في إطار متابعاتنا المستمرة لأوضاع المرأة العراقية وما يجابهها من مشكلات نشير إلى أبرز ما تتعرض له مع التركيز على تزويج القاصرات خارج المحاكم الرسمية تمريرا للجريمة بغطاء مسميات زواج ما أنزل الله بها من سلطان ومما لم يعرفه المجتمع العراقي ولم يقرّه يوماً وكذلك بالتركيز على تحول عقود تزويج القاصرات من طاعنين في السن تحديداً، إلى صفقات في مستوى (ظاهرة) مذلة ما يمثل وصمة عار على المجتمع برمته ويفرض موقفاً نضاليا على قوى التحرر الاجتماعي بمنظمات المرأة ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية وكذلك قوى التيار العلماني الديموقراطي المدافعة عن العدالة والمساواة وتبني الحلول الموضوعية الأنجع
تيسير عبدالبار الآلوسي
نداء لمعالجة ما يجابه زواج الفتيات من عقبات وحظر زواج القاصرات
المرأة العراقية في أتون عواصف وإكراهات تتطلب موقفاً نوعيا شاملاً لإنقاذها
تتفاقم ظروف العراقيات وتتزايد تعقيداً بمختلف المجالات. ولطالما كانت المرأة العراقية الضحية الأولى للظرف المجتمعي المتدهور. ولعل ظروف النازحات والمهجَّرات قسرياً أوضح ما يمكن التحدث عنها. ومن بين أبرز ظروف القهر تلك التي باتت تسود من ظواهر الفقر والفقر المدقع مع ما يرافقها من اتساع ظاهرة البطالة وهزال مصادر العيش الكريم وتلاشيها، بخاصة عند ملايين النازحات.
وما يضاعف الأزمات الشاملة، يتجسد في تفشي ظواهر التجهيل وما يرافق انهيار التعليم ووقوع آثاره بشكل أشد على الفتيات أولاً.. مع إشارة جلية إلى تحكّم التقاليد البالية المجترّة من أزمنة التخلف وسلطة الاقطاع وقيمه المرضية، حيث يبرر من يسوق تلك القيم الظلامية بما يسقطه من القدسية المزعومة عليه.
وهكذا باتت اليوم كثرة من العوائل والأسر، بخاصة النازحة، تلجأ إلى تزويج بناتها القاصرات.. والأنكى إتمام تلك الزواجات بإطار صفقات أشبه ببيعهنّ لشيوخ يكبرونهن بعقود.
ومن متابعاتنا ورصدنا للظاهرة بمختلف المحافظات، وجدنا الظاهرة تتسع وتتفاقم بطريقة تفشي الوباء، حيث تُمارس عمليات التزويج بالمحافظات العربية، خارج المحاكم الرسمية وبعيداً عن سلطة القانون والتشريعات. ومما كشفته بعض الإحصاءات الرسمية ، فإنّ تزويج القاصرات من رجال مسنين وطاعنين في العمر قد سجّل على سبيل المثال لا الحصر (1400) عقد زواج للمقيمات بمخيمات النزوح في محافظة دهوك وحدها؛ الأمر الذي يُتوقّع ارتفاعه في خلال العام الجاري.
ونحن نشير إلى ظواهر الانتحار بين الفتيات ما قد يشير في جانب منه إلى أسباب وعوامل من قبيل محاولات إكراههنّ على الزواج المبكر.. مؤكدين على شبهة القتل فيما يوصف بالانتحار بخاصة وسط تضافر عوامل بعينها ومنها طابع ثقافة العيب وغسل العار وما غلى ذلك من قيم ذكورية ماضوية سلبية خطيرة..
إنّنا هنا نشارك نضالات المرأة العراقية ومنظمتها الفاعلة (راطبة المرأة العراقية) ومجموع المنظمات والناشطات في تبني الحلول الأنجع لمثل هذه الظواهر الخطيرة، كما ندعو مراكز البحث العلمي والأقسام المعنية في الجامعات والمعاهد لمزيد تمعن ومضاعفة جهد في دراسات يمكنها أن تجد مخارج مناسبة لمعالجة الأوضاع واقتراح التصورات القانونية التي يلزم تشريعها دفاعا عن المرأة العراقية وحقوقها في المساواة وإنصافها وتمكينها من اتخاذ قرارات مصيرها بنفسها..
إن تزويج القاصرات وأبعد منه ارتكاب الإكراه بصفقات تقديمهنّ لطاعنين في السن يمثل جريمة كبرى وانتهاك لكل لوائح حقوق الإنسان وهذه الجريمة تظل وصمة العار الحقيقية بجبين المجتمع. ما يدعو لتضامن واعٍ من الرجال والنساء في التخلص مما يُشاع ويتفشى من قيم مرضية بحملات ثقافية تنويرية شاملة وواسعة وبتحميل الجهات السياسية والإعلامية مسؤولية الاشتغال بإفراد قسم مهم لهذه الغاية السامية. وبالعمل على وضع التشريعات الملزمة التي تكبح جماع عمليات التزويج خارج المحاكم وما ينجم عنها وبمنع أشكال الزواج غير الموصفة بما يكفل حقوق المراة وبحظر نهائي وقطعي لتزويج القاصرات.. فضلا عما اقترحناه من خطى عملية في مواضع سابقة من معالجاتنا وما تقدمت به الحركة النسوية ورابطة المرأة في برامجها من دون إغفال حقيقة ما تبيته قوى التخلف الطائفية السياسية من محاولات تشويه قانون الأحوال المدنية والأحوال الشخصية بما تتضمنه تلك المحاولات من تشوهات مرضية خطيرة.
المرصد السومري لحقوق الإنسان
لاهاي هولندا
10.08.2017