هذا مقال من سلسلة مقالات تصدر كل أربعاء في معالجات بإطار الخطاب السياسي؛ هذه المرة تركز المعالجة في قضية الانتخابات العراقية المفترضة مطلع 2018 بين المشاركة بها أو تأجيلها في ضوء صياغة قوانينها وضمانات تلبية مخرجاتها التي تجسد إرادة الشعب وتحترم تصويته لا تلك التي تنهبه وتجيره وتزوره.. هنا تجدون وجها من أوجه المجريات على أمل المتابعة استكمالا لمفردات يفرضها عنوان المقال
هل الانتخابات بمحدداتها الحالية قدر حتمي؟ ومتى تكون وسيلة وحيدة يلزم التمسك بها؟
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
الانتخابات أحد أبرز أدوات الديموقراطية في استطلاع رأي الشعب وتمثيله في السلطات كافة. ولكنها ليست كل مفردات الديموقراطية الاجتماعية والسياسية ولا كل أدواتها. كما أن الانتخابات لا تكون أداة للديموقراطية بجميع أحوالها بل هي أحيانا، تحديداً عندما تختل شروط إجرائها لا تكون إلا أداة لتكريس إفساد النظام العام وتمرير خطاب تضليلي استغلالي فاضح.
ومن أجل أن يكون الحديث عن (انتخابات ديموقراطية) ييجب التزام تلك الانتخابات بمحددات واشتراطات معروفة في النظم الديموقراطية العريقة وهي ضرورة مضاعفة للنظم التي تنوي السير بطريق الديموقراطية حيث توجد مهام مضافة لتلك المحددات، بقصد إنضاج ظروف الأداء واستكمال العملية الانتخابية بأفضل ما يمكن.
وعلى سبيل المثال تجري الانتخابات كمفردة رئيسة للديموقراطية السياسية في النظم الليبرالية الغربية بوجود أرضية معرفية ووعي مجتمعي وانضباط بتقاليدها من دون الحاجة لأدبيات مكتوبة بقيود نصية… ولكنّ الأوضاع ليست كذلك في دول تنتقل من نظم توتاليتارية شمولية حكمتها نظم الطغيان لمديات ممتدة طويلة، فضلا عن طابع التخلف والأميتين الأبجدية والثقافية في مجتمعات التخلف تلك..
ولابد من التوكيد هنا على حقيقة، أن الديموقراطية ومنها الأداء الانتخابي لا يمكن إتمامها بسلامة من دون نشر الوعي المعرفي مجتمعياً. فلا ديموقراطية بلا معرفة. ومن المؤكد أن الأداء الانتخابي يُساق باتجاهات مرضية سلبية في مجتمعات التخلف التي تغيب فيها المعرفة.. وفي ضوء ذلك وبدلا من أن تكون الانتخابات تفعيلا للديموقراطية وتأسيسا لأرضيتها تصير وسيلة للتلاعب والإفساد بغطاء من المخادعة والتضليل.
عراقياَ، جرت الاستفتاءات والانتخابات بأجواء من الفوضى وسطوة المجموعات المسلحة من عصابات وميليشيات تشكلت بوصفها أجنحة لأحزاب تضيف لخطى إجراء الانتخابات مخادعة من قبيل إسقاط القدسية الدينية (الطائفية) على اشتغالها وتستغل المال السياسي وفساده في توجيه دفة الأمور؛ ضف إلى ذلك ما أشرنا إليه من طابع فوضى الاشتغال والأداء حيث القصدية في بعثرة أصوات جمهور البديل الأنجع والأنضج ومنع فرصة ولادة التحالف الديموقراطي وتنظيمه القادر على استقطاب الجمهور وإعادة وحدته في أجواء البلبلة المرضية وتشظي القوى وضغوط قمعها ومصادرتها.
