حول ظاهرة قوى الإسلام السياسي ارتداء قميص المدنية وأسباب مدّها الجسور مع الديموقراطيين!؟ تأتي هذه المعالجة لتتناول احتمالات انزلاق بعض عناصر ديموقراطية وربما وقوعها تحت تأثير الضغط النفسي السياسي للحراك الطائفي ومجمل تيار الإسلام السياسي.. لكن بالتأكيد هناك فرص للتصدي لمثل تلك المحاولة التي تبتغي اختراق اليسار الديموقراطي وقطع السبيل بينه وجمهور الفقراء. وتلك محاولة محكوم عليها بالفشل بفضل وعي قيادة الحراك الشعبي ومنه الديموقراطي المستهدف تقديم البديل النوعي للسائد من سطوة تيار ظلامي فيما بديلنا تنويري يمثل شمس الوعي الآتي بالديموقراطية الحقة لا المزيفة ولا المضلِّلة.. بين يديكم معالجة تتطلع لحواراتكم النوعية الموضوعية المؤملة
مع ظهور قانون الأحزاب وفرض واجب التسجيل (القانوني الرسمي) من جديد في ضوء اشتراطات القانون، لاحظنا توجه الكتل الطائفية المتنفذة نحو سنّ تشريع يؤهل الميليشيات ويشرعنها ويدخلها شكلياً بجسم المؤسستين العسكرية الأمنية؛ لكنها كما يعرف أبسط المواطنين تظل محكومة بزعاماتها بشكل مباشر.. وعملياً كثرما لاحظنا ذلك في واقع الحال؛ لعل أبرز مثال: أن كل مركز شرطة وكل قوة عسكرية مؤتمرة بأوامر ضابط تنشط على وفق توجهاته وانتماءاته، ولطالما ارتكب (بعض) ضباط جرائم باسم الدولة وقوانينها ولكنها تخدم مآرب خاصة ميليشياوية بجوهر ارتباطاتها!!!
ولطالما تستر تيار الإسلام السياسي بالدين والمرجعية الدينية ولطالما مرَّر قراراته الخطيرة بستار أو غطاء ديني مذهبي وهو من اختلق التمترسات خلف الخنادق الطائفية، طبعا مع شيوع أرضية استغلال التجهيل والتضليل إعداداً لأرضية مكَّنته من استغلالها في التعكز على ما يتستر به زوراً وبهتاناً، وهو بجوهره لا علاقة له بالدين وما أنزل الله به من سلطان…
اليوم وبعد التجربة العملية التي ذاق فيها الشعب الأمرَّيْن من ذاك التخفي وخديعته وبعد أن اكتشف الشعب بفئاته العريضة أن سبب نكبته هي لعبة التستر والتخندق الطائفي، صار تيار الإسلام السياسي يتجه لقميص جديد يرتديه ليخادع به ويضلل من الناس من يقبل الخديعة.. وهكذا باتت موضة تسجيل أحزاب الإسلام السياسي بأسماء (مدنية) ظاهرة الموسم!!!
وأكثر من ذلك فإن من تجاوز على الدين وادعى تمثيل الله حصرياً وزعم امتلاك وكالة بمفاتيح الجنة والنار! لن يكلفه شيئاً أن يتجاوز على المدنية ويدعي تمثيله برامجها وليس سرقة اسمها فقط… إذ من يفبرك مخادعته ويتطاول على القدسية لن يثنيه أمر عن تطاول أسهل بفبركته وادعائه فيرتدي ثوب المدنية لتستر يمدد به سطوته على السلطة..
ولهذا باتت القوى الإسلاموية تتمظهر اليوم بأنها الأقدر على بناء الدولة المدنية التي يتطلع الشعب إليها بوصفها منقذاً من براثن الطائفيين! وتفسير سهولة تغيير الثوب والتلحف والتستر بأغطية متناقضة، يكمن في أنّ من اتخذ من الإسلام السياسي طريقا طوال سبعتين من السنين العجاف وليس سبعا واحدة فقط إنما هو بلا أيديولوجيا يتمسك بها سوى أيديولوجيا اللصوصية حيث النهب بأعلى مستوياته وأكثرها نوعية إلى حد تشكيل طبقة الكربتوقراط (المفسدين) وتغلغلها في مفاصل الدولة بوصفها الأخطبوط السرطاني الذي نخر بنى الدولة ومؤسساتها بوصفها غنيمة بل حتى الشعب جرى تقسيمه بوصفه عند قوى الطائفية وتخندقاتها جزءاً من تلك الغنيمة!!
