هذه معالجة موجزة وتتركز على وجه من أوجه المشاركة في الشان العام بين الفاعلية والسلبية.. وهي تقرأ القضية بأطرها الرسمية الحكومية المؤسسية وتلك التي تدخل بإطار تشكيل الرأي العام بعيدا عن الارتباط المؤسسي الحكومي بإطار الدولة والمنظماتي الجمعوي بإطار مؤسسات المجتمع المدني.. أقصد تلك التي تعنى بالتعبير عن الرأي في إطار الحراك المجتمعي العام غير الموجود بأطر لوائح مؤسسية واشتراطات آلياتها.. كيف ننظر لذاك الوجه من القضية هو ما تركز المعالجة هذه عليه بأمل الاتساع بوقت لاحق في أوجهه الأخرى وبقبول التداخلات المتنوعة التي تغني وتثري القضية .. فتحايا لكل التفاعلات
قراءة في ضرورة المشاركة الفاعلة في الشأن العام ورفض السلبية
بعض احتمالات العمل العام بين إلزام بالاستقالة ورفض للاعتكاف
للحكومات والمنظمات برامج إن لم يستطع العامل فيها أن يحققها، يستقيل.. ولكن ماذا بشأن المفكر في الشأن العام ممن لا يعمل بمؤسسة حكومية أو منظمة، عندما يخطئ أو يتعثر؟
توجب الآليات واللوائح والقوانين على العاملين في إطار الدول ومؤسساتها وفي المنظمات وتشكيلاتها عندما لا يستطيعون تلبية شروطها وتحقيق برامجها، توجب الاستقالة وتلزم بها.
لكن الأمر قد ينعكس بمعنى ينقلب في الاتجاه، بالنسبة للعاملين في الشأن العام من كتّاب ومفكرين، ممن يوصون بأطر العمل ومساراته، عندما يتعثرون أو يخفقون في معالجةٍ ما.. حيث لا توجد جهة يستقيلون منها؛ ولكن يوجد (محفل عام) هو ذاته الذي كانوا يساهمون في صياغة (الرأي العام) فيه؛ واكتشف عدم دقة أو صواب ما أوصوا به.. هذا المحفل العام هو من ينبغي أن يعتذروا منه تجاه الزلة أو الهفوة أو العثرة فيما قدموه من فكرة أو رؤية أو معالجة.. ولكن هنا القضية لن تُمارس بصيغة (الاستقالة) وآليتها بل أن يواصلوا العمل والاشتغال على وفق ما تفرضه الوقائع من صواب، بما لا يقبل قطعاً ونهائياً باية مواقف سلبية تجاه العمل العام وأية قطيعة أو اعتكاف وابتعاد عن هذا الشأن. فالعمل العام يبقى أفضل وأنجع كلما ازداد حجم المشاركة وتتفاقم فرص انحرافه والخطأ فيه كلما تركز أمر قيادة هذا الشأن بأيدي عدد أقل من حجمه الإنساني…
ولأتوقف هنا قليلا قبل المتابعة:
لأقول إن شعبا يشارك في التصويت الانتخابي بنسبة 75% أفضل في توجيه الخيارات من شعب يشارك بنسبة 50% أو 25% إذ لا تنعكس ولا تتجسد الاتجاهات الشعبية في الخيار كلما انحدرت وتدنت نسب المشاركة..
