نوافذ وإطلالات تنويرية .. نافذة 1 (منطق العقل العلمي ومنهجه) .. إطلالة تنويرية 14 (عقبة الخضوع لسلطة الرغبات والأماني) .. يكتبها الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي. تُنشر كل أحد في موقع الصدى نت ولاحقا بألواح سومرية معاصرة
مقولة المعالجة:
إن الخضوع للرغباتِ، منفلتةً من المعايير، باستنادها لتضخمٍ سلبي، يحيلُ المرءَ إلى قوة ابتزاز بناءً على ما تُحدِثُهُ حالُ الخضوعِ لتلك الرغبةِ من عقبةٍ بوجهِ منطقِ العقل العلمي ومنهجِهِ ومن ثمّ في إباحةِ كلِّ فعلٍ يُوهِمُ بتلبيةِ الرغبات الفردية والجمعية في التسلط وفي استباحة المحيط المجتمعي.
عنوان الإطلالة: منطق العقل العلمي بمجابهة عقبة الخضوع لرغباتٍ تتبدى سلبياً
كما في كل إطلالة بقصد التنوير وكشف الدوافع والعقبات التي تشكل عناصر تفعيلية لمنطق العقل العلمي وخطى منهجه أو تلك التي تشكل عراقيل تجابهه، نبدأ (عادة) بتعريفات منها معجمية لغوية ودلالية ومنها فلسفية اصطلاحية أو قيمية أخلاقية بالمعنى الأوسع للمصطلح. وهي توطئة للتعريف بما نحن بصدده في تبادلنا الرؤى والمقترحات، والاستفادة من المعالجة بكفاية مناسبة للإغناء؛ وبجميع الأحوال نعتمد مرة الذاكرة وما تمتلك ومرات ما ينشطها ويستعيد المعلومة المناسبة.
ولأنّنا هنا، بصدد متابعة معالجة مادة العقبات وتحديداً وصلنا إلى فقرة منها تعالج الرغبات والأماني في وجهها المعرقل، فسنتحدث بشيء من التمهيد عن (الرغبة). المتأتية من الفعل رَغِبَ فهو راغب في أمر أو عنه، وللمرء رَغْبَة في أمر أو به، بمعنى حَرَصَ المرءُ على الحصول على الشيءِ وطمِع فيه. وتتعدد الاستعمالات اللغوية وتتقلب المعاني مع وجود الأحرف الملحقة. فقولنا: رَغِبَ إليه: أي ابتهل فطلب وسأله أمراً. أما رَغِبَ عن الأمر: فالقصد هو أنه ترَكَهُ قاصدا متعمداً أو ترفَّع عنه وعليه. و رَغِبَ بنفسِه عن امرئٍ فيراد بها، رأَى لنفسه على ذاك المرء فضلاً.. وإن أراد للمرء أن يكره أمراً قيل رغب به عنه أي عن الأمر الذي أراد له أن يكرهه..
والرغبة من قبل وبعد ترتبط بالحاجة عند الإنسان حتى تختلط أحياناً على بعضهم على الرغم من تمايزهما اصطلاحياً. ولحجمها النفسي في آليات نمو الإنسان واشتغال منطقه لا يمكن التعرف إليه، إلا في ضوء قراءة نفسية، قيمية فلسفية للرغبة، فالإنسان راغبٌ غريزياً؛ تجسد الرغبة عنده سمةً تكوينية لمسيرة النمو والفعل…
وكما أشرنا قبل قليل تدل الرغبات على ميول الشخصية أو الشخصيات وعملها لتحظى بشيء و\أو أمر تفتقدهُ في اللحظة المعينة، وقد يكون الميل بالعكس ينم عن التوجه للتخلص من ذاك الشيء أو الأمر. وإذا كانت الرغبة قيمة سلوكية بتعريفنا إياها كونها الميل للحصول على شيء أو التخلص منه، فإن ذلك يرتبط بأمور أخرى منها جوهرياً، الحاجة التي تجسد أو (تعني) الضرورة التي تتأتى طبيعياً مادياً أو تتأتى بسياق نشوء معنوي في المتلازمات الاجتماعية. ومنها الاحباط الممثل بإدراك عائق يجابه تلبية الرغبة. حتى ننتهي هنا برصد العلاقة بين هذه العوامل بما يحدد الشخصية ويرسم اشتغال منطقها العقلي ومن ثمّ حجم نموها ودرجة تسارعه أو التباطؤ فيه، بحسب الوقوف عند الرغبات الأولية (الجسدية) أو التقدم نحو رغبات جديدة كما امتلاك الأشياء و\أو الماديات ثم الأشياء الروحية والقيمية الأخلاقية بالمعنى العام ومؤكد قمتها القيم المعرفية العلمية في ضوء مستجدات ولادة حاجات جديدة للإنسان وكذلك رغبات مرافقة لتلك الحاجة.
