الإرهاب ليس قوة تهبط علينا من السماء ولكنها مرض يتفشى من بيننا في الأرض. إذ أنّ ظواهر الاحباط والانكسارات النفسية والاجتماعية، وجراحات الفقر والجهل وأرضية التطرف والتشدد، هي بمجموعها البيئة التي تتفشى كالوباء بيننا فتطلق عناصر موبوءة بمرض يبدأ في منطق تلك العناصر المرضية ليتحول إلى ممارسات ومن ثمّ إلى جرائم يرتكبها نفر ضال بتوجيه من قوى ذات مصلحة في وجود الإرهاب بهذه الصيغة أو تلك بكل منطقة من عالمنا المعاصر…
وفي العراق، مثلما ببعض من دول المنطقة، كانت الأمور محصورة بأفراد وشلل من شتات من حثالة المجتمع، ممن لا ضمير ولا منطق استقامة عندهم.. لكنهم في ظل نظام الطائفية الكليبتوقراطي صاروا أكثر انتظاماً بعصابات مافيوية منظمة ثم بميليشيات وجماعات مسلحة لتمنحهم بعد ذلك قيادة طائفية معروفة فرصةً مجانيةً لاستباحة محافظات بأكملها.. والإشارة بصراحة إلى من كان يومها القائد العام الذي كان بأمرته عشرات آلاف الفضائيين والتابعين لأوامر الانسحاب وترك الميدان لشراذم الإرهاب، والأنكى ترك الأسلحة لهم..!
اليوم تأتي الأخبار بقرب انطلاق حملة استعادة الموصل؛ ودفع نحو 60 ألف مقاتل من مختلف الصنوف القتالية التابعة للجيش العراقي ولقوات البيشمركة فضلا عن جموع متطوعين متنوعة.. فهل تأتي هذه الإعلانات بخطة محسوبة، أم بتسريب لحجم القوات وطابع محاورها وخططها؟ وهل تأتي بحجم حقيقي يعرف بدقة مهمة الحسم؟ وهل يدرك القادة وقواتهم طابع المجريات المحتملة؟
إنّ المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة تمتلك مخاوف جدية باتت تنذر بها مجريات معركة (الحسم). وربما أدت تلك المعركة إلى نزوح أكثر من 600 ألف مواطنة ومواطن من الموصل. على وفق تقرير لإحدى الصحف البريطانية.. ولابد هنا من الإشارة إلى تقديرات مختلفة لحجم العناصر الإرهابية وشراذمها ما بين آلاف معدودة وعشرات آلاف ممن أكرهتهم تلك العناصر المرضية على الخضوع لأوامرها وجندتهم قسراً.. فإذا تحدثنا عن عناصر الإرهاب الفعلية محدودة الحجم فإن ذلك لن يعني تقلص حجم الكارثة وجرائمها بحق الأبرياء من سكان المدينة بخاصة الفئات الهشة…
يذكر أن القوات الأمنية بخاصة من البيشمركة تخوض عمليات عسكرية في محيط مدينة الموصل لتحريرها من سيطرة تنظيم “داعش”، وفي هذه الأثناء فإنّ قوات البيشمركة أوقفت لواءين من قوات تابعة للجيش العراقي على بوابة مخمور بسبب حملها رايات ((طائفية)) . وكان مصدر في الجيش العراقي صرح قائلا: إنّ البيشمركة منعت قوة من الجيش العراقي في الفرقة 16 قوامها لواءين إلى جانب مقر فرقة من دخول قضاء مخمور وتحديداً عند ناحية ديبكة جنوب شرق الموصل. وقد أكد المصدر بتصريحه؛ أنَّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ بعض قوات الجيش العراقي كانت تحمل رايات تتسم بالصبغة الطائفية، والخروج على الهوية الوطنية وراياتها ورموزها الأمر الذي يحمل معه مخالفة سواء للاتفاقات الإجرائية بشأن المشاركة في معركة الموصل أم في الاستجابة لكون الجيش والقوات الرديفة تعمل لمصلحة وطن يحمي الجميع ولا يسمح بالتمييز باية خلفية ومنها الخلفية الطائفية فضلا عمّا يثيره من مخاوف وآثار نفسية مسبقة تُنذر بوقائع تشق الصفوف وتجلب الكوارث في طياتها.
وعلى الرغم من موقف البيشمركة الذي طالب بحمل راية وحيدة هي علم العراق إلا أن تلك القوات المتجهة للاحتشاد قرب سد الموصل، لم تستجب لمطلب البيشمركة؛ فيما أكد ضابط كوردي أن طلب رفع العلم العراقي حصراً يأتي لمنع التأويلات والتفسيرات واحتمالات وقائع غير مسيطر عليها.. ولهذا تجري مباحثات بين القادة، ولابد من حل الموضوع عبرما تم التفاهم عليه بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان اللتان كانتا قد توصلتا مؤخرا لتفاهمات بشأن التعاون والتنسيق بين الجانبين في الحملة العسكرية لاستعادة الموصل.
