مقتبس من المعالجة في أدناه: “لا اشتغال للعقل العلمي ومنهجه من دون المعرفة. إذ يعيد العقل إنتاج الخرافة وخطابها ويجافي الروح العلمي وأسس منهجه في ظل تمكن الجهل منه و\أو في ظل انعدام المعرفة أو تدني مستوياتها وضيق حدودها حدّ تحولها إلى مجرد (خردة) معلومات صماء. وهكذا نرى في المعرفة سبباً رئيساً ومهماً لإرادة الفعل وقدرة الحركة وإنتاج الإيجابي البنَّاء.…“.
إنّ منهج العقل العلمي هو أسّ الفعل والقدرة على أداء الإيجابي منه: اتجاهاً ومضموناً.. ويمكننا الجزم أن الإنسان يبني أو يهدم في ضوء تبنيه منهجاً عقلياً بعينه. فلا اشتغال للعقل العلمي ومنهجه من دون المعرفة. إذ من غير ذلك يعيد العقل إنتاج الخرافة وخطابها ويجافي الروح العلمي وأسس منهجه؛ في ظل تمكّن الجهل منه و\أو في ظل انعدام المعرفة أو تدني مستوياتها وضيق حدودها حدّ تحولها إلى مجرد معلومات صماء.
ولكنَّ المعرفة تصير سبباً رئيساً ومهماً لإرادة الفعل وقدرة الحركة وإنتاج الإيجابي البنَّاء عندما يتم تبني سبل توظيفها ووضعها بنيوياً في إطار تكوين العقل العلمي وإغناء أدوات اشتغاله ومنهجه..
فما المعرفة إن لم تكن جملة العناصر المعلوماتية حصراً؟ في الحقيقة للإجابة عن هذا السؤال، نجدد الإشارة إلى قضية الخلط سواء بقصد أم من دونه بين المصطلحات وتحميلها معاني مختلفة عن معانيها ودلالاتها كيما يمرر من يريد إشاعة منطق الخرافة ما يريده بلا عبء وعقبات.. ولكننا هنا بهذه السلسلة التي نجدد توكيد أنها تستمد إطار جانب من تقسيماتها على مصادر بحثية سابقة، نريد أن نفصل بين اصطلاح وآخر لنمكِّن العقل العلمي من الحصول على أدواته المعرفية بوعي وإدراك تامين واضحين.
وقبل توضيح المصطلح نشير إلى حقيقة كنا عالجناها بموضع آخر ونوجز مضمونها في أنه: “لا ديموقراطية حقيقية بلا معرفة” ولهذا وكما سنتابع في هذه المعالجة فإنّ قدرة الفعل الإيجابي المستقل غير متاحة من دون توافر الأدوات المعرفية جوهراً للاشتغال.
عليه فالمعرفة فردياً شخصياً وجمعياً إنسانياً هي تمكُّن أو قدرة الذات الفردي و\أو الجمعي على إدراك ما يجري من أحداث ووقائع حولها واستيعاب عناصر المعلومات المكتسبة بوساطة التجربة الميدانية العملية و\أو بقدرة التأمل والفراسة وتفحّص الأشياء بمساعدة الكشف عن العلاقات بينها وما يحكمها من قوانين وضوابط.
إنّ قدرة الفعل التي يمتلكها العقل العلمي تعتمد على مستوى الاستنتاج وقدرة الكشف عبر رصد خطى الآخرين وتجاريبهم وما وصلنا من متراكم المنجز البشري وفرص مساهمة ذلك في تنمية الذاتين الفردي والجمعي. فلا فرديا يمكن استكمال قدرة الفعل من دون المعرفة المتقدمة ولا جمعياً أو في المجتمع الإنساني بمتاح اتخاذ قرار واختيار اتجاه ملائم صحيح وصائب إن لم تنضج المعرفة ومستوى توظيفها بذاك المجتمع.
إنّ المجتمعات ضعيفة المعرفة تظل سهلة القياد باتجاهات لا تتناسب وتطلعاتها وتتعارض مع أهدافها في تغيير أوضاعها. ولكن تلك المجتمعات تزداد قوة بوساطة تنمية قدرات أفرادها ومكوناتها وعناصر تركيبها وبناها؛ بخلاف التراجع الذي يصيب المجتمعات بصعود عناصرها الهزيلة أو المرضية، كما في إعلاء شأن التكوينات القبلية والطائفية على حساب التكوينات المعاصرة لمجتمع الدولة العَلمانية الديموقراطية الحديثة، ويشمل هذا حتى بعض عناصر منظمات متقدمة ثقافيا فكريا بما يجنحون به من تنظيرات وقرارات سلبية قد تكون جد خطيرة وتراجعية انحرافية تضليلية، أشير على سبيل المثال لقرار تحالف قوة بعينها مع قوة نقيضة بمختلف التبريرات التي تم سوقها…..
