مقتبس من المقال: “إنّ الترتيب الذي وضعت فيه مافياتُ الفسادِ العراقَ دولياً وعمق فضائحيته يظل إهانةً صريحةً للشعب واستباحة مطلقة الهيمنة على مقدراته؛ الأمر الذي يؤشر ضرورة الخلاص من نظام الطائفية الكليبتوقراطي ويحتِّم التغيير طريقاً وحيداً لحسم الصراع مع تلك السلطة ونظامها ورفض مخادعة الشعارات الإصلاحية وأضاليل منظومتها القيمية.“.
بعد وعود بمحاربة الفساد وبعض ترقيعات شكلية تحسن موقع العراق في مؤشر الفساد وصار ترقيعاً وبشكل رقمي لا دلالة نوعية له 166 في مؤشر المنظمة الدولية للشفافية سنة 2016، لكنه حتى بهذه الصحوة الترقيعية، سرعان ما بدأ التراجع ليحتل التسلسل 169 فقط من بين 180دولة دخلت الترتيب.. أي بتسلسل 11 أو بالضبط على حافة العشرة الأوائل من قعر مؤشر مستويات مدركات الفساد..
وللكشف عن الحقيقة في مستوى الفساد وما أدخلته مافياته البلاد والعباد، فإنَّه ما أن تنقشع لعبة التضليل الجارية، حتى يعاود فاسدو العراق أو بالأحرى مفسدوه، ليجعلوه مجدداً، يحتل مكانه التقليدي في أسوأ ترتيب بمؤشر الفساد؛ على حساب العراقيين ولـ حسابهم، اي لحساب مافيات النهب والسلب والسرقة المحلية والدولية، وتلك هي الحقيقة الراهنة..
فسرقات بهذا الحجم الكارثي، ذاك الحجم الذي لا يُبقي ولا يذر، لا يمكن أن يكون سببه المواطن الفقير المغلوب على أمره ولا الموظف البسيط الذي يبتزونه يومياً للخنوع لهم ولتلبية رغائبهم.. فمن المسؤول عن إفراغ الخزينة إذن…؟
أكيد السبب يكمن وراءه كبار مسؤولي الحكومة وحاشيتهم من (طبقة الكربتوقراط) اللصوصية وليس غير، قطعاً.. إذ مَن يمكنه أن يصل أموالاً بملايين الدولارات وملياراتها، ليس شخصاً عادياً صغيراً أو هامشياً في الدولة.. وصلاحيات الصرف والتحكّم والتلاعب والتزوير وإدارة نهج اللصوصية والسرقة لن يقل عن أحد رؤوس التحكم بالدولة من مستوى مدير عام ورئيس مؤسسة ووزير… وطبعاً ممن تقف وراءه أحزاب الإسلام السياسي (الطائفية) المتحكمة فعلياً بالسلطة تلك التي تمتلك إمكانات الضغط للابتزاز والنهب بستار قانوني وغير قانوني \ غير شرعي…
عند هذا القدر أتساءل: أليس صحيحا أن يؤشر المواطن موقفه تجاه كبار الرؤوس تلك التي نهبت قوْتَهُ وقوت عياله وسرقته حد إيصاله لمستويات الفقر المدقع!؟
وأتساءل: أليس صائبا بل واجباً أن يؤشر هذا المواطن الفقير مسؤوليتهم عن ظروفه التي أوقع فيها وأن يكون التأشير بالاسم لا بترديد عبارات عامة يجري تفريغها من محتواها ويُدام فعل الفساد… والتأشير بالاسم هو الذي يقدم المتهمين للمحاكمة.. و\أو على أقل تقدير، كي لا يُعاد التصفيق والتهليل لتلك الأسماء التي تتخفى وراء مسميات عوائل تتكئ على القدسية كما الحكيم والصدر أو لتلك التي تتخفى وراء قدسية مزيفة لمشروع الإسلام السياسي، كالمالكي والجبوري وغيرهما.. وهذه (الأسماء) ليست سوى مجرد أمثلة من طبقة مختلقة مصطنعة نابت عن محتلي البلاد في النهب والسلب وتعاونت معهم أو كانت في سدة الحكم ما يتطلب مساءلتها القضائية المباشرة للتعرف إلى مواضع الأموال المنهوبة والعمل على استعادتها…
العقل والضمير وسلامة القيم وصواب الخيار هو ما ينتظر أن يكون موقفكم يوم تنتخبون.. فلا تكرروا اللعبة العبثية وتعيدوا إنتاج قوى مافيوية أفسدت وأنهكت الأوضاع حد تفكيك الدولة والاقتراب من حافة هاوية التمظهر بكانتونات تحتكم لتوجيهات زعماء الحرب الطائفية ومافيات الفساد..
