في ذكرى المرحوم مام جلال، نرسل لحضرتك مجموعة من اسئلة حول تاثيرات جلال الطالبانى في ساحة اقليمية و العراقية، نتمنى ان التوافق حضرتك على الحوار.
ـ هنري كسنجر يقول طالبانى رمزأ من رموز مقارعة الظلم و الاستبداد و ابرز رجالات العملية السياسية التى يؤمن بحرية و نبذ التطرف، حضرتك كيف تنظر لآرث مام جلال في المجال نبذ التطرف و نضاله من اجل التعايش سلمي؟
بدءاً اشكر لكم هذه الزيارة الصحافية؛ وأجدها مناسبة مهمة للحديث عما يطمِّن مسيرة إعادة تطبيع الأجواء عراقياً كوردستانياً بخاصة مع تصاعد محاولات التمزيق وإشاعة الفوضى ونشر قيم التشدد والتطرف.. وما يفيد أنْ أؤكده هو الدور الذي شارك الراحل مام جلال طالباني في منح دفق لمنطق الاعتدال والابتعاد عن التشدد.. لقد كان إنسانياً يحمل سمات إشاعة البسمة والراحة النفسية ومد جسور العلاقات بخطاب هادئ وادع ومن حضر جلساته يعرف ذلك جيداً.. وهو فكريا سياسياً حمل قيم التفاعل ومد الجسور لحوار يخفف الاحتدام بعد تجاريب مرّة خاضها وسط اصطراعات محتدمة وكان لابد لها أن تمنح الدرس الإيجابي في تبني أساليب العمل التي ترفض التشدد ولعل جهداً ميدانياً له قائمة طويلة مما يمكن ذكره بالخصوص.. إن هذه الرؤية يمكن لي مدقق في التبصر أن يجدها ما يتطلب أن تُحتذى في الممارسة …
ـ رئيس تحرير صحيفة “السفير” كتب في المقالة بعنوان “مام جلال و الخطيئة” ان طالبانى زعيما عربيا اضافة إلى كونه قائداً كردياً بسبب علاقات تأريخية مع العرب و تاثيراتها على الحوار كوردي ـ عربي، حضرتك كيف تنظر الي مام جلال في دوره محوري في العلاقة بين العرب و الكورد؟
إنّ التحالف الاستراتيجي العربي الكوردي له عمقه التاريخي البعيد ولقد لعب قادة كورد أدوارهم المهمة في هذا المسار بمستوييه الشعبي والرسمي. وما يفيد هنا هو تلك الرسائل الإيجابية البناءة لمام جلال في إدامة العلاقات العراقية العربية يوم كانت الريح تدفع لفصمه وإلى التناحر مع عمق البلاد إقليميا عربياً.. فيما كان تأثيره مهماً في منح الدفء في تلك العلاقات معبراً عن موقف أحد قادة كوردستان والكورد ومن ثمّ موقف الحركة التحررية الكوردية ضد حالات الاختلاف ومع حالات الحوار ومد الجسور بين الأمتين العربية والكوردية بسبل صنع المستقبل البناء..
