الحقوق بين المدافعين عنها ومستلبيها
مقتبس من المعالجة: “يمتلك حماة الحقوق إرادة الانتصار ولكن عدم تكافؤ موازين الصراع تمنح سلطات الطائفية والفساد فرص إدامة مصادرتها وإضعاف قدرات استعادتها.. ما يتطلب الثبات ومتابعة الكفاح لوقف نزيف مزيد منها.”.
في أسباب التلكؤ وإهمال الخطوات التي تستكمل الحملات الحقوقية وتستثمرها آلية ناجعة، انتصاراً للحقوق؛ أضع تصوراً مقترحاً ولأرجو متابعته بتفاعلات ترتقي بالمعالجة إلى حيث الأفضل والأنجع؟ |
من البدهي أن يكون ميزان الصراع مائلا في لحظة تاريخية لصالح من يتحكم بدفة السلطة؛ وهو يندفع أكثر حدة مع تكريس منظومة قيم السلطة، بخاصة في مثل نظام (طائفي مافيوي) لا يرعوي عن ارتكاب أعتى الفظاعات الإجرامية بوساطة أذرع بلطجته الميليشياوية وآليات العنف المافيوية بعصاباتها المنظمة.. وهنا تحديداً تميل الأمور ضد أشكال النضال الوطني والإنساني وتُستباح الحقوق والحريات لأبعد الحدود!
إنّ الشواهد ماثلة للشعب من جرائم الاختطاف والاغتصاب والاغتيال والتصفية الدموية لكل تعبير عن قيم إنسانية لا يرضاها تحالف قوى الطائفية الحاكم على سبيل المثال تصفية كل ما يمت لصلة بالجمال والعناية بمظهر الإنسان سليماً معبرا عن العصر ونموذجه والأنكى والأخطر تصفيية العقول التنويرية وإغلاق نوافذ اشتغالها مثل المسارح ودور السينما والمنتديات الإبداعية الثقافية وتلك الناشطة في الدفاع عن الحقوق والحريات كما يجري اليوم مع كل ناشطات الحركة الاحجتاجية ونشطائها!
إنّ بديل حركة الشعب والحل الأنجع يكمن في وجود هيأة أركان حربه (السياسية) السلمية التي تنظم مكونات الشعب الطبقية الفئوية من عمال وفلاحين وطلبة ونساء وحركات سياسية وحقوقية. وشرط نجاح (التنظيم\ التنظيمات) هو أولا وحدتها وثانيا استقلاليتها ثم يأتي موضوع وضوح برامجها وتركيزها على أولوية رئيسة لا تقبل التشتيت وإنما تعزيز قوة الاشتغال والاستثمار بحسابها بدقة العقل العلمي التنويري.
وخارج مثلث محددات الحركة الشعبية بوحدتها واستقلاليتيها ووضوح برامجها، لا يمكن لطرف أن يرمي أيّ من عناصر الحراك الشعبي السياسي والحقوقي بعدم النزاهة أو الخيانة والتخلي عن المهام النضالية، لمجرد الاختلاف في الرؤى ووسائل الحراك…
لكننا لا يمكن أنْ ننكر أنه في ظل تسيّد منظومة قيم الإسلام السياسي باختلاف أجنحة هذا التيار، سواء التسيد بالتضليل الذي يستغل التجهيل والتخلف أم التسيّد باستغلال عنف البلطجة المستخدم ضد اي أنشطة تنويرية تحررية، أقول لا يمكن أن ننكر حقيقة الارتباك الجاري في اشتغال نشطاء الحركة الاحتجاجية إذ أن قوى السلطة (الإسلاموية الطائفية الفاسدة) قد اكتسبت خبرات تكريس وجودها وتفعيل تفشي أمراضها وأوبئتها بما قد ينال من بعض النشطاء وتوجهاتهم…
أقصد أنَّ تمزيق أوصال التنظيمات وتشتيت الشمل وتشظيته يوقع الناشطات والنشطاء في حيرة أو يصيب بعضهم بما يؤدي إلى قرارات تقع في التلكؤ والتردد مما يسمونه تبريراً توقفات للمراجعة والتفكر والتدبر! فيما الحقيقة أن طابع الصراع لا يسمح بمثل تلك التوقفات التي منحت دائما السلطة الأفسد فرص التمترس وقلب موازين الصراع لمهاجمة الحركة الاحتجاجية السياسية والحقوقية..
