الأستاذ الجامعي بين مهامه وظروف التعليم في العراق\ هذه المساهمة تأتي استمراراً لمعالجات في الشؤون التعليمية بعراق ما بعد 2003 حيث الانهيار الشامل والخطير وما وقع على التعليم والجامعة من نكبات لعل أخطرها تلك الجريمة التصفوية التي حاقت بالعلماء والأساتذة مما تم إلقاؤه على مجهول الهوية من مجرمين وبلطجية تابعين لميليشيات السلطة الظلامية الطائفية.. ماهي مهام الأستاذ وما علاقتها بالوضع المحيط وكيف نتلمس دروب الحل؟
مقتبس من المعالجة: “إنَّ قطع الصلة بين الأستاذ الجامعي ومصادر البحث والتكوين العلمي يمثل جريمةً تصفويةُ خطيرة وسبباً خطيراً لا لانهيار الجامعة حسب بل لتعطيل مهمة التغيير وفرص التنمية برمتها“.
ليس غريباً إعادة التعريف بمهام الأستاذ الجامعي بخاصة وتحديداً في بلاد كالعراق. فمن جهة يُنظر لمهامه وكأنها أية وظيفة عابرة وحلقة ربما يعدّها بعضهم هامشية تجاه وظائف أخرى يقدرونها عالياً في ضوء الوجاهة ورفعة المنصب.. والأنكى والأسوأ أن المعلم ولا اقول الأستاذ الجامعي كان مهاباً لعقود قليلة خلت بوسطه الاجتماعي. وتربوياً قيمياً يمنح المجتمع حصانة ومكانة استثنائية للمعلم وهو ما خلدته الأقوال والمواعظ والحِكَم المحفوظة…
بيومنا ونتيجة لتردي المُخرجات التعليمية ووقوعها في بيئة منهارةً قيمياً، فإنه حتى المعلم والأستاذ يتجرع كل منهما مكانه الهامشي ويؤدي (واجبات) وظيفته بخضوع لمفهوم يتحدد بتسلم المقسوم من راتب هزيل وصل الأمر به حد عدم صرفه لأشهر متعاقبة…! بصيغة أخرى أن بعضاً من التدريسيين لم يعودوا يدركون أهمية جهودهم وطابعها البنيوي في حركة المجتمع…!!!
إن مهام الأستاذ الجامعي، فضلا عن كونه الحلقة الأهم في إعداد مخرجات التعليم بضخ المنجز المعرفي بصيغ وأساليب متنوعة الأداءات والمناهج والتجاريب، أي بمهمة التدريس، تكمن أيضا تلك المهام في ممارسة البحث العلمي بما يخدم مسيرة التحديث والبناء والتنمية بمخرجات تلك البحوث يُضاف إليها المهام البنيوية التكاملية لإنتاج الخطاب الثقافي الشامل مجتمعياً والمساهمة في تنوعات مفردات ذياك الخطاب الثقافي التكويني في المجتمع. دع عنك دوره الهيكلي الرئيس في تسيير المؤسسة الجامعية بأقسامها كافة بدءاً بالقسم العلمي ومروراً بشعباته الأكاديمية الإدارية وليس انتهاءً بالأنشطة الأخرى المفترضة بالجامجتمع الجامعي.. طبعاً لا نغل الدور المهم في اللجان الفنية وكذلك بلجان التخطيط والتفاوض داخل الدول وبينها وما تتطلبه من مشاغل علميةي عميقة.. لكن بجميع المفردات فإن مهمة الأستاذ بتفرعاتها ومشاغلها، تجسد التتويج لمسيرة بناء الشخصية الإنسانية عبر مراحل التعليم المتعاقبة والوصول بالشخصية الجمعية لأمة أو شعب إلى مصاف الوصف بالتقدم والتمدن وإشادة حضارة إنسانية بهية…
لكن ما البيئة التي يحتاجها الأستاذ الجامعي للنهوض بالمهام الأغنى وطنياً إنسانياً وتجنب الرضوخ السلبي لحال التهميش والسلبية؟ وللإجابة أؤكد أأنه حتماً نحن بحاجة لمؤسسات إعداده إعداداً سليماً وافياً وناضجاً. وهو ما يتطلب مؤسسة تعليمية تليق بتلك المهمة وتتناسب مع شروطها الصارمة. ثم يحتاج الأستاذ إلى مؤسسة جامعية تحترم وجوده عنصراً رئيساً مكوناً فيها وتمنحه الحرية في ظل استقلالية الجامعة نفسها. كما يتطلب الأمر منحه الأجر وفرص الاستقرار بسكن يستحقه ويمكّنه من ظروفه..
