سيرة شعب عبر إطلالات سيرة مناضل.. شموخ الجبال الأزلي الأبدي؛ أكتب هذا بقصد إبراز شأن جمعي بمفردات واقعية من يوميات وجودنا الأممي الإنساني.. إنها كلمات أحد أصدقاء شعب الجبال الشامخة ولطالما تغنى الأحرار بالجبل كونه الطود الشامخ الذي يحتمي به الإنسان لا ضعفا بل قوة صمود وهذه كلمة بإيجاز ممن أطلق الأحرار عليه لقب صديق الشعب الكوردي وإنه لشرف أن يكون امرئ صديقا لشعب من بوابة تمسكه بوجود إنساني أممي متفتح يؤاخي بين الشعوب ويرسخ العلاقات ويبني الجسور بديلا للاحتراب ورفضا للعنف وتمكينا لحركة التحرر من إعلاء صوتها مكينا بسمفونيات سلام لا زئير عداء.. فلنكن أصدقاء المحبة والتسامح ومسيرة أنسنة وجودنا جميعا وكافة
تعليق على خبر النشر: أولا مبارك صدور الكتاب كونه لا يبقى سجلا للمنجز الخاص ولكنه يتحول إلى قيمة جمعية تفخر بها الإنسانية عبر حوار معمق ثر غني يُقترح على المتفقين والمختلفين.. وإنه لمن دواعي سعادتي أن أجده بين ايدي القراء إشراقة بهية وأن يكون لي فيه كلمة موجزة تمثل شهادة وكلمة حق لنضال عنيد خضتموه في دروب التحرر القومي والإنساني الديموقراطي في إطار حركة التحرر القومي الكوردية بمختلف قواها.. ولعل ما أشهد له أن الحركة الكوردية منذ نشأتها كانت تُعنى بالكلمة وبمنجز ليس حبيس الإعلان والإعلام بل بمنجز يجسد المسار ويخلده وهو ما يجعلني باستمرار أقف بثبات مع فكرة أن نقترح التجاريب على الآخر لتكون على طاولة الحوار… وهذا جزء رئيس وحيوي من تفتح العقل وقيم العقل العلمي التي تحترم الإنسان بالضرورة.. أجدد تحياتي وتقديري لمسعاك ولظهوره في هذا الكتاب ولما تضمنه من شهادات في سجل حافل للعطاء شخصيا بشخصك الكريم وجمعيا في إطار العمل السياسي الحزبي والمستقل والجمعي لشعب كوردستان.. ويبقى ذلكم نموذجا آخر لإعلاء كلمة الحق والحرية والسلام والتعايش الإنساني برائع المسار والاتجاه.. خالص الود والتحية وأدعو القارئ الكريم لوقفة ضرورية متمعنة فاحصة وآفاق ما فيها من حوار.. وبالتوفيق دوما بمختلف الصُعُد |
كنتُ أفكر في دراسة أشمل وأوسع؛ تسلط الضوء على حركة التحرر القومي الكوردية ومسيرة شعب وكفاح أمة، في معالجة لقضية مازالت مفتوحة الجراحات فاغرة على آلام وتضحيات جسام، لقضية شعب اجترح وسائل نضاله وسط بيئة أسقطت ابتلاءاتها بتناقضات ما فيها عليه.. لشعب رفض أن تمحى رسالته السامية في التآخي والتعايش السلمي وفي صداقة الآخر وربما كان الأول بين شعوب المنطقة في منح لقب صديق الشعب؛ مثلما شرفتُ شخصياً بلقب صديق الشعب الكوردي الأمر الذي أعده وساماً بل جسراً مكينا متيناً للتحالف الاستراتيجي بين أمتين وشعوبهما بما يرتقي عالياً برايات العلاقات الأممية السامية تقدس التنوع وتحترم الآخر بمبدأ المساواة والعدل…
إنّ قراءةً في صفحات مجيدة لمناضلي شعوب المنطقة تجسد لا السير الذاتية التي عرفنا معاني دوائرها المغلقة بأحايين كثيرة، بما يحصرها بالتعبير عن وجود الإنسان الفرد وشخصيته ولكنها هنا القراءة التي تجسد تعبيراتها أحوال شعب وحركة نضالية لقواه الحية.. فكل شخصية مناضلة هي أحد جبال الشموخ الكوردستانية البهية منذ الميديين وحتى يومنا حيث تحتضن وديان هذا الوطن شعب كوردستان بتنوعاته..