وهكذا فبخلاف ما يمكن تحقيقه نتيجة نشر المعرفة يُشاع التجهيل والأمية وتُحجب فرص اكتساب الخبرة والمهارة بحجب فرص التعليم وإهمال برامجه ومؤسساته، وغض الطرف عن حالات خواء العملية التعليمية من جهة وتفاقم حالات التسرّب بنسب جد عالية، دع عنك وقف أشكال الأنشطة الثقافية بمختلف ميادينها… طبعا أذكر هنا أيضا بالفروق بين مستويات التعليم بالعاصمة والمحافظات الأمر الذي لا يقف عند حدود مؤسسة التعليم وحدها بل يمتد إلى أمور أخرى أدخل بالثقافة المجتمعية ومن ثمّ قدرات الاستنتاج والاكتساب المعرفي وعمق توظيفه بمختلف مستوياته بما يعطل قدرة الإبداع والإنتاج الحقة…
وهذا الأمر بما يمهد له، يساعدنا على التعرف إلى أنواع المعرفة وطابعها وهوية الأداء من جهة كسبها وتوظيفها، فهناك معرفة يكتسبها الفرد بخبرات ومهارات ذاتية تنمو في ضوء سعة الاطلاع بالاتصال المباشر بمحيط ثر غني بعناصرها فيمكن كسب الأسس والمعلومات المخصوصة بما يدخل بمسمى المعرفة الشخصية ولكن هذه المعرفة قد تكون مجرد معرفة نظرية ملمة بالأمور الإجرائية نظريا من دون تجربتها عملياً لوجود حواجز بعينها تمنع من التحول من معرفة الإجراء نظريا إلى الإجراء ميدانياً فعلياً. وأعقد من الحالتين أو النوعين في أعلاه للمعرفة هناك معرفة افتراضية تأملية تتم عبر إدراك الحقيقة بوجود فاصل عن واقع تلك الحقيقة.
وبودي بهذه المناسبة أن أشير إلى السفسطائية وما تقدمه لنا من استعراضات وفذلكات أدخل بالإنتاج اللفظي السطحي من أن تقدم ما يساعد على تمكين العقل من قدرة العل وإرادته.. وبعض عناصر قوى تنويرية تلوك الألفاظ والمقولات النظرية لتضعها كما يقول العراقيون كمّن يخوط بصف الاستكان.. وبعيدا عن سلامة المعالجة من خطلها نؤشر هزال المعرفة الفاعلة عندما تلغي وحدة الإنسان مع مستويات التقدم من جهة والهدف المنشود من جهة أخرى فيقع بعض متخذي القرار في هوة التنظير بقعر حفرة الفخ سواء بعلم أم من دون علم وإدراك بحسب طابع ااشتغالهم ومرجعياته الضميرية أو تخليه عن المبدأ. والغش بهذه الحال يكمن في الفصم بين المعرفة ووجود الإنسان وواقعه وافتراض عيشه في الحلم والتمني لا في حقيقة الآخر وما يجره الخضوع لظلامي يدعي زيعل ما لا يؤمن ولا يعمل به..
ولقراءة الموقف من منظور ما تهدف إليه معالجتنا فإننا لا نتحدد في فهم مصطلح معرفة ودورها بالذات الفردي إذ أن هذه الذات تدخل في علاقات إنتاجية سلباً أم إيجاباً بإطار الذات الجمعي المعاصر الأمر الذي امتلك تعقيدات أخرى من قبيل ولادة مجتمع المعرفة مرتبطاً بصورة حيوية منتجة بالذات الفردي والجمعي. وهنا تحديداً نرصد الفعل الإنتاجي متبادل التأثر والتأثير في عملية إدراك المعلومات ومضاعفة اكتسابها وإعادة إنتاج إبداعي لجديدها بقصد توظيفه في خدمة الذات الإنساني بتمكينه من استخدام المعلومة في نسيج علاقاتها على وفق آخر التطورات التكنولوجية وتفعيل أدوارها البنيوية في حراك المجتمع وأفراده.
