نوافذ وإطلالات تنويرية
هذه هي الحلقة الثانية حلقات زاوية (نوافذ وإطلالات تنويرية) في صحيفة الصدى نت.. سأحاول فييها فتح نوافذ مع القارئات والقراء كي ندير حواراً يمنحنا فرص تنوير المشهد وإزاحة كلكل الظلام .. فشكراً لكل إطلالة من إطلالات المتابِعات والمتابعين وتحاورهم وطرحهم الأسئلة والاعتراضات والبدائل فبها حيث بها فقط، تكتمل حلقات التنوير وتُنار الأضواء
إلى لقاء كل أحد في الصدى نت و نوافذ وإطلالات تنويرية تيسير عبدالجبار الآلوسي
ومضة من الحلقة الثانية: الذي يجري عراقيا وبمجتمعات منطقتنا، يتقاطع وهذا القانون للتفكير العلمي.. فبمستوى النخبة جرى ويجري هدم مؤسسات البحث العلمي وبيوته \ جامعاته ومعاهده ومدارسه وبمستوى الجمهور يجري الفصل بينه وبين أمسه القريب والبعيد أيضا.. أكرر التوكيد على الخراب في التعليم ومؤسساته وسأتوقف عنده بموضع مخصوص لاحق؛ ولكنني أود التوقف هنيهة هنا لأسلط بقعة ضوء على قطع مسيرة الشعب عن ماضيه العريق وأمسه المباشر تحديدا في منجزه التنويري المتمدن وإعادة ضخ ماض يجتر أسوأ ما في التاريخ البشري بعملية غسيل دماغ وإعادة صياغته لإخضاعه لأشكال الاستغلال لسلطة التخلف الظلامية. وتفضلوا بالاطلاع على بقعة الضوء هذه…
نوافذ وإطلالات تنويرية
يكتبها د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
كل أحد في الصدى نت
تساؤلات بشأن محاولات قطع الصلة بمنجز الأمس التنويري وتشوبهه لمنع مراكمة الإيجابي
كانت معالجتي انتهت للتو إلى تساؤل صيغ كالآتي: ما مفردات التحول في اشتغال العقل العلمي، بوعد المعالجة والبحث في الأمل المتاح بالعراق ودول المنطقة.
ولابد هنا من الإشارة إلى الطابع الاصطلاحي للعقل والتفكير العلميين ومن ثم توجهاتهما وآليات الاشتغال.. ونحن هنا نحاول رصد أدوار نخبة العقل العلمي وطريقة أداء العقل الجمعي وتفكيره بين سيادة التفكير الأسطوري وخطابه البياني والتفكير العلمي وخطابه البرهاني.
وأؤكد بأنني لا أستخدم اصطلاح التفكير العلمي ومفهومه بحصره في الإشارة إلى حشد معلوماتي أو في شهادة تخصصية بمهنة أو مجال معرفي، كما يتوهم بعضهم؛ بالعكس من ذلك فالإشارة أوسع وأعمق.. فلطالما صادفنا أشخاصا يملكون معارف تخصصية ومعلومات تحتشد لديهم وهم في مواقع عمل عليا مهمة؛ كما يجري اليوم من استيزار شخوص بشهادات تخصصية بلا عمق فكري تنويري، ونحن نجد أمثال هؤلاء يتحدثون، عن إيمان في دواخلهم أو لخطاب ينتوون التضليل به، أقول يتحدثون بقدرات مشعوذ أو دجال أو يدافعون عن خرافات وأوهام لا يقرّها منطقٌ علمي ولا يعترف بها دين، واقصد هنا افشارة لتسويق أدعياء يسمونهم رجال دين وأحيانا مراجع يسقطون عليها القدسية طبعا من غير رجال الدين غير المعنيين باللعبة! وهكذا فالتفكير العلمي ليس أمراً تقنياً معلوماتياً ولا شهادةً في تخصصٍ وظيفي أيّاً كان هذا التخصص ولكنه نهج منطق هو منجز العقل البشري بمسيرته التقدمية السامية…
وهكذا فإنّ محاولة الإجابة عن مفردات التفكير العلمي والعقل العلمي، لابد ستمر تاريخياً بتحول المجتمع البشري من البدائية وقوانين الغاب إلى المدنية وقوانين التكافل الاجتماعي وتوزيع العمل وتنظيمه بطريقة تستند إلى التفكير المنهجي المستند للإحصاء والمنطق الرياضي وحساب الأمور ومعالجتها بتخطيط دقيق أي باستخدام منطق العقل العلمي، الأداة النهائية للانتماء للعصر وهوية الإنسان فيه. وهكذا بات ملزماً للإنسان الفرد والجماعة أنْ يستند إلى نخبة العقل العلمي وأن ينشر التفكير العلمي وآلياته وسط أوسع جمهوره ليشتغل به إذا ما أراد أن يكون له موطئ قدم بعصرنا وأن يحقق النجاح في زمن لا يمكن لـ(العشوائية والمسارات الاعتباطية) أنْ تصل بنا إلى أهدافنا..
