التمييزُ العنصريّ والنياتُ عندما يجانبُها صوابُ الأسلوب، قراءة في تعبيرات بعض خطاباتنا وضرورة تقويمها وتعديلها ووضع البدائل الأكثر صوابا ودقة معالجة
هذه معالجة موجزة لما يصدر من بعض التنويريين من تعابير تنزلق إلى حيث نقيض ما تريد التعبير عنه.. أضع بعض إشارات إلى أمثلة تتكرر في الاستخدام من دون قصد. طبعا لا يعنيني بهذه المعالجة أولئك الذين يتقصدون إثارة النعرات بين المجموعات البشرية وبين الشعوب والأقوام ولكن يهمني التركيز على تقويم خطاب التنويريين بغرض تدقيقه وتصحيح ما قد يقع به من أخطاء في التعبير والصياغة .. وطبعا يستتبع ذلك ظهور التمييز واختلاق اصطراعات غير مبررة.. إليكم الفكرة بأمل إغنائكم إياها بتدقيق ما ورد فيها
كثرُما نسمعُ وصف امرئ أو عمل بـ(البربرية) اشتقاقاً من بربر وبربري وهم قوم كما كلّ الأقوام…!
وكثرُما نسمعُ شتم تخلفٍ أو سماتٍ سلبية؛ باستخدام مفردات: (بدوي، بداوة) اشتقاقاً من البدو، سكان البادية.. وهم قومٌ كما كلّ الأقوام!؟
عراقياً، يستخدم بعضهم كلمة ناصرية للإشارة إلى الخبث! ويستخدم كلمة مصلاوي للإشارة إلى البخل! وبستخدم كلمة دليمي أو كوردي للإشارة إلى الجهل والسذاجة والسخرية من طرف أو موقف! كما يجري إسقاط مفردات بتعمد من أطراف بعينها للتحقير من قبيل كلمة (شروكي)!! ويستخدم بعض آخر كلمة بدوي أو بربري للإشارة إلى كل شيء سلبي وإلى الهمجية! وهذه نماذج تحصل في بلدان غير العراق عندما يتناولون أبناء محافظة أو منطقة بالتهميش وبإسقاط النظرة السلبية عليهم، وهي إشكالية تنتظر معالجات علماء النفس والاجتماع فضلا عن برامج قوى التنوير
ولنسأل بعد ذلك، كيف يستخدم ذاك (البعض) تلك المفردات المشتقة من أسماء أقوام وشعوب، للشتم وللتحقير أو ازدراء طرفٍ أو سلوكٍ أو قيمةٍ!؟ كيف يربط بين مجموعة إنسانية من سكان منطقة أو بلد أو انتماء قومي أو ديني وبين السلبي وكأنّ الأمر هو تجسيد جيني يعني ذكر اسم يرافق ذكر السلبية إياها!! وكأنّ اسم تلك المجموعة البشرية هو نموذج بالتمام لسمة أو قيمة سلبية!!!؟
ليس ذاك سوى قمة العنصرية في التعامل وخلفية التمييز فيه وفي جوهره… نحن لا نقبل موقفاً يوضع بهذا السلوك التمييزي ضد قوم.. ولا يمكن أن نكون ضمن هذا السياق بل ينبغي أن ننشر ثقافة ضد التمييز وضد العنصرية… فالسمة السلبية لا تنتمي بالضرورة والحتم لقوم بعينهم كما يفكر ويفعل العنصريون فيميزون بشكل جيني بين قوم وقوم..
إنّ الخطأ ابن ظرفه ومن يرتكبه وكل مخطئ لا يرتكب الخطأ بوصفه من هذه المجموعة البشرية أو تلك بل لظروف بعينها يدرسها علم الاجتماع مثلا ويعالجها…
ولمن يسخر من (سذاجة) دليمي أو كوردي مرتكبا جريمة التمييز، يفضح كونه لا يمتلك حتى معلومات عن علماء ومفكرين وقادة مجتمع ينتمون إلى هؤلاء.. ولمن يربط سمة الهمجية بالبربر والبدو يفضح أنه لا يدرك حقيقة أنه خرج من بينهم رائع الحركات الاجتماعية التحررية. يكفيني هنا أنْ أشير إلى حركة الصعاليك التي مثلت ثورة ضد العبودية ومن أجل العدالة الاجتماعية قبل قرون من ولادة الفكر الاشتراكي ومن ولادة لوائح حقوق الإنسان… وثورة الصعاليك لم تأت من خارج المجتمع البدوي بل من داخل بنيته كما يحصل في مختلف الشعوب…
عندما يريد (بعضـُ)ـنا انتقاد قيمة سلبية أو مرض أو منقصة و\أو مثلبة فكلمتي المتواضعة توصي بألا تقعوا في جريمة التمييز العنصري ولا ترتكبوها من دون قصد.. ولا ترتكبوا جريمة استلاب حقوق الإنسان وإلغاء العمل بلوائحها لمجرد تعاملكم مع حالة بعينها أو استسهال تكرار تعبير ترسخ سلبيا في خطابات شاع فيها الخطأ.. لا تنسوا الموضوعية والعدل والإنصاف وأنتم تنتقدون…
لننتبه إلى دقيق الأسلوب وسليم التعبير في معالجة إشكالية أو موقف، بما يجنبنا ممارسة التمييز العنصري ضد قوم أو يجنبنا إلغاء اللوائح الحقوقية عندما نعالج فكرة…
شكراً للالتفات وتنبيه بعضنا البعض بما يجعلنا نلغي ما اسست له قوى الاستغلال والعنصرية.. وأن نوجد لأنفسنا خطاب يتصدى للتمييز العنصري ويرسخ مبادئ المساواة والعدل والإنصاف…
فهلا تنبهنا!؟ الموضوع يكمن في أننا بحاجة لمنطق العقل العلمي الملتزم بحقوق الناس وبالعدالة ومنع التمييز وهذا مقصدنا نحن قوى التنوير فلا نستهجن صفة ونمارس جريمة باستخدامنا تعبير لا يتناسب وصواب التقويم والمعالجة عندما ننسب الصفة السلبية إلى قوم بعينهم بخطاب تمييزي عنصري …
أرجو أن تكون الفكرة وصلت وثقتي أننا معا وسويا نستطيع تقويم أساليبنا وتدقيق سلامتها وصياغة خطاباتنا بدقة وموضوعية ننهي بها التمييز العنصري ونأتي بالبديل الأنجع والأسمى إنسانياً… حيث ننثر المحبة والإخاء والألفة والمساواة وسلامة نظر بعضنا إلى بعض..
وللمعالجة محاور مهمة أخرى تتطلع لاستكمالها بتفاعلاتكم