نوافذ وإطلالات تنويرية
هذه أولى حلقات زاوية (نوافذ وإطلالات تنويرية) في صحيفة الصدى نت.. سأحاول فييها فتح نوافذ مع القارئات والقراء كي ندير حواراً يمنحنا فرص تنوير المشهد وإزاحة كلكل الظلام الذي ناء بأحماله المأساوية على أكتاف المغلوبين على أمرهم من فقراء الوطن.. فشكراً لكل إطلالة من إطلالات المتابِعات والمتابعين وتحاورهم وطرحهم الأسئلة والاعتراضات والبدائل فبها حيث بها فقط، تكتمل حلقات التنوير وتُنار الأضواء
إلى لقاء كل أحد في الصدى نت
و
نوافذ وإطلالات تنويرية
تيسير عبدالجبار الآلوسي
برجاء اضغط على الصدى نت أو اسمي هنا وكذلك على عنوان الزاوية وستنتقل مباشرة إليها وما تحتويه من معالجات مقترحة على الجميع.. متطلعا للتفاعلات.. وبودي الاعتذار عما ظهر من أخطاء طباعية في النسخة الأولى تجدون هنا تعديلا وتدقيقاً بعد مراجعة
نوافذ وإطلالات تنويرية
يكتبها: د.تيسير عبدالجبار الآلوسي
(1)
تساؤلات بشأن اشتغال منطق العقل العلمي لوقف تداعيات خطاب الخرافة
في ظل النكبات والكوارث وأشكال الضغوط والابتزاز، يتفشى اليوم هروب من الواقع باتجاه خيال مرضي تجسِّدُه تمظهرات (الخرافة) وآليات اشتغال التفكير فيها بل قل آليات تعطيل التفكير.. ويتمادى المرء في استسلامه لذاك الخيال المرضي والاستغراق بعبثية الخرافة وهو الأمر الذي وفّر ويوفر فرص تمدد قوى استغلالية من الطائفيين المفسدين وتسلطهم على الجموع ووضعها في خانات التبعية والاستغلال بعد تجيير وجودهم وطاقاتهم…
من يتحكم بالمشهد اليوم هو مفسد يتبرقع بجلابيب التدين وما يتيح له البقاء والمناورة والسطو بعنف أشد هو أرضية تفشي خطاب الخرافة وطابع خطابه البياني المغلق؛ ذاك القائم على جماليات الانبهار بكل لغو منمق لا ينهك متلقيه في التفكر والتدبر والبحث عن البرهان بل يدغدغ مشاعره ويسطح الأمور عنده، فيجعله لقمة سائغة للتجيير والابتزاز والاستغلال…
في ظل هذا المشهد وما فيه من أسباب تجري جريمة محاصرة العقل العلمي.. وهناك أيضا عوامل لهذا الحصار فمن ذلك: إشاعة الأميتين الأبجدية والثقافية (المتمدنة\الحضارية) سواء بإحداث انهيار شامل في التعليم أم بحجب الخطاب الثقافي السليم، ومفاقمة الفقر والحاجة للقمة العيش بأية طريقة وضمناً إحداث انهيارالطبقة الوسطى وتسريع اضمحلال وجودها ودورها، وتعميق انتشار العنف المفرط بخاصة العنف التصفوي الدموي بوجود البلطجية والميليشيات ممن يستبيحون كل شيء، بـالتركيز على محاربة منتجي الثقافة وتهجيرهم إن لم يكن تصفيتهم نهائياً و\أو التضييق عليهم، بالتهديد والابتزاز وباعتداءات همجية بلا حدود…
في ثلاثينات القرن المنصرم (في العراق وعدد من دول المنطقة) لم يكن الأمي مدعيا متمظهرا بما ليس فيه، وكان يجلّ المتعلم والعلم ويبحث عن إجابة أسئلته عند منتج الثقافة.. فماذا حلّ (اليوم) كي تنقلب الأمور ويصير الأميّ أخطر من مدعٍ؟ وما هي وسائل معالجة هذا الانقلاب في الأمور؟
