مراجعة أولية في استخدام بعض مصطلحات سياسية حقوقية نموذج التفاعل ضد التجاوزات والانتهاكات التي تقع في مجال الانتهاك والعدوان و\أو الأفعال المشينة التي تشوّه من يضطر للرد بتلك المصطلحات الحقوقية السلوكية.. مشكلتنا في تشويش هوية المطلح وحكمه بخلط استخداماته بصورة فوضوية عشوائية و\أو اعتباطية بلا ترتيب يعبر عن مستويات الفعل الأول القائم على الانتهاك والاعتداء… فكيف نقرأ المصطلح بهذا النموذج الذي نسلط ضوءا مجتزأً أو موجزاً عليه؟ وماذا يحدد اختيارنا ودقة اشتغالنا من مسار لعملنا بين الوضوح والتشوش؟
نستقبل يومياً أطناناً من الكلمات الاصطلاحية على ألسنة بعض من يظهر باسم محلل سياسي أو ممن يكتب في الصحف والدوريات. وهناك شخصيات لها باعها واجتهادها ومن ثم المنجز الموضوعي الرصين.. ولكن (الكم) الذي يخلط الأوراق هو ذاك الكم المنقسم على مجموعات فقسم اندفع يشتغل بكل الخطابات من دون تردد وبغير محدد و\أو اشتراط فيما قد يكون مبرره الظهور والاستعراض وقسم ولج الميدان مدفوعاً بأجر لقول ما عليه قوله بذاك المقابل وأفواج أخرى تتنوع دوافعها ومبرراتها. وسط هذا (الكم) ستجابهنا حالة فوضى التعبير وخطل استخدام المصطلحات بل يصدمنا أن تلك الفوضى واعتباطيتها وعشوائيتها قد تتأتى من أشخاص يعملون في الفضاء الأكاديمي!
كنت بمؤتمر مؤخراً يتناول إشكالية من إشكاليات منطقة الشرق الأوسط وتحديدا العراق.. وهالني ما استمعت إليه من استبدال مواضع دولة، نظام سياسي، حكومة ومدنية ومجتمع مدني وكيف نفهم العلمانية والديموقراطية حتى ضاعت محددات المصطلح في العلوم السياسية ومعجمها بل ضاع معها مجمل الخطاب العلمي بفروعه وجسور علاقةٍ باشتغال التخصص العلمي…
الكارثة أن من يقع بسلة (الكم) هو ممن يُسمى المفكر والمنظِّر ويحمل لا الدكتوراه بل والأستاذية! وأدعى للدهشة والعجب أكثر، أنَّه يدير أبرز مفاصل السلطة ومؤسساتها تلك التي تحتاج للضبط والربط والدقة العلمية في طروحات بدائلها ومعالجاتها المشكلات والمسائل التي تجابهنا…
قلت في نفسي لأكتب بضع أسطر تنبيهية؛ عسى أن تكون مجرد نماذج لتذكير من يعنيه الأمر، ليعمل و\أو يساهم في إعادة تنوير القضايا التي يتناولها بموضوعية وتدقيق معرفي عبر صياغة الخطاب علمياً وتوظيف المصطلح بدقة لا تقبل العشوائية والاعتباطية ولا التعامل سبهللة بلا ضابط.. ولعلي هنا اشير أيضا إلى بعض ناشطينا ممن استعجل أو يستعجل التناول باندفاع يكسر (أحياناً) فرص التدقيق!؟
إن اختلال المصطلح وعدم انضباطه بمعجم التخصص العلمي يدفع لشوشرة مضللة لا محال. ولهذا السبب أتحدث عن هذه الإشكالية بتمسك قوي بهوية الاشتغال المتخصص ومعالجاته التي تغادر التعميم والتسطيح أو استدعاء الغيري بغير موضعه. وهنا أشير من باب التمثيل لا التناول التشريحي إلى صياغات بيانات حقوقية و\أو سياسية من مثل توظيف مفردات الإدانة والاستنكار والشجب والفروق المعجمية الدلالية الاصطلاحية في سياقات المعالجة المخصوص…
فأما اصطلاح الإدانة فإنه يتأسس انطلاقا من الفعل دان فأدان بإضافة الهمزة وما ستعنيه من جهة الفعل وأثره.. وبعامة فإن بعض المرجعيات المعجمية تشير إلى المعاني المختزلة الآتية:
