة وجعلها جزءاً هامشياً تابعاً وخاضعاً لسيادة الرجل وكجزء من اغتصاب حقوق الإنسان في العراق واستباحة حرياته وحقوقه الأساسية. إذ أن الأصل في كل ذلك هو موقف الرجل عموماً من المرأة في المجتمع العراقي. فالمعايير التي يعتمدها علم الاجتماع في التعرف على الموقع الذي تحتله المرأة في أي من المجتمعات البشرية كثيرة ومتعددة الأوجه، ومن خلالها يمكن التعرف على واقع ومستوى تطور تلك المجتمعات. ويمكن في هذا الصدد إيراد ثلاثة معايير جوهرية تعتبر معايير مركزية لاختبار موقع المرأة ومكانتها في مجتمع ما، وهي:
• طبيعة علاقات الإنتاج السائدة في هذا البلد أو ذاك ومستوى تطور القوى المنتجة المادية منها والبشرية فيه، بما في ذلك مستوى تطور التعليم والمهارة الفنية وتطور العلوم والبحث العلمي والحياة الثقافية والمعارف العامة، أو ما يطلق عليه اليوم بالتطور البشري أو الإنساني. وهذا يشمل المرأة والرجل في آن واحد.
• مستوى الحياة الديمقراطية ومدى وجود دستور ديمقراطي ينظم العلاقات في المجتمع ومدى تمتع شعوب هذا البلد أو ذاك بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وحرية أتباع الديانات والمذاهب في ممارسة تقاليديهم وطقوسهم الدينية والعدالة الاجتماعية. وهنا أيضاً لا فرق بين الرجل والمرأة.
• دور المرأة ومكانتها في المجتمع إلى جانب الرجل، وكذلك مكانتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومدى تمتعها بحريتها وحقوقها كاملة غير منقوصة من جهة، ومدى تمتع الطفل بالرعاية والحماية والتربية العلمية من جهة أخرى، إضافة إلى سبل التعاون والتفاعل بين المرأة والرجل في البيت والمجتمع وعلى مستوى الدولة.
وإذا حاولنا دراسة واقع المجتمع العراقي من خلال هذه المعايير، أي من خلال الربط العضوي فيما بين البناء التحتي للمجتمع والبناء الفوقي المهيمن عملياً لوجدنا الحقائق التالية:
1- لقد سادت في العراق العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية وتقاليدها وعاداتها، بما في ذلك العلاقات العشائرية التي تعود إلى حد ما إلى العلاقات الأبوية التي تسبق العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية في الريف، ولكن تعكس تأثيراتها وممارساتها البارزة على المدينة بشكل كبير وبشكل خاص في المجمعات المهمشة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً من قبل الدولة والمجتمع والمنحدرة من أصل ريفي فلاحي ولم تدخل عالم الصناعة والعلاقات الإنتاجية الرأسمالية. وهي علاقات تحترم المرأة نسبياً في داخل العائلة، ولكنها تحتقرها خارج إطار العائلة والمجتمع وتعتبرها ناقصة العقل وعاجزة عن التفكير والتصرف العقلاني وهي دونية ينبغي الحذر منها، إذ حتى عندما يأتي ذكر المرأة في حديث بين الرجال يرفقها الرجل “حاشاك!” أو “تكرم!”، وكأن المرأة شيءٌ محتقرٌ أو غير نظيف. وهو تعبير يحط من قدر الأنثى، وكأن الذكور يتحدثون عن شيء لا قيمة له بل أن ذكره يسيء للإنسان الذكر الذي هو “أفضل خلقاً وأكثر عقلاً وأوفر حصافة وأعلى قدراً من الأنثى في المجتمع”! ورغم أن قانوني الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 والقانون رقم 117 لسنة 1970 قد أجهزا على هذه العلاقات منذ فترة غير قصيرة من الناحية التشريعية والرسمية، إلا إن بقايا هذه العلاقات في الجانب الفكري والاجتماعي، ومن ثم السياسي، ماتزال فاعلة في المجتمع العراقي، لاسيما في ظل الواقع العراقي الراهن حيث يسود النظام السياسي الطائفي المحاصصي الفاسد في البلاد. إن الواقع القائم لا يحرم الفلاحات من القدرة على التعلم والتمتع بالثقافة وفهم أمور الحياة بشكل أعمق فحسب، بل وكذلك الذكور أيضاً، كما يشمل ذلك أوساطاً واسعة من الفئات المهمشة اقتصاديا واجتماعيا في المدن.