أعود للتذكير بأنّ المجهَّل المفقَر تمت تهيئته ليبحث عن الخرافة وخطابها وعمن يمنحه إجابات قدرية لا تكلفه جهداً وقد تم استنزاف كل طاقاته.. وبهذا فهو يبحث عن (رجل الدين) المزيف الذي يلعب به ويعبث بحياته بألفاظ لا تغني ولا تسمن ولكن تدغدغ مشاعر الخائب المهزوم الذي تطارده انكساراته واحباطاته وخيباته في تفاصيل يومه العادي أينما ولَّى وجهه…
هذه الشخصية المحطمة المتشائمة الحزينة المبتلاة تخشى مغادرة الحياة وقد خسرت ما بعدها أيضا! وهي بهذا، الأبعد عن أن يكون مرجعها ومن تطلب منه إجابات أسئلتها رجل علم منتج ثقافة ما يتطلب تشغيل العقل المعطل مسبقاً في حين تم تهيئتها للسلبية والابتعاد عن تشغيل العقل تحت ضغطي التجهيل والبلطجة الفكرية والتصفوية التي تهدد حيواتهم بكل لحظة…
ما يجابهه العقل العلمي ونخبته وآليات اشتغاله، هي جملة من التحديات المعضلة المستفحلة. كيف يصل إلى من بات يسخر من كل منطق وليس منطق العقل العلمي فقط؟ كيف يصل إلى هذا المنكسر المحبط المجهَّل؟ إنَّ عليه أن يوجد خطاباً قادراً على النفوذ عميقا في روح المواطن المبتلى ليشحنه بطاقة جديدة انتهت فيه وسط ركام المشكلات والتعقيدات الحياتية المفروضة قسراً عليه…
ومن أجل مثل هذا الحل المتطلع إليه؛ فإننا بحاجة اليوم، إلى خطاب إبداعي جمالي يتحدث إلى النفس والضمير والمشاعر أولا ليولّد الطاقات الروحية المفتقدة على خلفية الانكسارات والاحباطات وليعيد معالجة الجراحات القيمية التي اغتالت كل جميل متفائل في حياة الإنسان.. وطبعا لتعيد شيئاً من التوازن إليه بخاصة أمام ترنحه تحت وطأة الضربات المهولة التي عانى ويعاني منها يومياً…
إنّ إنتاج ثقافة روحية تنويرية بخلاف ما تفشى طوال السنوات العجاف من المشاغلات وأشكال الابتزاز، هو واجب من واجبات العقل العلمي.. فنحن هنا لا نشير إلى التخصصات التكنولوجية المهنية وكأننا في ورشة بناء أو في مصنع أو معمل. إننا نشير إلى (منطق) عقلي يؤنسن وجودنا؛ ويدفعنا لتبني الآمال والتفتح واستشراف حاضر مختلف ومستقبل غني بتمدين الإنسان وتقدمه ومن ثم انتمائه لعصره، حيث مرحلة حضارية تكاد تجتاز حتى المتعلمين لنصوص مدرسية تقليدية…
العقل العلمي مطالب بتزويد الإنسان اليوم ما يقيه الخنوع للضربات وعنفها المفرط ويتصدى لاستباحتها القيم تلك الاستباحة التي تحيلها إلى مجرد قيم ماضوية مجترة مجمدة متكلسة لا تسمح بفعل إيجابي..
في ضوء هذين الاتجاهين مما يتفشى مرضيا من اتجاه ومما يقف على النقيض مما يتحدى بطوليا بمنطق عقلي علمي، يتسع في العراق البون بين الانسحاق الثقافي المعرفي والتجهيل وخطير الانكسار النفسي الروحي القيمي من جهة وبين تحديات نخبة العقل العلمي ومنتجي الثقافة التنويرية من جهة أخرى..
ومثلما اتسع الفقر أفقيا حتى بات قريبا من ثلثي الشعب العراقي فإنه يتفاقم عموديا حيث فجوة الفقر تدفع بالمسحوقين إلى قعر الحاجة إلى حد الخنوع لكل ابتزاز يُفرض عليه..
