هذا تقرير أولي يمثل وقفة حقوقية بشأن السجون السرية وما يُرتكب من جرائم التعذيب والاعتقالات العشوائية في العراق. وأغلب تلك الجرائم تُرتكب في ظروف من التعتيم الإعلامي كما يجري ابتزاز الأهالي والشهود ومنعهم من متابعة الترافع القضائي لاستعادة حقوق المغدورين.. ومن جهة العناصر التي ترتكبها تفلت من العقاب سواء انعقدت لجان تحقيق [شكلية بجوهرها] أم لم تنعقد. إن هذا التقرير يركز على الأهداف المرجوة أكثر من بحثه في (الرصد) الميداني لحجم الكارثة بأمل التوصل لأفضل السبل وأنجعها في وقف الانفلات الأمني والإفلات من العقاب القانوني وفي بناء جهاز تنفيذي وقضائي عادل يحمي شروط الإجراءات وسلامنها في التقاضي والترافع وفي حماية المواطن إنساناً بكل حقوقه وحرياته…
يتابع المرصد السومري لحقوق الإنسان الأوضاع الإنسانية والحقوقية في العراق عن كثب. ويدقق في التقارير الواردة بقصد الفرز بين تلك التي تخضع لمعايير الصراعات الحزبية السياسية ومآرب اطرافها وبين تلك التي تتحدث عن الوقائع بقصد الدفاع عن حقوق الإنسان. ونحن نلاحظ في السياق دفاعاً مستميتاً لعناصر حكومية عن الطابع المؤسسي الحكومي وادعاء التزامه بالقانون واللوائح الحقوقية الأممية، في وقت يغض الطرف عن ظواهر شاذة تُرتكب بعيداً عن أعين السلطة أو بتغطية من بعض عناصرها أو بضغوط على أطراف رسمية وحالات ابتزاز.. ونحن لا نريد التقاطع مع طرف بقدر ما يهمنا أن يجري توكيد ما يعلن عنه وليس مجرد إطلاق التصريحات على عواهنها؛ وهنا مع أول قراءة الشواهد الواردة ميدانياً، تنتفي سلامة التصريحات التي تتحدث عن خلو السجون من الثغرات والانتهاكات، بخاصة هنا تلك التي لا تخضع لوزارة العدل وتلك التي لا تخضع للسلطات الحكومية أصلا.
ويحتفظ المرصد السومري، بتقارير المنظمات الحقوقية الأممية منها والوطنية؛ وجميعها تتفق على ظواهر انتشار (السجون السرية) وأشكال التعذيب النفسي والبدني وارتكاب جرائم اختطاف واغتصاب لمصلحة تلك المعتقلات؛ الأمر الذي تفاقم واستفحل بطريقة منفلتة.
وتشرف عادة على تلك السجون (السرية) أما عناصر تخدم ميليشيات وتأتمر بأمرها أو ترتبط مباشرة بجهات خارجية (إقليمية)؛ في وقت يجب أن تتبع جميع السجون لوزارة العدل لا الداخلية ولا الدفاع كما يجري بكثير من الحالات اليوم، وبالتأكيد لا يمكن قبول فكرة سجون تتبع أطرافا غير حكومية بالإشارة إلى الميليشيات بجميع اتجاهاتها. إذ تُرتكب الجرائم فيها، بأسس و\أو خلفيات طائفية [بجناحيها] على وفق شواهد وأدلة كثيرة..
فيديو تعذيب بخلفية طائفية لاحظ الألفاظ والشتائم المستخدمة
https://www.youtube.com/watch?v=kJgH9avaYyk
تقرير إعلامي عن السجون السرية في العراق
https://www.youtube.com/watch?v=Y3uC9cNpRx4
ونحن في المرصد السومري، نؤكد على ضرورة الانتباه الجدي المسؤول على ما يجري من انتهاكات حقوقية خطيرة في عراق اليوم. بخاصة مع ظاهرة وجود تلك المعتقلات السرية؛ بمعنى تلك التي يجري إدخال المواطنين إليها من دون أمر قضائي، إذ يُعتقل بعد خطفه من الشارع وبكثير من الأحيان عشوائيا في مناطق بعينها..
