“النقدُ اللفظيُّ الدائرُ وتبادلهُ بين شخوصِ النظامِ، يُبعدُ الأنظارَ عن أخطاءِ النظام نفسِه وعن كونِهِ سببَ الكوارثِ ويمرّرُ جرائمَهُ الأبشع. وذلكم من أشكالِ تمييعِ الرد الشعبيّ المناسب.. فما العمل؟“
أميلُ إلى التعريف بالمصطلح الذي أعالج به مادتي تمهيداً لإيصال الرسالة، وربما اصاب ذلك وإن كان لا حاجة له فيمكن لقارئي تجاوز الأمر إلى ما يليه. وميلي هذا بقصد تعزيز وسائل التفاهم والتواصل، في زمن باتت أغلب الأمور ملتبسة أو مشوشة ضبابية بتعمد من أطراف لا تريد للعقل أن يشتغل بوضوح وسلامة وبصورة مباشرة باتجاه الهدف.
أما المناورة بمعنى المخادعة والمشاغلة فأريد بها كل فعلة ترتكبها عناصر المافيات والميليشيات بقصد إحباط جمهور العامة وقياداتهم و\أو كسب مواطئ أقدام أخرى لتكريس سلطة الطائفية الكليبتوقراطية. إنها أفعال لمخادعة الجمهور من جهة وتضليله وقيادته، بما يؤدي إلى إنجاز لبنة أخرى لصالح اللعبة الرئيسة في الصراع بين الطرفين…
ولا يدخل هنا بمقاصدي، وما أريد ذاك المعنى وإشاراته إلى دلالات التدريب، تحضيراً واستعداداً لمعركة كما هو معنى المناورة في الفعل العسكري، وإنما أحدِّدُ ما أريده من المصطلح ما يجري من ألاعيب مختلقة، قائمة على المخادعة والمراوغة من أعداء الشعب بغاية تضليله..
وفي الغالب، نجد مناورة القوى الطائفية يسيطرون عليها وعلى توجيهها؛ بما يستغلونه في مشاغلة المشتهدَف عن مهامه في التعرف إلى المجريات وحقائقها وتشخيصها وتحديد وسائل معالجتها.. وعادة ما تكون مناورات تلك القوى المرضية الظلامية منتفخة في قيم الاحتيال والمخاتلة والمخادعة بخطاب الدجل والأضاليل…
وبدلاً من انشغال الجمهور بالقضية الرئيسة الجوهرية تجري مناورة تدفعه إلى الانشغال عنها، والالتهاء بما يشتت ذاك التركيز ويقضي على نباهة مفيدة واجبة؛ حتى إذا خرج الإنسان الفرد\الجماعة من الفعل المختلق بقصد المناورة والمشاغلة وجد نفسه مرة أخرى وتكراراً يعيد الأخطاء والأغلاط فيقع بمزيد احباط ويأس من فرص نجاحه؛ بخلفية الحجم المهول من (الإفعال) التشتيتية المضللة…
إنّ المفسد المتستر بالتدين الكاذب لا تهمه الشتيمة، ولا السباب واللعن ولا ايِّ من الألفاظ التي لا تؤسس لفعل؛ ولهذا فإنّه مما يعول عليه مشاغلة الناس بمبادلته الشتائم واللعنات، وهي ببقائها بحدود الأداء اللفظي تكرس أفعاله وجرائمه ونظامه فيما تضيع قدرات الجمهور وتنظيماته على تبني خطى التغيير…
وبخلاف الانشغال بالقضية، بالتركيز على مفاتيح تشخيصها بدقة وموضوعية للانتقال إلى وسائل معالجتها، بخلاف ذلك، ينشغل البال بعيداً عن ميدان الجريمة وتُمرَّر مفردات أخرى منها، فترتكب تصفيات بشعة ولا يقابل ذلك أيُّ رد أو عقاب، لانشغال شتَّت صحيح الرد عند أصحاب المصلحة الحقيقية…
وبينما ينبغي أنْ يكونَ هدفُ الجماهير لاسترداد حرياتها وحقوقها، تغييرَ النظام الطائفي الكليبتوقراطي، يجري تشتيت تركيز تلك الجماهير وقياداتها باتجاه أفاعيل مضلِّلة بقصد المناورة والمشاغلة بعيداً عن الهدف الرئيس. ويتمترس النظام خلف مشاغلات كثيرة لإلهاء الجماهير وتحقيقاً للمناورة الأبرز التي يستغلها متجسداً بالآتي:
- مشاغلة بالطقسيات المختلقة بإسقاط القدسية عليها.
- مشاغلة بتبادل التشائم واللعنات وأشكال المسبّة المقذعة.
- مشاغلة بتبادل الاتهامات وتضييع تشخيص الجريمة والمجرم.
