نوافذ وإطلالات تنويرية >> نافذة 1 (التفكير العلمي)>> إطلالة تنويرية 13 (عقبة الشهرة في بعدها السلبي\عقبة اشتهار السلبي) : يكتبها: د.تيسير عبدالجبار الآلوسي. كل أحد بموقع الصدى نت كما تجدونها هنا بموقعي الرسمي ألواح سومرية معاصرة وفي صفحاتي بمواقع التواصل الاجتماعي
مقولة المعالجة:
ظاهرة الشهرة ليست أحادية المنظور والأثر، تتأتى سلبيتها من توظيفها في السطحي المفرَّغ من الدلالة أو ما ينحرف بها باتجاه الإساءة لأنسنة الوجود فتقف عقبة بوجه العقل العلمي ومنطق اشتغاله.
كيف تكونُ (الشهرة) بتعارض مع التفكيرِ العلمي؟ ومتى؟
آليات اشتغال التفكير العلمي، تعرَّفْنا إلى أبرزها، ثم انتقلنا إلى العقبات التي تجابه تلك العلامات الفاعلة واشتغالاتها. وبات عندنا تصوّر يؤكد حاجة منطق العقل العلمي إلى الجهد وإلى الفعل وخيار الإيجاب بينما تقع العقبات في استسهال الاستسلام والاسترخاء والابتعاد عن الفعل وترك المجريات تتداعى سلبياً، حيث الهدم والتخريب والعراقلة بما يؤدي إلى تلك المآلات السلبية.
ومن الأمور التي يستسهل المرء فيها التقاطها والتوقف عن الجدل في ضوء ذاك الاختيار هي تلك التي يلتقطها في وسطه، وما يُشتَهر فيه. فالمرء السلبي يلتقط أمراً أو رؤيةً لمجرد أنَّهُ يجدها مشهورة أو مصدرها مشهور سواء وردت عن مشهور في زمن مضى أم عن مشهور تصطنعه وسائل إعلام وظروف فيها من الخلل والفساد..
ونحن نعرف بشأن ما يرد من مشهور في (تاريخ) انقضى، فذاك (الماضي) له تبجيله وله وقعه وربما يسقطون عليه قدسية فوق كون الأمر المستمد المختاريأتي ليس من ماض مجهول بل عن مشهور في ذاك الماضي بكل جلاله وقدسيته الصائبة منها وغير الصائبة، أي بخلط الأمور والتعتيم على أيّ محاولة للتمييز بينها بما يختار الصائب من غيره وبما يعيد تمحيص الرؤى علمياً معرفيا بالتجربة وبجديد الخبرة والمعلومة؛ مؤكدين هنا أنه بالأساس لا عصمة لرأي أو حقيقة وأن التقدم المعرفي المستند لمنطق العقل العلمي يكشف باستمرار عن الأكثر صوابا بمسيرة البشرية ومراحل تطورها…
ولكن ما الشهرة؟ ولماذ تكون مقياساً سلبياً في بعض الأحايين؟
ووردت الشُّهرة في المعاجم العربية القديمة والوسيطة بمعنى ظهور الشيء في شُنْعَة أو مثلبة حتى يرى الناس الأمر في سوءته أو بما يعني اشتهار فضيحة. ولكن وردت أيضاً بمعنى وُضُوح الأَمر وجرى منح هذا المنحى دلالة في عصرنا وما سبق بحدود السياقات المستخدمة فيه…
ومن تلك العلاقة بين الشهرة وظهور المثلبة، تأتت الإشارة إلى الرابط بين (الشُّهرة) وعقبات التفكير العلمي.. فـ(للمشهور) عامةً، سلطتُهُ؛ مثلا في شهرة فكرة أو رأي أو سلوك ومن ثمَّ في منحه سلطة التأثير.
وقد دفعت الشهرة إلى تزمت بعضهم في التمسك برأي (مشهور) من عصر منصرم، في زمنٍ، لا يمكن أنْ يُقبل هذا الرأي، الذي لا سند له اليوم أو بالزمن التاليسوى كونه ذاك المشهور في عصر سابق بات يحظى بجلال وقدسية عند بعضهم..