وتغص تلك السجون أيضاً بالنساء والأطفال ويخضعون لشتى أشكال الانتهاك والفظاعات خارج نطاق المساءلة القانونية؛ بما في ذلك الاعتداءات الجنسية عليهنَّ. وقد تمّ توثيق ذلك على سبيل المثال في سجن الكاظمية حيث ظواهر مختلفة مثل انتشار أمراض وبائية كالسل والجرب، حتى بات سجن الكاظمية يوصف بأنه الأسوأ بين السجون العراقية، وهو يضارع في سوء السمعة سجن أبو غريب إذ يتميز طاقمه بممارسات تخضع لرؤى الطائفية وفلسفتها؛ كما يتصف بخطاب الكراهية والعدوانية العنصرية ومثله ما جرى في سجن الجادرية على وفق وقائع 2005 وكذلك بمرحلة حكم المالكي التي تعمقت فيها الانتهاكات بطابعها الطائفي واُكتُشف حينها سجن الشرف بالمنطقة الخضراء وغيره من السجون…
إن فلسفة ممنهجة طائفيا تكشفها حال توزّع السجون نخصّ منها هنا السجون (السرية) تحديداً، لما تتسم به من انتهاكات وفظاعات وخروج على سلطة القانون وفروضه الإجرائية التي تحمي الحقوق والعدل.. فهي تتوزع جوهرياً على مناطق تتسم بغالبية من طائفة بعينها، بالإشارة إلى مناطق صلاح الدين وسامراء والمناطق القريبة من المدن (المحررة) كالفلوجة والرمادي والموصل.. ولدى منظمة ((بامرو البلجيكية)) ومنظمتا الأمنستي والهيومن رايتس ووتش وثائق عن تلك المعتقلات السرية، ومما تتسم به حالات الاعتقال كما رصدناه في التقارير المشار إليها، ظاهرة عدم تسجيل أسماء المعتقلين، وهم يُعتقلون من دون تحقيقات أو إجراءات قضائية ومن دون وجود أركان إجرائية سليمة؛ بعدم وجود لا مدعي عام ولا محامين وعادة ما تتبع تلك السجون السرية، كما ذكرنا على وفق التقارير والشواهد الحية، للميليشيات الطائفية بشكل مباشر بكل تفاصيلها، كما أشرنا بهذا التقرير.
ودائما كانت الميليشيات وعناصر في الحكومة تعمد إلى تبرير حملات (ممنهجة) للاعتقال؛ كما تلك التي جرت في مناطق حزام بغداد، مثلا مع كل عملية تحرير في المناطق الغربية، ولقد شهد ويشهد باستمرار سكان المنطقة عمليات (خطف وتعذيب وايضاً تغييب) مترافقا بتبريرات لا يقبلها منطق قانوني ولا عدالة..
وبتدوين أقوال السجناء من جهات دولية معنية بحقوق الإنسان، أكدوا أنهم يتعرضون للسب والتعذيب والإهانات والتحقير وبكل ما يتسم بصبغة طائفية الخطاب والنهج..
وفي ضوء ذلك، دعت منظماتٌ حقوقية دولية عديدة ومن ضمنها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، الحكومةَ العراقية لوقف الإعدامات التي تقول بشأنها تلك المنظمات، بأنها غير قانونية وذات أبعاد سياسية طائفية وتنطلق بين فينة وأخرى بدفعات ووجبات بالتزامن مع معارك تخاض ببعض المحافظات ومع تصاعد وتيرة الصراعات الحزبية بين أجنحة القوى الطائفية؛ وبالمحصلة تنعكس النتائج على الوضع الحقوقي والأداء القانوني وما يكتنفه من خروقات.
وإذا كان لابد من ذكر أرقام فإن السجون تحتجز بلا مبرر أكثر من ثلاثين ألف سجين(36ألف على وفق إحصاءات تتحدث عنها أطراف مختلفة)؛ منهم حوالي (4200) سيدة يتعرضن على وفق شهادات لبعضهنّ، للضرب والركل والصفع والصعق بالصدمات الكهربائية والاغتصاب، ويتم تهديد أخريات ومحاولة ابتزازهنّ بالاعتداء الجنسي، وأحيانا تم ارتكاب تلك الجرائم أمام أعين عوائلهم وتحديداً الذكور منهم؛ بقصد الضغط والابتزاز وإيقاع أقسى حالات الإهانة والتحقير، بخطاب انتقامي ثأري كما تشير جملة من الشواهد والاعترافات والتسجيلات المسربة من وراء القضبان.
وفي وقت يجري انتزاع الاعترافات تحت أشكال التعذيب والضغط فإن قسما مهمّاً من القضاء العراقي يكتنفه الاختراق والفساد والتجيير السياسي ولا يستطيع أن يمارس دوره في التحقيق بشأن تلك الخروقات والانتهاكات ومن ثم فهو خارج المعايير الدولية المعتمدة [كما تشير التقارير الأممية] إلى درجة تعرض بعض القضاة للابتزاز كي يُصدِروا أحكاما أو يغضوا الطرف عن وقائع بعينها فيما تبقى الأجهزة الأمنية وعديد من عناصرها فوق السلطة والقانون وبمنأى عن العقوبة تجاه ما يرتكبون.