وبعد ما يقارب العقدين من حكم الطائفية السياسية تمّ استيلاد طبقة كربتوقراطية مفسدة تتمترس في سدة الحكم وتدير الأمور بما يخدم تكريس نظام (طائفي كليبتوقراطي) يمتلك أدوات التخندق والسطو على كل مفاصل الحراك عبر السطو على البنية الفوقية ومد أذرعه في البنية التحتية بطريقة تتناسب وتكريس نظام الفساد.. حيث العراق اليوم على وفق المعايير الأممية يحتل المواقع الأولى في الدولة الأكثر فساداً…
من الطبيعي أننا نجد مناورات من قبيل التظاهر بالخضوع للهبّات الجماهيرية وإجراء تعديلات (إصلاحية) وكأنهم غيّروا وجوه قيادات الفساد، ولكن بمن يأتون؟ إنهم لن يأتوا إلا ببدلاء من وسطهم اي من وسط طبقة الكربتوقراط المفسِدة وليس غير… وبانتهاء المناورة يعيدون الأمور إلى أوضاعها؛ فالسلطات بين أيديهم…
أشير هنا إلى انتفاضة 25 شباط فبراير 2011 المقموعة بالرصاص الحي ووعد بإصلاحات تجري في 100 يوم من تاريخه! وإلى انتفاضة 31 تموز 2015 التي جرت المناورة والمخادعة معها بألاعيب من قبيل نزول قوى طائفية ووزراء لها إلى الشارع والتظاهر بمشاركة الهبة الجماهيرية مطالبها وبعد عزل النواب ودمج وزارات وتغيير وجوه التجأت القوى السلطوية إلى الضرب بيد من حديد ونار عبر الاختطاف والترويع والرصاص والاغتيالات ومنع أي مجال لوحدة تنسيقيات التظاهر فضلا عن إحجام القوى الوطنية الديموقراطية عن قيادة الحراك مباشرة!
وهكذا أعادت قوى الحكم الطائفي الكليبتوقراطي كل عناصر فسادها وتضليلها الطائفي لتشتغل بوجيز الزمن مؤخرا على صياغة قوانين الانتخابات التالية بتفصيلها على مقاس مرَّرَ تشجيل أحزاب الطائفية السياسية وزعاماتها التي كانت أويحت مؤقتا بأسماء (مدنية بل علمانية!) بلا خياء من التمظهرات المخادعة لأنها تدرك حجم فرص التضليل في ظل ما يسود مجتمعياً!! وأدهى من ذلك أن التفصيل وصل حداً استطاعوا بوساطته أن يشرعنوا المجموعات المسلحة وميليشياتهم المختلفة التي خاضت حربا أهلية طائفية وارتكبت المجازر والفظاعات. وبدءاً أسقطوا مسمى (الحشد المقدس) على تجمع الميليشيات عبر بوابة المتطوعين الأبرياء الذين كان تطوعهم بعيدا ومن خارج الميليشيات فيما جاءت الميليشيات على أكتافهم وأكتاف التضحية بدماء المتطوعين الأبرياء الصادقين… وابعد من ذلك وأنكى سجلوا تلك الميليشيات أحزابا تشارك في الانتخابات بالتناقض مع كل القوانين بمختلف المجتمعات المتقدمة والمتخلفة ولا أكتفي بالقول النامية..!!
ثم فصَّلوا قوانين انتخابية ومفوضية انتخابات يمكن بوساطتهما إعادة إنتاج نظام الطائفية الكليبتوقراطي بمسمى مدني علماني هذه المرة بتطعيمات ومكياجات لتزويق أوجه زعامات الجريمة لتكريس نظام (كليتوقراطي) بامتياز تريدون قدسية دينية لا يوجد غير قدسية الخنادق الطائفية وظلامياتها تريدون نظام مدني علماني ها نحن نأتي لكم به وتحملوا اختياراتكم! هذه المرة الاستبداد والطغيان والاستغلال سيكون أكثر بفظاعاته بعد أن استنزفوا الثروات الوطنية كافة، لم يبق سوى جهود الناس يمتصونها فيمتصون دماءهم ليتركوا البلاد والعباد عظمة بلا جلد بعد أن ينهوا مهمة سرقة وجود العراقيين!
