تتنامى ظاهرة الخلايا النائمة، ومحاولات غرسها في مختلف المجتمعات الإنسانية ومنها الأوروبية. وتلك الظاهرة تستغلها قوى الإرهاب للتسلل إلى المجتمعات المستقرة، وتهديدها بجرائمها في اللحظة التي تختارها. ومن الطبيعي أن تكون تلك الآلية أسلوباً للإرهاب وقواه في ظروف رفض المجتمعات كافة لمنطقها العدائي الهمجي في التفاعل مع البيئة المجتمعية…
الجديد في موضوع تلك الخلايا الإرهابية، أنها بدأت تتسلل وربما بكثافة كبيرة إلى البلدان الأوروبية عبر استغلال من يقف وراءها لعدد من العوامل. فمنطق الصراع المخابراتي ووقوف أنظمة وراء بعض تلك الخلايا لأنشطة ابتزاز وضغط، أمر ما عاد مستبعداً في ظل تضخم تلك الأنظمة المريضة المصابة بلوثة التطلعات الإمبراطورية.
يضاف إلى ذلك ولادة جاليات ضخمة يتسم كثير من أبنائها بالأمية وبمجمل أمراض التخلف وحمل عقلية الخرافة؛ تلك التي تتنامى اليوم في ظروف بيئية من الصراعات وطابعها العنصري وأشكال التمييز والمستويات المتدنية من العيش فضلا عن ضغوط العزلة والاضطرار للتكيف مع منعزلات مجتمعية خاصة بأقسام من الجاليات…
وبالإشارة إلى تلك المنعزلات، فإنّ استراتيجيات تعامل المجتمعات المضيفة للجاليات على أساس قبول منطق الخرافة وكأنه حالة من احترام المعتقد الديني، يعمق تلك الغيتوات ويدفعها لاستيلاد بيئة حاضنة للخلايا النائمة، حتى من دون حاجة لإرسال مدرَّبين من بلدان الصراع الهمجي ومنبع عناصر التطرف.. فهنا تتوافر لهم حالات استغلال الأماكن الدينية التعبدية كالجوامع والحسينيات وما شابه لبث سموم الفكر المتشدد المتطرف، ومثلما تخرّج تلك الصوامع دفعات من عناصر محشوة بنهج العداء والوحشية تفعل هذه الأماكن فعلها عبر عناصر تسمى دعاة دين أو أئمة جوامع وحسينيات؛ وبجميع الأحوال الدروس المعطاة وغذاؤها ليس سوى مناهج لا علاقة لها بدين والدين ليس إلا غطاء للتستر والتضليل…
من بين آلاف يتلقون الخطب والمواعظ ودروس الإعداد الذهني يتم التقاط عدد من العناصر لمزيد صلات وتدريبات مباشرة وغير مباشرة.. ويصبح لدى الجهات الإرهابية من تختارهم لمهام آنية وأخرى يحتفظون بها لمواعيد أخرى حيث يركنون القنابل الموقوتة المسماة الخلايا النائمة حتى حين.
إنّ عاملين متناقضين في الوضع الأوروبي تخدم موضوع الخلايا النائمة أولهما ظاهرة الفعل ورد الفعل في المواقف العنصرية بين المجتمع وعناصر غير واعية في الجالية ونقيضه عامل دعم جمعيات ذات طابع ديني المظهر، على خلفية حرية ممارسة طقوسها (الدينية) بينما القضية تأخذ منحى آخر غير الجوهر الديني بخاصة في ظروف عدم الانتباه لمن يدير تلك الطقوس وإلى ماذا يوجهها..