لكن للتحول إلى تشخيص ما في التعليم من نواقص ومثالب تشكل العقبات الكأداء بوجه الأستاذ وأدائه مهامه، دعونا ننظر إلى الوضع الذي يحيا فيه الأستاذ الجامعي في العراق عملياً فعلياً…
- هنا نجد أنّ كثيراً من الأساتذة بلا سكن لائق ويظل مطارداً لتوفير ما يلائمه ولو بالحد الأدنى بوجود أزمة السكن العامة المستفحلة.. وهي أزمة لا تشمل المناصب والوجاهات وأميين وبعض آخر لمجرد امتلاكه المال من زمن ما يسميه العراقيون الحواسم حيث أثرى بشكل فاحش حثالات السرقة وسوقة ممن انتهك القوانين والقيم…
- كما نجده محتاراً بوسائل النقل في ذات الوقت الذي يركب طبقة الجهلة المنتفعون ممن أثرى بالنهب والسحت الحرام بوقت وسائل النقل مازالت من العقود الأولى للقرن الماضي بمنظومتها.
- أما أجور الأستاذ والعاملين في الهيآت التعليمية من مدرسين وغيرهم فهي على الرغم من تدنيها ملاحقة بمطاردة سيف الاستقطاعات والادخار وعدم الدفع والتسديد بالمواعيد حتى غابت أحيانا لأشهر عديدة.
- وأشكال القصور في أبنية المؤسسة الجامعية فلا مكاتب للأستاذ الجامعي ولا أدوات ضرورية من قاعات المحاضرات وأدواتها ومن مختبرات ومرافق عامة أخرى. إذ لا تتوافر إلا بالكاد وبما يقبع في مستويات متدنية…
- إن انهيار بعض المحافظات أدى لتخريب جامعاتها ومعاهدها وكلياتها ومكتباتها وتلك هي كارثة استثنائية لكنها استثنائية بحجمها وبمخاطر ما أحاقت به وأفرزته فيما هي حال طال أمدها وكلكل أحمالها واثقالها..أين يتجه أساتذة تلك الجامعات وماذا يفعلون؟ كيف يؤدون مهامهم؟
- بشأن أمور قيمية تنظيمية تفقد الجامعة استقلاليتها بتدخل الأحزاب الطائفية المتخلفية في شؤونها وباختراق حرامها وانتهاكه من طرف بلطجية تلك الأحزاب وميليشياتها فضلا عن انتهاكات المال السياسي الفاسد. لا حرية للأستاذ بهذا الجو للعمل العلمي الصرف..
- فرض سياسات وبرامج بمنطق الخرافة والظلاميات وخدمة أمور طقسية مصطنعة دجلا وتضليلا على حساب العقل ومن المغامرة أن يتحرش الأستاذ بسيف الجهل المحمي بعناصر مرضية في قاعات الدرس وغيرها..
- تفشي ظواهر العنف والاعتداءات المنفلتة من عقال القانون ما وقع ويقع كثير منها على كواهاهم بل ما هدد حيواتهم وصفى عشرات آلاف الطاقات العلمية.. أيستطيع ذاك الأستاذ الجامعي العمل بظلال أسياف إرهابه وعائلته؟
- يجابه الأستاذ روتينا وبيروقراطية مقيتة منها ما يجتر قوانين يُفترض الانتهاء منها ومنها ما يصطنعها ويتعكز عليه مشرعنا سطوة عناصر مرضية ولعل من أبسط الأمور أنه مازال يتعامل مع (معاملات وكتب رسمية) لها دهر بلا حل!
- حجب الترقيات العلمية عن أعمال بحثية متقدمة ومنحها بالمحاباة والفساد لعناصر لا ترقى لمستوى تدريسي بمراحل تعليمية أدنى من الجامعة…
- حرمانه من التفرغ العلمي ومن أشكال الاتصالات العلمية المعرفية والبحثية ومن استثمار العلاقة مع جامعات العالم والمنطقة..