الخطوة الثالثة في نهج الطائفيين تبادلهم الأدوار في كل دورة انتخابية يمنحون قوة من قواهم أو جناحاً من أجنحتهم التقدم لتسلّم الغنيمة، للإيهام بوجود التداولية وبأن كل شيء يجري (ديموقراطياً) وهي خديعة أخرى لتمرير احتلالهم قيادة الدولة بأكملها بل تملّكها واقتسامها بين القوى المتحاصصة… ومجددا يجري تهديد الشعب وابتزازه ببعبع: يصوّر الخروج على (تداوليتهم) هو خروج على (الديموقراطية) التي تريدها (الأغلبية)! طبعاً على أساس أن الديموقراطية هي مجرد (انتخابات) وأنها تجري حصريا بقواهم الطائفية بادعاء أنها القوى الحصرية الممثلة للشعب وأيضا بادعاء آخر مضاف كونها هي من حررته من الديكتاتورية!
فيما اللعبة الرابعة في تكتيكاتهم تتجسد في دفع حشود والتظاهر ضد جانب من المجريات العامة المتدهورة وهنا يستكملون اللعبة بتقديم (قرابين) يالحقيقة لا يعنيهم كم منها تموت برصاصهم، رصاص الطائفية، المهم يستكملون اللعبة ويدفعون بأحد أجنحتهم لتصدّر المشهد..
وأبعد من ذلك فإنهم يعقدون الاتصالات بالديموقراطيين وبدل أن يظهروا على حقيقتهم في أنهم يريدون سرقة الاحتجاج الشعبي والالتفاف على انتفاضة المقهورين على الجرائم الجارية، يظهرون بجناح من أجنحتهم وكأنهم اتخذوا طريق بناء الدولة المدنية أو البديل المنقذ ويفبركون قيادة المشهد، لينزعوا عن القوى المدنية الديموقراطية الحقة فرصة الاتصال المباشر بجمهور الفقراء ويبعدوا تأثير تلك القوى على أصحاب المصلحة الحقيقية بالتغيير..
بالمقابل هناك بعض العناصر المدنية الديموقراطية أو الميدانية الناشطة تسوّق وتروّج للاتصال بين القوى الديموقراطية وأجنحة من الإسلام السياسي؛ وهو خلط للأوراق وتضليل بجوهر الأداء وخطر يحدق بالوطن والناس حيث يُقادون إلى مهالك توريط آخر لمسافة زمنية هذه المرة غير محسوبة المدى في الانهيارات التي يحضّر لها…
إنَّ أيَّ خلط للأوراق وتحويل ما جرى ويجري من اللقاءات السياسية الدائرة ((ميدانياً)) إلى أيِّ شكل من أشكال التحالف أو حتى بمسمى (التعاون) بين تيارين نقيضين هما التيار المدني التنويري وتيار الإسلام السياسي بأي جناح له، لن يعني سوى تزكية للطائفية وتسويق لمآربها وما تبتغيه من تخريب وتشويش على نهج الديموقراطيين من جهة ووضعهم بذات البوتقة والمسار بأعين الشعب..
وهي جريمة تضليل آخر وهي أخطر من تضليل الطائفيين وخدعة الغطاء الديني التي مارسوها طوال الـ14 سنة التدميرية المنصرمة؛ لأن من يتحالف من قوى الديموقراطية مع جناح إسلاموي طائفي إنَّما يمنح بهذا التحالف\التعاون ما هو أكبر من فرصة لتيار الخراب كي يستمر ويعاود الانتعاش بعد أن اكتشف الشعب حقيقته.. إنّ التعاون هو حبل نجاة للطائفيين فيما هو تشويه للديموقراطيين ومتاهة وحيرة للشعب في كيف ومن سيختار؟
بينما الصحيح يتجسد في ممارسة مزيد ضغط باتجاه حظر تشكيل الأحزاب بأسس دينية طائفية وتسجيلها في استغفال متعمد للشعب يجب فضحه ووضعه على أجندة النضال الوطني ضد ممارسته. الأمر الذي يتطلب تقديم شكاوى واعتراضات قانونية ضد هذا التسجيل وكذلك خوض نضال سياسي ضد تمريره… ولابد هنا من مواصلة النضال لصياغة القوانين نفسها بشكل يكون الأنجع والأكثر سلامة وإلا فإننا سنوقع الناس في دوامات بلا مخرج…!
فلا ترتكبوا تخبطا (استراتيجيا) بولوج نفق الخراب عبر ما يطفو اليوم من (لقاءات) وما يُدفع ويُعلن بعدها من بلاغات تجيير وتسويق لتلك اللقاءات لصالح هذا الجناح الطائفي أو ذاك! وليس هذا سوى التضليل بعينه والوقوع أسرى مصيدة النهج السياسي للطائفيين وقوى الإسلام السياسي. ولا يكفي أن أية قوة ديموقراطية تعرف نزاهتها ونظافة وجودها بل يجب أن يلمس هذه الاستقلالية والنزاهة والنظافة الشعبُ وجموعُه المبتلاة بالتجهيل وسرطان قيم التخلف ولا منقذ من دون وضوح الهوية واستقلالية البرامج ووصولها مباشرة إلى تلك الجموع لتنبيهها ولتوعيتها؛ بخاصة ونحن ندرك ألا ديموقراطية بلا وعي حقيقي…
أعيدها يا رفاقي وأصدقائي:
- لقد شرعنوا الميليشيات كي يقولوا: إن أحزابهم بلا أدوات عنف مسلحة وأنهم يتمسكون بالقانون! وهو كذب ودجل وخديعة…
- سَجَّلوا أحزابَهم بأسماء مدنية تزويقا وإمعانا في التضليل.