2- لم تكن الحياة السياسية في العراق على امتداد العقود الثمانية المنصرمة سوى حياة خالية من ممارسة النصوص الدستورية، سواء أكانت نصوصاً دستورية دائمة أم مؤقتة، رغم أن تلك الدساتير كانت تتضمن بعض المبادئ الديمقراطية، ولكن الممارسة العملية كانت تشير إلى عكس ذلك وخاصة في العقود الأربعة الأخيرة. فالمجتمع خلال فترة حكم البعث الصدّامي لم يعرف الحرية والديمقراطية واغتيلت بالكامل حقوق الإنسان وحريته وكرامته بصيغ وأساليب وأدوات شتى. وكانت حصة المرأة تمثل الجزء الأكبر من الحرمان والظلم والعذاب والتمييز المقيت في كل شيء. فإذا كانت حصة الرجل الزوج في الحروب حمل السلاح واللقاء بالموت يومياً، حيث سقط منهم مئات الألوف، فأن المرأة فقدت حتى ذلك الجزء الضئيل من الحرية التي تمتعت بها في العهد الملكي، وخاصة حرية الفئة الأرستقراطية أو الفئة المثقفة، أو في العهد الجمهوري الأول على وفق قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، رغم نواقصه غير القليلة. وتعرضت المرأة إلى الموت تماماً كما تعرض الرجل في إطار الاعتقالات والتعذيب والحملات العسكرية التي نظمها النظام الاستبدادي ضد الشعب الكردي والقوميات الأخرى في كردستان العراق والعراق عموماً، وضد عرب الأهوار والوسط والجنوب، أو ضد الأكراد الفيلية، أو في ولوج السجون والتعذيب والموت تحت التعذيب أو التهجير الإجباري بتهم التبعية لإيران. كما تحملت المرأة مع أطفالها معاناة كثيرة بما في ذلك جرائم الحرب وسقوط القنابل والصواريخ على رؤوس المدنيين في تلك الحروب القذرة وموت كثرة من البشر بسببها. لم تتمتع المرأة بحريتها واستقلالها الاقتصادي ونشاطها الاجتماعي ولم تُظلم من قبل الدولة والحكومة وحدهما فحسب، بل من قبل المجتمع، والذكور منهم بشكل خاص. وهي إشكالية مرتبطة بالعامل الأول. ورغم إن العراق قد تمتع بدستور جديد في عام 2005 فيه جملة من الأسس المدنية والديمقراطية، إلا أنه حمل معه جملة من المواد التي لا تجسد العقلانية والديمقراطية في وضع وصياغة تلك المواد، منها مثلاً الإسلام دين الدولة، أو لا يجوز وضع قوانين تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
3- فلو ألقينا نظرة فاحصة على المجتمع العراقي الراهن لصدمنا بردة فكرية واجتماعية وتخلف شديد يتجلى فيما يلي:
** تراجع فعلي في دور المرأة في الحياة الاجتماعية والثقافية وفي التأثير الإيجابي على المجتمع وفي حياة الأندية الفكرية والرياضية والمحافل الثقافية والفنية على نحو خاص.
** تراجع حقيقي للمرأة عن المشاركة في الحياة الوظيفية والخدمة العامة وفي النشاط الاقتصادي، وبالتالي تبعية فعلية لغالبية النسوة للرجل في تأمين لقمة العيش والمأوى.
** تراجع شديد في عدد الطالبات في المدارس والمعاهد والجامعات بما يعكس موقف الرجل من المرأة بالمقارنة مع نمو السكان. وكل المعطيات المتوفرة تشير إلى ذلك.
** انتشار البطالة بشكل واسع في صفوف الإناث أضعاف حجم البطالة في صفوف الذكور.
** التأثير الصارخ لشيوخ الدين الأكثر الرجعية وتشدداً، وليس لبعض شيوخ الدين الذين يقرأون القرآن والسنة قراءة سليمة عقلانية واعية لأمور الدين والدنيا والعصر الحديث والتغيرات الطارئة على هذه الحياة، وكذلك الجهلة والمشعوذين والسحرة واللاعبين بعقول كثرة من الذكور البسطاء والمسيطرين على عقول نسبة كبيرة من النساء وعلى تصرفاتهن وممارساتهن اليومية.
