أوردت الأنباء تجاوزات جديدة لقوات ميليشياوية تضاف إلى تلك الانتهاكات التي جرت في الموصل. وبجميع الأحوال يبقى المطلب وقف فوري لما ارتكب ويرتكب وسرعة المقاضاة والمحاسبة بفعالية شفافة وبوجود مراقبين أمميين مع إنهاء أي شكل لوجود السلاح خارج سلطة الدولة وقوانينها ورفض وجود تشكيلات بأي مسمى خارج الجيش والشرطة
المرصد السومري لحقوق الإنسان
مطالعة حقوقية بانتهاكات ارتكِبت عقب عمليات استعادة الموصل وتلعفر
إدانة انتهاكات حقوق الإنسان وتجاوزات على ممتلكات المواطنين والمطالبة بالشفافية في التحقيقات
توطئة
كانت القوات المسلحة الرسمية العراقية وتبقى هي الجهة المعنية حصراً بمهام حماية السيادة الوطنية ومنع انتشار السلاح خارج سلطة الدولة. وفي ضوء ذلك، ومنذ انطلاق عمليات إنقاذ الموصل وأقضيتها ونواحيها من براثن الفوضى ومخالب الإرهاب واستعادة سلطة الدولة هناك، فقد طالبت القوى الوطنية والجهات الأممية المعنية بتجنب أية مشاركة لقوات ميليشياوية بعينها، لأن أصل المهمة تتجسد في إعادة سلطة القانون الذي يحصر السلاح والمهام القتالية بالجيش والشرطة ومؤسسات الدولة الرسمية فقط لاغير…
ولأنَّ ما جرى بجوهره ليس سوى انسحاب غير مبرر للقوات الرسمية بأوامر قادتها آنذاك؛ الأمر الذي أعقبه ونجم عنه انتشارالقوى الفوضوية الإرهابية وملؤها الفراغ ومن ثمّ تسيد الموقف وإذلال المواطنين واستعبادهم.. ولأنّ ما جرى لم يكن فعليا حالة احتلال دولة لأراض عراقية ذات سيادة بل كما شخصته القوى الوطنية والأممية بأنه انفلات أمني أعقب انسحابا غير مبرر وأوامر لم يجر الكشف عن أسرارها حتى الآن على الرغم من التحقيقات، فإن الصحيح كان ويبقى يفرض منع إشراك أية قوة لا تخضع لسلطة الدولة وقياداتها المؤسسية بالإشارة إلى الميليشيات ومستشاريها المنتسبين إلى دولة لم تعلن انتهاء الحرب مع العراق رسميا حتى يومنا، وكثير من قياداتها واتباعها لا يخشون إطلاق التصريحات المعادية للشعب العراقي وتطلعاته…
المشكلة: انتهاكات حقوقية خطيرة
وعلى الرغم من تصريحات ووعود بشأن قوات ما تمت تسميته الحشد الشعبي المكوَّن من (تحالف الميليشيات ومتطوعين خضعوا كرها لسلطة تلك الميليشيات وقادتها) وبشان عدم دخولها في الموصل والمناطق السكانية المحيطة إلا أن الواقع أثبت العكس فدخلت تلك العناصر الميليشياوية إلى الأحياء في لحظات شديدة التوتر وهي لحظات فعاليات حربية خطيرة. ما أفسح المجال واسعاً لجرائم خطيرة رصدتها المنظمات الأممية والحقوقية المحلية فضلا عن صرخات الأهالي أنفسهم دع عنك ضحايا العمليات من المدنيين.
لقد تمّ ارتكاب جرائم ثأر وانتقام من تعذيب وتنكيل بأبناء تلك المناطق وقتل وحشي وتمثيل بالجثث [نشير إلى وثائق بالصوت والصورة مثل فيديوات التعذيب والرمي من أعلى سطوح المباني والتصفية بالرصاص] وكانت تلك فظاعات يشخصها القانون الدولي على أنها جرائم الحرب وهي الانتهاكات والجرائم التي وعد القائد العام بالتحقيق بشأنها من دون نتائج تذكر..
ولكننا أبعد من ذلك، اليوم وقبل صدور أية نتائج في تحقيقات ما اُرتُكِب بالموصل تتوارد أنباء عن انتهاكات أخرى وتجاوزات حقوقية منها على سبيل المثال لا الحصر: ما أشارت إلى نهب المؤسسات العامة وتخريبها وحرق بعض الدور وسرقة محتوياتها…
المطالب الحقوقية
إن مثل هذه الفوضى لم تكن لتحصل لو التزمت السلطات بحصر الفعاليات الحربية بعناصر القوات الرسمية.. إن جملة الانتهاكات والتجاوزات لن تنتهي سبهللة بلا آثار كارثية لاحقة، بخاصة وتحديداً إذا لم يجر اتخاذ الإجراءات الحازمة الصارمة والحاسمة بما يحاسب الفوضويين ممن ارتكب تلك الجرائم لأن الهدف يكمن في فرض سلطة القانون وإعادة دور الدولة في حماية الحقوق والحريات ومنع أي تجاوز أو انتهاك وليس التغطية على جرائم باي تبرير ومنه تلك التبريرات القائمة على حكاية الانفعال وردود الفعل الانتقامية والثأر وما أشبه من ترهات لا تستقيم والقانون واللوائح الحقوقية المحلية والأممية.
عليه فإن المطلب الرئيس المتمثل بإجراء التحقيقات يلوم أن يرافقه الآتي:
- منع أي تغيير في الميدان قبل استكمال التحقيق بوجود مشرفين حقوقيين من خارج دائرة السلطات المحلية والاتحادية.
- مشاركة منظمات دولية متخصصة في التحقيقات.
- الشفافية التامة في التحقيقات.
- عدم استثناء أي من المتهمين سواء من داخل مؤسسات رسمية أم من خارجها بالإشارة إلى الميليشيات.
- عدم استثناء القيادات المباشرة والقيادات العليا المسؤولة عمن ارتكب الانتهاك و\أو الجريمة.
- الشروع بتفعيل لجان التحقيق بدءاً بجريمة إصدار أوامر الانسحاب غير المبرر وتسليم كامل سلاح القوات الرسمية للقوى الإرهابية.
- سرعة وضع برامج إعادة تأهيل المناطق المستعادة لسلطة الدولة وإعادة إعمارها بشكل تفصيلي شامل بوجود مشاركة دولية مباشرة.
- إعادة المهجرين والنازحين واحترام حقوقهم في التعويض وفي المطالب الحياتية سواء منها الخدمية أم تأمين التأهيل الشامل.
- منع أي شكل لاحتمال عودة الإرهابيين أو تسللهم مجدداً.
- إخراج كل القوات الميليشياوية والمتطوعة وحظر انتشار الأسلحة بشكل شامل وتام وبكل أنواعها.
- تأمين المراكز الاستخبارية ومراكز الشرطة والإنقاذ المدني والطوارئ والقوات اللازمة لحفظ الأمن في ظروف الطوارئ والحرب..
- إيجاد مؤسسات تناسب والأوضاع المستدة بخاصة بشأن الطبابة النفسية الاجتماعية.
- فرض سلطة الطوارئ في المنطقة.
- توجيه حملات تنوير إعلامية مجتمعية تشتمل جوهريا على معطيات لوائح حقوق الإنسان وقيم التسامح والتعددية واحترام الاخر ورفض أي سلطة للعشائر أو لتشكيلات ما قبل الدولة وخارج وجودها الدستوري السليم.
خاتمة
إن استمرار التهاون تجاه وجود الميليشيات التي كانت ومازالت أجنحة مسلحة لأحزاب (الطائفية السياسية) والإصرار على عدم الإقرار بحتمية حلها ومنع انتشارها والتساهل مع حال تضخمها الجاري فعليا؛ ومثل ذلك الإيغال في التوجه نحو أي شكل من أشكال شرعنتها إن ذلك كله، يمثل جريمة بحق القيم الدستورية السامية وبحق حماية مصالح الشعب والتمسك بنقاء المؤسسات الرسمية برفض وجود من يزدوج معها في المهام مثلما وجود (جيش) ميليشياوي نظير للجيش الرسمي الوطني..
يجب سرعة حسم قضية وجود الميليشيات وإنهاء عبثية خطاب الشرعنة الجاري، مرة بوضعها بتسمية (الحشد الشعبي) وإصدار القرارات والقوانين الناظمة بقصد الشرعنة المخالفة لروح الدستور ومرة بإسقاط القدسية (المزيفة طبعا) لمنح الغطاء الديني والتحدث عن الشرعية الدينية في دولة ينبغي أن تنتمي بدستورها ووجودها لقيم العصر وقوانينه وشرائعه..
خلاصة موجزة: لا سلطة فوق سلطة دولة مدنية ومؤسساتها وقوانينها العلمانية حصراً. ولا وجود لقوة وسلاح، لا فوق ولا إلى جانب قوة القانون وسلاحه الشرعي الموجود حصراً بايدي قواته المسلحة بمؤسستي الجيش والشرطة فقط.
ما يناضل الشعب لفرضه: وقف فوري للانتهاكات والتجاوزات؛ والتحقيق في الجرائم المرتكبة من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة من دون استثناء أي طرف هيَّأ لارتكابها او ارتكبها أو ساهم في ارتكابها. مع إخراج اية قوة ليست من بنية الجيش والشرطة.