وإذا ما اكتفينا هنا بهذه المشاغلات ومناوراتها فإننا نعرف المشاغلة الأولى القائمة على تكريس خطاب الخرافة وآليات اشتغالها وملء حيوات الناس بمناسبات غالبها المطلق بكائيات تكرّس سمات الحزن والسلبية من جهةٍ ومن جهة أخرى تشيع الاستسلام لقدريات تراجيدية وتعطيل الإرادة البشرية عن اي فعل للتغيير والبناء والتنمية…!
فيما نجد الثانية، أو تبادل الشتائم مما يشيع في خطاب الظلاميين المتحكمين بالأمور؛ إذ لا محدد قيمي إيجابي يقف بوجه ذاك السلوك الكارثي وتصير حياة الناس ممتلئة بالسوقية وباستسهال تبادل الشتيمة والإهانة وهذا مما لا يؤثر في الطائفي المفسد ولكنه حتما يأخذ مأخذه من أبناء الشعب سواء في جرح الكرامة وكسر شوكة الاعتداد عند بعضهم أم في تشويه ثقافة العامة وتفريغها من الالتزام القيمي ومن ثم تفريغها من المواقف المبدئية السليمة الأعمق…
وحيثما مارس المرء شتيمة، يقرِّغ من غليانه واحتقانه ويمضي متابعاً تفاصيل يومه العادي وكأنَّ شيئاً لم يكن ناسيا بتلك اللعنات التي يصبها على خصمه القضية الأساس، قضية التغيير المنصب على النظام وفساده الكلي كونه السبب الحقيقي لمصائب المواطن \ الإنسان فردياً جمعياً..
أما كارثة المناورة التي يديرها الطائفي المفسد الحاكم، فهي استبدال استغلال ممارسة اللعنة والمسبة بممارسة تبادل الاتهامات بين أطراف النظام المتحاصصة للغنائم. فهنا يجري شخصنة الجريمة بتناسل ومكاثرة المتهمين بلا نهاية تحسم تشخيص المجرم بين كل تلك الكومة من المتهمين المختلقة بتبادل الاتهامات بين تلك الأطراف..
ولأن اللعبة متكاملة فإنّ من يميل لفلان الطائفي سيحتشد معه ضد طائفي آخر والعكس صحيح. فلا الطائفيين وقعت عليهم عقوبة جزاء ما ارتكبوا ولا نظامهم تعرض لفعل التغيير. وبجميع الأحوال يُبقي الطائفيون على مرجعيات بعينها خارج إطار التهم وتبادلها؛ طبعا بقصد أن تبقى القدسية تظلل على النظام وتكرسه وتدفع عنه احتمالات التغيير مثلما تحمي عناصره بطرائقها البائسة..
والقضية هنا، ليست مجرد لهاث آليّ خلف الحدث؛ وفي كل مفردة تُطلق الاتهامات. ولكنَّها ممارسة مخطَّط لها بتسريب بعض فضائح في اللحظات المحتقنة شعبياً أو في لحظة محاولة تمرير قرار وفعل من أفعال تكريس النظام وخطاه..
نحن اليوم أمام، محاولات تشتيت الأنظار عن أسس تشكيل الحكومة على وفق قوانين النظام الطائفية؛ ومن ثمَّ محاولة تمييع اي شكل يستهدف تلك القوانين بجوهر آلياتها واشتغالها بإبعاد التركيز عنها والمشاغلة بأمور ثانوية أخرى من قبيل تركيز على فضيحة أو جريمة فسادٍ وعادة ما تكون مقاسة بحدود يمكن أن يكون أثر المشاغلة كافٍ لإبعاد الأنظار..
لنتمعن بتوقيتات تسليط الأضواء على هذه الجريمة أو تلك أو على هذه المناوشات المقصورة على اتهامات سرعان ما يتجاوزها ممارسوها من عناصر النظام وسدنته بمجرد إطلاق ضوء أخضر من مرجعيات التغطية والتستر على النظام الذي يمثل رؤيتهم إلى العالم ومنظومة الحقيم والحكم في البلاد…
إنّ نظاما يسيطر على كل مفاصل الحياة والحكم يمتلك كل أدوات إطلاق المشكلات واختلاقها وبالتوقيات التي تريد؛ مثلما يجري من تمرير للتضاغطات بين المتحاصصين لاقتسام الغنيمة في الكابينة الوزارية ومثلما موضوع المليارات السبعة من العملة الورقية التي جرى إتلافها واستبدالها وعادة ما يجري تسريب الطُعم أو المصيدة والفخ بتوصيفات تثير ردَّ فعل حاد يمكنه جذب أوسع جمهور ومشاغلته كما يمكنه أن يوقع بعض قوى سليمة في فخ توجيه الأنظار بعيداً…
ولكن، قبل الاسترسال بتوضيح وشرح، أين قيادات التنوير من المناورات المخادعة المضللة؟ وأين شحذ الوعي تجاه العدو الحقيقي للناس ومن يستلب حرياتهم وحقوقهم؟
المشكلة باتت أعمق بوقوع بعضهم في المصيدة فمن جهة هناك إشاعة لأمراض الجهل والتخلف ومن جهة أخرى هناك انسحاب لقوى التنوير من الميادين الرئيسة والوقوع اسرى الميادين الثانوية للصراع..