ولنتذكر دائما أنَّ (أنتروبيا) أيّ شأنٍ أو (فوضى عشوائيته) تزداد بمقدار تعطيل (التفكير المنظم) وبدرجة الابتعاد عن مراكمة الخبرات والتخطيط وحساب الأمور رياضياً بما يوصلنا إلى غاياتنا بأفضل السبل…
ولنعد للتساؤل مجدداً: ما هي السمات التي تشكل التفكير العلمي للوجود الجمعي للإنسان (لشعبٍ)؟ أو تطبع منطق نخبة العقل العلمي وآليات اشتغاله؟
يمكننا للإجابة أنْ نوجز سمات التفكير العلمي في جملة من المحاور الرئيسة مشيرين إلى حركيتها وتطورها مع تعزز التجربة البشرية بالجديد منها، ومن ثمّ فإننا إذ نشير هنا إلى عناوين رئيسة لابد سنعود لنضيف سمات أخرى وعنواين ذات أهمية في سياق المعالجة.
ولعل أبرز تلك العناوين التي نريد التفصيل فيها ومنحها القراءة المناسبة على وفق التجربة المخصوصة المعاشة في العراق ودول المنطقة هي المتجسدة في معاني: (التراكم والتنظيم (المنهجية وقدرات الربط بين المكونات) والبحث عن الأسباب ثم دلالات الشمولية واليقين وسنترك عناوين أخرى لمناسبة لاحقة كي ننتقل لحلقات القراءة بجانبيها النظري والتطبيقي..
فأما القصد من التراكم في التعرّف إلى العقل العلمي وآلية اشتغاله فإنّ المعرفة البشرية وأيَّ علم لدى الإنسان لم يولد هكذا من العدم أو مرة واحدة. بل جاء في خضم مسيرة طويلة من محطات النمو والتقدم بوساطة (التجاريب) ومن مواصلة التشذيب والتهدذيب بعملية إزالة كل ما يفشل ولا يصمد أمام محاولات البرهنة على صوابه فيما يُبقي على ما برهن على صوابه وما ثبتت صحته، بعملية (تراكمية) تبني علامات أو سمات تدخل في سجل منطق العقل (العلمي).. وهذا ما يؤكد أنَّ الحقيقة العلمية تبقى مفتوحة على التطور بمعنى إتاحة الفرصة للتراكم المعرفي بوساطة البحث العلمي الذي يحقق في صواب (المفردة) العلمية ليكشف لنا عن معطى (جديد) أرقى وأعلى رأسياً في سياق للنمو القائم على (التراكم) أو بصيغة أخرى على البناء لبنة لبنة وطابقاً طابقا في صروح العلوم البشرية ومبانيها.
وطبعا فإنّ مؤدَّى هذا، هو التوسع المعرفي في النظريات والقوانين والاتجاه إلى مزيد من الدقة ومزيد من التفصيل الذي يضيف ويراكم معلومات جديدة أكثر اتساعا وأبعد تركيبا وتعقيدا، وبالتأكيد تلك المراكمة ليست عشوائية بل تتم بتهذيب أنتروبيا ما يمتلكه الإنسان من مفردات اشتغال تفكيره عبر ما تكرر التأكيد عليه بشأن الاختبار والانتقاء للأكثر صوابا وسلامة..
ولابد من التوكيد هنا على أن الحقيقة العلمية التي تنمو وتتطور لا تُلغَى بل يجري البناء عليها في ضوء مفهوم التراكم…
قد يقول هنا قائل: إنّ الحقيقة العلمية التي تتغير تشير إلى كونها نسبية غير ثابتة (ليست مطلقة) وفي الحقيقة لا تعارض بين وجود ثبات في الحقيقة العلمية كما في أوزان الأشياء وفي عناصرها المكونة كأن نقول أن الملح مكون من عنصري الكلور والصوديوم أو الماء مكون من الأوكسجين والهيدروجين وهكذا.. أما النسبية فلا تأتي الحقائق العلمية إلا بالاستناد إلى الزمان أو المكان فوزن جسم على الأرض غيره على القمر أو على المريخ بالاستناد إلى الجاذبية وهي نسبية لا تتعارض وثبات أو سمة الاطلاق في حقيقة الوزن وقانون الجاذبية.. وفلسفة قوانين الفيزياء القديمة والحديثة نسبية في زمان استخدامها وحدود معرفتنا بقوانينها ولكنها لا تتعارض وصواب ثباتها بوصفها حقيقة علمية لا منازع فيها..