لنمعن عميقاً في سجل الأحداث والوقائع ونقرأ وفود التفاوض مع القوى الدولية والاتفاقات التي ثبتت حقوق الكورد أسوة بالشعوب الأخرى وانتصارها الأبرز في وضع أولى لمسات الوجود الواعي المدرك لمعاني الاستقلال وبناء الشخصية الوطنية التحررية لكوردستان مطلع عشرينات القرن المنصرم.. وهو الأمر الذي ستعبر عنه حركة التحرر القومي أيضا بانطلاقتها المبكرة في ربوع الخضرة والنماء والسلام الذي حلمت الأمة به عبر ثوراتها التي جسدت تطلعاتها وآمالها…
أما السيرة الذاتية أو صفحات في حركة التحرر والنضال القومي الكوردي فلم تكن مجرد وقائع حيادية عابرة، لم تكن سيرة مدبجة في صفحات كتب وأوراق بل كانت وجوداً إنسانياً كبيراً، خطَّ معانيه في مئات أبناء هذه الأمة وما أنجبت من علماء ومفكرين وفلاسفة كتبوا وساهموا في إشادة صروح الحضارة التي احتضنت منجزهم بسمو ورقيّ.
وهذا الوجود المتمدن لشخصية أمة ليس أمراً عابراً أو ولادة مصطنعة جاءت بخلفية انقطاع أو بانطلاقة معاصرة حديثة، إن هذا الوجود انطلق مع انطلاقة حضارة شعوب المنطقة التي تعايشت طويلا عبر تاريخ آلاف الأعوام والسنوات ثم واصلت بقوة يوم أصدرت صحفها ودورياتها يوم لم تكن دولة التخلف تركت فرصة للحرف والكلمة.. فكان صدور صحيفة كوردستان المبكر في التاريخ الحديث علامة وشاهداً تاريخياً وعلماً فوق جبل…
وسط تلك البيئة الخصبة كانت ولادة أحزاب حركة التحرر القومي قد جاءت بمعانٍ بهية لفهم مقتضيات النضال وطابعه الحداثي الفريد.. وقدمت تلك الحركة تضحياتها في ظل نُظُم تغوّلت واستبدت تجاه حقوق الكورد وأبناء كوردستان جميعاً..
لقد كانت مذابح التقتيل الجماعي وجرائم ضد الإنسانية هي مقدمات سوداوية كارثية لجرائم الإبادة الجماعية بمحاولات إخضاع الأمة وكسر شوكة نضالاتها للتحرر والانعتاق. وبخلاف الاتفاقات الأممية التي سُجِّلت في الدساتير بمنح حقوق شعوب الأمة الكوردية المجزأة لظروف دولية معروفة.. إلا أن ما سجله الدستور العراقي على سبيل المثال شيء وما مورس تجاه الكورد وكوردستان شيء آخر…
لقد تابعت أجيال كوردستان الجديدة، منذ منتصف القرن العشرين مهام حمل شعلة التحرر ودمقرطة الحياة والاستجابة لمطالب الشعب.. وهذا ما سترصده هذه الصفحات التي سجلت سيرة مناضل كوردستاني؛ حمل معه أينما حل وارتحل رسالة أمته وشعبه..
خليل سنجاري اسم لمع وسط رفاق طريق الحرية، واستحق أن يلتقط الناشط حسو هورمي سيرته لتكون ممراً آخر لأنسام التعريف بوقائع ميدانية لحركة النضال القومي التحرري. ولربما كان سبب الاختيار يعود لتشاطرهما العمل بمؤسسة كان السيد سنجاري رائداً مبادراً لإنشائها وربما لموئل الانتماء مكاناً حيث سنجار الجبل الراسخ جذوراً الشامخ قامة بأهله..
