كتب الدكتور كاظم حبيب معالجة مهمة تحت عنوان: هل أخفق تكتل سائرون باختيار عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء؟ نضعها هنا في ألواح سومرية معاصرة تعزيزا للوصول إلى أبعد جمهور
“الاعتراف بالخطأ فضيلة وليس رذيلة”
حين يكون لتكتل سياسي عراقي واسع برنامجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً محدداً ومهمات ذات أهمية مباشرة وعاجلة، يفترض فيه أن يتم اختيار رئيس الوزراء على وفق تلك المهمات الرئيسية والأساسية واستناداً إلى معايير أو محكات معينة يكون الرجل قادراً على الالتزام بها وتحقيقها. ومن خلال برنامج وتصريحات قادة “سائرون”، ومنهم سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، نتابع تأكيد مجموعة من المهمات المركزية والجوهرية نشير إليها فيما يلي:
- مكافحة الطائفية السياسية في الدولة العراقية والتخلي عن المحاصصة الطائفية في الحكم وبنية مجلس الوزراء.
- مكافحة الفساد والبدء بالحيتان الكبيرة ومحاسبتها على وفق الدستور والقوانين العراقية.
- تأكيد سيادة العراق واستقلاله والتخلص من تدخل الدول المجاورة وغيرها في الشأن العراقي.
- التوزيع العقلاني لموارد الدولة والبدء بعملية التنمية التي تخفف تدريجياً من طابع الريع النفطي للاقتصاد العراقي.
- تحسين الخدمات ومكافحة البطالة والفقر في البلاد.
في الثاني من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018 كلفَ رئيس الجمهورية السيد عادل عبد المهدي بتشكيل مجلس الوزراء، وفي الرابع والعشرين منه قدم أسماء مجلس وزراءه إلى البرلمان، إذ صُوت على البعض قبولاً ورفُض البعض الآخر. فماذا حصل في العراق بعد مرور ستة شهور على تكليف رئيس الوزراء الجديد؟ من المعروف أن السيد عبد المهدي قد تقلد قبل ذاك العديد من المناصب الوزارية، كما كان نائباً لرئيس الجمهورية في أكثر من دورة. ولم يكن سجله مرضياً، بل كان مليئاً بالعثرات. وفي ضوء ذلك واستناداً إلى سيرته السياسية منذ أن كان بعثياً في أوائل الستينيات من القرن الماضي ومروراً بتنقلاته العديدة، وإلى أن حط به الرحال في حزب سياسي طائفي بامتياز أُسس في إيران في عام 1982 وعلى أيدي القيادة الإيرانية حينذاك، كما كونت له فيلقاً عسكرياً تحت أمرة الحرس الثوري الإيراني باسم فيلق بدر، الذي قاتل إلى جانب الجيش الإيراني في الحرب العراقية الإيرانية، أشرت في أول مقال لي نشر في الحوار المتمدن-العدد: 6044 – 2018 / 11 / 4 بعد اختياره ثم تشكيله للمجموعة الأولى من مجلس وزراءه ما يلي:
“من كان، أو ما يزال، يعتقد بأن السيد عادل عبد المهدي قادر على نزع عباءته الإسلامية الشيعية ودشداشته الطويرجاوية والظهور بموقع المستقل عن الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية التي اختارته لمهمة خاصة استثنائية فيها من التعاون والتنسيق والمساومة بين الولايات المتحدة وإيران، كان مخطئاً وحَّمل الرجل، المستعد للاستقالة فوراً في أول أزمة تواجهه، فوق طاقته وقناعاته الفعلية والمصلحية الراهنة.