ومنذ العام 2003 وتغييراته الراديكالية ومذ انهيار سلطة الدولة فيه، اعتمدت السلطات على ما يعرف بـ(المخبر السري)، الذي تسبب بظلم أعداد مهولة من الناس، ممن لم يعرف لهم طريق أو مصير حتى يومنا.
ومنذها وقعت أحداث خطيرة جرى فيها تهريب متهمين بجرائم خطيرة أو مجرمين مدانين فيما يقبع في تلك السجون متهمين أبرياء بلا محاكمات وبلا لوائح اتهام أصلا.. ومثل ذلك يشي بحالات الاختراق وربما التواطؤ التي أشاعت وتشيع مسلسل الجريمة بدل كبحه مثلما تشيع انعدام الثقة بالجهات المعنية بالضبط..
والشيء بالشيء يُذكر يمكننا الإشارة إلى الانفلات الأمني ونتائجه في خشية المواطن من اللجوء للسلطات بسبب تلك الخروق غلى درجة أن من وصل وتجرأ على تقديم الشكاوى جرى ابتزازه بالاعتقال وبممارسة أقسى الضغوط عليه هناك بل أن بعض الحالات جرى فيها تصفية المشتكين وإلقائهم أمام مراكز الشرطة التي كان ينبغي أن تحميهم وعوائلهم…
وبمثل هذا الواقع المرير تنشط عناصر مافيوية فاسدة بالسطو على الأوضاع وإشاعة نظام الأتاوات على المناطق والأحياء السكنية او تعرضهم للخطف والارتهان في معتقلات الابتزاز الميليشياوي!
وكل ذلك بسبب التهاون و\أو ضعف الجهاز الحكومي في تلبية فرض سلطة القانون وفي إطلاق تصريحات تدعي خلاف ما يسود ميدانياً.. وهنا لابد من مراجعة الأوضاع وقراءتها على وفق الحقيقة الجارية…
وبات مؤكدا على وفق معلومات لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة حالات اعتقال القاصرين وتعذيب وتغييب قسم منهم؛ دع عنكم سوء الخدمات في أغلب السجون تحديداً هنا نجدد التوكيد تلك السجون السرية التي تبنى على عجل من كرفانات أو استغلال مبانٍ مهجورة نائية ومعزولة وتركها بعد ارتكاب أعمال خارجة على القانون ربما بعضها تتم فيه تصفية المعتقلين بدليل اختفائهم منذ سنوات بلا أثر… ما تؤكده هنا الإشارة إلى ظواهر الخطاب الانتقامي و وجود مخالفات قانونية فجة خطيرة أو تفاصيل تتعارض مع المبدأ الأساسي لحقوق الإنسان، حيث السجون بإدارة تامة من عناصر ميليشياوية لا تخضع لسلطة أو قانون.. ولا تستثني المعلومات الواردة هنا في متابعاتنا التقارير المحلية والدولية حتى بعض السجون الرسمية.
ونحن في وقت ندرك أهمية الحلول بالمستوى الوطني الأشمل للقضية العراقية ولقضية بناء الدولة المدنية دولة المؤسسات وسلطة القانون، نطالب بالوقت ذاته بالمعالجات العاجلة اللازمة لوقف أشكال الخروق والانتهاكات وعلى وفق الآتي:
- وقف فوري للاعتقالات العشوائية ومنع أي اعتقال بلا إجراءات قانونية قضائية سليمة.
- الكشف عن كل السجون الموجودة وحظر إقامة سجون بلا شروط تخضع للقانون.
- الكشف عن قوائم السجناء كافة بلا استثناء والسماح للأطراف الحقوقية بالوصول إليها.
- إلحاق السجون كافة بلا استثناء لوزارة العدل حصراً وفك ارتباطها بأية جهة وزارية أخرى.
- منع الميليشيات من ممارسة سلطة الاعتقال والاحتجاز بسجون علنية أو سرية.
- وقف شامل لأي شكل من أشكال التعذيب النفسي و\أو البدني.
- الالتزام بحظر أشكال التحقير والإهانة تجاه السجناء.
- إدانة ما اُرتُكب من جرائم اغتصاب وتهديد به وابتزاز وإيقاع أقسى العقوبات بحق من ارتكبه…
- التعامل على وفق ما يفرضه القانون ولوائح حقوق الإنسان مع حالات القصّر من التزامات وضوابط.
- الالتزام بالإجراءات القضائية الأصولية بكل مسارات التعامل مع المعتقل.