ـ بإبتعاده عن الدخول في خندق الخصومة وقيامه كصمام أمان بحماية السلم الوطني من خلال سعيه لتقريب وجهات لأطراف المتخالفة تمكن الرئيس جلال طالباني من كسب ثقة العراقيين، الذين إتفقوا علیه كرئيس رغم تعقيدات المشهد السياسي العراقي. كيف تنظر حضرتك لدور طالبانى كصمام امان لبلد متناقظ سياسيا كالعراق؟
في هذا الإطار فرضت شخصية الراحل وجوداً وطنيا مؤثرا بخاصة في تمسكه بمجموع أنشطته بالثوابت الوطنية العراقية التي لا تقر تقسيما تعارضيا بين أبرز مكونات الشعب والوطن.. وعلى الرغم من حجم الضغوط عليه بخاصة يوم كانت تدار التحركات بالضد من سير عقارب الساعة والزمن كان يضبط الموازين ليعيد الخطى بالاتجاه الصحيح ولطالما كان مشروع حوار وطني وحلول وطنية فعلية بالضد مما التهبت به أيام الحكم حيث كان يوجد شخوص كانوا ينفخون في كير الحداد مشعلين حرائق.. أتذكر في جلسة وإياه عقب أحد المؤتمرات كان بالضد من التفاعلات الحادة وأشكال الإدانة المحتدمة بتعبيراتها بشأن توجيه بعض قوات من بغداد لقصف مناطق كوردستانية وكان بديله مزيد هدوء وتماسك أعصاب لفتح حوارات توفر الحلول السلمية…
ـ يقولون ان طالبانى مثل سفير الشعوب المطالبة للحرية، في خطابه للمؤتمر الثالث والعشرين للمنظمة الاشتراكية الدولية SI في العاصمة اليونانية اثينا ، مام جلال في كلمته دعا منظمة الاشتراكية الدولية الى التمسك بدورها التاريخي في اقرار السلام العالمي والعمل على تحقيقه ، وفي هذا السياق دعا مام جلال الى العمل على مشروع موسع تشارك فيه كافة الاطراف دون استثناء ، ومن ثم تقديمه على قاعدة احترام كل من حق تقرير المصير و حقوق الانسان . وذلك لايجاد الحلول السلمية لكافة المشاكل السياسية العالقة في العالم، كيف تنظرلمام جلال كداعم لشعوب المنطقة خاصة دوره في قضية فلسطينية؟
لقد وقفت حركة التحرر القومي الكوردية بثبات مع القضية الفلسطينية كونها قضية حرية شعب وتلبية حق تقرير المصير وكانت الزعامات الكوردية تحمل المهمة بوضوح ومن تلك القيادات كان الفقيد مام جلال يحمل القضية في رؤاه الفكرية السياسية وعمله البروتوكولي رئيسا وزعيما في حركة الاشتراكية الديموقراطية.. ومن هنا عبرت خطاباته عن البدائل المناصرة لحق تقرير المصير بثبات وأبرزها ذاك الخطاب الذي تقدم به في مؤتمر الأممية بأثينا ما أكد دورا مميزا واستثنائي في الاتجاه النضالي من أجل الاستقلال والتحرر…
ـ رفض طالبانى توقيع حكم الاعدام بحق صدام حسين، في الوقت الذى كثير من الشارغ يطلبون بأعدامه،لكنه رفض ولم يعامله بالمثل، وتسلّح بحقيقة أنّه من الموقعين على وثيقة منظمة الاشتراكية الدولية الداعية لإلغاء عقوبة الإعدام باعتبارها عقوبة انتقامية غير إنسانية، كيف تنظر الى الثوابت و التزام قائد مثل طالبانى بتوقيعه على المعاهدات و اتفاقيات، هل نحن بحاجة الي نموذج سياسي بعيد عن الانتقام؟
الكارثة أن الثقافة السائدة وممارسات الساسة المتحكمين بمقاليد السلطة (اليوم) هي ثقافة مرضية تقوم على منطق الثأر والانتقام. الأمر الذي سوّق باستمرار لقرارات اتخذها مشعلو الحرائق من الطائفيين.. وإننا نبقى بحاجة عراقيا كوردستانيا إلى من يعيد الصوت عاليا ضد منطق الانتقام من جهة ومنطق التشدد والتطرف ومن ثمّ منطق العنف وأعلى ما فيه إدامة عقوبة الإعدام… إن توجه التشريع العراقي لإلغاء تلك العقوبة سيكون واحداً من أبرز الأمثلة على خيار ثقافة السلم لا ثقافة الثأر وهذا ما يظل الراحل نموذجه ومثاله السامي …