منذ البدء كانت لي قناعتي الشخصية بعدم قدرة عادل عبد المهدي على تحقيق الاستقلالية في اختيار الوزراء بحكم متابعتي لمواقف السيد عادل عبد المهدي، الفكرية والسياسية والاجتماعية خلال السنوات الـ 15 المنصرمة، وهو أبن العائلة المنتفكية المعروفة التي عايشتها وأنا الآن ابن نيف وثمانية عقود من السنين، أولاً، ومن خلال كتاباته الكثيفة واليومية في جريدة العالم العراقية بعد خروجه من الوظائف الرسمية، إضافة إلى كتبه في الدعوة للاقتصاد الإسلامي ثانياً، ومن خلال مواقفه من المال والمنح المالية الحكومية الكبيرة التي كان ولا يزال يتلقاها سنوياً هو وأمثاله من قادة قوى وأحزاب الإسلام السياسي العراقية الفاسدة بصورة غير شرعية وخارج المألوف الإنسان والعدالة الاجتماعية ثالثاً، وكذلك في سياساته أثناء كان وزيراً للنفط أو على رأس وزارات أخرى، رابعاً، معرفتي بتقلباته الفكرية والسياسية قبل سقوط الدكتاتورية البعثية الغاشمة حين كان في العراق ومن ثم في فرنسا حين تبنى بعد الماوية والتروتسكية النهج الخميني في أعقاب ثورة الشعب الإيراني الديمقراطية، التي احتواها وحرَّفها الإسلاميون السياسيون باتجاه ديني شيعي متطرف ومتطلع للتوسع في المنطقة باسم الدين والمذهب خامساً.“
السؤال: ما الذي أُنجزه رئيس الوزراء العراقي خلال الشهور الستة المنصرمة؟
كل الوقائع الجارية على الأرض تشير بما لا يقبل الشك إلى ما يلي:
** مجلس الوزراء شُكل على أساس طائفي وقومي محاصصي بامتياز، ونشب صراع حول بعض الوزارات السيادية والأساسية بين القوى والأحزاب مثل وزارة الداخلية ووزارة الأمن الوطني ووزارة الدفاع على سبيل المثال لا الحصر، ثم مطالبة قوى طائفية تابعة لإيران والحشد الشعبي بمناصب “الداخلية والأمن القومي وقيادة الحشد الشعبي”، وإذ انحاز لها عبد المهدي في موضوع الحشد الشعبي لا يزال الوضع معقداً لمنصب وزارة الداخلية.
** وفي مجال مكافحة الفساد أعاد رئيس الوزراء تشكيل “المجلس الأعلى لمكافحة الفساد” وقال في كلمة تشكيله ما يلي: إن “الهدف من تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد هو تمكينه من اتخاذ الإجراءات الرادعة وتوحيد جهود الجهات الرقابية في سياق عمل جديد قادر على التصدي لأي جهة أو شخص مهما كان موقعه وأن نتصرف كدولة في كشف الفساد وحماية المجتمع والمواطنين والمال العام على حد سواء.” (راجع: حمزة مصطفى، عبد المهدي يشكل مجلساً أعلى لمكافحة الفساد في العراق، جريدة الشرق الأوسط،02 كانون الثاني/يناير 2019 م رقم العدد14645]]). “فماذا حدا مما بدا؟”
على وفق المعلومات المتوفرة وبعد مرور هذه الفترة قدم رئيس الوزراء أربعين ملفاً ثانوياً وليس تلك الملفات الساخنة التي تمس كبار المسؤولين في الأحزاب السياسية الإسلامية وفي قمة الهرم الحكومي خلال الأعوام المنصرمة. وهذا يعني دول لف أو دوران إن الرجل لم يلتزم بما يُفترض أن يلتزم به: وقد قلت في حينها إن دولة فاسدة بسلطاتها الثلاث لا يمكنها محاربة الفساد وتقديم الفاسدين للمحاكمة، لأن الحكام هم جزء من الفساد السائد كنظام قائم ومعمول به من قبل الدولة والمجتمع. وسوف لن يلتزم بذلك.