والإشارة هنا، إلى استمرار الأخذ برؤيةٍ، انتهى زمنُها؛ لمجرد أنها جاءت عن مشهور في زمانه أو لقدسية (مصطنعةٍ) يتمُّ إسقاطها على ذاك الماضي…
ومثل حال الاصطناع بما يخص الماضي من طرف بعضهم؛ نجد كما أسلفنا القول، (بعض) المشهور المعاصر الذي عادة ما يكون من تصنيع أبواق إعلامية تصطنع من امرئ لا يمتلك أهلية إبداع الأفكار والسلوكيات القويمة ولكنها وسائل إعلام (خاصة المآرب) هي ما لمَّعَهُ لسبب أو آخر.. طبعا نتحدث شهرة امرئ أو رؤية على حد سواء…
ويمكن تمثيل الأمر بنجم كاتب إنترنت أو صاحب برنامج في فضائية ومثل هؤلاء ممن يدخلون البيوت بلا استئذان أو فلتر عقلي منطقي وهم لا يمتلكون في كثير من الأحيان أساسيات المعايير التي يفرضها منطق العقل العلمي؛ إذ لا يسأل المتلقي ما علاقة شخص مشهور في فن أو مهنة بما يقدم من دعاية لإقناعه، ولا موضع مكانة رؤية جرى تلميعها واصطناعها على خلفية الاستسهال وتجنب إرهاق الذات والابتعاد عن تشغيل منطق التفكير وما يتطلب من جهد..
ولنتوقف هنا عند ظاهرة الصرعات والموضة وما تتضمنه من تقلبات سريعة هي بكثير منها مجرد نزعات تنحو منحى الاشتهار ولو من بوابة (سلبية) أو حتى الاشتهار من بوابة (الفضيحة).. وعادة ما نجد صحافة التابلويد (الصفراء) تصطنع الفضائح بقصد الاشتهار ومن ثم إيجاد سطوة تأثير في (بيئة) بعينها.
وسط هذا التوجه وما يفرزه لا نجد فرصة للتفكير العلمي وخطاه ولا لمنطق العقل العلمي وإجراءاته. إنّ ما يتحكم ويسود هنا هو (الشهرة) ببعدها السلبي التي تستدعي اتفاقا غير مكتوب بين المؤثِّر والمتأثر ينص على أو يؤدي إلى تعطيل تشغيل العقل (ومنطقه العلمي) القائم على مقاييس بعينها وهو ما يتحول بـ(الشهرة) من الإيجاب إلى السلب ويصنع منها ((عقبة للتفكير العلمي)).
إذن متى تكون (الشهرة) عقبةً بوجه منطق العقل العلمي؟ تتأتى في إجابة واضحة تكمن في زاوية الاشتهار من منظورها (السلبي) كعدم تمحيص رؤية جاءت من مشهور بالأمس لم يكن يملك المعرفة الكافية لفحص الرؤية التي يحملها أبناء عصر تال من دون فحص وتمحيص.. أو كاستقبال اشتهار صرعة أو موضة من دون تحكيم صواب ما تتضمن والتحكيم يلزمه تشغيل منهجي لمنطق العقل العلمي المبعد لأسباب تتعلق بتعطيله أو بالبحث عما يريح بلا مجهود.
أما كيف يجري التعطيل وتجنب التشغيل والتفكر والتدبر فذلكم ينفذ لأوساط واسعة تتعرض للسحق والإنهاك بطريقة عنيفة بشعة لا تجد بديلها في متابعة اشتغال للعقل بل في تغييبه!
ومنفذ آخر يقوم على عدم امتلاك المتعة بتشغيل العقل بسبب عدم توافر أدوات التشغيل كما المعارف والعلوم وخطابها الثقافي المركب المتقدم الذي به يحيا الإنسان ويلبي رغبات وأحاسيس جمالية متقدمة، فمن تمَّحي عنده الأمية (الثقافية) ويمتلك معارف تحليلية يمتلك فرصا ومنافذ أوسع للتعرف إلى جماليات مضافة وأحاسيس أشمل واوسع وأعمق ولكن بوجود التجهيل (الثقافي) وأمية حضارية يلجأ الفرد إلى تفعيل استقبال ما يستسهل أمراً ولا يحاكمه ولا يفحصه وهو ما يمنح (الشهرة) سلطة تكون هنا تحديداً العقبة بوجه التفكير العلمي.
والاشتهار قد يكون أكثر سلاسة في الشكليات والمظاهر والأمور السطحية، بمعنى امتلاك سلطة (تفشي) المرضي أكثر كما الوباء.. ويمكننا بالخصوص الإشارة إلى حال لا نقصد فيه عدم الاهتمام بالشكلي أو ما يخص المظهر لأية مفردة أو رؤية أو كائن أو شخصية ولكننا نشير إلى الاستغراق في هذا الشكلي بما يجعله أمراً مفرَّغاً من المضمون ومن القيم الإيجابية لأنسنة وجودنا وما يمنحنا سلطة العقل وعمق منطقه واحتكامه للتجريب والخبرة والدربة..