4- وقوع المرأة حبيسة الدار والمطبخ والعباءة المركبة والحجاب الخانق الذي لم يأمر به القرآن ولا السنة المحمدية ولا الخلفاء الراشدين ولا فقهاء الدين المدركين لأمور الدين والدنيا، بل بعض أولئك الذين قرأوا القرآن بالصورة التي يمكن أن تفهم باعتبار بعض الصياغات حمالة أوجه، وغير عقلانية وظالمة وعلى وفق ما يريدونه مسبقاً للنساء المسلمات. إنها تجسد الرغبة الجامحة لدى الرجال في الهيمنة على المرأة والغيرة غير العقلانية عليها، وهي تنطلق من وعي مسطح ونزعة جنسية ذكورية إزاء المرأة. إن من ينظر إلى المرأة المثقفة والمتعلمة في عراق اليوم، تلك المرأة التي كانت قبل عشرين عاماً قد وضعت العباءة جانبا، لاسيما في المدن الكبيرة كبغداد والبصرة والموصل والسليمانية، يراها اليوم قد عادت إلى عشرينات القرن العشرين، وهي أزمة فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية يعيشها الشعب العراقي وتعيشها المرأة بالذات، كما يلعب الإرهاب الديني المشوه دوراً كبيراً في كل ذلك، وهو ما يفترض مواجهته والتصدي له بكل حزم. تأمل ما جرى قبل أسابيع قليلة في مدينة حلبچة الشهيدة في إقليم كردستان العراق من احتفال بـ “تتويج ذهبي!” للمرأة بارتدائها الحجاب. فقد نشرت أجهزة الإعلام ما يلي: “احتفلت 1357 شابة من محافظة حلبچة التابعة لإقليم كردستان (شمالي العراق) بارتداء الحجاب، في حفل كبير أطلق عليه المنظمون “التاج الذهبي”.. وقالت منظمة التنمية لطلبة إقليم كردستان المشرفة على الحفل إن التاج الذهبي أحد مشاريعها السنوية، وهذا الموسم هو السابع له، مشيرة إلى أنها تقوم بتنفيذ الحفل كل عام في إحدى محافظات الإقليم لتقدير وتهنئة الشابات اللائي قررن ارتداء الحجاب.)! (أنظر: 1357 شابة في إقليم كردستان العراق يحتفلن بارتداء الحجاب، المنظمون أطلقوا على الحفل اسم “التاج الذهبي”، موقع الجزيرة، بتاريخ 13/02/2021).
وإذا كانت المرأة قد احتلت في ضوء قرار مجلس الحكم الانتقالي وقانون الإدارة العراقية المؤقت ثم في الحكومة المؤقتة والمجلس الوطني بنسبة 25% من المقاعد، فذلك جاء بتأثير المدنيين العلمانيين الديمقراطيين في قوى المعارضة العراقية السابقة وربما بتأثير مباشر وإيجابي من قبل بريمر، لا بتأثير المجتمع العراقي أو القوى التي لا تريد الخير للمرأة ولا للنخب الحاكمة الحالية. لأن قوى الإسلام السياسي وفي وقت مبكر طالبت وطرحت عبر أحد ممثليها البارزين عبد العزيز بن محسن الحكيم نص مشروع إلغاء قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وأقر هذا القرار، ثم أعد بريمر طرح الموضوع وتقرر نقض ذلك القرار وإبقاء القانون دون تغيير مع التعديلات التي أجريت عليه في فترات البعث والوميين ثم البعثيين اللاحقة. (أنظر: شعبان، عبد الحسين، د.، حقوق المرأة والخلاف في الجوهر، موقع الحوار المتمدن، العدد 4277، بتاريخ 16/11/2013).
