مر بالأمس الييوم العالمي لحرية الصحافة وهو رمز آخر لحرية التعبير ولكفالة التوازن في مهام السلطات الأربع يوم يتم كفالة السلطة الرابعة في مهامها حرة محمية مرعية من قبل الدولة والمجتمع. ولكننا في العراق بظروف معقدة معروفة تتطلب أولويات للسلطات الثلاث تجعلها تؤدي واجب حماية حقيقية للسلطة الرابعة بحماية الصحافيين والإعلاميين وضمان حرية ممارسة النشاط المهني بسلامة وبلا ابتزاز وبلا تشويه. هذه كلمة تشخص ما جرى ويجري بحق كل صحفية وصحفي في العراق وما ينبغي كفالته وتحقيقه في ضوء ذلك ليستطيع الصحافيون الاحتفال بعيد أممي يجري الاحتفال به كل عام. بانتظار تفاعلاتكم إغناءً لهذه المعالجة التي تبقى مكتوبة هي الأخرى باسم المرصد السومري لحقوق الإنسان الذي دعم ويدعم مسيرة الحريات والحقوق ونشر ثقافة ترعاهما وتنير الدرب باتجاههما.
كما كل الأيام العالمية المختارة بالإجماع الأممي، بقصد إبراز القضية المحتفى بها والبحث في سبل إنعاشها والتقدم بها إيجاباً؛ يأتي اليوم العالمي لحرية الصحافة في ضوء (إعلان ويندهوك) الذي أصدرته اليونسكو عقب اجتماع الصحفيين الأفارقة المنعقد في ناميبيا بتاريخ 3 أيار مايو 1991.
وقد جاء في ذلك الإعلان التاريخي: “أنّه لا يمكن تحقيق حرية الصجافة إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرّة ومستقلّة وقائمة على التعدّدية. وهذا شرط مسبق لضمان أمن الصحفيين أثناء تأدية مهامهم، ولكفالة التحقيق في الجرائم ضد حرية الصحافة تحقيقا سريعا ودقيقا”. وتوكيداً لتلك المعاني فقد اختارت الأمم المتحدة شعار هذا العام 2017 كالآتي: “عقول متبصرة في أوقات حرجة: دور وسائل الإعلام في بناء وتعزيز مجتمعات سلمية وعادلة وشاملة للجميع” وهو الشعار الذي يترافق مع السعي الحثيث من أجل تلبية عدد من الأهداف منها:
- الاحتفاء بالمبادئ الأساس لحرية الصحافة.
- إعادة التقييم السنوي لحال حرية الصحافة في كل أنحاء العالم.
- وتوكيد مهمة الدفاع عن وسائط الإعلام أمام الهجمات التي تشن على حريتها.
- الإشادة بالصحافيين الذين فقدوا أرواحهم في أثناء أداء واجباتهم.
ويحتفل الصحفيون في العراق والمنطقة في ظروف معقدة للغاية حيث تفشي جرائم الفساد والإرهاب والانقسامات والتخندقات الطائفية وما نجم وينجم عن كل ذلك من:
- تفاقم ظاهرة مخاطر القتل والاغتيال التي تعرض لها الصحفيون.. سواء بعدم تأمينهم في أثناء واجباتهم أم بعدم توفير الحماية الكافية بخاصة في ظروف الانفلات الأمني.
- إهمال الإجراءات التحقيقية وعدم إعلان نتائجه أو التلكؤ فيه بما يجري فيه التعتيم والتغطية على عدد من حالات الاغتيال والقتل.
- مازالت السلطات تحجب المعلومات عن المجتمع الصحفي وتمنعه من الوصول إليها إلا بحالات من التعقيد والعرقلة وربما الحظر التام على بعض المعلومات.
- تهمل المؤسسات الرسمية الجانب الإعلامي وتضعه في خانة من التهميش المتعمد المقصود في الأداء.
- تتعرض الصحف والمؤسسات الإعلامية لظاهرة التمييز على وفق قربها أو بعدها عن مراكز القرار والتحكم بالسلطة الحكومية بخاصة. وعلى سبيل المثال ما يتعلق بتوزيع الإعلانات الممولة على الصحف. وكما في إتاحة وصول مفردات تلك الصحف الجمهور عبر القنوات الرسمية بخاصة.
- تتعرض الصحف والصحافيين للتهديد والابتزاز في حراكهم الميداني وفي توزيع الإصدارات اليومية وغيرها. وقد رصدت الهيآت الحقوقية المتخصصة سلسلة من الهجمات وجرائم البلطجة بهذا الميدان.
- تقع أغلب الهجمات على الصحفيين أما بإطار نصفية الحسابات بين الخصوم (السياسيين وعناصر الفساد) المتحاربين أو بحق العناصر الصحفية التنويرية والصحافة ذات الاتجاه العلماني الديموقراطي تحديداً.
- الاعتقال الجزئي أو طويل الأمد لعدد غير قليل من الصحافيين الشجعان وهم يطاردون جرائم الفساد تحت عناوين كيدية مختلقة من دون تحرك الجهات المختصة كالادعاء العام والقضاء في كثير من الحالات لدرء مثل تلك الأعمال الكيدية بقصد كتم الأفواه وقمع الحريات.
- يتعرض العمل النقابي الصحفي في العراق لمضايقات وأشكال تمييز عديدة سواء في شأن التنظيم نفسه أم في شأن أدائه وبرامجه وتوجهاته وبالتدخل في مجمل أنشطته النوعية التخصصية. وقد اضطر الصحفيون لتشكيل منظمة صحافية وطنية (مستقلة) تتعرض هي الأخرى للتمييز وإثارة العقبات والعراقيل.
