في العشرين من فبراير شباط من كل عام بمسيرة الأمم المتحدة يحتفلون باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية. عراقياً ينبغي بوصفه عضواً في المجتمع الدولي أن يتخذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق التنمية والتقدم والعدالة الاجتماعية. ولكن كيف يمكن لحكومة تمثل طبقة الكربتوقراط المفسدين أن تنهض بهذه المهمة!؟ لا مناص أن ذلك ضرب من خيال أو وهم مرضي.. إذ هذه الحكومة بتعاقب مسؤوليها شلّت الاقتصاد وحبسته بإطار يعي وآلية الغنيمة في الاشتغال حيث أكبر جريمة نهب وسرقة عبر تاريخ الشعوب.. القضية بحاجة لوقفة يمكنها التصدي لتراجيديا الكارثة الأفظع وأن تجد منفذا لبديل ينقذ ما يمكن إنقاذه ليتحول إلى أوضاع جديدة ربما نستطيع في ضوئها الحديث عن العدالة الاجتماعية.. شكرا لتفاعلاتكم
من يدرك معنى العدالة الاجتماعية عبر معايشة تفاصيل اليوم العادي للإنسان العراقي، وليس عبر وريقات وثائق حقوق الإنسان المركونة لا على الأرفف بل في سلال الأزبال؛ من يدركها عبر واقع حال العراقية والعراقي، هو من يكتب كلماته بأحبار ألوانها بألوان الأرواح المضغوطة في كانتونات أو أحياء وضواحي المدن تحاصرها سكاكين البلطجة والاتجار المافيوي المفسد… أنا أمهّد بهذه الكلمات كي لا يجيّر كلماتي ومعالجتي هذه، بعضُ من يداهن سلطة ((الطائفية الكليبتوقراطية)) ويمالئ ((طبقة الكربتوقراط)) = ((طبقة المفسدين))…
العدالة الاجتماعية ليست لقمة خبز ملوثة مسمومة يلقمونها أفواه الجياع من فقراء الوطن ليخرسوها، ولا قمصان مهترئة يرتديها الفقير في نومه وفي عمله بل في كل تفاصيل حراكه بيومه لأنه لا يملك سوى ما يرتديه من ماركة الأسمال المرقعة كما صوفي من صوفية ما قبل قرون! العدالة الاجتماعية تعني أن يحيا الإنسان وهو يشعر بما يعيشه من إنصاف في وجوده المادي والروحي بلا تمييز وليس بلا قهر فقط؛ أي بكفاية ويفيض.
وكي نحيا بقيم ((التعايش السلمي)) في مجتمعنا لا يمكن ذلك ما لم تكن المساواة ومنع التمييز والجور والاضطهاد فتلك الأخيرة هي جوهر للعنف يلغي وينفي وجود السلم الأهلي ويتعارض معه… وولكن اية مساواة في عراق ما بعد 2003!؟ هل حقا هناك مساواة بين المواطنين!؟ أصلا أضع التعجب على السؤال نفسه للتذكير بأنني أوجهه من باب تقرير واقع.. وكيف حال المرأة العراقية!!!؟ مجتمع ذكوري تم تقييده بقيم مفروضة قسراً وكرهاً هي قيم ظلامية تستجلب أكثر قيم الشعائرية تخلفاً وأحطها طائفياً فللعشائر والمذاهب وجه إيجابي في زمنها ولكنها اليوم لا تُبعث إلا من بوابة استنطاق الظلاميات بقيم التخلف وسوداويتها… في ظروف حرب معلنة ومستترة لاقتسام الغنائم والمرأة يجري تشييئها لتكون جزءا من الغنيمة وطبعا يستتبع هذا المنطق استعباد المجتمع برمته… وليس مجرد إلغاء المساواة ومن ثم إلغاء العدالة وإنصافها الإنسان رجلا أو امرأة أو طفلا أو كهلا…
أما ملايين أتباع ديانات ومذاهب وانتماءات قومية أصيلة في بناء ها الوطن، فلا مساواة بل لا أمن ولا أمان! فعن اي عدالة اجتماعية نتحدث، ونهمس في آذانهم؟؟؟ مَن سيمحو الحواجز والمتاريس التي اصطنعها جهلة متخلفون بين اطياف الشعب؟ بين الجنسين؟ أو من سيعالج ويزيل الفوارق التي فرضوها تمييزاً بحسب: الجنس، العمر، العرق \ الجذور الإثنية، الدين والمذهب، الثقافة أو أيّ من دواعي التمييز التي ماعدنا نستطيع إحصاءها؟ من في ظل التشوه سيكون الطبيب، ليحقق العدالة الاجتماعية!؟
التنمية وصون كرامة الإنسان يمكنهما أن يؤسسا لكفالة عدالة اجتماعية نسعى إليها؛ ولكن أي تنمية والميزانيات تطير حتى قبل رصدها!؟ أي تنمية ولا خطط موضوعية لتحقيقها؟ كم هي فرص العمل بلا بطالة مقنّعة؟ وكيف توجد في ظل تعطل خطوط الدورة الاقتصادية بشكل شبه شامل!؟ وأي رعاية أو حماية اجتماعية يمكن تحقيقها ودور (العجزة) ودور (الأيتام) لا تسد ملايين منهم إنها موجودة بعدد أصابع اليد للدعاية وحتى هذه تخضع على وفق تصريحات شخوص من داخل مؤسسة الدولة لابتزاز وبلطجة ومتاجرة بقاطنيها أو منتسبيها!؟
وهل نجد حوارا اجتماعياً مؤهلا لإحداث تغيير والتعبير عن تطلعات المعنيين به؟ من الذي يطرح مشروعات الحوار والمصالحة ومبادرات الحلول (الوهمية أو التضليلية)؟ أليسوا أنفسهم ناهبي أرواح الناس وثرواتهم؟؟؟
مرة أخرى في هذه السنة ولا أقول العام لأن السنة لفظ يدل على الشدة والأزمة والعام على الخير، لن أحتفل بيوم عالمي للعدالة الاجتماعية.. أذكّر كم هو الفرز بين الأكثر فقراً والأكثر غنى حيث زاد دخل أفقر 10% من سكان العالم بأقل من 3 دولار سنوياً في المدة بين 1988-2011، في وقت زاد دخل أغنى 1% بمقدار 182 ضعف. أما عراقيا فإن طبقة الفقراء تتسع أفقيا مثلما تتفاقم عمودياً فجوة الفقر بعمقها!! ولا أرقام حقيقية تعبر عن الكارثة سواء الانهيار القيمي الشامل!!!