يمكن هنا إيراد العشرات من الظواهر الأخرى التي تؤشر واقع تخلف المرأة في العراق وحرمانها من الدور والمكانة التي تليق بها باعتبارها النصف الأكثر حيوية في المجتمع والمسئول الفعلي عن إعادة إنتاج الإنسان مع الرجل. فالمرأة لها كل الحق في أن تكون نداً للرجل ومالكاً لكامل الحقوق والواجبات التي يتمتع بها الرجل دون استثناء وفي جميع المجالات. ليست مهمة المرأة الإنجاب فحسب، بل هي للحياة كلها بمختلف جوانبها ومستوياتها، وهي نبع الحياة وعلى النبع أن يمتلك الحياة بكل معانيها مع الرجل سواء بسواء.
على امتداد الفترة المنصرمة، أي خوض الحرب الخارجية لإسقاط العراق والوقوع تحت الاحتلال الأمريكي-البريطاني تشكلت في فترة مجلس الحكم الانتقالي وفي أعقابه عدة حكومات عراقية كانت الأولى برئاسة الدكتور أياد علاوي، بعدها كانت كل الحكومات بتحالف شيعي كردي وسني بقيادة حزب الدعوة الإسلامية الذي كان ومازال يقود البتي الشيعي الطائفي، ابتداءً من إبراهيم الجعفري ومروراً بالمستبد بأمره وبالشعب العراقي نوري المالكي، ثم الدكتور حيدر العبادي، ثم جزار الشعب العراقي عادل عبد المهدي، وأخيرا مصطفى الكاظمي، الذي يعد نفسه مستقلاً في حين أنه جاء بموافقة وتأييد البيت الشيعي الطائفي.
بسبب وجود وسياسات الاحتلال المباشر حتى عام 2012 أولاً, وبسبب السياسات الطائفية المحاصصية الفاسدة التي مارستها وما زالت تمارسها الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية وبتعاون مشبوه مع الأحزاب الإسلامية السياسية السنية ثانياً، ومن ثم التأييد والدعم والتدخل المباشر في شؤون العراق الداخلية من جانب حكام إيران، تعرض فيها شعب العراق إلى أصناف من الكوارث والمآسي المريرة، وكانت حصة النساء كبيرة حقاً في هذا المجال. وهنا نشير إلى أحداثٍ بعينها وبسرعة للتذكير بها لا غير:
** التعذيب بأساليب وحشية غير معتادة وتجاوز واغتصاب على المعتقلين من النساء والرجال على أيدي أجهزة الأمن الأمريكية في سجن “أبو غريب” حيث أتحولت إلى فضيحة كبرى ولطخة عار في جبين الولايات المتحدة وسلطة الاحتلال في العراق والقوى العراقية التي سكتت عنها وكانت تعرف بها.
** قيام عصابات تنظيم القاعدة ومنتجاتها في العراق بعمليات قتل جماعي عبر المفخخات والانتحاريين وإشعال الحرائق في الكنائس وغيرها إلى قتل عدد كبير من النساء والرجال.
** قيام الميليشيات الطائفية المسلحة التي تشكلت في إيران أو في العراق والتابعة كلها لإيران عملياً بقتل الأبرياء من الناس وابتزازهم أو اعتقالهم وتعريضهم للتعذيب والموت، سواء أكانوا رجالاً أم نساء. وكانت حصة النساء في الاغتيال والاعتقال والتعذيب والتغييب والقتل كبيرة حقاً.
** قيام أجهزة الدولة الأمنية بممارسة ذات الأفعال الدنيئة بحق المتظاهرين والمحتجين على نظام الحكم وسياساته، سواء بالاعتقال والتعذيب أو الاغتيال بطرق شتى.
** تسهيل إمكانية عصابات داعش الإجرامية، من خلال السياسات المعادية لأهل الموصل من قبل حكام العراق ورئيس الوزراء الطائفي حتى النخاع حينذاك على اجتياح الموصل ومن ثم محافظة نينوى وتعريض أهل المنطقة بالكامل إلى عمليات إجرامية هائلة. يمكن هنا الإشارة مباشرة إلى الإبادة الجماعية التي تعرض لها الإيزيديون إلى النزوح والتهجير القسري والإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية شملت كل الإيزيديين، لاسيما النساء والأطفال بالأسر، والنساء بالاغتصاب والبيع في مزاد النخاسة الإسلامي، كما شمل ذلك العائلات المسيحية والتركمان والشبك. لقد وقعت جرائم كبرى لم يحاسب عليها النظام ورؤوسه حتى الآن، كما لم تجر إعادة تعمير المناطق المحررة وعودة النازحين بسلاسة إلى مناطق سكناهم.