وبإطار رغباتنا نجد سمات حبّ البقاء وطلب الكمال وذاك الفضول أو الولع بالبحث عن الحقيقة وحب الاقتدار على أداءٍ أو إنجازٍ، تلبيةً للاكتفاء الذاتي من جهة وتعزيزا لاستقلالية تفرض وجود الشخصية وسلطتها وتمكّنها من منصب أو كرسي سلطة أو جاه وطبعاً أغلب تنوعات استعراض الاقتدار تبحث عن تسجيل غايات مادية ملموسة كما تلك التي اسميتها للتو من مناصب وجاه وسطوة وسلطة، وربما أغلب ما يلبي هذا هنا هو جانب ذاتي (بعضه غريزي)، سيرافقه جانب مكتسب من المعارف والعلوم والخبرات بما يعزز القدرات بتنوعاتها، بقدر تعلق الأمر بالحاجات والرغبات القيمية الروحية.
وتسعى القوى الجمعوية من مدنية وحقوقية وأخرى سياسية ومهنية (مثل مختلف المنظمات) واقتصادية (كما الشركات) وعسكرية كما الجيوش والميليشيات، تسعى تلك التشكيلات أو الشخصيات المعنوية للهيمنة وفرض السطوة بمختلف أساليب الفعل السليمة وغيرها ولكنها جميعها تعود لمنطق الاقتدار وما توافر له من أدوات مثلما أيضا الشخصية الملموسة المادية كما الرياضية التي تتدرب وتكتنز التجاريب لتعزيز الاقتدار على تحقيق انتصار بعينه، طبعا يجب التشديد على أن العقبة تتولد هنا فقط بالاستناد للسلبي من استغلال منطق الاقتدار وما يلبي من الرغبات على حساب منطق العقل العلمي وأحكامه وفروضه..
ومتابعةً لمنطق الرغبة سنجد أن البحث عن الحقيقة بشقيها لذاتها أو ليس لذاتها وإنما لمقاصد أخرى، يترتب عليه نتائج تتقدم مرة وتتعرقل في أخرى بحسب تفعيل تلك الرغبة وبأي اتجاه وما الأولويات التي يضعها المرء في بحثه عن الحقيقة؛ ولربما رافقت قضية الاعتقاد بأمر أو منح مشاعر التحرر والانعتاق منه سبباً في التركيز على حقيقة وشكل بحث عنها ومن ثمّ تقييد الرغبة أو منحها الحرية بما يجعلها دافعاً أو عقبة كما سنرى في إشاراتنا الموجزة هنا.
ولابد لنا من التوكيد على متناقضات الرغبات التي تتزاحم فيما بينها لتولد الرغبة الأقوى باتجاه إيجابي أم سلبي ونحن طبعا هنا باتجاه تحديد السلبي بوصف موضوعنا يركز على الرغبة بإطار كونها عقبة أو كونها مثيرةً للعقبات والعراقيل أمام منطق العقل العلمي ومنهجه.
إن سمة الرغبات والأماني التي نمتلكها تعني بالضرورة، كما لاحظنا من التمهيد النظري في أعلاه، الميل لتصديق ما يلبي رغباتنا وميولنا ولو من بابٍ متوهم.. وفي الغالب تمر عبر طريقة: أدري أنك تكذب عليّ ولكنني أصدقك ولا أستطيع الإشارة لوهم ما قلته لي، لمبررٍ يخص رغبتي أو بالأحرى يلبي رغبتي الآنية أو المبيتة البعيدة. إنها اتفاقية تتم افتراضيا بين طرفين يوافق الثاني منهما على تمرير كذبة أو دجل أو تضليل مع إداركه لزيف ما وصله، طبعا ذاك التمرير أو التصديق مفاعل بمبرر تلبية رغبة في نفس المرء.
مثل هذا يقع بالضبط في منطقة عرقلة منطق العقل العلمي لأن الرغبة هنا تكون قامعة للحقيقة مرحبة بالبديل المتوهّم. وطبعا هنا سنجابه ما يوقعنا بحقيقة مريرة هي حقيقة إنكار قدرة العقل ومنطقه على الأداء والفعل أو الإنجاز؛ في ظل غض الطرف عن القمع الواقع على اشتغال منهج العقل العلمي عرقلة خطاه، وبالاستناد إلى حال تخيُّل كون الإبداع أو الاشتغال وتلبية قدرة بعينها، إنما يأتي بإلهام من وجود آخر أو كائنات أخرى.