لقد سقنا الحديث عن نسبية الحقيقة العلمية وثباتها لأن بعض مثيري الجدل البيزنطي من معارضي التفكير العلمي ومنطقه ودافعي الناس قسراً للإيمان بخرافاتهم يساجلون بالقول: هاكم لقد نفى العلم حقيقة من حقائقه فيتهمون التفكير العلمي بالعجز والنقصان بناء على مبدأ التغير والتطور فيه، أو في ضوء عدم وصوله إلى تفسير ظاهرة أو معالجة أخرى في مرحلة زمنية بعينها.. وهم هنا يمهدون لتقديم بدائلهم القائمة على خزعبلات معادية للعقل ومنطقه…
على أن الرد المناسب يؤكد أن مبدأ الحركة والتغير هو مبدأ قوة كونه يراكِم عناصر جديدة مضافة من جهة ويتسع بتفسير الظواهر وقراءتها بدقة أفضل تعالج أنتروبيا المعلومات لتضعها في سياقات بنيوية سليمة.. وهكذا فإنّ ذاك التغير يعلو ببناء العقل العلمي وأدوات تحليله مفرداته.. فتتسع نسب إجابات العلم على أسئلة الواقع وعنها وتضيق نسبة الجهل بتلك الإجابات..
إن الاتساع في تعاطي العلم مع الظواهر يتم عميقا في فضاء وجودنا باتجاه رأسي عمودي حيث مراكمة قراءات جديدة مضافة أكثر دقة في أمور يجري دراستها مجددا فيما يتسع أفقيا في قراءة ظواهر جديدة تبدو أمامه عبر كشوف وتعاملات جديدة..
الذي يجري عراقيا وبمجتمعات منطقتنا، يتقاطع وهذا القانون للتفكير العلمي.. فبمستوى النخبة جرى ويجري هدم مؤسسات البحث العلمي وبيوته \ جامعاته ومعاهده ومدارسه وبمستوى الجمهور يجري الفصل بينه وبين أمسه القريب والبعيد أيضا..
أكرر التوكيد على الخراب في التعليم ومؤسساته وسأتوقف عنده بموضع مخصوص لاحق؛ ولكنني أود التوقف هنيهة هنا لأسلط بقعة ضوء على قطع مسيرة الشعب عن ماضيه العريق وأمسه المباشر تحديدا في منجزه التنويري المتمدن وإعادة ضخ ماض يجتر أسوأ ما في التاريخ البشري بعملية غسيل دماغ وإعادة صياغته لإخضاعه لأشكال الاستغلال لسلطة التخلف الظلامية. وتفضلوا بالاطلاع على بقعة الضوء هذه…
إنّ ما يشاع عن الماضي البعيد يظل في إطار اجترار الخزعبلات والخرافات ومنطق الأسطورة وعادة ما يوصف بالجاهلية الأولى حيث المجتمعات البدائية المغضوب عليها ولا يُقرأ منها على سبيل المثال التحولات البنيوية من مجتمعات الصيد إلى الرعي والزراعة ثم المجتمعات المدنية وتحولاتها وأشكال نموها.. لاحظوا إلغاء كل ما يشير إلى مهد التراث الإنساني في الحضارة السومرية وفي حضارات الإنسان الأول ببلداننا. وضمناً جرت ومازالت محاولات طمس معالم تلك الحضارة إلى درجة (نهب) الاثار والاتجار بها لإبعادها عن موئلها وتخريب ما لا يمكن نقله والتوجه لمحو الأسماء مثلما محاولة تغيير اسم (بابل) على سبيل المثال لا الحصر التي خاببت بفضل وعي ومجابهة مكينة من نخبة العقل العلمي ومن التفاف جمهور الشعب حول فكرة التصدي للمحاولة التي تتعكز على المقدس لتغطية المآرب الحقيقية.