و لا تنتخبوا تلك الأسماء التي حكمت طوال عقد ونصف العقد؛ فهي جميعها اليوم تخضع للمساءلة القانونية القضائية بلا استثناء لأحد منها، وتلك فروض المسؤولية حين يتم إهدار الثروة الوطنية بهذا الحجم وحين يجري نهبها وبيع الوطن والناس…
أما كون تلك الشخوص المفسدة تتحدث عن العدالة الاجتماعية وعن الدولة المدنية وعن اتخاذ الديموقراطية والأغلبية السياسية طريقاً، فلقد خبرتم في عدد من الدورات الانتخابية مخرجات تلك الوعود الزائفة التضليلية ومخادعتها لكم..
إنَّها جميعا وعود مزيفة ضللت ومازالت وستبقى تضلل وتخادع لأنها تجسد هوية أصحابها بوصفهم طبقة تتحكم بمنظومة قيمية وبنظام سياسي كلي السلطة بطابعها الطائفي الذي يلغي تلك الهوية الوطنية للدولة والمجتمع والمافيوي الذي يفكك تلك الدولة ويحيلها إلى كانتونات يحكمها أمراء الحرب والفساد.. وبهذه الحال، لا ثقة بتلك العناصر ولا بوعودها مهما تلونت وتمظهرت..
تعيننا الوقائع على حجب نهائي صارم وحاسم للثقة وإن جسدت وجودها بهذه الدورة الانتخابية في تشكيلات حزبية يسمونها جديدة ولكنَّ حقيقتها تبقى مجرد اتخاذها تلك العناوين أقنعة ووجوه لإدارة اللعبة في المرحلة التالية..
وكما لاحظ الشعب وقواه الحية الواعية، أن الدجالين المضللين، كلهم سجلوا باسم المدنية والوطنية وهم في جوهر فلسفتهم، ليسوا سوى الطائفيين من حَمَلة فلسفة الغنيمة التي تعني بالضرورة عندهم، أنّ الوطن والشعب كلاهما غنيمة يقتسمونها بحسب حجم الانتصار في مخادعة جمهور من الشعب وفي حجم اغتصاب كراسي مجلس النواب …
والموقف المنشود يجب أن ينطبق على من تحالف مع الطائفيين المفسدين هو الآخر إذ لا يمكن الوثوق به ودفعه إلى منصة التصدي للفساد واستعادة الوطن وتحرير الإنسان من استغلال المفسدين واستعبادهم وإذلالهم له.. لأن الكرسي البرلماني الذي يأتي صدقة من طائفي يكون بلا صوت ولا فاعلية بل مجرد صدى لمن تصدق عليه بالكرسي على وفق محددات اللعبة وما يسود فيها.. إن المتحالف مع جناح طائفي قد يبرر ويسوق لموقفه بمحاولته الحصول على مقعد ولكن مهمة التغيير لا تمر عبر ذاك المقعد ولا عبر عشرات المقاعد المصادرة والمجيرة مسبقاً.. وكل العناوين والمانشيتات الاستعراضية لتوجه (وطني) وآخر (مدني) وغيره (إصلاحي) إنما هي وعود عرقوب التي لن يحظى منها الفقير بحفنة حنطة تسد رمق أبنائه…
كما أن الشعب لا يستجدي حقوقه ومن ثم لا يحتاج لقوى تمالئ المفسد وتقر له نظامه وتحتكم إلى منظومته القيمية؛ ولكنه يطالب بحقوقه بنضال عنيد وكفاح من أجل التغيير وهذه المرة لابد من التوكيد على مصطلح (التغيير) لا (الإصلاح وترقيعاته) مما يعيد إنتاج ذات المنظومة ومخرجاتها..
ومن الفساد والضحك على الذقون إعلان تحالفات ترفع شعارات المدنية وهي بجوهرها تسعى لبناء دولة ولاية الفقيه الدينية وما تعنيه من استغلال الجوهر البطرياركي واستعباد نظامها الهيراركي لإنسان المأسور خلف أسوار كانتونات تجسد سجن مفتوح الجغرافيا والمساحة ولكنه محكم في استغلاقه واستعباده..