** وأخيراً وليس أخراً الجرائم التي ارتكبت في عهد عادل عبد المهدي أثناء حكمه في عام 2019و 2020 حيث سقط أكثر من 700 شهيد وأكثر من 27 ألف جريح ومعوق، نسبة مهمة منهم من نشطاء النساء ومن الصحفيات والفنانات والمسعفات…الخ.
وعلى امتداد هذه الفترة كانت رابطة المرأة العراقية على اتصال وثيق بالحركة المدنية، بل هي جزء طليعي منها، رافقت وشاركت في العمليات الاحتجاجية والمظاهرات المطالبة بحقوق الإنسان وبالخدمات العامة، لاسيما الطاقة الكهربائية والماء الصالح للشرب وفرص عمل للعاطلين والعاطلات وضد الفق المدقع والنهب والسلب لموارد البلاد النفطية والمالية، وكذلك تلك المطالبة بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل وشجب الاعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون والمتظاهرات طيلة فترة الانتفاضة التشرينية المقدامة وحتى الآن.
نحو تغيير موقف المجتمع من المرأة وموقف المرأة من نفسها في العراق
إن المجتمعات الغربية، رغم كل النواقص التي ما تزال المرأة تعاني منها، إلا أنها تمتلك حقوقاً يصعب على غالبية النساء العراقيات أن يحلمن بها، بسبب حالة القهر والحرمان والتخلف والظلم التي يعشن تحت وطأتها. وهذه الحقوق ناجمة عن اختلاف في الوقائع التي أوردناها قبل ذاك، إذ تسود في البلدان المتقدمة التي تسود فيها العلاقات الإنتاجية الرأسمالية، وهي مجتمعات مدنية تسودها دساتير وحياة ديمقراطية تحترم كرامة الإنسان وحقوقه وحرياته ما دام النظام الاقتصادي الرأسمالي غير مهدد، وللمرأة في هذه المجتمعات مكانة ودور كبيرين ينموان باستمرار، رغم نسبة عالية من المجتمع، لاسيما المنتجين للخيرات المادية إلى الاستغلال بسبب طبيعة العلاقات الإنتاجية الرأسمالية، وتفاقم فجوة الدخل بين ومستوى حياة ومعيشة الفقراء والأغنياء فيها، واستغلال الإناث فيها أكبر من استغلال الذكور حتى الآن واستمرار وجود جوانب تمييز صارخة أخرى بما في ذلك التمييز في الأجر إزاء العمل ذاته وعدد ساعاته، أو التمييز ضد السود من النساء، كما في الولايات المتحدة الأمريكية أز إزاء العمال الأجانب. ولكن المرأة تسير على خط نضالي متصاعد لانتزاع كامل حقوقها ومساواتها التامة بالرجل. وأول شيء تحتاجه المرأة هو التعليم بمختلف مراحله لتأمين القدرة على وعي ما يجري حولها والمشاركة في ذلك. إن المرأة في الغرب تحتل مواقعها في السياسة وفي قيادات الأحزاب وفي الوزارات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية وكذلك في المجالس النيابية على مختلف المستويات، كما أنها تلعب دوراً متميزاً في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وفي الحياة الثقافية والتأليف والنشر وفي مجالات العمل الإبداعي بمختلف جوانبه. ومع ذلك هناك الكثير من العوائق والمصاعب التي تواجه المرأة ومنها التمييز في بعض مجالات العمل والتوظيف والأجر والاستغلال والبطالة وانتشار ظاهرة العهر النسوي بسبب الحالة المادية لعدد متزايد من النسوة، وخاصة القادمات من أوروبا الشرقية. ولا شك في وجود فجوة كبيرة بين النساء والرجال لصالح الرجال في نسبة احتلال عالية جداً لمواقع الرئاسية والقيادية في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في الدول الرأسمالية.