** أما في موضوع السيادة والاستقلال الوطني، فأن الشعب يستخدم التعبير التالي ” القضية لاگفة طين”، بمعنى إن الاستقلال والسيادة الوطنية مخترقتان من قبل دول الجوار، وبتعبير أدق من قبل حكام إيران، والآن حليف إيران الجديد قطر، وزيارة روحاني إلى العراق هي التعبير الأكثر وضوحاً في هذا المجال وما توصلا إليه من نتائج في غير صالح العراق. ويبدو أن إيران هي الدولة المهيمنة والعراق هو البنك الممول لإيران من جهة، ومرقد لموتى إيران من جهة ثانية، ومعبر للمخدرات وسوق لتصريف سلعها المصنعة وغيرها، إن العراق يعتبر اليوم دولة شبه تابعة! لا غير، وقلتها قبل ذاك شبه مستعمرة!
** أما الموقف من الفقرتين الرابعة والخامسة، فليس هناك أي تغيير فعلي في السياسة الاقتصادية والاجتماعية وفي عملية التنمية الوطنية، فالرجل الاقتصادي يقف وهو في الحكم بعيداً عن الاقتصاد ومحكوما بالتعهدات المقدمة لصندوق النقد الدولي أولاً، ولإيران ثانياً، ولتركيا ثالثاً، في أن يكون المستورد لسلعهما الصناعية والزراعية وتابعاً لهما، ويبقى دولة ريعيةً نفطيةً برغم مطالبات الشعب والقوى الوطنية. والخدمات تفوح منها راحة التخلف والعفونة والفساد وعدم التقدم خطوة واحدة إلى أمام. ويكفي أن نلقي نظرة على البصرة التي تفوح منها اليوم رائحة الخراب والرثاثة والمرض والمياه العفنة، وهي المحافظة الغنية بمواردها الطبيعية بنفطها وأرضها الزراعية وسكانها البواسل والمهمشين حالياً.
وقد كنت صادقاً حين كتبت، لمن كان يردد في محاضراته داخل وخارج العراق بأن عادل عبد المهدي هو الأفضل بين الخيارات الأخرى وإذا استقال يكون القادم أسوأ:
“أتمنى أن نبتعد عن محاولة إرضاء النفس والقول بأن تنصيب عادل عبد المهدي يعتبر خطوة إيجابية ضرورية بأمل رفض المحاصصات الطائفية ومحاسبة الفاسدين في الحكم والدولة العراقية، إذ سنتحمل قبل غيرنا مسؤولية مكاشفة الشعب بواقع الحال، لكيلا يفاجأ بما لا يحمد عقباه. فالشخصية المستقلة لا تأتي من وسط وقلب قوى الإسلام السياسي الطائفية التي حكمت وما تزال تحكم العراق حتى الآن، بل تأتي من الأوساط السياسية الوطنية المستقلة، وهي كثيرة وبعيدة عن الأوساط الحاكمة، والتي تمتلك العلم والاختصاص المهني والفني النافع للبلاد، وتعي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وبيئيا وخدماتياً ما يحتاجه العراق وشعبه خلال هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق المعاصر وفي المستقبل. فحتى الآن أصيب كل من راهن على عادل عبد المهدي بخيبة أمل، وأملي أن تتم مراجعة الموقف ومواجهة ما يسعى إليه حالياً عادل عبد المهدي.” (راجع: كاظم حبيب، الحوار المتمدن، هل في مقدور عادل عبد المهدي نزع عباءته الإسلامية المهلهلة؟).
من هنا يتبين إن تكتل سائرون، وعلى وفق تقديري وقناعتي الشخصية، وبغض النظر عن النيات الحسنة، إذ أن “الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الحسنة”، كان مخطئاً تماماً بالموافقة على اختيار عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء، لأنه شخصية إسلامية حزبية غير مستقلة حتى لو كان قد جمد عضويته مؤقتاً وشكلياً في المجلس الأعلى وتيار الحكمة. ويفترض أن يتم الابتعاد عن تكرار القول بـ “أنه كان ولا يزال الخيار الأفضل بين خيارات سيئة كثيرة”. إذ اعتقد بأنه الخيار الأسواء بين خيرات سيئة، لأنه يفعل ما يريدون تحت ستار الاستقلالية، وأنه الخيار الذي وافق عليه تكتل سائرون أيضاً، وبضمن سائرون الحزب الشيوعي العراقي!
**********
اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/