إن وجود يوم عالمي للعدالة الاجتماعية ((20 فبراير شباط)) في ظل استفحال ظاهرة الفقر، دعا الأمم لنداءات من أجل العمل الاستراتيجي المشترك للقضاء على الفقر وتوفير فرص العمل الكامل بأجور عادلة والسعي لتحقيق المساواة بأشمل تفاصيلها بخاصة بين المرأة والرجل وتسريع مشروعات تحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية بلا تمييز بين بني آدم.
إنّ التغيرات في النظام الإيكولوجي في كوكبنا بالاستناد إلى مسارات عصر الأنثروبوسين حيث تأثيرات النشاط الإنساني على المناخ والبيئة تدعونا لاستراتيجيات تنمية مختلفة نوعياً وبمسؤولية نتشارك فيها جميعا بالاستناد إلى وعي جدي مسؤول تجاه بيتنا الكوكب، وتجاه بيتنا الوطن وتجاه بيتنا مدننا وضواحينا وشوارعنا.. فهل فعلا نمتلك موقفا يتناسب وتلك المهام؟؟؟
هل ندرك معنى التحديات التي تجابهنا كونها تحديات لا تقف عند لقمة الخبز التي نقتنصها لأبنائنا بجهود تقع السحق والاستغلال الأبشع للآلة الجهنمية التي تتحكم بنا؟؟ إننا كثيرا ما ضحكنا من نشرة الأخبار الاقتصادية ومن صياغاتها ومفرداتها وسخرنا من أي امرئ يريد تذكيرنا بأهمية توقفنا عند الموازنات والميزانيات مهملين كون الاقتصاد بتفاصيل حراك عجلته هو جزء بنيوي جوهري في وجودنا وفي ثقافتنا وأبعد من ذلك في انتمائنا إلى بيتنا وعنوانه بإطار الشارع والحي والمدينة والبلد والعالم.
إن الوعي بقضية العدالة الاجتماعية وربطها بما حولها وأول ذلك موضوعات التنمية والعمل وفرصه وطابعه وتشابك علاقاتنا هو أول الطريق لحصولنا على الإنصاف أو على العدالة الاجتماعية بمعناها الأشمل.. ولكن هذه الإشارة لا يعنيها الاكتفاء بما تشخصه بشأن (الوعي) بالقضية ولكنها إشارة تريد تفتيح تلك الأحاسيس بجراحات وجودنا وانعدام العدالة كي يندفع نهر التغيير بفضل انتماء الجموع إلى نفسها، إلى وجودها الإنساني، لا إلى قشمريات التضليل والدجل والمخادعة..
فمتى نتحرر وننعتق من أسر المقدس الكاذب؟ متى ننعتق من وهم حكام الفساد وخنادق الجريمة؟ متى ندرك أن وجودنا لا ينحصر في وهم التمترس مع زعيم أو آخر مهما أوهمونا بعلو قدسيته في سماء تلعننا لهذا التوهم الذي يستغل عقولنا المعطلة؟؟ تحرروا من الوهم وكوّنوا وجودكم الإنساني المعبر عن أرواحكم وأنفسكم وتطلعاتكم لا عن دائرة الاستغلال والاستبداد وفساده وإفساده.. كونوا أنتم لا خيال مآتة لزعماء الخديعة والقدسية وإلا فإن ما يطالكم أبشع مما رأيتم وترون.. ولا عدالة ولا هم يحزنون بل مزيد مآس وكوارث وتراجيديا الانسياق وراء الخديعة التي لا تنتمي لمقدس سوى باللفظ وبخطاب التضليل.. فهلا شبعتم حد التخمة وتقيأتم خطاب الخديعة؟؟؟
عسى ولعل وأماني بلا حصر للانعتاق والتحرر والانتصار للعدالة الاجتماعية بفضل صحيح العمل والخطى.