إن ما ينبغي النضال من أجله في العراق في المرحلة الراهنة يتلخص في:
• تضمين الدستور مساواة تامة بين المرأة والرجل في كل الميادين والمستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والفنية والعسكرية دون استثناء. وهذا يتطلب إصدار قانون خاص يستند إلى لائحة حقوق المرأة الدولية، وإلغاء جميع القوانين المخالفة للائحة حقوق الإنسان ولائحة حقوق المرأة الدولية وتلك التي تستهين بدور المرأة ومكانتها في المجتمع أو تمارس التمييز ضدها.
• رفض أي شكل من أشكال التمييز إزاء المرأة وإدانته ومكافحته وتقديم من يمارسه إلى القضاء لمقاضاته.
• دعم جهود المرأة في مكافحة أمية كبيرات السن وخاصة في الريف، وكذلك النهوض بمستواها التعليمي والثقافي وقدرتها على مزاولة مختلف النشاطات الفكرية والثقافية والاجتماعية والفنية وتشكيل منظماتها غير الحكومية.
• دعم جهودها للحصول على فرص عمل وضمان استقلالها الاقتصادي وأجر مساو لأجر الرجل لعمل مماثل.
• حق المرأة في احتلال جميع المناصب في الدولة ابتداء من رئيس الجمهورية وانتهاء بالوزراء ورؤساء المؤسسات وكبار الموظفين والمستخدمين والقضاء العراقي ومجلس النواب والمجالس البلدية … الخ.
• تأمين فرص مناسبة لضمان مساعدة المرأة في تحمل أعباء تربية الأطفال مع الرجل ومن خلال فتح دور الحضانة ورياض الأطفال … الخ.
• إصدار قانون حرم تعريض الأطفال والصبية إلى الضرب في البيت أو المدرسة أو في أي مكان آخر وحمايته ومنع تشغيله وإلزامه بدخول المدرسة حتى نهاية الصف العاشر، نهاية الدراسة المتوسطة، وتامين الظروف المناسبة لنشأته على أسس صحيحة.
• احتلال المرأة موقعها المناسب في مختلف المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتخصيص نسبة مناسبة لها تقترب تدريجاً مع تطور دورها ومع نسبتها في عدد السكان.
• رفض القيود التي يراد فرضها على المرأة من خلال تطبيق الشريعة، التي هي من عمل الذكور بالأساس ومتباينة من مشرع إلى آخر ومن بلد إسلامي إلى آخر، ووضع قانون الأحوال الشخصية بما يتماشى والعصر الذي نعيشه والحقوق التي حققتها المرأة على الصعيد الدولي.
• رفض مبدأ تعدد الزوجات وحماية المرأة من اضطهاد الرجل وتطبيق لائحة حقوق المرأة الصادرة عن الأمم المتحدة بالكامل.
• رفض إلزام المرأة المسلمة بارتداء الحجاب أو العباءة، وتركها تمارس ما تريده ومساعدتها على الخلاص من أي قيد يحد من حريتها وحركتها وتنقلاته داخل وخارج الوطن ونشاطها ومشاركتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقوات المسلحة وقوات الشرطة وشرطة المرور والأمن الداخلي.
• تحريم التجاوز على المرأة أو ضربها وتحريم ما يطلق عليه “القتل من أجل غسل العار” ومعاقبة صارمة لفاعليه ومروجيه والمدفعين عنه، فالمحاكم المدنية هي المسئولة عن البت في مثل هذه الأمور.
إن مثل هذه البنود تستوجب إقامة دولة فيدرالية مدنية ديمقراطية حديثة تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات واحترام استقلالية القضاء والفصل بين الدين والدولة مع الاحترام الكامل لكل الأديان والمذاهب والأفكار والاتجاهات السياسية السلمية ورفض العنف في الوصول إلى السلطة أو فرض الرأي.
إذا كان هذا الجانب هو الأساسي في النضال من اجل انتزاع حقوق المرأة وتأكيدها تشريعاً، فإن المجتمع العراقي، وخاصة المرأة، بحاجة إلى نضال خاص مع المرأة ذاتها لإقناعها بأهمية تمتعها بحقوقها المشروعة وعدم الرضوخ لهيمنة الرجل أو القبول بالتبعية له. وهي عملية نضالية ليست اقل أهمية من الشق الأول، إذ أن القرون والعقود المنصرمة جعلت المرأة تعتقد بأن لا حقوق لها وأن الله قد كتب عليها العيش بهذه الصورة لا غيرها، وأن أفضل ما تقوم به هو إرضاء زوجها. إن النضال لتغيير هذه النظرة، لتغيير ما في النفس، أصعب بكثير من القيام بثورة ضد القيم القديمة البالية والراسخة في أذهان الناس. إن مهمة الرجال هو الاقتناع بذلك أولاً، والبدء بممارسته في البيت والمحيط الذي يعيش ويعمل فيه وفي عموم المجتمع، إنها عملية معقدة ولكن لا مناص منها.