ولكن، لأي سبب كان في الاختيار فإننا سنجد هذا العرض لزوايا ومفردات من بعض مذكرات ابن سنجار فرصة ثمينة ثرية لإطلالة مميزة أدركت كيف تقرأ الحدث وتقدمه لأهله.. وهنا مربط الفرس، كما يقال.. فليس الأمر عرض مذكرات رومانسية ولا هو باستدرار عواطف لما وراء حكايا يوميات امرئ ما.. ولكنه بهذه السيرة يجعلنا جميعاً بصدد تقديم رؤية عبر الاسم الشخصية لتعبر عن مُراد أمة وشعب ومسيرة واقعية، لوجود واقعي وليس وهماً كما يحاول بعضهم ادعاءه.. وهي أي سيرة السيد سنجاري ومذكراته، أيضا، فرصة لمراجعة عثرات الطريق وبعض ما ظهر من خلاف وصراع ينبغي أن تتم معالجته وإزالته ببديل يعمق وحدة المناضلين ويوحدهم كما هي حقيقة وحدة الهدف وبديهة مقاصد وجود الأمة وانعتاقها من التقسيم ومن أشكال ما يثار من اختلافات وكبوات بطريقها…
فلا الأمة الكوردية ولا كل شعوب كوردستان بمستسلمة لمنطق الاختلاف و\أو الخلاف مثلما لا ترضخ تلك الأمة وشعوبها لما يراد إخضاعها له من حكم الآخر وتسلطه.. إن الأمة وحركتها القومية التحررية بكل أجنحتها تمضي اليوم بطريق الحرية والسلام بلا انقطاع مسيرة وإن صادفتها العثرات المصطنعة هنا أو هناك..
ومثلما ترى هذه الأمة وحركتها التحررية أن سبيل العيش يتأسس على علاقات استراتيجية وطيدة بتمسكها بالسلام والتآخي، فإنها باختلاف أحزاب حركتها تدرك معاني وحدتها الداخلية من جهة ووحدة الشعب بكل قسم من أقسام كوردستان وأرجائها.. إن المنطق النضالي يؤكد صواب خيار تجنب التقاطعات والصراعات التي تنهكها من الداخل..
ونحن نلمس هذا في إشارات واضحة لما يُرسم في تفاصيل اليوم العادي للسيد سنجاري.. فلقد لمس السيد هورمي معدّ هذا الكتيب الأمر وسلط الضوء عليه ليس من باب توجيه التهم المجانية لشخصية أو حزب أو جهة كما فعل بعضهم بمواضع ومؤلفات أخرى.. ولكن هذا المؤلَّف جاء لإبراز الإيجابي من جهة وعند الضرورة أيضا لابراز خطأ بعض الممارسات وتوكيد بديلها المتطلع إليه على وفق رؤية بعينها.. وهو يمر على تلكم التفاصيل، من دون خشية في الموقف.. إذ يعلن السيد سنجاري موقفه وممارسته التي آمن بها رؤية وفكراً بقصد التوكيد على منجزه بإطار حركة التحرر القومي الكوردية وتلقي ما قد يظهر مختلفا وما يوجب تقديم البديل من قارئ أو آخر، كما يُتوقع لكتاب للفعل ولجسور التفاعلات إيجابا..
إن تقديم النقد بلا خشية ليس بالضرورة دلالة إصرار على عصمة مفترضة في معالجاته الفكرية ولكن بالتأكيد وبسلامة لا تقبل الشك هو توكيد على سلامة المنهج وصحته حيثما ركَّز على مهمة خلق الحوار الشجاع بين القوى المناضلة وسط لجج عواصف واضطرابات ليست محلية حسب بل ودولية أيضا..
وهذه علامة مضافة لمعطيات تلك السيرة في تسجيل وقائع مهمة وبهية في الحراك المجتمعي الكوردستاني ومنه الحراك السياسي.. بمعنى عرض الواقعة كما جرت وكما هي منطلقاتها وتطلعاتها والتزامها رؤية فكرية بعينها بممارسة النقد ولكن بطريقة تكون فيها الواقعة نافذة للآخر كذلك؛ كيما يسجل رؤيته ونقده ومن ثم خلق حوار متجدد يقرأ الواقع وسبل التقدم به..