ـ في الماضي قوة ونشاط مام جلال في إمكانيته تجديد طروحاته في عالم مليء بالمتناقضات. يدل على شخصية محبوبة أينما حل ويواجه ترحيبا في كل مكان مهما كانت نوع الأنظمة الحاكمة. ما هي توقعاتكم بعد وفاة مام جلال بنجاح مهمته الوطنية في جمع شمل القوى الوطنية العراقية في جبهة واحدة لتحمل أعباء المسؤولية التاريخية والخروج من البلاد من دوامة العنف والدمار؟
تبقى الأفكار والرؤى تحيا وتعيش بين الناس طالما وجدنا من يحملها ويتبناها وهي ذات أثر بحجم بقائها.. إن مُثُل التحرر والسلام التي سعى الراحل من أجلها ستظل ابنة الشعوب وتطلعاتها ومجموع قوى التحرر والسلام هي من يؤكد قوة التمسك بها طريقا لبناء عالم جديد… وبودي التوكيد على أن خير خلف لخير سلف من أخذ تلك المُثُل وتمسك بها طريقا وليذكر من يحيا في راحليهم سمات الانتصار لقيم السلام ولعل ذلك مما ينبغي أن يُذكر للراحل مام جلال بما يعزز الدور ويتابعه بسلامة، توكيدا للحلف التاريخي العربي الكوردي وتوكيد لخيارات الانفتاح والحوار ومواجهة مع أي حالات للتطرف أو التعصب .. فهلا أكدنا على تلك الحقيقة…؟
– مام جلال في الماضي كان صاحب علاقات متميزة مع العديد من القادة العرب ويولي اهتماما متميزا للعلاقات الطيبة مع كافة الأنظمة في المنطقة مما يجعل منه شخصية مقبولة لدن الجميع. ما تصوراتكم المستقبلية حول العلاقات الكوردية العربية في ظل قيادة كوردية جديدة لدولة يعتبرها العديدين دولة عربية قادت الأمة العربية فترات زمنية تاريخية مارس السلطة الفعلية عليها وأصبحت تلك الصورة النمطية محفورا في وجدانهم؟
تاريخيا الأمور لا تكرر نمطيا، وإشكالية الدور القيادي للعراق في المنطقة مقرونة بحجم الاستقرار فيه وبناء نظام سياسي بديل لما أثار النزاعات الطائفية والأثنية وعليه فإن أية شخصية تتسنم المسؤولية ستحمل على كتفها دورا صعبا كان مام جلال لعبه باقتدار.. واليوم بمجيء الدكتور برهم صالح وهو نضاليا رافق مام جلال يمكنه بفضل ما يحمل من علاقات مع زعامات إقليمية ودولية أن يلعب دوره بالاستناد إلى أمرين رؤى تستفيد من التجاريب لحركة التحرر العربية والكوردية وثانيهما تقدم العراق دولةً باتجاه الاستقرار وتلبية مشروع عودته لحاضنته الإقليمية بعلاقات متوازنة مدروسة لمعاني العمق الأمني الإقليمي بالتحديد في العلاقة العراقية العربية وأولويتها..
– يعتبر مام جلال من القلة من رؤساء العالم ذو الشخصية المنفتحة فهو يتقبل النقد اللاذع ببشاشة ومعروف عنه انه لا يخاصم ابدا منتقديه بل يعتبر ذلك من اهم معالم روح الديمقراطية . هل وجدتم ذلك الإحساس في رؤساء و شخصيات السياسية الاخرى؟
لكل شخصية سماتها وتفاعلاتها بعلاقات بعينها مع الآخر وما أتيح للفقيد الراحل من فضاءات علاقات إيجابية منفتحة على الآخر لم يقابله عراقيا ذات الانفتاح بل كان ما يجري تحت الطاولة باتجاه آخر وهو ما نجم عنه جملة مخاطر وكوارث خربت المسار العراقي وأوقعته بورطة خراب مأساوية.. ولولا ذياك الاستيعاب والتفهم من طرف مام جلال لمعاني إدارة الأزمات بطريقة هادئة لكانت البلاد وقتها بمطبات أخطر وأكثر كارثية ولطالما كان انفتاحه وطنيا عراقيا سببا لإنقاذ ما حاولته بعض القيادات الحكومية الحزبية المتشنجة.. إن فعل السلام ابقى فعل الحوار وفرض خطاب العقل وتنويره أطول أثرا ..
الذكر الطيب للفقيد الراحل وليدم الأثر في إعلاء الوطني وتمكين الدولة العراقية من مسيرة تنمية وتقدم تخدم جميع مكوناته وأبنائه..
وشكرا للقائكم الصحفي الذي أتاح فرصة مشاطرة أصدقائي الكورد في هذه الذكرى التي آمل أن تبقى منارا وشعلة للسلام والتقدم وإنهاء خطاب الكراهية والثأر وعنفهما وتمكين خطاب الإخاء والتحالف الاستراتيجي والانتصار للشعوب وحقها في تقرير المصير..