إن قوى التغيير التي تنتمي للشعب ولفقرائه تبقى ذات مشروع واضح ومحدد ومستقل سواء في برنامج حراكه أم في القوى التي تحرص بدقة متناهية على بقائها نقية مستقلة عن أي تحالف مشبوه يزكي الطائفي المافيوي ويطيح بآمال الناس بسبب ما أحدثه ويُحدثه من احباط وتشتت وتمزيق أخَّر فرصة الانتصار للتغيير…
وهكذا فـ إنّ الترتيب الذي وضعت فيه مافياتُ الفسادِ العراقَ دولياً وعمق فضائحيته يظل إهانةً صريحةً للشعب واستباحة مطلقة الهيمنة على مقدراته؛ الأمر الذي يؤشر ضرورة الخلاص من نظام الطائفية الكليبتوقراطي ويحتِّم التغيير طريقاً وحيداً لحسم الصراع مع تلك السلطة ونظامها ورفض مخادعة الشعارات الإصلاحية وأضاليل منظومتها القيمية.
أولا بفضح قشمرياتها التي تضحك على الذقون وتحاول مجدداً ومرة أخرى تمرير مشروع إعادة إنتاج سلطة طبقة الكربتوقراط وبلطجتها المافيوية الميليشياوية؛ وثانياً بمزيد تمسك بمهمة التغيير ورفض ترقيعات ما يثسمى إصلاح العملية السياسية المبنية على منظومة مرضية أضارت بالعراقيين وتكاد تطيح بوجودهم في إطار تلك الهوية الوطنية التي عاشوها أكثر من عشرة آلاف عام منذ سومر ومرورا ببابل واكد وآشور وحتى يومنا.
فهلا أدركنا اللعبة؟ هلا استفدنا من التجاريب المنصرمة التي مازالت دماء ضحاياها لم تجف بعد؟ هلا اتخذنا قرارا يعبر عن وعينا بمسؤوليتنا تجاه التغيير الذي لا يأتي من دون الإجماع الوطني على هذي المهمة؟ هلا أدركنا أن التحرر وسلوك طريق إعادة الإعمار والبناء والتنمية والتقدم لا يمر عبر خنوعنا للمجرمين ممن خرب حيواتنا ودمر وجودنا الإنساني؟
وبالنتيجة المستفادة: لا إنهاء لجرائم الفساد بحجمها الراهن إلا بتغيير النظام وآلياته وإنهاء عملية فصَّلوها على مقاس حيتان النهب والجريمة؛ فمرة أتوا بعباءة الدين وقدسيته وأخرى بقبعة التكنوقراط المزيف ممن لا يحمل مشروعا وطنيا حقيقيا بقدر ما يحمل مشروع إعادة إنتاج منظومة الفساد.. وهذه المرة يريدون العودة بعباءة المدنية والعدالة الاجتماعية ، بينما المؤكد الواضح للعاقل الحصيف أنَّهم هم السبب في عدم بناء دولة علمانية ديموقراطية كان يمكن بناؤها في الـ15 سنة عجافا إذ اختار الشعب نظام العلمنة ودمقرطة الحياة طريقا له باتجاه أنسنة وجوده بعد حروب عبثية كارثية مازالت تتوالد وتفرخ المآسي التي تطيح بمزيد قرابين من الفقراء الأبرياء…
ألا تنبهوا، ولات ساعة مندم!
عن أي فساد نتحدث؟ وأي كارثة نتناول ونعالج؟ ما أسس منظومة الفساد ومنهج اشتغالها أو آلياته؟ وكيف يمكن للإنسان أن ينجو من تأثيرات نظام الفساد؟ وهل تناول ظاهرة الفساد كما تناول نظام الفساد بمجتمع ودولة بعينها؟ كيف يمكننا البدء بالتغيير؟ ما أسس الفساد وما أسس معالجته؟ هنا جانب من الإجابات في نموذج العراق بوصف البلاد مأسورة لنظام طائفي كليبتوقراطي يرتبط ببنية عميقة التداخل بمنظومة دولية لمافيا الفساسد وهو يحتل مراتب جد خطيرة للفساد… شكرا لاطلاعكم ولتفاعلكم