اليوم،
يخرج علينا زعيم إطلاق الرصاص الحي على انتفاضة الشعب في شباط 2011 وزعيم التسويق للحرب الطائفية ليسوق لانتخابات مفصلة على مقاسه ومقاس حلفائه الطائفيين المفسدين ويطلق التحذيرات بالضد ممن يريد تأجيل الانتخابات بقصد تعديل قوانينها بما يستجيب لإرادة الشعب ويسمي ذلك بـ(الانقلاب السياسي) مع عرضه على الشعب ما يسميه (إصلاح العملية السياسية) هذه المرة بفرض وجوده كونه الأغلبية طبعا بافشارة إلى الأغلبية الطائفية وما تتضمن وتحتوي وتجسد من قوى الإفساد الكربتوقراط والنظام الذي كرّسته وشخصه العالم ومعاييره وشخصه قبل العالم الشعب العراقي بكونه (نظاما كليبتوقراطيا) باي من التلميعات ظهر وجيء به…
وعلى وفق ما ورد يوم 5 أيلول 2017 من قبل السومرية نيوز\ بغداد فقد:”حذر نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، من انطلاق عمليات الانقلاب السياسي في ظل الأصوات الداعية لالغاء الانتخابات، فيما اكد ان إصلاح العملية السياسية يكون عبر مشروع الاغلبية…” وأضاف المالكي على وفق الوكالة: ان “إصلاح العملية السياسية سيكون عبر مشروع الاغلبية…”؛ وأنّ:”الانتخابات المقبلة ستكون الفاصل في مستقبل العراق”، محذّراً “من انطلاق عمليات الانقلاب السياسي في ظل الأصوات الداعية الى إلغاء الانتخابات اوتأجيلها”…
إن صيغة توجيه التهم والتشويهات للآخر بالتحديد إلى قوى الشعب الحية القادرة على بناء البديل وإنقاذ البلاد وتحرير العباد هي صيغة مشروخة دابت قوى التضليل على إفشائها تمكينا لألاعيبها من السطو على الذهنية المجتمعية وعلى الرأي العام…
وكالعادة، ينسب الطائفيون ما تحقق من انتصار إلى أنفسهم ويتهمون قوى التغيير الشعبية بالتقليل من حجم الانتصارات بينما الحقيقة تؤكد أن من فتح الأبواب للإرهاب وسلمه ثلث العراق ومنحه هدية بعشرات المليارات نقداً وسلاحاً هو كما تؤكد كل التحقيقات الشخص الذي كان قائدا عاما ووزيرا للدفاع والداخلية ولكل الوزارات الأمنية المسؤولة! بينما تحرك الجيش الوطني والشرطة العراقية والمتطوعين جاء بضغط الحراك الشعبي وبإرادة مقاتلي مؤسسات الدولة ممن ينتمي للشعب ولسيادة إرادته.. وقوى الشعب هي الفخورة بهذا الانتصار المنسوب إليها وغلى نضالاتها وما فرضته على القوى الحاكمة التي سلمت الإرهابيين تلك القطعة من الوطن…
أما قول المالكي وادعائه بأنّ: “معركتنا القادمة ستكون معركة بناء المجتمع العراقي واعادة اللحمة بين ابنائه اضافة الى اعادة المناطق التي دمرت من قبل الارهابيين…” فهو ادعاء باطل مخادع كعادته في التضليل؛ غذ هو من تسبب بالتخندقات والاحترابات الطائفية ولن يكون طائفي قوة في مسيرة تمكين الشعب من الوحدة الوطنية لتناقض بين الطائفي والوطني لا يحتاج لتبرير ولا يمكن أن يمرر على الشعب وقواه الحية الواعية.. أما البناء فلا يمكن لقوى الفساد التي ارتكبت أكبر سرقات العصر بنهبها ما يناهز تريليوني دولار أمريكي أن تكون هي من يبني بل هي تريد غعادة إنتاج وجودها لمتابعة النهب والسلب وجرائم الفساد بتمظهرات جديدة…
ولعله من سخرية القدر أن يتحدث من أطلق العنان للحرب الطائفية عن ضرورة “…الحذر … من… اثارة النعرات الطائفية بين مكوناته”.!