ولكن هناك صورة أخرى، مما أريد وضعها تمهيدا لما سأتابع به، وهي صورة لهزال المشاركة، تلك التي تتأتى بأسس عاطفية وتأثيرات القرابة والصحبة ومعايير الانتماءات ما قبل الدولة الحديثة من قبيل العشائرية والطائفية والمكوناتية الفئوية بسلبية الوجه المختار منها.. وهذا يظهر في أجواء الأمية الأبجدية والثقافية الحضرية التي تعني تحكّم عدد أقل من موجهي الرأي العام بأصوات أولئك الحجم الأوسع مشاركة بصورة عمياء، فتخرج النتائج تكريساً لتوجهات تلك الأقلية المتحكمة بالرأي العام…
لماذا عندما يخطئ أمرئ في الاختيار أو في القرار ويلاحظ أن قراره لم يأتِ بما تطلع إليه، ينسحب ويقاطع ويعتكف؟
السؤال الأدخل في الواقع مما يجري اليوم على سبيل المثال لا الحصر: لماذا ينسحب المرء عندما تدلهم الخطوب بسبب طوفان الرؤى السلبية المتناقضة وتفشي خطاب الخرافة والتخلف، ومنها حالات الانقسام والتمترس في تخندقات تتحكم بها قوى مصطرعة على تقسيم لا الثروة حسب بل الناس المجَّهلين المضلَّلين؟
هذا يشمل (بعض) كتّاب ومفكرين يرون أنهم دفعوا جمهورهم إلى موقف صدمهم أو أثار إحباطهم وينعكس هذا على الرأي العام نفسه، أقصد قسما مهما من هذا الرأي العام ويكون تردي المشاركة في صياغة المسيرة وبرامجها منحدِراً باستمرار حتى تتكرَّس سلطة سلبية تتغول وتسطو على الأوضاع…
مطلوب دائما الاتعاظ من التجاريب ومن تفاصيل نتائجها ومواصلة المسار الحياتي بلا توقف؛ فلا يوجد في الشأن العام وفي حياة المرء العادي صواب توقف أو انقطاع عن الحياة ومسيرتها…
كما أن مواصلة المشوار لا تكون بالتقلبات في ضوء الانكسارات والاحباطات بل بمتابعة السير باتجاه الهدف والتمسك به وإن تغيرت الآليات وتفاعلت في ضوء طابع التوازنات في الصراع بين تحقيق المطالب ومن يقف بوجهها.
إذن، ينبغي النظر بعمق إلى الفروق في احتمالات العمل العام بين إلزام بالاستقالة من مسؤولية وظيفية في مؤسسة حكومية أو منظمة أو جمعية ورفض للاعتكاف و\أو رفض اعتزال الشأن العام؛ إذ الجوهر في الحالتين هو إدامة العمل بأفضل شروطه وسبله التي تحقق البرامج وخطى مسيرة البناء.
في الأولى فإن الخبرات والطاقات المتجددة تتعاضد كي تدفع بالمؤسسة أو المنظمة لمواصلة المشوار بفضل تبادل الأدوار بحسب القراءة الأنجع لوضع المسؤول المناسب في المكان المناسب وطبعا في التوقيت المناسب أيضا.
وفي الثانية لا يوجد ما يقتضي تبديل المواقع الوظيفية بل يوجد باستمرار مطلب مشاركة أوسع وبتمكين الخبرات من التعاضد معا فعل إيجابي لا انكسار فيه ولا احباط ولا اعتكاف لقوة من قواه بل تضافر الجميع وتبادلهم الرؤى والخبرات بلا توقف…
فطول مدة تسلط قوى الاستغلال، قوى الظلام، قوى الشرّ يحدث بسبب انقطاع جمهور متزايد الحجم عن العمل واعتكاف أوساط جديدة وتقوقعها حول الذات الفردي أو الفئوي وهذا بحد ذاته موقف ولا يعفي المرء من مسؤوليته تجاه الشأن العام وسبب البلاوي والمشكلات التي تعصف بتفاقم في المجتمع..
فكرة أقترحها على قارئتي وقارئي بما يذكرهما بضرورة المراجعة تجاه أي محاولة للانكفاء أو الابتعاد عن الشأن العام لمجرد مجابهة ظرف أو آخر أحبطهما أو دفع بهما لخيار سلبية التفاعل بالانقطاع عن المحيط! مقترحي يفيد بضرورة إعلان أشكال المواقف في إطار تفاصيل اليوم العادي بإطار الشأنين الخاص والعام، بلا تردد أو سلبية أو تكاسل عن إبداء الرأي. لأن ذلك مما يغني ويثري في بناء الشأن العام وخطاه الإيجابية…
فهلا تفهمنا الإشارة والمقصد هنا؟ وهلا وظفناها في اتخاذ القرار الأنسب والأنجع لمساراتنا كافة؟؟؟