- الخلل البنيوي الهيكلي في المؤسسة التعليمية البحثية العليا بالإشارة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي..
- حجب جهود الأستاذ بقطع صلاته مع المجتمع ومحاصرته إلا لأولئك الذين يركبون موجبة التبرير للجهلة وفتاواهم الظلامية وللفاسدين وسوق نخاستهم…
- التوكيد على العلاقة المتبادلة بين ميادين الإنتاج ومراكز البحث والباحثين العلميين ببرامج مفتوحة حرة.
- المساعدة على استثمار الأستاذ المعطل في المهجر بصورة نموذجية غيجابية تتبادل المنفعة وتعيد الأستاذ وطافته إلى حيث حاجتها في الوطن…
وبقصد مزيد تهيئة وإعداد للأستاذ وتفعيل لدوره بمختلف مهامه، قد تكون ومضات كالتي أضعها في أدناه تشكل بعض محاور مفيدة للمعالجة فضلا عما ورد في أعلاه:
01 إذ لابد من توفير حرية البحث العلمي.
02 واستقلالية المؤسسة الأكاديمية.
03 كذلك دعم مكانة الأستاذ وموقعه في المحيط المؤسساتي العام واستعادة ثقافة قيمية نبيلة بهذا الشأن.
04 توفير الحماية الأمنية لحياته بوضع حدّ للتهديدات التي يتعرض لها من جهة تكفيريين جهلة أو من جهات استغلاله في ظروفه الحياتية المباشرة…
05 تلبية حقوق الأستاذ الجامعي المادية سواء منها المرتبطة بمعيشته وحياة أسرته أم المتعلقة بدعم أنشطته بوصفها أنشطة تخص تطوير الحياة العامة وإعادة بنائها إيجابيا…
06 توفير فرص البحث العلمي من وسائل نشر ومختبرات وفرص دعم الحملات الميدانية لأنشطته.
07 دعم الجامعة ذاتها وتوفير متطلباتها على وفق خططها الموضوعية بمنحها أولوية مناسبة في الخطط الوطنية المعتمدة.. بمعنى التخصيصات المالية وغيرها في الميزانية السنوية للدول العربية.. ومعروف الحجم الضئيل والمشين في تخصيصات التعليم العالي عامة ومن ثمّ وضع الأستاذ الجامعي خاصة..
08 إنَّ دعم الأستاذ الجامعي العراقي ينتظر دعم روابطه الأكاديمية وجمعياته ونقابة التدريسيين ودعم أنشطته غير الأكاديمية مثلما يتطلب قبل ذلك تفعيل عقد مؤتمرات البحث العلمي وتعزيز مكانة تلك المؤتمرات القطاعية التخصصية وتفعيل العلائق بين الجهات الرسمية الأكاديمية التخصصية على مستوى البلدان العربية كافة..
09 منح فرص استثنائية لاستدعاء الأستاذ الجامعي العراقي من مهجره بعقد مؤتمرات سنوية بالخصوص للمهجريين..
10 عقد ملتقيات مشتركة بين أساتذة الجامعات العراقية في مختلف التخصصات بشكل دوري والعمل على توحيد اللوائح العلمية بين تلك الجامعات بما يحفظ حقوق الأستاذ بالتحديد وأولا…
- إعادة صياغة القوانين واللوائح التي تعنى بالتعليم والجامعة بما يتلاءم والمرحلة القائمة بخاصة في ظروف تسارع المتغيرات عالميا..
ويبقى الأستاذ الجامعي مطارداً بلا استقرار وتفرغ لمهامه في ظل الأوضاع العامة بالبلاد وأوضاع التعليم وانهياره.. ولكنه يتصدى ويتحدى بمنطق العقل العلمي لا بمنطق الصراعات الحزبية وخطاباتها المافيوية وفساد منطلقاتها، بمنطق ممنهج علميا أكاديميا لا ببلطجة ولا بأضاليل.. وحتى تنتصر حركة العقل تبقى المعالجة مفتوحة بنداءاتها تجاه جميع أطراف هذه القضية المهمة كيما نحسم أمورنا…