المشكلة أن هذا دفع بقسم واسع من أبناء الشعب لاحباط من تكرار الحراك وليأس ومزيد انكسار واحباط من الحملات الحقوقية وإمكان تضغط دفاعاً عن حقوق من الحقوق.. والأبعد أنّ تبادل التاثير السلبي يتواصل بأن يُحبط (بعض) ناشطين من متابعة حملاتهم وما أن يطلقوا حملة دفاعاً عن حق من الحقوق ويجدوا أنها لم تحظَ بجموع أصحاب المصلحة في تلك الحملة حتى (يتخلوا عن) أو يتركوا متابعة الحملة لاستكمال تفعيلها وحصاد ما ينبغي منها باستعادة الحق أو نسبة منه..
وعلى سبيل المثال لا الحصر، (حملة التظاهر) الاحتجاجية لأهل البصرة إذا ما أخذنا مطلبا حقوقيا بالتحديد من مطالبها وأهدافها، سنجدها أنها لم تستطع (تأمين) مطلب حماية (صحة) البصريين ضد (التسمم) بالمياه الملوثة وساهمت مختلف فرق النظام الظلامي في إيقاف الحملة بالعنف من جهة وبالتضليل الذي اشتركت به (مرجعيات دينية) ومن ثمَّ بالاستفراد بالناشطات والنشطاء وإيقاع أفدح الخسائر وسطهم من اعتقالات واغتيالات وأشكال اختطاف وتصفيات دموية! كان البصريون انتفضوا ضد جريمة (تسميم) أدخل في إبادتهم يوم كانت الجريمة في بداياتها لكن ماذا نرى اليوم الجريمة تتسع وتتعمق بشكل فادح حتى وصلت الإصابات لا عشرات ومئات بل بما تجاوز الـ120 ألف حسب الإحصاءات الرسمية ولا تفاعل ولا حل من جاني السلطة ولا صوت من المرجعية التي ساهمت بلغة التعمية وضرب الحملة وإخماد صوتها!!!
ويمكننا أن نتحدث عن حملات المطالبة بتوفير (العمل) للعاطلين وحملات الدفاع عن البيئة وعن الكهرباء وعن حصص المحافظات المائية وعن سلامة التعليم وتوفير إمكانات هذا الحق الرئيس مثلما الصحة والأمن والأمان، ولكن لا شيء من تلك الحقوق يتم مما لا نستغربه على ممارسات القيادة الطائفية المفسدة وسلوكها ولكن كيف تتراجع وتخبو المطالبة بحق من الحقوق!؟ وكيف تنتهي الحملات من دون تحقيق مطالبها!؟
إنّ ظاهرة خفوت صوت الحملة الحقوقية تحديداً، تظل موضع خطر يعمّق الاحباط والانكسار في إمكانات التغيير السياسي الأشمل. ويدفع لعزوف عن ممارسة المطالبة والعيش على كفاف ما يصل وسدّ (بعض) الحاجات بطريقة ملتوية إن لم نقل عنها فاسدة على طريق الكل يحصل على مطالبه بآلية الفساد المفضوح فلماذا تموت عائلتي من دون الوصول لمطلب من مطالبها بـ(أية) آلية كانت..؟ وإذا كان هذا يسد (حاجة) مادية عابرة فإن نتائجه لا تقف عند ذلك المادي العابر ولكنه يمهّد لاختلال (قيمي روحي) خطير يصير فيه الفاسد مكرَّما ممدوحا كلما ازداد ((شطارةً)) في الكسب بتلك الآلية المشوهة المريضة!