وبقدر تعلق الأمر بمثالنا في أعلاه فإن التمظهر الكاذب المخادع والتضليلي يفصم بين مجتمعي المعرفة والإنسان فيما يفرض منطق العقل العلمي ونهجه وحدتهما العضوية..
إنَّ مجتمع المعرفة غير منفصل عن المجتمعات المتحضرة بل يلعب الدور المميز الرئيس في حركته، فتمر التكنولوجيا بكل معلوماتياتها عبر العنصر البشري، وقدراته الإبداعية الفاعلة.. ولكننا لا نلمس هذا في مجتمعات التخلف، التي تقف على أعتاب الاستيراد السلبي لتلك التكنولوجيا ولمجمل المعرفة بلا أثر لقدرة الفعل.. وهنا يكون الفصام بين المجتمع البشري ومجتمع المعرفة بينما الصلة بينهما تظل صلة شكلية خارجية أو سطحية توظف المعلوماتية بما يدعم ويؤازر خطابها الظلامي بقصد الدجل والمخادعة وإعادة إنتاج الخرافة على شواطئ مهملة خارج الفعل وقدرة أدائه بمجتمع التخلف ولا نقول إبداع جديده.
إن مجتمع التمدن والدولة العلمانية يمتلك ثروة غير تلك المحددة بالماديات وهي ثروة المعرفة التوليدية المتحركة إيجابا إلى أمام عبر التحام مجتمعي المعرفة والإنسان ووحدتهما التكوينية، تلك السمة الوحيدة القادرة على استثمار رأس المال الفكري بمعنى منحه قدرة تقديم فائض إنتاج معرفي أكثر تقدماً وغنى وخصوصية حراك زمني نوعي يتصاعد إلى أعلى وإلى أمام ليعبر عن الإنسان بوجوده الفردي والجمعي..
هذه الميزة تقدم الروحي بمعانيه الثقافية المعرفية وبعلاقاتها المتحدة المرتبطة بالإنسان بخلاف الروحي في مجتمعات التخلف فما يُقدَّم هو قصْره أو حصره في الغيبيات وفي طقسيات ما أنزل الله بها من سلطان من جهة فيما ثروة الإنسان بوجوده الفردي والجمعي بمجتمع التخلف ليست سوى رأس المال المالي الذي يقيد الإنسان بل يستعبده ويذله فيسحق إنسانيته باستلابه العقل العلمي وبتعطيله اشتغال منهجه ومنطقه الأنجع…
وبالعودة إلى أسس بناء مجتمع المعرفة والكشف عن أسس تفعيل دوره وتوظيفه في خدمة الإنسان سنجد أن تلك الأسس تغيب بمجتمعات التخلف وتسود بمجتمعات التمدن. تلك العناصر نذكر منها على وفق اليونسكو: حماية حرية الإنسان في التعبير عن رأيه، وقدرته بل تمكينه من الوصول إلى المعلومات وتوفيرها بشفافية للمجتمع، فيما سيكون مبدأ رئيسا آخر، متجسداً في سلوك قبول التعددية والتنوع بالمجتمع واحترام الآخر بلا تمييز من أي شكل يقف عقبة بوجه المساواة بين بني البشر بمعنى يطلق الحوارات والتفاعلات إيجابا بينها، وطبعاً الأساس الرابع يكمن في حق متساوٍ للجميع في الحصول على التعليم وبالتأكيد التعليم المثمر الإيجابي بمناهج البناء والعمل وليس تعليم الملالي والإملاءات الماضوي بنهجه..
ولقراءة أوضاعنا العراقية وأين نحن، فإننا نقف اليوم بمواجهة انتقالة خطيرة في المجتمع الإنساني.. تكمن في التحول نحو اقتصاد المعرفة الأمر الذي يتطلب منا إن أردنا التغيير، تنميةً بشرية نوعية تفعّل مجتمع المعرفة وعلاقته بالمجتمع الإنساني؛ بطريقة كنا أشرنا إليها للتو..
ولعل أول أمورنا تكمن في نقلة نوعية للتعليم الأساس والعالي ولاختيار طريق التعليم بميادين سوق العمل التالي القائم على تكنولوجيا مختلفة نوعيا بالتمام عما نعيشه ولا نقول عما مضى فالمتغيرات سريعة الخطى كبيرة نوعية في معالمها..