وفي محاولة قطع الطريق على الاتصال بالأمس القريب؛ سنجد تشويه كل منجزات الشعب في بناء الوطن والتقدم به عبر مسيرة تنموية أنتجت مفرداتها قدرات الشعب من قبيل ما وصلت إليه الزراعة والصناعة وجملة الخيرات المادية المنتجة من ركائز التقدم…
لاحظوا كيف جرى تخريب تلك الركائز والعودة بالمجتمع إلى أوضاع خربة وصلت من التدني والانحطاط أنه ما عاد يعرف الخدمات بمستوى ما كانت متاحة حتى قبل نصف قرن من الزمن!
وما يتفشى اليوم من أمراض أنّ كل مفردة تلصق بتوصيفات تضليلية مرضية تنسب عادة إلى الطاغية ونظامه.. وقضية النسب هذه القصد منها اختلاق بعبع بين (ابن اليوم) والأمس ومنعه من البناء على وصل إليه جهد ذاك الأمس الذي ينتسب إليه لا إلى طاغية ولا إلى نظامه…
المشهد لا يقف عند المادي بل يتركز على الروحي القيمي، وهذا ما يهم دراستي هذه…
انظروا إلى إغلاق دور السينما والمسرح، وإلى القطع في مسيرتها وتحت خطى الضغط وإعادة الإطلاق يجري التهيئة لإطلاق نموذج بديل هو نموذج التمسك بمنطق الخرافة بالضد من نموذج العقل العلمي واشتغال تفكيره.. انظروا إلى مؤسسات التعليم كيف يجري تخريبها وإطلاق بدائل نوعية لا تنتمي لمنطق التعليم وما يراد منه لا بالمستوى التربوي ولا بالمستوى المعرفي للتعليمين الأساس والعالي… وانرظوا إلى أزياء النساء والرجال وما تعكسه من ثقافة فبعد أن تحرر المجتمع من الشكليات الفارغة ودان منطق العار والعيب أو منطق جسد الإنسان (عورة) يعود القهقرى ليلف المرأة بشوادير الظلمة ليعطل نصف المجتمع على خلفية أنها عورة والأمر يرتكبونه بالتدريج وبخلط الأمور وبأضاليل ما أنزل الله بها من سلطان ونعرف معاني انتماء تلك الأزياء إلى زمن تحكم الاقطاع ومنطق أوساخ عقليته… وبين أمس تحرر من تلك اللفائف ويومنا المقيد بها هناك وادٍ سحيق من القيم المتعارضة التي يحاولون بها قمع فكرة التراكم والبناء على ما توصل إليه مجتمعنا بنضالات مجتمعية نجحت في الانعتاق النسبي يومها.
إنّ الاحتفال بالمشرق من ماضي شعوبنا القديم وماضيها القريب وتنويره بها يساعد بشكل نسبي على إحياء ما وصلت غليه مجتمعاتنا كي نمضي في البناء ومراكمة المنجز فوق المنجز بينما الخنوع للعبة محو الماضي وطمسه يعني قطع سبل التراكم والتنمية التي ينبني عليها العقل العلمي ومنطقه ويمضي بها التفكير العلمي ونشره وسط جمهور العامة..
فهلا تنبهنا إلى هذه الإشكالية الخطيرة في منطق التفكير العلمي؟؟؟
أتوجه بتنبيهي هذا إلى القوى التنويرية لأنّ إهمال الاحتفال بالمنجز ومراكمته سيظل عقبة كاداء وسنظل بحال من انطلاقات من منطقة الصفر بلا مبرر سويّ يقبل بهذه الاستدارات إلى المربعات البدائية وكأن شعوبنا لم تدفع الثمن غاليا بنضالاتها وتضحياتها…
وإلى لقاء بإطلالة تنويرية أخرى في ضوء المحاور التي أشرنا إليها كي نكشف معالمها بإطار المفارقة والتناقض بين منطق العقل العلمي ومنطق الخرافة.. تنويراً لوجودنا ولاشتغالنا وسبل عيشنا وأنسنة حيواتنا تلك الأنسنة المستحقة.. وشكراً لتفاعلاتكم كافة
زاوية نوافذ وإطلالات تنويرية حلقات 1- 2 الروابط أدناه
نوافذ وإطلالات تنويرية ح2 تساؤلات بشأن محاولات قطع الصلة بمنجز الأمس التنويري وتشوبهه لمنع مراكمة الإيجابي
نوافذ وإطلالات تنويرية ح1 تساؤلات بشأن اشتغال منطق العقل العلمي لوقف تداعيات خطاب الخرافة