نوافذ وإطلالات تنويرية نافذة 3: منهج العقل العلمي وقدرات الفعل عنوان إطلالة 24: ارتباط اشتغال العقل العلمي بمستوى الوعي
مقتبس: “إنَّ اشتغال العقل العلمي ومستوى فاعليته وسلامة خطاه يرتبط بثبات بمستوى وعي المرء والمجتمع برمته ويكون التناسب طردياً بينهما؛ إذ يرتقي المنجز مع تقدم الوعي وسطوع مستوياته وينخفض وينهار منهج العقل العلمي مع اضمحلال الوعي وسيادة التخلف ومنطق القسر والإكراه في العلاقات وفي خطى الإنجاز…“.
نوافذ وإطلالات تنويرية نافذة 3: منهج العقل العلمي وقدرات الفعل إطلالة 24: ارتباط اشتغال العقل العلمي بمستوى الوعي
يتحدد العقل العلمي بمنطقه ومنهجه وطابعهما؛ كما يتحدد بمستويات ما يمتلك ليس من معلومات جامدة صامتة كما الأرقام الريضاية المجردة، إنما بمستوى قدراته في الربط بين المعلومات وتحويله من أرقام صماء إلى علامات دالّة منتجة للدلالة ومثمرة بخطى بناء الإنسان وحياته حيث يمضي في بناء وجوده بأكمله…
إنَّ تلكم الحدود، تتيح لنا بل تفرض علينا التساؤل عن جوهر ما يكوّن العقل العلمي ويطبع منهجه بمسار بعينه.. وهنا لابد لأنسنة وجودٍ، لابد من أسس وتوصيف موضوعي مناسب.. فما العلامة الفارقة الأولى لاشتغال العقل بمنهج يؤنسن وجود صاحبه؟
وللإجابة عن التساؤل، لابد من التعرف إلى وسائل ربط العقل بين ما يمتلك من معلومات متفرقة كتفرق الأرقام الصماء… وهنا نجابه منطقاً بعينه يتمثل في منح كل مفردة معلوماتية رمزية بعينها وشفرة هي (حامل) لمعنى تتحدد اتجاهاته عند اندماجها في سياق بعينه لتمنح دلالة تركيبية جديدة..
إن هذه السمة التي يمتلكها (العقل \ الدماغ) باختيار اللفظ الذي نريده بحسب منطلق التسمية التي نوظفها، أهي: فلسفية \ منطقية أم فسيولوجية \ أحيائية؟ أقول إن تلك السمة توجه مفهوماتنا لقدرة الفعل عندنا في ضوء منعج العقل عندنا.. فالفعل تركيبي بنائي في اتجاهه ومعاني قدرة الإنجاز فيه عند اتخاذ منهج العقل (العلمي)؛ فيما هو هدمي تخريبي مثير للعقبات بأفضل أحواله عندما يعتمد منهج الخرافة ومنطقها وآليات اشتغالها.
ولا يكفي هنا لتعرفنا إلى طابع قدرة الفعل ومحدد اتجاهه أن نرصد كمّ المعلومات الرقمية المجرد عند فرد.. فهناك متخصصون بميادين الحياة باختلاف مناحيها.. هناك عمال وفلاحون وموظفون وبينهم كثير من أصحاب شهادات للتوظيف واتخاذ مهنة بعينها ما يشير بوضوح إلى كم معلوماتي يشتغل العقل في ضوئها، لكن لا رابط بين الاشتغال المهني الصرف البحت المحض وبين العيش المؤنسن قيمياً سلوكياً…
ولربما وجدنا (بعضاً) من أصحاب مهن بما لهم من معلومات وربما تميز مهني لا يحسنون العلاقات الإنسانية ولا قراءة الحياة البشرية ومتطلبات أنسنتها.. إنهم لا يملكون لا وسائل الربط ولا إقامة جسور بين ما يمتلكون وحيواتهم ووجودها وسط بيئة إنسانية بعينها…
فــ كي نقرأ الأمور بدقة وتحديداً قدرة الفعل واتجاهه لابد لنا من التفكر بموضوعة (الوعي) اي بما نفهمه وندركه ونحفظه متقبلين طابعه ومنطقه، ولكن بصورة أعمق وأشمل وأدق فإنّ الوعي حال يكون العقل فيها ممتلكاً قدرة الفعل عبر إدراك تفاصيل الاشتغال واتجاهه وبالتأكيد بحتمية الربط بين المعارف والعلوم والحياة بكل معطيات البيئة أو المحيط الخارجي للإنسان بوجوده الفردي \ الجمعي..