- توفير أركان التحقيق السليمة مع كفالة وجود الادعاء العام والمحامين وتفعيل أدوارهما.
- استقلالية القضاء ومنع حالات ابتزاز القضاة بأي شكل وتوفير فرص عملهم الأنجع والأكثر سلامة وعدلا.
- العمل بلوائح الاتهام القضائية والأذونات بشأن مباشرة الاعتقال والالتزام بالأسقف الزمنية لمديات التحقيق.
- إطلاق سراح جميع المعتقلين بأسس تقارير المخبر السري أو بلا لائحة اتهام أو ما تمّ على خلفية الأسس الظنية غير المبررة.
- الشروع بتطهير السجون من العناصر المرضية التي عملت بخطاب إجرامي ثأري أو ابتزازي للسجناء أو عوائلهم، وتدريب وتأهيل العناصر العاملة بخاصة بثقافة حقوق الإنسان ولوائح القوانين وما تفرضه من أسلوب ومنهج في العمل.
- وقف عقوبة الاعدام أو تجميد العمل بها وبحال ممارستها، حصرها بحالات استثنائية، بما لا يبيح ما يجري من اتساع في إباحتها والعمل بها.
- فتح السجون للمنظمات الحقوقية الأممية والوطنية، والسماح للعوائل بالوصول إلى المحتجزين والمعتقلين.
- تلبية المعايير الدولية في وجود أي سجن وتوفير الخدمات الوافية بمختلف المجالات وكذلك المعايير الدولية (القانونية الإجرائية) في أية عملية اعتقال.
- فتح مشروعات إعادة التأهيل كون السجون للإصلاح لا الانتقام والثأر.
- إعادة دراسة موضوع العفو العام والخاص في ضوء عملية مصالحة شاملة وفي ضوء ما تقتضيه القوانين وسلامة المجتمع.
- تأهيل إدارات السجون وتعريفها بالضوابط والمعايير المعمول بها أمميا.
إننا نجدد توكيدنا على ضرورة متابعة المنظمات الأممية لهذه القضية الإنسانية الإشكالية الخطيرة بشكل مباشر بخاصة مع تزايد اضمحلال دور الدولة وبناها المؤسسية وتراجعها أمام تغوّل العناصر والقوى الميليشياوية.. ونناشد الحركة الحقوقية العراقية لمزيد متابعة لهذه القضية وتوحيد جهدها وبرامجها وتنضيج أنشطتها بالخصوص. حتى لا تتحول القضية المأساوية تلك إلى بعبع لمزيد تفجرات وانقسامات مجتمعية..
المرصد السومري لحقوق الإنسان
لاهاي هولندا
30 آذار مارس 2017
- نحيل بشأن الأرقام والإحصاءات والتوثيقات إلى تقارير المنظمات الحقوقية الدولية ومنها تقارير الأمنستي، الهيومن رايتس ووتش، بامرو البلجيكية الصادرة في الربع الأول من هذا العام 2017.
- نؤكد أن مناطق الصراع التي تنتشر فيها الميليشيات بمختلف أجنحتها واتجاهاتها تنتشر فيها شواهد وجود تلك السجون والمعتقلات السرية الطارئة التي أشرنا إلى مواضع انتشارها.
- نحن لا نشير إلى طرف طائفي وميليشياته دون آخر بل إلى جناحي الصراع والتخندق ولا نتوجه بالإدانة إلى أعضاء تطوعوا في تلك التشكيلات لأسباب مختلفة ولظروف ضاغطة معروفة فهم أيضا ضمن الضحايا بظروف ضعف المؤسسات الحكومية للدولة ولسلطة القانون وإنما نشير إلى واجب إنهاء منظومة ميليشياوية يجري استغلالها على حساب سلطة القانون وعلى ظهور الناس البسطاء الفقراء وبالمقابل واجب بناء المؤسسات القانونية التي تنهض بواجب حماية الحقوق بلا استغلال وخروقات
- نؤكد أن تأخر صدور و\أو نشر التقرير جاء لوضعه في وثائق مؤتمر حقوقي تأجل وانعقد مؤخراً لككنا كنا وزعناه على الأطراف المعنية ونحن ننشره هنا بغض التثقيف بالمشتركات التي تؤكد سلطة القانون وتجنيب مواطنينا الحيف والضيم والظلم ولجم من ستغل الظروف الراهنة لمآرب قوى استغلالية معادية للحقوق والحريات وللعراقيات والعراقيين كافة
- التقرير إعداد تيسير الآلوسي للمرصد السومري لحقوق الإنسان ومن ثم للمنتدى ولمجمل الحركة الحقوقية العراقية بصيعة رسم المطالب الحقوقية في ضوء الإحصاءات