- ولا ولن يحرجهم أن يكذبوا إلى حد تبني برامج القوى المدنية بنسخها كما هي نصاً وشكلاً ليتشدقوا بها ويضللوا ويستروا عوراتهم البنيوية بعدف سرقة الجمهور منكم وهم المعرفون للجمهور المأسور!
- ويلتقونكم طلبا لمأرب التزكية واللعب على الحبال وتشويه صورة المدني ووضعه بذات البوتقة وإياهم..
أيها الأحبة من قوى المدنية والديموقراطية، أيها التنويريون
أفلا تدركون اللعبة يا معشر القوى المدنية؟ أم أنّ بعضاً ممن ضاعت البوصلة عنده قد جرّوا قدمه إلى ألاعيب تتوالد وتتناسل بأضاليل الإسلام السياسي!!!؟
ثقتي وطيدة بأن قوى الديموقراطية تعي أن الوقت يسابقها وأن عليها تشكيل (تحالفها أو جبهتها) أو سموها ما شئتم ولكن لابد من (توحيد الجهود) ومن (خريطة طريق برامجية موحدة) تتضمن القواسم المشتركة والبديل عن الإسلام السياسي أي بديل يحقق بناء الدولة المدنية الديموقراطية، دولة العدالة الاجتماعية…
مَن يتلكأ أو يعرض عن هذا إنما يخدم أعداء الشعب
من يلتقي قوى الطائفية أو يتوهم ضمها (للتحالف الديموقراطي) لا أصفه بالسذاجة بل بالعداء المقصود لتطلعات الشعب في تغيير النهج الراهن الذي تم تكريسه من دولة طائفية كليبتوقراطية…
فلا توقعوا الناس في مصائد الإسلام السياسي.. لا تضللوهم بوهم (الإصلاح) والترقيعات.. ولا تجتروا تجاريب الجبهات والتحالفات من فوق بوهم أنَّ (ديموقراطيا يساريا) سيغير الآخر [اليوم هو الطائفي] ويجذبه لخدمة الشعب!!! لا وهم في إمكان تغيير نهج طبقة بأكملها وهنا لا وهم لإمكان نقل طبقة الكربتوقراط (المفسدين) لتكون بخدمة بناء الدولة المدنية دولة العدالة الاجتماعية!!
قوى الإسلام السياسي بكل أجنحتها أجرمت ومازالت وستبقى بنهجها لأنها لا تحمل (الدين) وأخلاقياته بين أضلعها وبهويتها بل تستخدمه قميصا ترتديه وسترميه خدمة لمآرب فسادها وهي لم ترعوِ يوما حتى في تصفية معارضيها كما فعلت ميليشياتها طوال 14 سنة من جريمة إبادة جماعية جرى فيها تصفية مكونات بأكملها وهي تأسر اليوم الشعب بسجن (الطائفية الكليبتوقراطي) وإرهابه…
ومن قشمريات الزمن وسخريته منا نحن الديموقراطيين أن نلتقي قوة أو أخرى في الميدان السياسي الذي لا يجمعنا فيه معها جامع بل نحن طرفان متناقضان نحن مع الشعب وهم ضده..
أيها الرفاق والأصدقاء من اليساريين والليبراليين وكل قوى التنوير المدنية
سياقات النضالات المطلبية واللقاء بالمسؤولين الحكوميين لفرض مطلب أو آخر شيء ممكن ولكن اللقاءات الحزبية وأشكال التعاون السياسي حتى منها (الميدانية) فهي شيء مختلف نوعيا لا تجيزه مناهج النضال الوطني الديموقراطي….
سياقات الصراع في الميدان وعدم الوقوع في مطبات صراعات أجنحة الإسلام السياسي الجارية في استعراضاتها الميدانية لا تبيح اللقاءات بأسس (التعاون) و (التشارك) في الأنشطة لا الميدانية التكتيكية ولا بالتأكيد السياسية البعيدة..
إن الصراع الحقيقي هو صراع تناقضي بين قوى التنوير وقوى كرست دولة الغنيمة الطائفية الكلبيتوقراطية والبديل يكمن بشعار ((التغيير)) من أجل ((تحقيق الدولة المدنية الديموقراطية الاتحادية لتلبية هدف العدالة الاجتماعية)).. فهل هناك من يؤمن بأن طبقة الكربتوقراط ، التي تم تكريسها وشخوصها من سياسيي الصدفة ومن زعران سياسة آخر زمان، يمكن أن تكون جزءا من التغيير وأداة له!!!؟
إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم…
ها أنا ذا وجموع الفقراء نحذر فهل من ملتفت للتحذير وفحواه؟ أيها الديموقراطيون، تذكروا، أن: لات ساعة مندم!!!
*********
اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/