هذه السيرة من بين سير قليلة قرأتها تعرض للشأن العام بمدخلات لا تتقوقع على الذاتي الشخصي بقدر ما تعرض الموقف الخاص في إطار علاقته بالعام وتتفاعل معه بحيوية وقدرة توليدية مؤثرة، وسيتاح كما أشرت قبل قليل من جمع تلك الوقائع مع أخريات، أقول: سيتاح قراءة أحداث مهمة قراءةً دقيقة أكثر، عبر هذي الإطلالة ونافذتها…
إنني أثق بأن علماء الاجتماع يحتاجون لمثل هذه السير لقراءة طابع العلاقات بتركيبة سوسيوسياسية ومعانيها والبحث في الشخصية الكوردستانية وفي أفعالها.. وكذلك ردود فعلها التي تمثل تفاعلات عميقة تعكس الشخصية القوية فرديا جمعيا بدل حال الاستسلام والسلبية كما بنماذج شخصيات في بعض شعوب أخرى تركت تلاطمات البحار الهائجة تتحكم بها.
إن سجل السيد سنجاري يؤكد حقيقة الشخصية الكوردستانية بوصفها شخصية إيجاب وفعل لا شخصية سلبية مستسلمة.. فما السبب؟ وكيف تكونت تلك الشخصية الفاعلة الناشطة الإيجابية؟ ما مؤشرنا الذي يرصده علم الاجتماع السياسي أو علم الاجتماع حصراً بهذي المذكرات تحديداً؟
لاحظ معي، العلاقة في عائلة السيد سنجاري وكيف تنبني بنبيل القيم.. ولاحظ في الوجود المجتمعي الأكبر علاقة الرجل والمرأة ودورهما الاحتفالي بالشأن العام من أعياد ومناسبات للأفراح والأتراح؛ ستجدها علاقات تقوم على التكافؤ والمشاركة الفاعلة وعلى مبدأ لا يصادر حرية المرأة واستقلاليتها.. أليس في هذا مدخل لقراءة المجتمع الكوردستاني وطابع تركيبته وعلاقاته وما يسود فيه من رؤى وأفكار تنتمي لمستوى متقدم كسر ويواصل تكسير السلبي مما فُرِض عليه؟
وفي الشأن الحركي السياسي؛ لاحظ كيف يمكن تشخيص تلك الحركة التي يسلط بعضهم الضوء على معالم الاصطراع السلبي فيها، لكن هذه المذكرات تأتي لتعلن عن قراءة مختلفة، هي قراءة الوجه الناصع لحال إقرار التعددية وتقدم الحركة نحو التنوع والثراء في التعددية الحزبية المنسجمة والتطورات الكوردستانية الأحدث وهو الأمر سنجده سبباً في بناء نموذج كوردستان الحديثة حيث بنية دولة علمانية ديموقراطية متطلّع إليها..
وصحيح أن المذكرات وسيرتها لا تتحدث عن ملائكة وآلهة معصومة من الخطأ، بدليل مرورها على أخطاء فردية وغيرها إلا أن الصحيح أيضا أنها تظل الإطلالة على التجربة واقعيا كما حدثت وكما سجلها بمعنى عرض جميع أوجه المسيرة من دون تشوهات أوهام اصطناع مختلق..
إن القارئ يطالع هنا، رؤية السيد سنجاري للواقعة في أي مرحلة من مراحل مسيرة القضية الكوردستانية بآخر نصف قرن، حيث الرؤية لا تقبل إيقاع القارئ في أسر ما تعالجه من بوابتها وطريقة معالجتها لا بما جرى في لحظته آنيا ولا راهنيا حاليا؛ لكنها بالحق، تقدم العرض السيري حيث فرص السماح للقارئ كي يطلع على التجربة من دون هالات القدسية والانتفاخ بل عميقا في بساطة التجربة بكل ما تحمله من مدخلات إلى واقع الحركة التحررية ومعالم مسيرة الشعب برمته..
لعل القارئ يختار هذه المذكرات لا من منطلق التلصص على حياة إنسان ولكن من منطلق التعرف إلى واقع شعب.. وبالمناسبة مثلما مئات مبدعي الفكر الكورد الذين قدموا ذخرا كبيرا للمكتبة بلغات أخرى يأتي هذا الكتاب ليضيف ويثري المكتبة العربية مثلما الكوردية بالتجربة بمعانيها الأوسع والأشمل.. ولربما كان هذا من بين فرص مد الجسور بين الأمتين وشعوبهما كي تعمّد خيار العلاقات الاستراتيجية ومعاني التحالف بين الطرفين إنسانياً أممياً بخطاب السلام وتبادل الاعتراف والاحترام بمبدأ المساواة لا التمييز والا أي شكل للاستغلال، كما تريده قوى الاستبداد والتشدد وسط جميع الأطراف.