والوعي هنا، لا نريد به الثقافة بمفهومها الأشمل ولكن نريد به ملكات المحاكمة المنطقية بما يتضمن الحال الشعورية وقوانين إدارة الحراك والعلاقات وجسورها.. ومن ثمّ منتهى القرار بتحديد طابع الانتساب للبيئة أو المحيط الطبيعي والمجتمعي الإنساني. ولربما كان الوعي منقوصاً أو جزئياً يعبر على ممر ضيق من جسور العلاقة بالمحيط ولا يدرك الصورة بمشول وجودها وقد يبتعد أكثر فيصير وعياً زائفاً أو تغيب فيه مناحي الإدراك فيبرز منطق الخرافة على أكتاف الوعي الزائف غير المعبر عن وجودنا المترابط بالضرورة بين مجمل أركانه..
ولأنّ الوعي ليس عمليات سايكولوجية منعزلة بل هو فعالية أعمق وأشمل في تضمنها قضايا الفكر والشعور والتخيل، يمكننا في ضوء موقفنا هذا تصنيفه بين وعي عفوي مثلما يتشكل وعي الفنان الفطري ووعي تأملي يتطلب حضورا ذهنيا متقداً لتشغيل العقل منطقه؛ ثم الوعي المعياري المتحدد بمضامين الأشياء ودلالاتها قيمياً سلوكياً بالمعنى الأعم والأوسع لمصطلح أخلاقي فلسفي للوعي…
إنّ وعي الذات عبر علاقتها وموقعها وسط محيطها هو محاولات تلك الذات الفردية و\أو الجمعية لتشخيص المحيط والعمل على تغييره على وفق متطلبات الذات وحاجاتها وتطلعاتها كما يرد عند هيغل..
يرجى النظر أيضا بمادة وعي في الويكيبيديا لتفاصيل نوعية أخرى https://ar.wikipedia.org/wiki/وعي
لكن الوعي لا يبقى حصراً بحدود الذات بل يتبدى من خلال وجودنا الموضوعي وعلاقتنا بهذا الوجود.. وطبعا هنا نحن مع مبدأ تبادل التأثر والتأثير بين وجود ذاتي وبين عالم محيط نتعرف فيه وإليه عبر إسقاطات تنفتح بوعينا وتظهره للعلن والوجود عبر سياقات علاقاتية وجسور مفتوحة لا منعزلات فيها.وعلى أسطح الجسور حين أرى الآخر \ الآخرين تطفو صورتي \ ذاتي وأراه بعيداً عني عبر عيون الآخر، إن الآخر يكون الوسيط الذي أرى فيه ذاتي وأحسها وأتعرف إلى ملامحها فأوجهها إلى حيث نقاط التقاء على تلك الجسور المشتركة أو في الميادين التي تؤدي بنا أنا والآخر فتوصلنا الجسور إلى ملتقى يحكم علاقاتنا سوية أو مضطربة..
وإذا كنتُ هنا أحاول الربط بين الوعي وبين تصورٍ للذات الفردي أم الجمعي، فإنني أتفق مع الرأي الفلسفي الذي ينص على أنّ الوعي يشمل جميع الأنشطة الإنسانية، بوصفه البناء الفوقي للوجود الإنساني. ونحن لا يمكن أن نرى الوعي بمعزل عن بيئتنا وعلاقات الإنتاج فيها، أو لنقل البنية التحتية ستحدد البنية الفوقية بتبادل تاثير وتأثر إيجابي المنحى لا بصيغة انعكاس صورة بمرآة سلبيا…
وبالعودة للوعي الحقيقي الذي يدرك الواقع فيستطيع التأثير فيه والوعي الزائف الذي يكرس السلبي قيمياً كما بتكريس منطق الخرافة والخنوع أو الاستسلام لاتجاه أحادي في تفعيل وجودنا؛ فالآخر الذي يسطو على كل شيء مادي يسطو على من يمتلك وعيا زائفا أو لا يمتلك الوعي جوهريا ويوجهه إلى حيث يشاء من ترهات استغلال الإنسان واستعباده بإلغاء شخصيته المحسوسة والمعنوية وإحالتها إلى آلة صماء لتلبية رغبات ورؤى مرضية بالمحصلة…
ولأن الوعي وإدراك الواقع المحيط بالإنسان الفرد والمجموعة يرتبطان بتراكم التجاريب وتناقلها بوساطة اللغة فلقد بات من النصوص (بعضها) ما يُسقط بعضهم عليها القدسية والعصمة وسمة المطلق فيفرض سطوة على العقل ويعطله ولا يسمح له بالاشتغال وإنما بلاستجابة لاتجاه الأوامر العليا التي تأتيه بظلال تلك النصوص وأقوال وفتاوى شخوص يصادرون الوعي الخاص والعام.أشير هنا إلى رجالات الدين السياسي أو الإسلام السياسي الطائفيين المتربصين بالناس بوساطة سطوة ما يسمونه مرجعية دينية بزيف تلك المرجعية الناطقة باسم الاستغلال وتعطيل الوعي ومن ثم تعطيل اشتغال العقل العلمي منهجا وقدرة فعل..