إدانة : مصدر أَدان .. وتشير إلى إلصاق التهمة بطرف محدد بعينه، وبإطار (المصطلحات الفقهية) فإن الفعل أَدان (المتهم) سيكون بين يدي القاضي بمعنى حَكَم عليه فيما أن تدين تَصَرُّفَاتِهِ الْمَشِينَةَ : يعني أن تشجبَها وقولك: أدانته الشُّرطةُ بما صنع يكون فيه القصد: أثبَتت الجريمةَ عليه
أما قولنا شَجَبَ مَوْقِفَهُ: فيمكن أن نقارب المعنى بإطار سياقي معين بكون المرء اِسْتَنْكَرَ الموقف إياه ويتضمن هنا كونه، شَجَبَ العُدْوَانَ والتجاوز بقصد ردَّهُ وأنهاه أو أهلكه إذا ما قلتَ شجب فلاناً، شجباً أي أهلكه… وهكذا فـشَجِبَ الأَثَرُ: ذَهَبَ به.. والشَّجْب إذاً هو: الاسْتِنْكَار وَالتَّنْدِيد بتحديد السياق الذي يدفع نحو هذا القصد وإلا فإنه متضمن معنى أو إفادة الإنهاء والتوكيد على المساهمة تضامنياً بأداء التصدي لأي تجاوز أو عدوان
وبتوظيف الفعل اِستَنكَرَ، يستنكر، ومصدره: استِنكارً واقعة أو ما اُرتُكِب من أمر فإن من يقوم بالفعل هو مُستنكِر، والمفعول مُستنكَر ولغرض التدقيق المعجمي والاصطلاحي يرد معجمياً؛ اِسْتَنْكَرَ عَمَلَهُ البَشِعَ قصده: اِحْتَجَّ عَلَيْهِ، و\أو اِعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِشِدَّةٍ وَعُنْفٍ.. ومن ثمَّ فإنَّ اسْتَنْكَرَ الأَمرَ سيشير إلى أنه استقبحه
وعليه فقولك عَبَّرَ امرئٌ عَنِ اسْتِنْكارِهِ لما حَدَثَ أو اُرتُكِب ستعني أنه عبَّر عَنِ احْتِجاجِهِ الشديد واسْتِقْباحِهِ للواقعة. فيكون بهذا المـسْتَنْكِرٌ لكُلِّ سُلُوكٍ سَيِّءٍ هو المُسْتَقْبِح، المُسْتَهْجِنُ لذاك السلوك المشين الذي يؤكد أسوأ معايبه مما يُستهجن ويستقبح منه
ومثل الشجب التنديد فـ ندَّد بالشّخص أو بطرفٍ بعينه: القصد فيها، صرّح بعيوبه، وشَهََّر بها أو فضح ذاك الطرف وسلوكه أو فعله علانية وبهذا السياق يكون التنديد بطرف إسماعاً له بشائن فعله ومعايب أو مثالب سلوكه ليس من باب التعداد سلبا بل من بوابة توجيه النقد إلى ذلك الأمر
إذن، بالمجمل سيكون الاصطلاح، عندما نقول: دان الجريمة القصد فيه، شخَّصَها ومَن ارتكبها وحكَم عليه أما شجب الجريمة فتعني فضَحَها وأعلن تضامنه، مع تضمن فعل الشجب لردِّ تلك الجريمة والعمل على إنهائها أو إهلاك ما تسبب بها والقضاء عليه.. فيما التنديد سيكون إشهار – أو إعلان عيوب منظومة قيمية معتدية فأسمع من ارتكب العمل المشين استهجانه وازدرائه… أما الاستنكار فهو احتجاج على فعل واعتراض شديد على وقوعه
إن هذا التدقيق يوجب عناية من يوظف كل اصطلاح وتناسبه مع الواقعة وسلامة تناسب الأداء مع حجم الواقعة \ الحدث ودرجة البشاعة والإيذاء ما يتطلب استخدام المصطلح المتناسب والتجاوز و\أو العوان بما يرتقي للأمر وهوية الرد المتناسب والجوهر سواء بحجم الرد ونوعه أم بقدرته على التعبير عن هوية من ينهض بالرد ومطلبه وتوجهه نحو حسم الموقف بمعالجة بديلة تُنهي الانتهاك \ الاختراق وتبعاته.ز بخلافه تترتب مشكلات قانونية من جهة وأخرى في هوية الفعل وتعبيره عن أصحابه
الموضوع للاستكمال .. اشير إلى محاضرة في العمل الحقوقي جرت يوم 7 نوفمبر 2020 بالخصوص
*******************************************
اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/
للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي
https://www.somerian-slates.com/2016/10/19/3752/