لكن لنعد إلى الحقوق بين يدي المدافعات والمدافعين عنها.. ولنرصد فريقاً منهن ومنهم أطلق حملةً بمطلب بعينه، وهو أمر مازال حيا وسليما يمارسه كثير ممن يتحدى حال السكون والانكسار.. ولكن، كم نسبة الحملات التي أُطلِقت تمّ متابعتها!؟ مثلا تم إيصالها إلى الجهات والمنظمات المحلية والدولية وتم استحصال تفاعل أو موقف تجاهها!؟
إنّ كارثة الحملات الحقوقية وغيرها تكمن في مقبرة هزال (المتابعة) لاستكمال مهمة الحملة في تعزيز الضغط والتأثير وفي انتزاع الحق.. وكثرما نجد من يطلق الحملة دع عنك من يوقع عليها لا يتابع مسار الخطى التالية بعد إطلاقها وتوقيعها وحشد جمهور حولها.. وبالنتيجة نجد أن عدم المتابعة هي عملية لا تقف عند قتل الغاية من الحملة أي مطلبها بل تندفع أكثر لتقتل روح العمل الجمعي والمسؤولية المجتمعية التضافرية التعاضدية لأنها تصير غير ذات جدوى وتصير مجرد ممارسة بلا منتهى جدي مثمر..!
لهذا فإن متابعة خطوات الحملات بوضعها بتسلسل صحيح الإطلاق والإشهار والحشد للتوقيع من طرف المعنيين بالمطلب وإيصالها إلى الجهات المعنية وتحديد أسقف زمنية لقبول الإجابة من المستهدفين بتلبية المطلب ثم تحديد بدائل بحال عدم تلبية المطلب هي أمور واجبة وملزمة للحركة الحقوقية ومن ينهض منها بمهام إدارة الحملات دفاعا عن الحقوق والحريات…
بينما على الضفة الأخرى حيث نتجه إلى مستلبي الحقوق، فإنّ أولئك يعملون في ظل نظام يوفر الغطاء لما يرتكبون؛ فماذا يكون الموقف منهم؟
الصائب هنا هو البحث عن وسائل المقاضاة واستخدام مراحل التقاضي كافة حتى منها الانتقال إلى القضاء الدولي في بعض الحقوق والمطالب.. وعلى سبيل المثال لا الحصر مما يخضع لإمكان التقاضي خارج المحاكم المحلية هو الدعوى بشأن جريمة الإبادة التي تتعرض لها الأطياف العراقية (القومية والدينية) المسماة أقليات ظلما وهي مازالت لا تجد حق أمنها وأمانها وحقها في المساواة حتى أن الدستور يحظر على أتباعها فرصة الحصول على الوظيفة العامة! ومن القضايا وأمثلتها جريمة تصفوية بحق أهل البصرة وغيرهم من العراقيين مما جرى ويجري من تلويث للماء تتعاور عليه إشكالية الحصة المائية والنفايات بخاصة منها الكيمياوية والمشعة المتأتية بالوديان التي بقيت بلا ماء لعوامل مفضوحة بوقت لم تتفاعل السلطات مع هذه القضية بالمستوى الذي ينهيها بل ولا حتى الذي يعالجها جزئيا أو يحد منها..
إن متابعة هذه الحملات والوصول بها إلى نهاياتها سيكون تقدما خطوة فأخرى يمكنه أن يتحول بالجموع ومطالبها إلى منطقة من الصراع تكون القدرات لديهم أقوى بما ينتصر للتغيير.. بينما كما أشرنا للتو هزال وربما انعدام المتابعة والخطوات الإجرائية التالية يحيل تلك الحملات من منصة إيجابية إلى منصة تخدم قوى السلطة وفسادها المستشري إلى العظم!
إنّ هذه الومضة مجرد مفتتح أضعه بين أيدي المدافعين عن الحقوق والحريات كيما يُطلقوا حوارا جديا مسؤولا يتبصر في أسباب الاخفاقات وتحديدا بتلك الحملات الحقوقية ولعل هذا الحوار يمكنه أن يؤكد على تفعيل الحملات بالثبات على آلياتها البناءة عند تكاملها والاستفادة من مخرجاتها بكل اتجاهاتها عبر متابعة الخطى حتى آخر ما تستوجبه فعالية أية حملة..
فيما نجد بهذي الومضة ما يُنذر قوى الاستغلال الظلامية من أنّ تكرار التجاريب القمعية واستمرار تفاقم استغلالهم سيدفع لما لم يحسبوا له حساب من انفجار بركان ثورة التغيير الكلية الأشمل، بتزايد عنفهم وضغطهم وبلوغه حداً غير مسيطر عليه..