كما أن من واجب المرأة الواعية لحقوقها وواجباتها في البيت والمجتمع والدولة أن تمارس النضال لإقناع النسوة اللواتي يعملن معها والمحيط الذي تعمل وتعيش فيه والمجتمع، إذ بدون ذلك لن نحقق النتائج المرجوة. علينا أن نعمل لإقناع النساء، كل النساء، بحقوقهن المشروعة والعادلة وبواجباتهن.
ويمكن لمنظمات المجتمع المدني النسوية ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية الأخرى أن تلعب دوراً كبيراً في هذا الصدد. والخطوة الأساسية على هذا الطريق تبدأ بالتخلص من الجهل والأمية التعليمية والثقافية والسياسية.
إن المجتمع العراقي افي ظل النظام الطائفي المحاصصي القائم غير مؤهل لبناء حضارة جديدة ويستفيد من حضارة العصر الجديد لتطوير قدراته وكفاءاته وتعزيز دوره للمساهمة في بناء الحضارة البشرية الحديثة، تماماً أو حتى أفضل من الدور الذي قام به المجتمع العراقي القديم في بناء أول حضارة إنسانية في هذه العالم الواسع الأرجاء. إن على الشعب العراقي مهمة قبول هذا التحدي الذي يفرضه العصر، والمرأة العراقية، سواء أكانت عربية أم كردية أم تركمانية أم آشورية وكلدانية، وسواء أكانت مسلمة أم مسيحية أم إيزيدية أم مندائية أم يهودية أم زرادشتية أم كاكائية أم أي دين أو مذهب آخر تؤمن به وتتبعه، ستكون في طليعة هذا الركب الإنساني الحديث. إنها ليست أمنيات فحسب، بل هي طاقات وإمكانيات كامنة يفترض تفجيرها بعناية كبيرة ورعاية تامة ووعي بالمسئولية التاريخية الملقاة على عاتق الجيل الجديد من الشابات والشباب العراقي، ولكنها تبقى مهمة الجميع.
إن قوى النظام السياسي الطائفي الفاسد القائم حالياً تسعى لفرض الظلمة والتخلف والتبعية على حياة ودور المرأة العراقية الذي تجلى بما طرحته من قانون للأحوال الشخصية الذي أطلق عليه بـ “القانون الجعفري”، نسبة إلى المذهب الشيعي، ونسبة إلى الإمام جعفر الصادق (83-148 هـ) الأمام السادس عند الشيعية الاثنا عشرية. وقد رفض هذا القانون ولم ينجحوا في رفضه بسبب نهوض حملة واسعة ناجحة حتى الآن لرفضه، ولكن لم يتحقق للمرأة ما تسعى إليه من قانون جديد يتجاوز ما تحقق في القانون 188 لسنة 1959. إن وحدة نضال المرأة العراقية بغض النظر عن قوميتها أو دينها أو مذهبها، من أجل حقوقها العادلة والمشروعة ومساواتها بالرجل أولاً، وتعاونها مع الرجل وتضامن الرجل معها ثانياً، ودعم الرأي العام النسوي العالمي لها في هذا النضال سيحقق النتائج المرجوة لحركة المرأة العراقية التي بدأن بها مجموعة رائعة من رائدات الحركة النسوية العراقية المقدامة، منذ قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1921، لاسيما في عقد الثلاثينيات وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومن ثم بعد تأسيس رابطة المرأة العراقية بتاريخ 10/03/1952 في بغداد وتحت اسم رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية وحددت أهدافها على النحو التالي:
1- نضال من اجل السلم والتحرر الوطني والديمقراطية.
-2النضال من اجل حقوق المرأة ومساواتها.
-3النضال من اجل حماية الطفولة وسعادتها.