بهذا المثال، يمكننا التوكيد على ضرورة الحزم في التعامل مع قضية جوهرية هي ألا تظهر اية رموز طائفية وأن يجري تحريك القطعات العسكرية للجيش العراقي ولأية قوة تابعة له تحت علم وحيد هو علم جمهورية العراق وهذا أمر بروتوكولي ملزم لا حاجة للتذكير به، ولكن حيثما ظهر عدم الالتزام به نتذكر أن هذا الخرق للأمور البروتوكولية لا تعني إلا تبريرا صريحا للمخاوف من ارتكاب جرائم لمن لا يخضع إلا للتوجهات الطائفية…
ومن هنا فإنّ وجود قوات البيشمركة ستكون صمام أمان فيما تفرضه من توجيه واشتراط للبعد الوطني لمجمل الحركات العسكرية ما يتطلب دعما من طرف قوات التحالف الأممية المحصنة بقوانين الأمم المتحدة وليس بتوجهات قوات دولة إقليمية أو دول كبرى.. وهنا تتطلب الأمور سرعة وصول أشكال الدعم اللوجستي الإنساني ميدانيا بخاصة أمام احتمالات مئات ألوف النازحات والنازحين واحتمالات الخروق تجاههم، الأمر الذي يتطلب الرصد من تلك المنظمات الإنسانية الحقوقية الأممية…
لكن بالمقابل يجب على المنظمات الحقوقية المحلية بمختلف تعبيراتها عن العمق الوطني في العمل الحقوقي أم عن التخصص في الدفاع عن فئة أو شريحة أو مجموعة قومية أو أتباع ديانة أو مذهب، عليها أن تتخذ احتياطاتها في مهام الرصد الميداني والتوجه على مقربة من الحالة كي تستطيع دعم مهام الاستجابة العاجلة الطارئة للحاجات الإنسانية للمدنيين في ظروف الحرب.
ولابد هنا من حملات تبرع بالدم وبالحاجات واللوازم الإنسانية الضرورية وإعدادها للدعم الميداني فضلا عن تدريب متطوعين لأعمال الإسعاف وما تتطلبه في تلك الظروف القاسية المأساوية. ولابد من تشديد الحملات الداعية لخطاب وطني ولوحدة كلمة الجيش والشعب وخضوع تابع لمركزية قرار القوات المسلحة بما يمِّن الضبط والربط في التحرك بعيدا عن تصريحات منفلتة لبعض قادة مفروضين على المتطوعين أولئك الذين استجابوا لنداء مقدس في الدفاع عن الوطن والناس وليس عن فئة أو جهة طائفية أو مريضة بخطاب التخندق والتشظي الذي يراد له تمزيق وحدة الوطن والشعب.
إن قضية وحدة البعد الوطني لا تعني فقط تمثيل الدولة الاتحادية ووطن وشعب بل تعني حماية مكونات الشعب العراقي وحال التعددية والتنوع في أطياف المنطقة المنوي استعادتها \ الموصل. فهناك أطارف وبنى مجتمعية من أصول قومية وأتباع ديانات ومذاهب وانحدارات مختلفة. ولطالما وقعوا تحت بلطجة دموية لقوى الإرهاب وها هم يتعرضون لتهديد ووعيد من بعض عناصر شاذة تدعي الانتماء لقوات عراقية فيما لا تخدم بتصريحاتها سوى جهات إقليمية أو تخندقات طائفية وانشطارات كارثية..
إنّ تلك الظاهرة مرفوضة قطعا من أبناء الشعب وكل مكوناته وأطيافه.. وهي ظاهرة محظور ظهور أي رمز شكلي لها لأن ظهوره لا يعني سوى التعبير عن نوايا تلك العناصر المرضية ومخاطر اندفاعاتها وانفلات الأمور بوجودها.
كما أن تلك العناصر وخروقاتها تتبنى أسس التدخلات الإقليمية المتناقضة وآثارها الخطيرة في تمزيق الجبهة حتى بعد إنهاء قوى الإرهاب. بينما المطلوب بقاء زمام الأمور بأيدي القيادة العراقية بخلفية وطنية ترفض ايضا كل التدخلات الإقليمية وغيرها يوم تحمي طابع التعددية والتنوع بمرجعية وطنية وبوجود عراقي فديرالي لا يسمح باي شكل اعتداء على أي عراقي لأي سبب كان بخاصة منه التمييز وعمليات الثأر والانتقام بخلفيات طائفية..
بمعنى أن الاستعداد تحديدا في هذه اللحظات، ماعاد قضية تحتمل التأجيل والانتظار فلقد بتنا اللحظة في معمان الاشتباك الفعلي لدحر آخر جراثيم الإرهاب وشراذمه ما يعني أننا في القلب من الميدان وعلى تماس مع أبناء المنطقة بأطيافهم كافة.
إن الصوت الوطني كفيل بتوجيه ندائه الإيجابي المكين، سواء داخل المؤسسة العسكري بكل قطعاتها أم في جبهة الإعلام والتعبئة للمعركة أم على مستوى التحشيد من طرف المنظمات والقوى والحركات الحقوقية المجتمعية بشكل أعم وأشمل…
ومن هنا لاحظنا اهتمام حركة الاحتجاج المجتمعي كيف حملت شعارات وطنية ضد التدخلات الأجنبية وكيف تصدت للمشروع الوطني ضد الطائفية وتمترساتها وتخندقاتها ومن ثم كيف قدمت مشروعا متكاملا وباتت تتقدم به ميدانيا لتفعيله مرافقا لمهام استعادة الأرض وتحرير مواطناتنا ومواطنينا من سطوة الإرهابيين وعنفهم الدموي ومن استباحتهم واستعبادهم الهمجي…
إن جوهر ما يجمعنا اليوم، أن نكون في إطار دولة العراق الفديرالي الذي يحمي جميع أبنائه بلا تمييز ولا يسمح لأي طرف أو عنصر أن يتبختر أو بيتستعرض عضلات البلطجة الطائفية والاستهتار الطائفي وروح الثأر والانتقام بأسس طائفية لا اساس لها من صواب ومن سلامة وجود في الإطار الوطني العراقي الجديد خيارا للعراقييين وطريق بناء حاضر ومستقبل يجمعهم ويحميهم من أية انتكاسة جديدة..
فهلا تنبهنا وتمسكنا بما يجمعنا ويحمي مسيرتنا نحو حياة حرة كريمة؟