- هناك مشكلات مضاعفة أمام الصحفيات والإعلاميات في ظروف التعقيدات الناجمة عن الوضع المجتمعي وما يتحكم به من تقاليد بالية تتفشى بلا حماية قانونية تلبي ما تم تثبيته باللوائح الحقوقية وما كفله الدستور بشأن المساواة.
- يعاني الصحفيون من مشكلات جمة بشأن قضايا الأجور والرعاية بأشكالها كما بالقاضايا الأمنية أم في تفاصيل وجودهم كما بالرعاية الصحية، وموضوعات الأجور العادلة لما يبذلونه من جهد مضاعف.
- هناك تمييز في شؤون من قبيل توزيع الأراضي وتوفير السكن بما يحيل مثل هذه المفردة إلى مواطن ابتزاز وضغط للتأثير في توجهات الصحفي وفي أمور جوهرية أخرى.
- الإهمال الأقسى لضحايا الصحافة وحريتها إلى درجة الحرمان من الحقوق لعوائلهم وربما وصل الأمر لدرجة التنكيل والابتزاز على خلفية وصم الضحية بما يتعارض وحقيقتها وما نهضت به من واجب.
- عدم مساندة الصحفي في مهامه بمطاردة الفساد والمفسدين أو في نشر ثقافة إيجابية في الحياة العامة بوقت يجري تتوفير الظروف لخطاب التملك والمنافقة…
- إهمال دراسات التخصص والدورات النوعية وتجيير المتوافر وحجره في أطر مقموعة مستلبة من قيمها التخصصية معرفيا حقوقيا. وأيضا إهمال فرص التدريب وإعداد الكوادر من طرف المؤسسات المختلفة.
- نذكر بشكل ملفت للانتباه إلى ضرورة عدم وضع النشاط الصحفي والإعلامي كأول كبش فداء للأزمات المالية سواء بالمستوى العام أم بمستوى الحركات الحزبية والمعنية. ما يتطلب كفالة حقوق الصحفي ما بعد تسريحه من عمله.
- جرى ويجري الانتقاص من مكانة الصحافي والصحافة وحجب مفهوم السلطة الرابعة وتشويهه في إطار السياسات العامة.
إن غول التمييز والإهمال ورفع اليد عن حماية الصحافة والصحفيين بخاصة أمام مافيا الفساسد وتهديد الإرهاب وقوى الظلام والتخلف لا يعني سوى القمع الشامل لحرية التعبير ببوابة حرية الصحافة؛ الأمر الذي يفتح البوابات ويتركها مشرعة للجريمة التي تنال من عشرات الصحفيين بحيواتهم ومن مئات آخرين في أرزاقهم ومن مجمل حركة الصحافة والصحافيين في البلاد.
والمطلب الجوهري اليوم في عراق تتناهشه ظواهر الفقر والبطالة وانعدام شروط التنمية والبناء وتفشي ظواهر الفساد وما يرافقها من أنشطة مافيوية مريبة إلى جانب ظواهر البلطجة والابتزاز وأشكال التهديد وإرهاب الصحافة سواء من طرف قوى الظلام والتخلف أم من طرف عناصر مفسدة في داخل السلطات، سيكون مطلباً نوعيا شاملا يتجسد في تطبيق مسؤول للقوانين المرعية واستكمال التشريعات الكفيلة بتلبية المواد الدستورية والغايات المنصوص عليها في اللوائح الحقوقية الأممية والتقدم النوعي بها، مع توفير الحماية التي تأخذ بنظر الاعتبار الظروف المعقدة الجارية، وأولوية مخصوصة للسلطة الرابعة وتشكيلاتها وعناصرها المتنورة التي تعمل بمهنية وبما يلتزم بالقوانين واللوائح المعنية.
لا مجال هنا لتهنئة الصحفيين العراقيين في ظروفهم التعسة المزرية بل كل الأسى والمشاطرة بالألم والحزن لما يجري لهم وبحقهم وحق عوائلهم وبحق حرياتهم وممارستهم أنشطتهم بمهنية وسلامة..
ولكننا نثق بأن تعزز الوعي والتخلص من نهج قبول الصدقات من طرف هناصر دخيلة على هذا العمل السامي النبيل وبأن تعزيز الاستقلالية والحماية ومنع أشكال التمييز سيكون الفرصة الأنجع لاستعادة السلطة الرابعة دورها وإصلاح أشكال الخلل الفادح في السلطات الأربع واستعادة حق المواطن في حرية التعبير وفي حرية الوصول للمعلومة وللفكرة التي تنير الدرب بدل أشكال الحجب والحرمان والتعتيم وإشاعة الظلام تلك التي مررت وتمرر الجريمة..
الذكر الطيب لشهداء الصحافة، الذين سيضع أسماءهم الشعب عناوين لطرقاته ودروبه وأحياء مدنه.. والحرية لكل الصحافيات والصحفيين المصادرين سواء بمن ألقي في الاعتقال أم من أرسل إلى أرصفة البطالة أو من صودر بالتهديد والابتزاز أو من حورب في سد منافذ النشر عنه أو من الوصول غلى المعلومة أو الوصول إلى جمهوره..
ولنحتفل في العام القابل مع صحفيي العالم بمثل هذا اليوم الأغر الذي يمثل علامة مشرقة لصحافيي العالم بعد أن نكنس ما يدور حول صحفياتنا وصحافيينا من ظروف سوداوية.