وبكلتا الحالين هناك إضعاف لقوى التغيير وربما لا مجرد مشاغلة بل نجاح المناورة الطائفية في تجميد قوى التغيير والتنوير بتفتيتها مرة وبدفعها لأنشطة لا ترقى لمهمة استعادة (وحدتها واستقلاليتها) ومن ثمّ تكون الأبعد عن الفعل والفاعلية المنتظرَيْن منهم…
لقد انشغل قطاع مهم بموضوعة المليارات السبعة في لحظات يستمر فيها النظام الطائفي، بجرائم استلاب الوطن ثرواته والشعب حرياته ويتم ارتكاب جرائم تصفوية دموية هي الأبشع على مدار ايام السنين العضال العجاف…
ما الموقف من تسميم الإنسان والثروة الحيوانية وتجريف الثروة النباتية وبساتين خيراتها؟
ما الموقف من قضايا الجفاف والتصحر وإنهاء وجود مصادر المياه العذبة ومن الخراب البيئي وإنهاء الزراعة بالمطلق؟
ما الموقف من انهيار التعليم وتخريب الموجود وإشاعة الجهل والأمية وتعطيل التنمية البشرية؟
ما الموقف من خراب الصحة العامة وانهيار الخدمات الوقائية والعلاجية واستيلاد أجيال مشوهة أو عليلة؟
ما الموقف من نظام قضائي جرى تخريبه واسس عمله وقوانين كان ينبغي أن ييحتكم إليها؟
ما الموقف من السيادتين الداخلية والخارجية وتوفير الأمن الوطني والإنساني؟
وأسئلة تخص أمراض التشوهات الهيكلية في الدولة والمجتمع وليس من العوارض الناجمة عن منابع المشكلات والمعضلات من طابع النظام وهويته…
إن إدراك ذلك سيكون فرصة لتبني استراتيجية وتكتيكات تتناسب وطابع الصراع وضفتيه ضفة الشعب وتنويرييه وضفة أعدائهما وظلاميي نظامهم….
كما سيكون توفيراً لقدرات التركيز والتحصين ضد المناورات وألاعيبها وجسر وصل مباشر لا يصطنع وسائل الوصول للجمهور اصطناعا متكلفا يتوهم الوصول ولكنه لا يفعل بل فعله الوحيد مزيد تزكية للظلامي الإسلاموي وأداة بيده ضد الشعب!
فهلا درسنا الفعل بنماذج وأمثلة يمكنكم هنا تسجيلها فضحاً لها في ضوء ثوابت الصراع ومبادئ الكفاح ضد الاستغلال والاستعباد؟؟ مرحبا وأهلا وسهلا باشتغالاتكنّ واشتغالاتكم ضد المشاغلة، المخادعة ومضامين المناورة التي تديرها قوى الطائفية ومن يقف وراءها.
تناسل الأزمات المختلقة المفتعلة، مصيبة من مصائبنا المتكاثرة حدَّ تلبدِها غيوما سوداء لتنهمر على الفقراء سيولا عاصفة جارفة واللعبة مستمرة في واد وصداه الضاحك على الذقون… أفلا تبيَّنا الرشد من الغي!؟ سؤالي إلى جمهورنا الأوسع استنطاقا لحكمة تجاريب العيش التي تمضي بها سفائنه واستقطابا للضمير؛ إذ سد حاجة الجوع ليس بالركوع ولا الخضنوع بل بثورة تحرر فتغير.. |
المناورة باختلاق الأزمات وأثرها في تمرير جرائم النظام
بيين تعريف المصطلح تنويراً وتمكيناً من فهم أصل المشكلات ومعاني تأزيمها وبين عمق التجاريب التي تمضُّ جراحها في عمق جسد الوطن وروحه؛ يبقى الشعب وحكمته ويبقى الإنسان وفطنته أساس غيقاف ما يجري بالانتفاض على ذاته وتبعيتها لمرجعيات خاطئة في السياسة والدين والحياة بكل تفاصيلها ومحاورها إذ الصل مرجعية العقل وعلمية خطابه لا دجل الخرافات وترهات التقليد التي لن تودي إلى شيء غير مزيد استعباد وإذلال وحرمان قبيل ترحيل العبد الذي يذوي إلى عالم الأبدية! ثوروا للكرامة وللحقوق والحريات أولا بدواخلكم وثانيا ضد قيودكم وكل تلك الترهات التي تفرض نفسها وكيلة حصرية للإله هي مجرد وهم وأضاليل تبرر مصائبكم ولكنها لن تزيلها بل تواصل تكريسها.. أفلا تنبهنا!؟