ومثل هذا الانسحاق المادي حيث الفقر المدقع بمجمل الحاجات الحياتية (مادياً)؛ نجد ما يماثله من انسحاق معرفي ثقافي قيمي وهنا يمكننا الحديث عن ظاهرة فقر روحية متفشية بشكل ونسبة بلغت حدوداً استثنائية يحق لنا تسميتها الفقر المدقع ثقافياً قيمياً وهنا مكمن المخاطر حيث سهولة أسر الجموع في خنادق الظلاميين وخطابهم…
أما بشأن العقل العلمي عندما يحصر اشتغاله بالأكاديمي التخصصي الضيق فـ لن يجد فرصة للعمل الحقيقي وسط ظواهر الجهل وأنصاف المتعلمين وأدعياء التفيقه والسفسطائيين.. وإذا اشتغل بموقع ما بإطار تخصصه فهو كما نكرر مراراً توكيداً، معطل الإنتاج الفعلي لأن الذي يدير اشتغاله شخصية لا تعرف توظيف منجزه (المعرفي العلمي) وقوانين إنفاذه، فتديره بفشل مع سبق الإصرار على إحداث التعطيل والإفشال من أطراف التسلط بالإشارة إلى طبقة الكربتوقراط المتجلببة بجلابيب التدين المزيف المدَّعى…
لكن بالظروف العراقية (وعدد من بلطان المنطقة ومجتمعاتها) يجب على نخبة العقل العلمي حمل مسؤوليات قيمية أخلاقية أشمل من الاشتغالات المهنية التخصصية، إنها مهام تجسد المسؤولية الوطنية الداعية لتحرير العقل والوصول إليه بوسائل تتناسب والمتاح في التفاعل مع المسحوقين المقهورين الماسورين خلف جدران الخيبة والجهل…
ولكن، هل اقتربت نخبة العقل العلمي من هذه المهمة حتى الآن؟ وكيف يمكنها أن تحمل المهمة؟
الصحيح أنها مازالت بعيدة إذ أن من وسائل حكم الطائفيين ونهجهم تمزيق أي محاولة للتنظيم (الثقافي) التنويري وطعنها بمختلف الطرق الانتقامية العنيفة.. كما أنهم لا يسمحون بتوسع فرص عمل مراكز البحث العلمي والجامعات ولا يسمحون باشتغال البحوث ميدانيا أو على ظواهر معاشة متفشية وينشرون قيم الفردنة والشخصنة ونوازع الشللية بديلا عن الروابط الأكاديمية ومجالس التخصص العلمي وهيآته بالمتسويين الوطني والقومي، مثلما يقطعون الطريق على أية فرصة للتبادل المعرفي العلمي مع العالم المتحضر المتقدم..
وبسيادة ظواهر الفردنة والشللية وأمراضها تضعف حد الهزال اشتغالات حمعيات الثقافة التنويرية ومنطق العقل العلمي..
إلا أن ذلك ليس نهاية المطاف، فتراكم التجاريب تحديداً التي يجري إفشالها يوفر إمكانات التقاط وسائل المعالجة والتصدي ووقف التداعيات وأشكال الانهيار لتنطلق العجلة مجدداً بنيوياً وتعيد تنظيم نفسها كما تعيد ارتباطها بجمهورها وتلفه حولها وتكون مرجعا سوياً سليماً صحياً لإنقاذه ببرامج ناجعة مناسبة..
والآن،
ما مفردات التحول في اشتغال العقل العلمي، سنجد له فقرته بمعالجة لاحقة لكن، هنا كان مجرد محاولة لتسليط الضوء على التقسيمات الجارية وآليات اشتغالها على ضفتي التناقض بين ما يشاع وينكأ الجراحات وما يمكنه المعالجة وإن كان حاليا محاصراً..
فيما الأمل يبقى قوياً وتبقى شموسه ساطعة وبعض غيوم داكنة لن تلغي حقيقة وجود تلك الشموس وإمكاناتها البهية في التغيير..
فقط تحذير من محاولات سرقة الاسم والتخفي هذه المرة بظلال جلابيب مدعاة كما جلابيب التدين الكاذب التي ارتدوها طوال عقد ونصف العقد وفرضوا بها الظلاميات والتخلف…
وإلى لقاء بإطلالة تنويرية أخرى في ضوء تساؤلات تصل عبر تفاعلاتكم
إلى لقاء كل أحد في الصدى نت
و
نوافذ وإطلالات تنويرية
تيسير عبدالجبار الآلوسي