واجب كبح مآلات خطاب البلطجة وتكفير الآخر الذي انتقل لمرحلة تهديد الأمن الوطني والسلم المجتمعي
مقتبس: “ما ترتكبه قوى الفساد في العراق هو انتهاك صارخ لسلطة القانون ومصادرة للحقوق والحريات وإشاعة لخطاب الكراهية ونشر الفتن وتخندقات الاحتراب، والقصد إدامة الجريمة والتستر عليها بعناوين التدين وأضاليل القدسية المزيفة التي يتظاهرون بها.”
نتابع عن كثب، مجريات سجالٍ مفتعل ظهر مؤخراً على خلفية تصريحات عضو مجلس النواب السيدة هيفاء الأمين واستخدامها مصطلح (التخلف)؛ وإذا كان من حق جميع أطراف الرؤية التي طُرِحت، تأمين حرية التعبير عن وجهات نظرهم بشأن معالجة القضية المطروحة وصيغة أو صياغات التعبير عنها، فإنّه من غير الصواب قبول أية محاولة لمصادرة حرية التعبير من جهة و\أو استغلال ما جرى تصويره تأويلا وتشويها بطريقة رصدنا معاً؛ كيف هيّأ ذاك التأويل المتعمد، فرصاً مضافة، لصبِّ الزيت في نيران التشدد وإشعال مزييد حرائق في البلاد!
وبصرف النظر عن مناقشة حقيقة ما جرى طوال السنوات العجاف من تكريس ظواهر سلبية خطيرة بنيوياً في المجامع العراقي، تحديداً بـ((التجهيل وبإشاعة التخلف وآليات اشتغالهما))، فإننا هنا نوجه عناية السلطات العراقية، المعنية والمسؤولة رسمياً قانونياً، ونلفت النظر مجدداً إلى تداعيات غض الطرف عن الانتهاكات التي ترتكبها قوى ترى نفسها فوق القانون؛ وتتغلغل وسط البسطاء مرة باستغلال الفقر والبطالة حيث تصطنع مستفيدين يحيطون بها من جهة ومؤمنين بخلفية ادعاء العصمة وإسقاط القدسية على شخوص وحركات ترتدي جلباب التأسلم والتدين لتفرض الوصاية على مجمل المجتمع والدولة؛ منتهِكةً كل الأعراف والقيم السامية للمجتمع العراقي من جهة؛ مُصادِرةً القوانين وسلطة الدولة بتنصيب نفسها القاضي والشرطي في وقت يظل القول المأثور منطبقاً عليهم: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم!! إنهم ليسوا سوى الخصم المعتدي على الناس وحقوقهم وحرياتهم وعلى القوانين الناظمة للعلاقات والحياة العامة برمتها..!
إنّإطلاق صرخات العنف والتهديد بالتصفية ومحاولات فرض خطاب التكفير الذي دحره الشعب العراقي بطرده أحد قواه الإرهابية الهمجية، ممثلة بالدواعش، إنما هي صرخات تفعيل قوى تحاول ترهيب المجتمع ومصادرة حقوقه في الاستقرار والسلم الأهلي وفي سلامة مسيرة التنمية وما تقتضيه من أجواء التنافس من أجل أفضل برامج البناء وتوفير شروط أنسنة الحياة بالعمران وخطى التقدم لا بمشاغلة الناس بالحرائق المفتعلة وبالصراعات وفظاعات مخرجاتها..
إنّ أطرافاً عديدة عبرت عما تحدثت عنه السيدة الأمين بقصد الدفاع عن الإنسان وحقوقه، ولكن ذلك لم يُثِر حفيظة أولئك الموتورين ومن ساندهم من المنتفعين أو المضللين.. ولكن التصيد في المياه العكرة ومحاولات خلط الأوراق وفبركة الفخاخ واصطناع التأويلات وأشكال التشويش التي تستغل الفوضى والضوضاء وأصوات الصراخ العالية التي تحجب فرص الحوار الهادئ وتعطل العقل، إن ذلك ديدن تلك القوى لتمرير ما ترتكبه من مفاسد وأفاعيل تعيق الخروج من الأزمات التي يغرق فيها المواطن اليوم..