وبالخلاصة، لابد من التوكيد على أن انتخابات يجرونها بالقوانين المفصلة على مقاس إعادة إنتاج نظام الطائفية الكليبتوقراطي لا يمكن للشعب أن يقرها. فهي مفصلة لإعادة تسليم السلطة لمن ارتكب كل الجرائم من نهب الثروات وتفتيت الوحدة الوطنية وإثارة النعرات بل الحرب الطائفية وتكريس تخندقاتها ومهّد وسهَّلَ للإرهابيين وفتح لهم الأبواب بل سلمهم السلحة الفتاكة والأموال التي ارتكبوا بوساطتها جرائم إبادة ضد مكونات من الشعب العراقي كما المسيحيين والأيزيدية والمندائيين وكذلك ما ارتكبوه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في ظل سلطته وسلطة الطائفية!
لا يمكن القبول بإجراء انتخابات مفصلة لإعادة إنتاج النظام الذي أودى بكل تلك الجرائم بحق الشعب لأننا نمنحه صك الشرعنة لاستعبادنا مدة أطول ويرتكب فظاعات جديدة أبشع…
فليكن الشعب على وعي بالمجريات ولتكن قواه الوطنية الديموقراطية أكثر وحدة في رؤيتها وبتأسيس التنظيم الذي يمكنه مجابهة متطلبات المرحلة وقيادتها نحو الانعتاق والتحرر وتحقيق التغيير الذي يبني الدولة العلمانية الديموقراطي ويلبي العدالة الاجتماعية…
لا ترهبكم مصطلحات الانقلاب السياسي فأنتم أصحاب المصلحة في الحراك والتمسك بطابع (سلمي) لا عنفي ولا يقبل التمترس المسلح في خنادق الاحتراب..
لا ترهبكم الاتهامات ودجل ما يطلقونه من تبني حركة إصلاحية ليست سوى غيهام بأن ترقيعاتهم ستأتي بالبديل بينما يكفي الشعب ما مر به من مآس ليغيرهم كليا بالانسحاب من عضوية أحزابهم وميليشياتهم الإرهابية بما ارتكبت وترتكب والطائفية بما حفرت من خنادق احتراب وضللت به من أفكار وادعاءات..
لقد اختار الشعب القوى العلمانية الديموقراطية وعليه ألا يضيع اختياره بالبقاء مع قوى غيرت اسماءها ولكنها لم ولن تغير جوهرها وهويتها فالعلمانية والديموقراطية لا تتفق وتزكية المجرمين ومن حكم زمن الجريمة والإرهاب والإفساد…
أما الانتخابات التي يريدها الشعب فهي ليست تمثيلية إعادة إنتاج من استعبده وأذله ولا المفصّلة على مقاس الطائفيين وإن تمظهروا بتغيير أسماءهم وما يرتدون من براقع وطاقيات التخفي والتضليل.. إنها انتخابات تتخذ من قوانين تحمي إرادة الشعب واصواته ولا تزيفها ولا تسرقها ولا تزوّرها ولا تتلاعب بها باي شكل..
وعليه الشعب سيفرض ما يريده لينقلب على النظام الطائفي الكليبتوقراطي ويغير اتجاه مسار العملية السياسية المسطو عليها المسروقة فيستعيدها من الطائفيين السرّاق ويضعها في خدمته وخدمة مسيرة البناء والتقدم والتنمية في ظل السلم الأهلي والوحدة الوطنية وقيم الديموقراطية..
ومرحى بهذا الفعل التحرري الذي يسمونه الانقلاب، لأنه بجوهره ليس انقلابا للقصر ولا تبادلا للأدوار بين المستغلين الطغاة المصطرعين على النهب والسلب والمصادرة بل هو التغيير المنشود بلا تلاعبات لفظية مخادعة وبلا تمظهرات في أردية التخفي فإلى ذلك التغيير الذي يسمونه انقلابا بقصد التشويه، إليه يتجه الشعب وقواه الحية.