على أن فرويد وعلماء النفس يرون أن بعضا من اشتغالاتنا قد لا تعود للوعي ومعطيات الإدراك فيه ولكن تساهم بنسبة بعينها تأثيرات اللاشعور في قراءة جدية لبعض ما يطفو من سلوكيات عند الفرد أو في مجتمع بعينه، بخاصة هنا حالات الانحرافات والشذوذ أو ما يُظن سلامته ولكنه لا يعبر عن سليم الوجود الإنساني الفردي والجمعي…
إننا نستطيع في ضوء هذه القراءة أن نقول: إن المرء لا يختار بسلامة طريقه أو الشخصية المناسبة ليضعها في المكان المناسب إذا ما غاب وعيه أو انخفض مستواه وتخلخل كما في حالات الوعي الجزئي أو الوعي الزائف.. وهو يمتلك قدرة الفعل وسلامة الاختيار مع مستوى وعي متقدم يكف هنا حتى تأثيرات اللاشعور ويحد منها لتظهر قوة الإيجاب في النشاط العقل وفي تشغيل منهج علمي ومنطق موضوعي يتقدم بالإنسان وجودا ينتمي إلى بيئته ويشاركها الفعل إيجابا وإيجابيا…
وطبعا بهذه الحال يلزم في مجتمعات التخلف التركيز على إطلاق مستويات التنوير والتوعية والتثقيف وبخلافه فإنه حتى المتمدرسين المتعلمين لن يكونوا سوى آلات مضافة تخضع لتوجيه قوى الاستغلال في المجتمع…
فهلا أدركنا ووعينا حقيقة مجريات الأوضاع بمجتمعات شرق أوسطية مبتلاة بالتجهيل وإشاعة التخلف ومنطق الخرافة؟ لربما ساعدنا ذلك على تجنب خيارات تلتبس فيها المفاهيم وتختلط الأوراق فنساهم بتمرير دوامة التجهيل وإن كانت النيات مختلفة..
آمل أن ندرك وأن نعي وأن نساهم في مسيرة نشر الوعي الإنساني الأسمى بعيدا عما يشاع من زيف يربط الناس فرادى وجماعات بمراكز الاستعباد وإذلال الإنسان وتشويه إنسانيته..
وتلكم هي النسبة الطردية بين مستوى الوعي ومستوى اشتغال العقل بمنهج علمي ومنطق موضوعي سديد مؤمل…
زاوية نوافذ وإطلالات تنويرية حلقات 1- 24 الروابط أدناه
زاوية نوافذ وإطلالات تنويرية \ د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
موقع الصدى.نت
توطئة: اخترتُ تسمية نوافذ، لأنّ كل معالجة تتجسد بموضوع بعينه يمثل (نافذة) من النوافذ ليمر إلى جمهوره عبر تلك النافذة؛ في حلقات.. تمثل كل حلقة (إطلالة) من الإطلالات التنويرية. ومن هنا جاء اختيار اسم الزاوية كونها (نوافذ) تمر عبرها (إطلالات) تنويرية الدلالة والقصد. بمعنى أنّها تجسد محاولة لـ تلخيص التجاريب الإنسانية بجهد لمحرر الزاوية؛ متطلعاً لتفاعلات تجسد إطلالات المتلقين بتداخلات ورؤى ومعالجات مقابلة، يمكنها تنضيج المشترك بين مقترح النوافذ وإطلالاتها التنويرية وبين توصيات المتخصصين والجمهور وما يروه حاسماً في تقديم المعالجة الأنجع.
مرحبا بكنّ، مرحباً بكم في زاوية ((نوافذ وإطلالات تنويرية))، إنها محاولة لتفتيح النوافذ ومن ثمّ تفتيح البوابات وجعلها مشرعة للحوار الأنجع والأكثر تنضيجاً لمعطيات تجاريبنا
نافذة (1) بعنوان: منطق العقل العلمي ومنهجه.
نافذة (2) بعنوان: منطق العقل العلمي وفلسفة التسامح
نافذة 3: منهج العقل العلمي وقدرات الفعل
سلسلة إطلالات تنويرية للنافذة الأولى كل إطلالة هي حلقة من سلسلة حلقات المعالجة التي تصب بتناول منطق العقل العلمي ومنهجه:
نوافذ وإطلالات تنويرية 02 \\ 22 منهج العقل العلمي بين آلية بنيوية سليمة وأخرى للتمظهر والإيهام
نوافذ وإطلالات تنويرية 02 \\ إطلالة 21 منهج العقل العلمي بين الانفتاح على الآخر ورفضه المسبّق