ومثل تلك الخطابات تقف بوجه تحرير المواطن المبتلى منذ زمن بعيد وتفاقمت أزماته اليوم حتى باتت نسب الفقر والبيئة التي يحيا فيها من النسب الكارثية التي تضعه بظرف لا يليق بالعيش الكريم! إن خطاب تلك القوى الظلامية المفسدة لم يوفر وسيبة مرضية همجية إلا واستخدمها من بلطجة وأشكال عنف فكري ومادي مسلح ليكرر اليوم خطاب التهديد والوعيد.. ومنطق (التكفير) لتجدد التمترس بخندق دعم الفاسدين والتغطية على فسادهم الذي خرَّب مجمل المشهد وشوهه بصورة مهولة..
على أننا إذ نسجل هنا موقفا تنويرياً واضحا ومسؤولا نجدد بثبات التوكيد على منطق الحوار والسلم الأهلي والالتزام بالقانون في دولة اختار شعبها أن تتجه لترسيخ قيم الحقوق والحريات وفلسفة الديموقراطية في مسارها. بخلاف ما جرى ويجري الذي تبقى فيه تلك الأحداث المفتعلة، مما يشخصه القانون كونه جريمة اعتداء صريحة سافرة في ضوء المعالم الآتية:
- إنّ ما جرى مثَّلَ انتهاكاً للقانون وسيادة الدولة بصورة تهدد الأمن الوطني والسلم المجتمعي.
- وهي أفعال صادرت وتحاول أن تصادر الحقوق والحريات وأولها حرية التعبير..
- كما فعَّلت وتفعّل خطاب العنف والبلطجة على حساب سلطة القانون التي من دونها لا وجود لأية فرصة يمكنها أن تلبي الحقوق وحماية الحريات كما تقتضي الحياة والعقد الاجتماعي في أي مجتمع و\أو دولة.
- لقد أطلق خطاب تلك العناصر ومن رافقها، العنان لخطاب (تكفيري)؛ شهد مجتمعنا كلفته الباهظة من تضحيات دفعها من دماء فلذات الأكباد، لطرد مجرميه الإرهابيين، ومن ثمّ فإنّ تلك الأفاعيل وخطابها يمثل تهديداً لحق الحياة بوصفه أول الحقوق وأعلاها.
- لقد أدَّت وتؤدي تلك الأفعال الإجرامية مهمة التستر والتغطية على الفاسدين وما يمارسون بظل منطق البلطجة ومحاولة إرعاب من يرفع صوته ضد ما يرتكبون.
- ولقد سوقت وتسوِّق اليوم لتكريس منطق تخريب الإنسان وإفساده وفرض القيم الاستهلاكية المادية التي تبيع به وتشتري، بما يحظر أي صوت يدافع عن الأنسنة والحق في حماية كرامة الإنسان وتوفير سبل عيشه لا نهبها.
- إن إشاعة الفوضى بتلك الأفعال يكرس محاولات التجهيل ونشر الظلمة التي تحجب الرؤية الحكيمة ولكن بصيرة أهلنا ستكشفها عاجلا أم آجلا وإن كان بكلفة ليست سهلة بوجود تلك العناصر المثيرة للفتن وأشكال التخندقات المجتمعية..
لهذا السبب وجب التنبه على ما يجري وعدم إغفال أو نسيان دروس التاريخ ومرجعية التجاريب التي عاشها المجتمع العراقي ومجتمع الناصرية وسوق الشيوخ منه تحديداً حيث يذكر الجميع حجم تضحيات قوى التنوير دفاعا عن أنسنة الحياة وعن الحقوق والحريات وهم يواصلون اليوم نهجهم لاستعادة الكرامة وتلبية مطالب أبناء البلد والمنطقة..
ويدرك الجميع أيضا، أنّ ثقافة حقوق الإنسان، لا تحيا في ظل العنف والهمجية العدوانية. ومن أجل حرق ورقة السلم الأهلي وتمكين عناصر الفساد من السطو على المشهد فإنّ تلك العناصر الشاذة ومَن يتبعها من المنتفعين، تمعن في إشعال الفتن التي تتقاطع حتماً وأيّ إمكانية لممارسة الحريات العامة والخاصة، ما يطيح بأي شكل للعدل والمساواة ويصادر فرص العيش في كنف مجتمع محمي الحقوق بالقانون وسلطته.