وهكذا يعجّ مجتمعنا اليوم، بأناس يحيل (بعضهم وربما أكثرية منهم) الأمر حتى في معالجة إشكالية بمنطق (العقل) العلمي لا إلى (العقل) نفسه بل إلى قوى وحواس، لا تستند إلى العقل ذاته بل غلى اعتقادات هي إحالة لأوهام لا يقرها حتى الاعتقاد الديني..
ومع ما نراه هنا ونلمسه في مثل هذه النماذج، من مثل محاولات الحدس بتوظيف آلياته في الوصول المباشر للحقيقة وفي الدخول إلى لبها كما في بعض مفردات أو مجالات العاطفة والتفكير الصوفي والشؤون الحسية وبعض الأمور العقلية في حل مسائل من دون المرور بتدريجات معادلات البرهنة إلى جانب الحدس الفني، أقول مع كل ما نراه ونلمسه، لا يقف ذلك حاجزاً مع التفكير بمنطق علمي معرفي وبآليات حلوله ومعالجاته لأن الحدس يبقى (محدوداً) بنسبة وجوده ومنتجه وكثير منه لا يشكل إلا وهما افتراضيا غير صحيح…
ولهذا أعاود القول برفض موقف أو حال إنكار قدرة العقل العلمي على الاشتغال بمنهجه المخصوص فالعقل العلمي وحده هو القادر على تلبية الرغبات وتعزيز دورها بجانبه الإيجابي الدافع والمحرك والتقليل من زوايا السلبي المعرقل. أي الجانب الذي يوجد بصفة عقبة بوجه العقل العلمي وصيغ التفكير بمنهجية موضوعية سليمة سديدة…
إن كارثة اشتغال الرغبة عقبةً كأداء بوجه العقل العلمي واشتغاله السامي، تتأتى من تضخم الذات ومن ثم تضخم الرغبات التسلطية التي لا تحترم حدود حقوق أو حريات أو قيم تحتفظ للآخر بوجوده وحقوقه سواء كان الآخر شخصية إنسانية فردية أم جمعية أو كان الآخر قيمة فلسفية أو وجودية، جرى التجاوز والاعتداء عليها.
ووجوديا إطلاق العنان للرغبات بصيغة التوحش والهمجية، يدفع لأمور منها قبول الوهم والمزيف لصالح تلبية سطوة أو سلطة أو ابتزاز طرف أو آخر والاعتداء عليه.. ومنها إنكار ما للعقل من دور ومن ثم ما للإنسان من واجبات قيمية ضميرية سامية يجري محوها أو تعطيلها بما يستتبع من ذلك من سياسات مواقف…
إن الخضوع للرغباتِ، منفلتةً من المعايير، باستنادها لتضخمٍ سلبي، يحيلُ المرءَ إلى قوة ابتزاز وسطو وبلطجة بناء على ما تُحدثه حال الخضوع لتلك الرغبة من عقبة بوجه التفكير بمنطق العقل العلمي ومنهجه ومن ثمّ في إباحة كل فعل يوهم بتلبية الرغبات الفردية والجمعية في التسلط وفي استباحة المحيط المجتمعي بكل وجوده.
زاوية نوافذ وإطلالات تنويرية حلقات 1- 14 الروابط أدناه
زاوية نوافذ وإطلالات تنويرية \ د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
موقع الصدى.نت
توطئة: اخترتُ تسمية نوافذ، لأنّ كل معالجة تتجسد بموضوع بعينه يمثل (نافذة) من النوافذ ليمر إلى جمهوره عبر تلك النافذة؛ في حلقات.. تمثل كل حلقة (إطلالة) من الإطلالات التنويرية. ومن هنا جاء اختيار اسم الزاوية كونها (نوافذ) تمر عبرها (إطلالات) تنويرية الدلالة والقصد. بمعنى أنّها تجسد محاولة لـ تلخيص التجاريب الإنسانية بجهد لمحرر الزاوية؛ متطلعاً لتفاعلات تجسد إطلالات المتلقين بتداخلات ورؤى ومعالجات مقابلة، يمكنها تنضيج المشترك بين مقترح النوافذ وإطلالاتها التنويرية وبين توصيات المتخصصين والجمهور وما يروه حاسماً في تقديم المعالجة الأنجع.
مرحبا بكنّ، مرحباً بكم في زاوية ((نوافذ وإطلالات تنويرية))، إنها محاولة لتفتيح النوافذ ومن ثمّ تفتيح البوابات وجعلها مشرعة للحوار الأنجع والأكثر تنضيجاً لمعطيات تجاريبنا
نافذة (1) بعنوان: منطق التفكير العلمي.
سلسلة إطلالات تنويرية للنافذة الأولى كل إطلالة هي حلقة من سلسلة حلقات المعالجة التي تصب بتناول منطق التفكير العلمي ومنهجه: