عملاق الجملة اللحنية العربية، الموسيقار المتألق الدكتور حميد البصري يكتب من بين ثنايا الذكريات ومضة في علاقة بين عملاقي الفن والشعر يوم التقى هامة القصيدة العربية الكلاسية المعاصرة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري وكيف جاءت ألحان بعض من قصائده لتكون من بين ما تغنت به حناجر ذهبية وأولها حنجرة الصوت المقامي الأعلى الفنانة الرائدة شوقية العطار.. ألواح سومرية معاصرة تتشرف باستضافة الموسيقار البصري وما كتبه ولحنه وتضع هذه الومضة المهمة بين ايادي القراء ومحبي الفن والأدب ومنجزهما المتمسك بالإنسان وقيمه السامية.. إليكم جانب من تلك الومضة مع بعض الصور من الإرشيف
في الذكرى السنوية العشرين لرحيل الشاعر الخالد
استذكار الجواهري … تباهٍ بالوطن والابداع والتنوير
قامة الشعر العربي الكلاسي شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري
لم يكن من السهل أن تتكلم عن شخص يتربع على عرش اعلى قمة ادبية في الوطن العربي ، الا وهو شاعر العرب الكبير الراحل الخالد محمد مهدي الجواهري . لكنني استعرض هنا علاقتي معه ومع اشعاره .
كوني ملحنا لمؤلفات شعراء عديدين ، كنت محجما عن تلحين شعر الجواهري لفترة طويلة ، لا لشيء الا لقلقي وخوفي من ان يكون اللحن ادنى من مستوى الشعر . لكنني تجرأت في البداية الى استخدام احدى قصائده في المقام العراقي ، كون ذلك مرتبطا بأصول لحن المقام وانتقالاته الموسيقية .
فاستخدمت قصيدة ( سر في جهادك ( في مقام البهيرزاوي وغنته الفنانة شوقية العطار مع فرقة موسيقية يمنية :
سر في جهادك فالجهاد مفازة يهدي الضليل بها وينجده الدم
واصمد يطاوعك القضاء وحكمه همم الرجال هي القضاء المبرم
….. الخ .
عندما زار الجواهري عدن ، جمعتنا وبعض الاصدقاء جلسة معه. اسمعته نماذج من انتاجاتنا وسألته عن امكانية تلحينبعض من اشعاره ، رحب بذلك وسجل لي بصوته ( شوقا دمشق ) و (دجلة الخير) ، ولازلت احتفظ بالتسجيل . كان ذلكدافعا قويا لي لتلحين اشعاره .
وهكذا لحنت له قصيدة (شوقا دمشق ) :
وشوقا يا دمشق هو الضرام ضميءٌ لا يُبل لها أوام
وعشق دبّ في جسد وروح رضيع دم فليس له انفصام
اذا رمتُ السلوّ تخطفتني طيوفٌ لا يشق لها زحام
ثم استخدمت قصيدة يا دجلة الخير في مقام الراست . ولتنوع التعبير اللحني لآجزاء هذا المقام ، اخترت الأبيات ذات المضمون المناسب لذلك :
للاستماع لقصيدة دجلة الخير مغناة بتلحين الموسيقار البصري يرجى الانتقال بفتح هذا الرابط
حييت سفحك عن بعد فحييني يا دجلة الخير يا أم البساتين
حييت سفحك ظمآنا الوذ به لوذ الحمائم بين الماء والطين
إني وردت عيون الماء صافية نبعا فنبعا ، فما كانت لترويني
يا دجلة الخير قد هانت مطامحنا حتى لأدنى طماح غير مضمون
يا دجلة الخير ادري بالذي طفحت به مجاريك ، من فوق ومن دون
أدري على أي قيثار قد انفجرت أمواجك السمر عن أنغام محزون
أدري بأنك من الف مضت هدرا للآن ، تهزين من حكم السلاطين
تهزين من خصب جناتِ منشّرة على الضفاف ، ومن بؤس الملايين
لعل يوما عصوفا جارفا عرما آت فترضيك عقباه وترضيني
زرت الجواهري مرة ، انا والفنانة شوقية العطار في بيته بدمشق واسمعناه اغانينا ، فرح بنا كثيرا واتصل بابنته ( خيال ) التي كانت في اوربا ، ليبلغها عن سعادته بوجودنا في بيته وتكلمنا معها .
الفنانة الرائدة صاحبة الحنجرة الملائكية السيدة شوقية العطار
بعد ذلك لحنت قصيدة( سلام) :
سلام على حاقد ثائر على لاحب من دم سائر
يخب ويعلم أن الطريق لابد مفض الى آخر
كأن بقايا دم السابقين ماضِ يبشّر بالحاضر
………. الخ
وكانت هذه أفضل ما لحنته من أغان في حياتي .
الفنان الرائد الموسيقار الدكتور حميد البصري