الكارثة أن المجتمع (العراقي) اليوم يفتقد للأمن والاستقرار ومحروم من السلم الأهلي ومتفشٍ وسطه الخراب الروحي الثقافي ويسوده الانهيار المعرفي الشامل ومن ثم فهو مجتمع لا يمكن أن يقاد إلا إلى حتف مظلم الوقائع…
إن البون الشاسع بين مجتمعي التخلف والتمدين سيكون بين عالم الكهوف والمغاور والزمن الغابر وتفاصيل ما يجتره (اليوم) نظام ظلامي بكل معالمه وتفاصيل خطاه بمقابل عالم لم تعرفه إلا نسبية آينشتين الخاصة والعامة وتفاصيل تكنولوجيا العصر واستشرافات المستقبل..
فهل سنبقي على منطق العقل العلمي مقيدا بعقبات بلا منتهى أم سنحرره ونوفر شروط اندماجه بمجتمع المعرفة ليعود منتجاً مثمرا مؤثرا قادرا على قدرة الفعل وإرادة العمل أم أننا سنبقى بحدود التحدث الافتراضي النظري عن إجراءات لا تطبيق فيها ولا تحويلا لها إلى ميادين الفعل والعمل؟
كارثتنا تنظير بعض التنويريين لكسب مقعد في مجلس لا يشكل الهيأة التشريعية كاملة والمقعد صدقة تعطله عن الفعل فيصير بلا صوت بل مجرد صدى سلبي لصوات تتناقض وتطلعات التغيير والتمدين…
لأقف هنا عن ذكر الأمثلة وأترك ما قدمته معالجتي اقتراحاً بين أيديكم لتردوا عليها أو هفواتها أو لتمتاحوا منها ما تشاؤون وتضعوا التفاعلات التي ترون، ففي هذي المعالجة بعض وسائل التطبيق والتحول لمستويات الفعل وتحريك القدرة على اتخاذ القرار الميداني التطبيقي العملي وفيها بعض أمثلة وغشارات تتطلع لتداخلاتكم المشرقة، كي لا نكون سلبيين في ونحن اقدر على امتلاك قدرة الفعل بفضل ما نملك من معرفة نوعية مختلفة عن السائد من السلبي…
برجاء لمزيد تفاصيل التفضل بالبحث في مادة معرفة في غوغول وما فيه من معاجم وبحوث
زاوية نوافذ وإطلالات تنويرية حلقات 1- 25 الروابط أدناه
زاوية نوافذ وإطلالات تنويرية \ د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
موقع الصدى.نت
توطئة: اخترتُ تسمية نوافذ، لأنّ كل معالجة تتجسد بموضوع بعينه يمثل (نافذة) من النوافذ ليمر إلى جمهوره عبر تلك النافذة؛ في حلقات.. تمثل كل حلقة (إطلالة) من الإطلالات التنويرية. ومن هنا جاء اختيار اسم الزاوية كونها (نوافذ) تمر عبرها (إطلالات) تنويرية الدلالة والقصد. بمعنى أنّها تجسد محاولة لـ تلخيص التجاريب الإنسانية بجهد لمحرر الزاوية؛ متطلعاً لتفاعلات تجسد إطلالات المتلقين بتداخلات ورؤى ومعالجات مقابلة، يمكنها تنضيج المشترك بين مقترح النوافذ وإطلالاتها التنويرية وبين توصيات المتخصصين والجمهور وما يروه حاسماً في تقديم المعالجة الأنجع.
مرحبا بكنّ، مرحباً بكم في زاوية ((نوافذ وإطلالات تنويرية))، إنها محاولة لتفتيح النوافذ ومن ثمّ تفتيح البوابات وجعلها مشرعة للحوار الأنجع والأكثر تنضيجاً لمعطيات تجاريبنا
نافذة (1) بعنوان: منطق العقل العلمي ومنهجه.
نافذة (2) بعنوان: منطق العقل العلمي وفلسفة التسامح
نافذة 3: منهج العقل العلمي وقدرات الفعل
سلسلة إطلالات تنويرية للنافذة الأولى كل إطلالة هي حلقة من سلسلة حلقات المعالجة التي تصب بتناول منطق العقل العلمي ومنهجه:
نوافذ وإطلالات تنويرية \\ نافذة 3: منهج العقل العلمي وقدرات الفعل \\ إطلالة 25: منهج العقل العلمي بين المعرفة والجهل
نوافذ وإطلالات تنويرية نافذة 02 \\ 22 منهج العقل العلمي بين آلية بنيوية سليمة وأخرى للتمظهر والإيهام
نوافذ وإطلالات تنويرية نافذة 02 \\ إطلالة 21 منهج العقل العلمي بين الانفتاح على الآخر ورفضه المسبّق