بهذه المناسبة ومعالجتها، أتساءل: لماذا تنتهي جرائم اغتيال الناشطات والنشطاء بتقييدها ضد مجهول؟ ولماذا تنتهي حركات المطالب الحقوقية بلا استجابة بل بتفاقم ما يتعرض له المطلب من استباحة مثل التفاقم الكارثي لحالات تسمم أهلنا في البصرة؟ وحالات التصحر وانتهاك الزراعة؟ وحالات تعطيل المعامل والمصانع، ونسب بطالة الخريجين وغيرهم؟ وحالات الاختطاف والاغتصاب والابتزاز؟ والقائمة بلا منتهى في ظل نظام يزعم بعض ساسة آخر زمان أنهم سيصلحونها من بوابة التحالف مع أجنحة تدير النظام الذي تسبب بكل تلك الجرائم!!؟
أية فلسفة سياسية واي استراتيج فكري سياسي لمثل تلك الآليات التي يصر بعض (تنويريين) على تبريرها بما يخدم انتهاك الحقوق نفسها ومصادرة صوت الحملات بالتحول بها إلى ظاهرة صوتية فارغة كقرع طبول وجعجعة بلا طحن؟؟؟
يبقى لي أن اقول هنا أنّ لهذا المفتتح بقية، أرجو أن تمثل تفاعلاتكنّ وتفاعلاتكم أحد أبرز أركان تنضيجها ووضعها بالمسار الأدق معالجةً وسلامة حلّ….
تعليقات وتفاعلات
دمت بهيا بإشراقاتك وممتن لمرورك
Khairia Al-Mansour الكاتب أ. د. تيسير الآلوسي يكتب … الحقوق بين المدافعين عنها ومستلبيها ..
Tayseer A. Al-Alousi Imad Abbass AtHir HaDdad Adham Ibraheem حسن متعب عبد الحفيظ محبوب رائد الهاشمي ابوعلي ابوتنك المطيري
Husham Kamil Faisal Jassim شاكر القيسي Aziz Alqenaei
لكن الوضع الذي نحن به كبيت العنكبوت مبني بشكل هندسي محكم يتحكم بكل ما يحيط .. ادواته اختيرت بعناية فائقة
الامريكي يعمل والصهيوني خطط وايران بمعول الحقد تدمر وساسة اليوم ومافيات المليشيات ادوات قد تبدو منفلته لكن تتحكم بسادتهم اميركا مايحصل ارادة دولية طالما اسرائيل تعيش في عالمنا العربي لا استقرار لكل هذا العالم .. بيت العنكبوت واهن ان فرغت اميركا واسرائيل من العراق ولازال هناك اهداف قيد التنفيذ .. تحياتي دكتور
على اعداء الشعب الفاسدين
من كل الطوائف والقوميات . اننا بحاجة الى تنظيم الشعب قبل الشروع بالثورة . لان العدو لايرحم
تحياتي
مواد ذات صلة
ما حقيقة ما يسمونه انتخابات في العراق؟
النظام السياسي ولعبة إلزام العراقي بمخرجات البيعة الانتخابية الفاسدة
ما جدوى تحالفات مؤداها حكومة طائفية الهوية؟
هل يَصحُّ إِلزام قوى الشعب بقوانين لا تلتزمُ بها قوى النظامِ الثّيوقراطيّةِ المُفسِدة؟
هل من سبب لنمنح المفسدين فرصة أخرى!؟
من يتجنب شعار تغيير النظام؟ ولماذا؟
الانتفاضة العراقية: إدراك ألاعيب الطائفيين وردود الشعب الواعية ونداءات التضامن
عُنفُ السلطة وميليشياتها و عُنفُ الثورة السلمية
التظاهرات السلمية بين المطلبية والتغيير المنشود
أباطيل الإيهام بالديموقراطية في العراق
عراقيون وسط عبث عملية 2003 السياسية؟
الديمقراطية والمعرفة
*******************
اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته
*********************************************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/
للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي
https://www.somerian-slates.com/2016/10/19/3752/