بمثل هذا على سبيل المثال لا الحصر أذكر بشعار الفن للفن الذي يبرر للتفريغ من المعاني والدلالات والقيم التي تؤكد إنسانيتنا لتقدم الشكليات مسطّحة فارغة لا تسمح بالتفكر ولكنها تفرض سلطتها وتأثيرها (عقبة) للتفكر والتدبر وتستبدله بفسحة شعورية انفعالية (عبثية) بلا موجِّه…
أذكر أيضا بالخطاب الديني (السياسي) الذي يطلق ممارسات طقسية تقوم على استدرار العواطف والانفعالات فيما تقف بقوة حاجزا وحاجبا أو عثرة وعقبة بوجه التفكر والتدبر العقلي…
وهكذا يرد عليك المرء اليوم أنه يفعل ما يفعله الآخرون، حيث شهرة الطقس [الشعيرة المسقط عليها القدسية الدينية] وممارسي الطقس أو الشعيرة، تصير تلك الشهرة سببا كافيا للإيمان بصوابه وممارسته بلا مراجعة أو من دون التفكير العلمي الذي يتم تعطيله بمجابهته بعقبات منها ما نعالجه بهذه الفقرة بالإشارة إلى (شهرة) هذا الطقس أو تلك الممارسة أو تلك الرؤية، وهنا بالضبط تضيع أية إمكانات للتصدي للمشتهر (السلبي تحديداً) وسلطته المعرقلة!
ومجددا لابد لي من التوكيد على أن معالجاتي تتناول علاقة الظاهرة بالتفكير العلمي وكونها دافعاً أم عقبة. وبقدر تعلق الأمر بالشهرة بمنحاها السلبي سجلت هذي المعالجة عقبة أخرى تجابه التفكير العلمي ومنطق العقل حيث وقفت لا عند حدود العرقلة بل أبعد من ذلك في اتجاه تعطيل اشتغال العقل العلمي وتحييد منطقه وتجميد منهجه، فنكون وسط معمان يوقف التفكير العلمي عن الاشتغال..
هذا ما يتطلب تدخلا فاعلا للتوعية ولكشف الحقيقة وجوهرها.. بما لا يعني قطعا أننا نرى في الظاهرة وجهاً أحاديا سلبيا أو إيجابيا فالشهرة ليست بالضرورة سلبية الحدود والتوصيف ولكن بظرف بعينه تتأتى منها تلك السلبية التي تقف عقبة واجبة الإزالة والمعالجة..
ظاهرة الشهرة ليست أحادية المنظور والأثر، تتأتى سلبيتها من توظيفها في السطحي المفرَّغ من الدلالة أو ما ينحرف بها باتجاه الإساءة لأنسنة الوجود فتقف عقبة بوجه قيمة العقل العلمي ومنطق اشتغاله، عقبةً بوجه التفكير العلمي وآلياته، فتطيح باشتغاله وإن ىلم تعطّله فعلى أقل تقدير تعرقله وتثير العثرات والعقبات بمختلف أنواعها وأحجامها.
وفي ضوء ذلك، أجدد الدعوة لقارئتي الكريمة وقارئي الكريم، كيما يحاول كل منهما وضع التطبيقات والأمثلة من أجوائهما ومحيطهما وما يمتلكان من أمثلة ونماذج للظاهرة التي وردت معالجتها هنا.
وتحايا متجددة حتى بوقتٍ تالٍ، سلسلة العقبات التي تجابه العقل العلمي في اللاحق من الإطلالات التنويرية.
زاوية نوافذ وإطلالات تنويرية حلقات 1- 13 الروابط أدناه
زاوية نوافذ وإطلالات تنويرية \ د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
موقع الصدى.نت
توطئة: اخترتُ تسمية نوافذ، لأنّ كل معالجة تتجسد بموضوع بعينه يمثل (نافذة) من النوافذ ليمر إلى جمهوره عبر تلك النافذة؛ في حلقات.. تمثل كل حلقة (إطلالة) من الإطلالات التنويرية. ومن هنا جاء اختيار اسم الزاوية كونها (نوافذ) تمر عبرها (إطلالات) تنويرية الدلالة والقصد. بمعنى أنّها تجسد محاولة لـ تلخيص التجاريب الإنسانية بجهد لمحرر الزاوية؛ متطلعاً لتفاعلات تجسد إطلالات المتلقين بتداخلات ورؤى ومعالجات مقابلة، يمكنها تنضيج المشترك بين مقترح النوافذ وإطلالاتها التنويرية وبين توصيات المتخصصين والجمهور وما يروه حاسماً في تقديم المعالجة الأنجع.
مرحبا بكنّ، مرحباً بكم في زاوية ((نوافذ وإطلالات تنويرية))، إنها محاولة لتفتيح النوافذ ومن ثمّ تفتيح البوابات وجعلها مشرعة للحوار الأنجع والأكثر تنضيجاً لمعطيات تجاريبنا
نافذة (1) بعنوان: منطق التفكير العلمي.
سلسلة إطلالات تنويرية للنافذة الأولى كل إطلالة هي حلقة من سلسلة حلقات المعالجة التي تصب بتناول منطق التفكير العلمي ومنهجه: