مكافحة الفساد بين ألاعيب صراعات المفسدين ومحددات أضاليلهم و بين سلامة مطالب الشعب واشتراطاتها
مكافحة الفساد بين كونه نتاج صراعات المفسدين وجوهر مطالب الشعب، تلك معالجة تنبيهية تحذيرية لأطراف من الحركة الاتجاجية تنزلق اليوم لمزيد أوهام فتساهم بتضليل الشعب تجاه ماكنة الإفساد وجرائمها تلك التي تحاول اليوم الانتقال من مرحلة النهب بغطاء القدسية الدينية الكاذبة المدّعاة غلى مرحلة تبييض ما سرقته وتطهير صفحاتها المتسخة بارتداء أردية العلمانية وبرامجها زعما ودجلا وتضليلا.. فهل من مواقف لفضح ما يجري؟ هل من مواقف مشرفة منتظرة من قوى التنوير؟ أسئلة تحض كل نزيه ليقف وقفته ويقول كفى أركض في ركاب من تسبب في خراب البلاد وإذلال العباد.. تحرروا من الأوهام وابحثوا عن البديل المنقذ. كفى خضوعا وخنوعا للدجل والتضليل
بين الفينة والأخرى تطل علينا مؤسسات رسمية أبرزها هيأة النزاهة بموقف من هذه الواقعة أو تلك ومن هذه الشخصية الحكومية أو تلك. وبجميع الأحوال لابد من التوكيد بمطلع معالجتنا الموجزة والتنبيهية هذه على أن الأوضاع العامة، لا تخلو من وجود الشخصيات النزيهة وتلك التي تحاول مكافحة وباء الفساد المستشري في الأوساط الحكومية، ذاك الاستشراء إلى درجة تكاد تنخر عمق تلك المؤسسات؛ حيث استفحال الجريمة تحوَّل إلى ظاهرة منهجية، شاملةً مجمل آليات العمل…
بقد باتت ظاهرة الفساد المستفحلة أمراً منهجيا سائدا ولأنها وصلت قمة الهرم الحكومي، إلى درجة إدانة وزراء وتهريبهم على الرغم من تلك الإدانات، ولهذا فإنّ المواطن البسيط لا يمكنه بهذه الأجواء أن يرصد جريمة سرقة تتوقف عند مستوى سرقة دولار أو عدة دولارات ولكنه يرصد اليوم، سرقات مهولة بمئات ملايين الدولارات وإهدار بالثروات بحجم يشمل الموازنات العامة وما تتضمنه ويشمل ما في باطن الأرض ويُستخرج للتصدير وذاك المعبر عن طاقات الإنتاج والخيرات التي ينبغي أن تعود على الشعب بتنمية تعالج فضاء من الخراب والدمار الشامل مما بات يتراكم تلالا من الأورام المرضية!
لا يمكن للراصد المنصف أن يقول: إن سارق تلك المليارات هو موظف بسيط ولا حتى مجمل شغيلة اليد والفكر هم السارقون، وكأنّ الموازنات تُصرف بصفة:(تشغيلية) لا (استثمارية) وكأن القضية مجرد حال إهدار وخلل في البرامج! كلا الأمور ليست كذلك.. فالسرقة هنا يجري تحويلها بوضح النهار إلى حسابات شخوص بأعلى رأس السلطة. أولئك الذين جاؤوا غب العام 2003 (حفاة) وبعضهم كان يعيش على كسب لقمته من بيع (السبحة) و (البازبندات \ الأحجبة) وآخرون على إعانات دول أوروبية وربما مازال لم يلغِ مرتب المساعدات الاجتماعية على الرغم من هول مصادر نهبه وسرقته الثروات المليونية! الراصد صاحب العقل لا يكتفي بعينيه أو بصره بل ببصيرته ليرى حقيقة من ينهب تلك المليارات ومن يمكنه ارتكاب ذلك بلا من يدينه ويوقفه…
ومن هنا فإن عيش واقع العراق بوصفه البلد الأكثر فسادا عالميا والأكثر فشلا قد رد عليه الشعب برفع شعار الحركة الاحتجاجية الأبرز، ألا وهو: ((باسم الدين باكونة الحرامية))، ولا عجب فيه، فالسارقون هم تحالف من تركيبة (دينية مافيوية) حيث الإسلام السياسي أو الطائفية السياسية هي طبقة الكربتوقراط (المفسدين) من الحيتان الزرقاء الأكبر والأكثر هولا لا في سرقتها بل وبجرائم التصفية التي ترتكبها بحق كل ما يعيقها ومن يمكن أن يقف بوجهها…
أما ما قد يكون طفا وظهر بالاسم في اتهام حوت أو آخر من حيتان الفساد، فلم يكن يمكن أن يظهر بقدرات موظف بسيط يتابع صفقات الفساد وما تتضمنه من بلاء، بل ظهر عبر صراعات حيتان الفساد وهي تقتسم الغنيمة. ولكنها بالمحصلة لا تقف بوجه (نهج الفساد) ولا تنوي إنهاءه ولكنها تواصل صراع توزيع الثروات المهولة، غنيمةً، لا تتنازل عنها…
وعليه فإن الخضوع لمطالب الحركة الشعبية الاحتجاجية في التصدي للفساد ولضغوط المجتمع الدولي ومؤسساته في مكافحة الفساد الذي بات يهدد من يتعامل مع العراق من دول وشركات؛ ليس إلا محاولة لطمس الحقيقة والتعمية على المجريات ولم يكن يوما وان يكون حلا ولا معالجةً.
إنّ مصدر الجريمة الأساس هو حكومة تمثل طبقة (الكربتوقراط\المفسدة) وغطاءها (الديني) المزعوم سواء بتمثل ما يدعون تمثيله لله والمقدس ونصوصه أم طقوسه المعنية لا بمذهب ودين بجوهرهما بل بـ(طائفة) يضعونها متخندقة ضد أخرى كي يتهيأ لطبقة الفساد السيطرة على طرفي المعادلة المجتمعية أو بصيغة أخرى على مكونات المجتمع المتمترسة (طائفيا) على وفق منطق (المفسدين)…
إذن، نحن بمجابهة مطاردة وهمية، للفساد والمفسدين، لم تطل حوتاً كبيراً، يوما ولا مفسدا من رؤوس الفساد، ذاك الفساد الذي يحيا اليوم كتنين بمئات الرؤوس أو كهايدرا كل شعرة برأسها هي أفعى تفتك بالناس… ما يتبدى كما أشرنا مجرد تكشّف جزئي لصراعات اقتسام الغنيمة وتضاغطات بين المصطرعين وإلا فكما نرى بالعين المجردة: زعماء المافيا يظهرون في التلفزة على الملأ يصرحون أن الفساد هنا عندهم بأعلى رأس الهرم وانهم جزء من ذاك الفساد ولا من يقف ليقول: كيف هذا الاعتراف يمرّ بلا موقف قضائي حاسم وحازم!؟
أما بعض رؤوس هامشية وموظفين صغار ممن يقع عليه الدور في تمثيلية مطاردة الفساد والمفسدين فليس سوى أكباش فداء تضحي بها طبقة المفسدين للطمطمة على الجريمة الأعلى والأعمق والأشمل أو الأخطر تلك التي تواصل نهب الثروة الوطنية بمجملها بأكبر جريمة سرقة في عصرنا…
إن مؤسسة للنزاهة بمستوى حقيقي للعمل من أجل أن تستطيع تطهير الدولة من وباء الفساد لا يمكنها أن تعمل جديا وتحقق فرصة سليمة لمكافحة الفساد وعلى رقبتها أسياف الميليشيات وعصابات العنف التصفوي الدموي الأبشع فضلا عن فساد يستشري ويصيب مؤسسات ليس آخرها القضاء نفسه..
أنا أتحدث هنا عن مكافحة الفساد (منهجاً) يستشري اليوم في كل مفاصل الدولة؛ وحيتاناً تتحكم بقمة الهرم.. تحميهما حال من تهميش أدوات فرض النظام والقانون، أقصد تهميش الشرطة والجيش وإضعافهما لصالح تقوية أدوات البلطجة (الميليشياوية) التي يجري شرعنتها وشرعنة نهج وجودها وغض الطرف عن كل ما يُرتكب منها بذرائع وتبريرات لا تنتهي وسط حلقة (القدسية) المزيفة و (المهام البطولية) الحصرية التي يسندونها دجلا وتضليلا إلى تلك الميليشيات ويغضون الطرف عما أدارته بل ارتكبته طوال وجودها منذ حرب الطائفية 2006 وما قبلها وما بعدها.. ومنذ تصفيات مئات بل آلاف الأساتذة والعلماء والمتخصصين من مهندسين وأطباء وقادة مجتمع \أتحدث عن الميليشيات وليس عن الغلابة البسطاء من المتطوعين كي لا يرد أحدهم بخلط الأوراق والتضليل مجدداً…
إن الفساد ليس سرقة دولارات من الخزينة، بل هو تصفير الاحتياطي باعتراف رؤساء وزراء وباضطرار مدير البنك المركزي للهرب تحت ضغط العتاة وبحرائق الوثائق في وزارة المالية والبنك المركزي والوزارات التي تمثل مصدر الإيرادات فضلا عن تهريب الثروات إلى وعبر دول الجوار بالحفر المائل وبأنابيب وشاحنات والاعيب بلا حدود…
والفساد يتجسد في جرائم التسيد على المسؤوليات الحكومية العليا بخاصة المعنية بالصرف ومستنداته وكون أعلى السلطات وأختامها بيد تلك الأطراف فإن توفير الغطاء لا يحتاج لكثير عناء!
إن الوضع في العراق ما عاد قضية (فاسد) عابر يرتكب جريمة فترصده أعين السلطات المكلفة بالسهر على حماية المال العام بل بات منهجا واستشرى بمفاصل الدولة.. ومن يحميه بهذه الحال، هو من داخل النظام الذي تمَّ تكريس ذاك النهج في اشتغالاته وفرضه عليه.
وبهذا نصل إلى استنتاج أن مكافحة الفساد، تتطلب تغيير مجمل النظام الذي سطا على الوضع العام برمته، إذ لا يمكن الخوض بترقيعات تضرب في الذيل والهامش وتطيح برؤوس ثانوية ليست سوى أكباش فداء للرؤوس الكبيرة للحيتان والتنانين المتحكمة بالمشهد…
احذروا الاستسلام لما يسمونه الإصلاح وجوهره ومعناه ترقيعات تذر الرماد في العيون.. احذروا ألاعيب تغيير العناوين والأسماء لأحزاب وزعامات قادت مسيرة الفساد والإفساد واليوم تريد تبديل ما ترتدي من عباءات لترتدي أخرى لم تتسخ بعد فتواصل نهجها وتحكمها أو على أقل تقدير تريد تحقيق غسيل نهبها الثروة الوطنية برمتها وغسيل سرقاتها بلا حدود بلعبة تغيير ما ارتدته من غطاء ديني مذهبي (طائفي) هذه المرة ترتدي بديله رداء (مدنياً علمانياً) لتقول إنها هي المنقذ البديل الذي تطالبون به يا قوى (الحركة الاحتجاجية).. احذروا اللقاءات والتنسيقات مع زعامات مرحلة النهب فتضفون بذلك فرصا أخرى لإفلاتهم!!!
إن المجرمين يقولون لكم: أليس ما تطالبون به هو (دولة علمانية ديموقراطية) ها نحن نرتدي لكم رداء هذه الدولة وننزع أمام أعينكم رداء التدين والطائفية!
كيف يصدق الشعب الذي يحيا الفقر والبطالة وانهيار البيئة والصحة والتعليم والخدمات العامة والخاصة وتحول البلاد من أرض السواد إلى الأرض اليباب وخواء بنوكه من الاحتياطيات بالعملات الأجنبية والمحلية أولئك المتبدلين بأرديتهم؟ كيف يصدق الشعب أن الذئب قد صار حَمَلاً وهو يرتدي أمامه فروة الحَمَل؟ أيتغير الذئب إلى حَمَل بمجرد ارتداء فروته؟
ثم كيف يمكن تمرير جريمة السطو على أملاك الشعب وقد أعلن بعض رؤوس الفساد جهارا نهارا أنهم يعيدونها بمعنى الإقرار بسرقتهم وسطوهم على تلك الأملاك طوال السنوات العجاف؟؟؟
وهل صحيح أن إعادة بضع قصور تعني إعادة ما تم نهبه مما قيمته مئات مليارات الدولارات!؟ أم هل سيكون مجرد رحيل المفسد واستقالته هي نهاية الجريمة؟ كيف نترك ذاك الذي جاء من زمن رواتب الإعانات الاجتماعية للدول الأوروبية التي يحمل جوازها ليعود إليها بوصفه مليارديرا أو بأبسط الأحوال مليونيراً يشتري القصور والأندية في تلك البلدان!؟
أصحيح أن نخرج من مرحلة أكبر سرقة في عصرنا تتمثل في نهب العراق وطنا وشعبا واستعبادهما لندخل مرحلة تبييض ما تمّ نهبه!؟ أيكون الشعب مضللا إلى درجة تمرير سلبيته ولهاث بعض أطرافه وراء السارقين ليبيض لهم اليوم وجودهم؟؟؟
أنخرج من مرحلة ارتداء المفسدين أردية القدسية الدينية (المزعومة المزيفة) لندخل مرحلة تزكيتهم وتنزيههم بارتداء أردية المدنية والعلمانية (المُدَّعاة المزيفة)!؟
كلا، فـالمطلب الأول والأخير اليوم، هو التغيير من أجل بناء دولة علمانية ديموقراطية اتحادية نلبي العدالة الاجتماعية… وهذا لن يتم لا بالإصلاح بمعنى الترقيع ولا بوهم الانتقال من جلابيب التدين الذي كان رداء تقية وتضليل إلى ملابس المدنية والعلمانية التي تنهض بمهمة تبييض أموال النهب والسرقة وتبييض صفحات المجرمين ليظهروا هذه المرة ببرامج مختلفة مظهريا ولكنها بالمحصلة ليست سوى طي صفحة للنفاذ بجلد المجرمين السوقة السرقة من الوقوع تحت طائلة القانون وإعادة ما تم نهبه…
لا تسمحوا للمجرمين أن يفلتوا واتجهوا للالتفاف حول شعار التغيير وتوحيد قوى الشعب بنهج بديل، يمكنه أن يستعيد ما تم نهبه بمقاضاة المجرمين الذين تتسبوا بفرض نهج الإفساد وإرهاب المجتمع…
تذكروا أن الفساد منهجا سيستمر وباء بينكم يأكل فيكم وينهش بلحمكم وبوجودكم إلا إذا انتفضتم عليه جملة وتفصيلا وليس بترقيعات تبقي على رؤوس الفساد..
رؤوس الفساد ليست شياطين وهمية في الفضاء بل هي من حكم منذ 2003 حتى اليوم. تلكم هي الحقيقة فلا تشيحوا عنها.. لا تمنحوا أحدا من المفسدين بلا استثناء فرصة لتبييض وجوده وإلا فإن كل من يبقى بتبعية لهذا الزعيم او ذاك يساهم بجريمة الفساد والأنكى يشارك بجريمة التصفية الدموية الأبشع لوجوده حرا كريما!!!