كما تشكلت لها فروع في كردستان والمحافظات الاخرى، وأصدرت نشرتها الدورية باسم حقوق المرأة، ثم قبلت الرابطة في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي “أندع” كعضو عام 1953 .(أنظر: رابطة المرأة العراقية، عن الموقع الرسمي لرابطة المرأة العراقية).
هذه الرابطة النسوية المقدامة قدمت منذ تأسيسها، حيث نحتفل معها بالذكرى ألـ 69 لتأسيسها، وماتزال تقدم بجدارة، ما يؤكد تبنيها المخلص والتزامها الكامل بحقوق المرأة العراقية غير المنقوصة ومساواتها التامة بالرجل من حيث الواجبات والحقوق، فالتهاني الحارة بذه المناسبة العطرة، وبالذكرى السنوية المتجددة لعيد المرأة العالمي في اليوم الثامن من كل عام، لنساء العراق جميعاً ولنساء العالم ولرابطة المرأة العراقية.
يؤكد واقع العراق الراهن ضرورة خوض نضال إنساني نبيل وكثيف ودؤوب ومتعدد الأوجه تشارك تساهم فيه جميع منظمات المجتمع المدني و، ومنها رابطة المرأة العراقية، وجمع قوى الإعلام الديمقراطية والتقدمية والمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي ذات المنحى الإنساني الديمقراطي، التي تتبنى مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومنها حقوق المرأة وحقوق الطفل، والعدالة الاجتماعية ورفض الاستغلال ومختلف أشكال التمييز والعنف بمختلف أشكال ظهوره وممارسه، ومن أجل حقوق المرأة والسلام في العراق، خوض نضال من أجل التخلص من الأمية والجهل والتصدي الجريء ضد نشر الضلالة والظلامية والغيبيات والخرافات والأساطير المضللة، خوض النضال من أجل تنوير المجتمع حقوقياً وإعلامياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وفنياً وبيئياً، لأنه الطريق الوحيد لوعي ما جرى في العراق منذ قرون، أو على الأقل منذ بداية تكوين الدولة العراقية عام 1921 وما يجري اليوم في ظل هذا النظام السياسي الطائفي الفاسد والمقيت والمعادي فكراً وممارسة للمرأة وحقوقها، لاسيما حريتها وكرامتها ودورها الكامل في العائلة والمجتمع والدولة في آن واحد. شعب العراق بحاجة إلى كل الجهود الخيرة لكي لا يصبح الجهل مقدساً لدى بسطا الناس والمؤمنين، ولا يبقى العلم رذيلة لدى الجهلة من حكام العراق الحاليين والمرأة ناقصة عقل لديهم. لنزرع الأمل بالعمل في نفوس نساء العراق ورجاله ليخوضوا النضال المشترك من أجل عراق أفضل يستحق العيش به وتنميته وتطيره واللاحق بركب الحضارة الإنسانية.
الخلود والذكر الطيب لشهيدات الحركة النسوية والحركة الديمقراطية والتقدمية في العراق وكل شهداء الوطن، الخزي والعار لأعداء المرأة وسالبي حقوقها ومغتصبي إرادتها والمشاركين في اغتيال أو اعتقال وتعذيب وتغييب النساء العراقيات المناضلات. الحرية للمختطفات والمغيبات في السجون والمعتقلات. العزاء لعائلات الشهيدات والشفاء للجريحات منهن وكذلك الجرحى والمعوقين.
كاظم حبيب، الثامن من أذار/مارس 2021
ألواح سومرية معاصرةإذ تنشر مثل هذه الموضوعات والمعالجات وما تتناوله فإنها تتطلع لتداخلات وتفاعلات بكل اتجاهاتها من القارئات والقراء وفضل رؤاهن ورؤاهم جميعاً، كي نُعلي معاً من مكان ومكانة حملات التنوير ونشر خطاب الثقافة المتفتح بقيم التسامح والأنسنة.. ولنمنع ضخ التخلف ومنطق الخرافة في الذهنية العامة كما تحاول فعله قوى الظلام فنستعيد منطق التحضر والعقل العلمي في المنجز
*****************************************************************************
اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/
للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي
https://www.somerian-slates.com/2016/10/19/3752/