إننا مطالبون معاً وسوياً وجميعاً أن ندين أشد الإدانة الجرائم المرتكبة ليس لأنها تمس قوة وطنية شعبية بعينها حسب بل لأنّها أوسع من ذلك تؤسس لمنطق الانفلات من سلطة القانون وفرض سلطة البلطجة وسلوكها المنتهِك للقيم والأعراف المجتمعية. ونحن أصحاب المصلحة في الحياة الحرة الكريمة، ندين تلك الأفعال التي لا يراها القانون إلا بوصفها جرائم ينبغي أن يوقع عليها أشد عقاب قانوني، سواء بما ترتكبه عينيا مادياً أم بما تدفع باتجاهه من إرهاب المجتمع ومصادرة حقوقه في العيش الآمن الكريم.
وإذا كانت مقرات الحزب الشيوعي العراقي هي التي تعرضت للهجوم اليوم وهي التي تعرضت لمحاولة قمع حرية التعبير ومحاولة منعه من الدفاع عن حقوق الناس ضد المفسدين ونهبهم وفظاعات جرائمهم فإن ذلك إنما يعود لجماهيرية تلك المهام الحقوقية التي ينهض بها بصوته المؤثر. وهذا بالضبط ما حدا بقوى الظلام لتلك الإفعال الإجرامية لأنها إنما تخشى من مشاعل التنوير وأثرها، فتعمل على إطفاء الأبرز والأكثر تأثيراً فيها.. إنها تبدأ بأحد أطراف التنوير ولكنها تخطط لالتهام الجميع لا بصحن واحد ولكن بتسلسل يسهل عليها ارتكاب ما ترتكب..
غير أنّ أبناء الشعب عامة وأبناء ذي قار: الناصرية وسوق الشيوخ هم من حمل شعلة الحقوق والحريات مع وخلف قوى التنوير والديموقراطية وهم من ستنطلق منهم الردود العقلانية وخطابها المتمسك بالقوانين وبآليات اشتغال مؤسسات الدولة الحديثة وهم من ستنطلق منه نداءات وحدة الحركتين الوطنية الديموقراطية والحقوقية المدافعة عن تحديث الدولة ومنع تسليمها لخطاب تكفيري يمزقها أشىء تنهش بها كلاب الفساد..
من هذا المنطلق نرى أن مطلب الشعب اليوم بقواه المؤمنة بالسلم الأهلي وبحماية الحقوق والحريات، يتجسد في نطالب المطالبة، بتفعيل دور الادعاء العام والجهات القضائية لجلب المعتدين ممن هدد الأمن الوطني وحشّد ضد سلامة الوحدة الوطنية ومَن حمل شعارات إثارة الفتن وأطلق العنان لنشر خطاب التكفير، نعم لابد من حملة وطنية كبرى تطالب بجلبهم للمحاسبة القضائية وتطبيق الإجراءات القانونية كافة، على وفق منطق وجود الدولة وسيادة القانون فيها.. وألا يُترك الحبل على الغارب، وتُترك الأمور سبهللة، لمثل تلك العناصر أيا كان موقعها فذلك مقدمة لانهيار شامل وارتكاب فظاعات ربما تبدأ بشخصية فقوة سياسية ولكنها لن تنتهي إلا على حساب الشعب بكامل وجوده..
مطلب التنويريين الديموقراطيين هو تلبية حقوق الشعب العراقي وتأمين سلطة القانون بما يكفل فرص الدفاع الحر عن مسيرة البناء والتنمية وتلبية الحقوق، ودحر من هدد تلك الحقوق والحريات بتلك الحرائق التي يشعلون والانتهاكات الخطيرة التي يرتبكون ولعل النداء هنا يتوجه بمسار أول إلى السلطات الاتحادية مثلما المحلية ومسؤوليتهما الرئيسة في التعامل مع الأحداث كي لا تتكرر وكي لا تندفع لمستويات أكثر خطورة ومسار يتوجه إلى القوى العلمانية الديموقراطية أن تتحد وتتضافر ببرامج إنقاذ البلاد من مزيد حرائق باتت تلتهم الأخضر بسعر اليابس…
***********************************************************************
اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/
للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي
https://www.somerian-slates.com/2016/10/19/3752/