ويأتي حال التسلل الذي جرى مع موجات اللجوء التي كان فيها من الافتعال المقصود به ابتزاز أوروبا وربما الحصول على مواطئ قدم يتم فيها اختراق أوروبا وبلدانها خدمة لاستراتيجيات نجدها غير خافية في تصريحات عدد من زعماء جهات شرق أوسطية معروفة…
ومثلما استقطب الدواعش وغيرهم من المجموعات الإرهابية عناصرهم من بلدان العالم عبر الممر الشرقأوسطي تم الدفع عبر الممر ذاته ربما بمئات وآلاف منهم بعد تدريبهم الاحترافي ليُعادوا إلى بلدان أوروبية عديدة بظل أو بـ سمة لاجئ ولكنه يتحيّن الفرص لمعاودة الفعل الإرهابي وبحسب ما تم تدريبه عليه…
إنّ التسلل مع موجات اللجوء، لم يكن حالة استثنائية أو هامشية بل كان منفذاً خطير الأبعاد.. فهو لا يقتصر على احتمالات ارتكاب جرائم فردية مثل تلك التي قام بها أفراد مؤخراً في ألمانيا وفرنسا وغيرهما، وإنما قد يتضمن خلايا نائمة لمنظور بعيد الأمد جزء منه يلبي تلك الأوهام التي يحلم بها بعض حالمين بالخلافة والإمبراطورية التي يتوهم بعضهم خرافة اجترارها بعد أن تحكمت في الماضي لردح من الزمن بمرجعية الدين، الأمر الذي يتعكز عليه بعض حكام في زمننا، ليس بسلامة نية لا تجاه الدين نفسه ولا تجاه الإنسانية ولكنها حالات تضخم مرضي ..
يهمني بهذه المعالجة أن أؤكد تسليط ضوء على أهداف الخلايا النائمة القريبة منها والبعيدة وكلاهما من الخطورة بمكان على مصائر البشرية وعلى الاستقرار والسلم الأهلي وعلى تآخي الشعوب وتحديداً في الموضوع على مسألة اندماج الجاليات شرق الأوسطية بالمجتمع الأوروبي وتبادل علاقات متفتحة إيجابية مع احترام الهويات والانتماءات الثقافية الحضارية…
إن حال تبادل الاحترام والاعتراف بالآخر لا تأتي من دون معالجة ظاهرة استفزازية للوعي الجمعي لكل الأطراف تتأتى مما أشرنا إليه من ممارسة فعل التمييز العنصري ورد الفعل عليه، واليوم أضيفت إليها قضية جد مهمة وخطيرة تتمثل في فرز الخلايا النائمة والتحسب لمخاطرها..
فلقد شاهدنا بشكل ملموس بكل مخاطر ما شاهدناه في الأحداث الأخيرة من جرائم بمختلف البلدان الأوروبية راح ضحيتها أناس أبرياء والأنكى أن الأمر ترك علامته السلبية عميقة الغور في تهديد المجتمع، وفي حالات التساؤل عن الرد الأكثر نجاعة وحسماً…
إنّ المنتظر اليوم، يكمن في وحدة المجتمع الدولي مع دول الشرق الأوسط وشعوبها في استراتيجية موحدة لمحاربة الإرهاب. بالإشارة إلى مكافحة وجوده ميدانيا سواء ببعض أراض بدول المنطقة كما في سوريا والعراق وليبيا.. وهذا لا يتم عسكريا حسب بل كذلك يتم عبر خطاب التنوير ثقافيا فكريا، وبتعزيز مستوى التعليم ونشر العلوم والمعارف والآداب فضلا عن مهام إعادة بناء تلك البلدان ومساعدتها على تجاوز ظواهر التخلف والفقر والأزمات الاقتصاسياسية باختلافها. بهذا نكون أوجدنا ضمانات مبدئية لتجفيف حقل من حقول تحتوي منابع الإرهاب…
ومثل ذلك الاهتمام بالجاليات من جهة عامل الاندماج على أساس التعاون مع قوى التنوير في أوساط الجاليات بينما حصر الأمور بتفكير يضيق عند حدود دعم جمعيات رعاية ممارسة الطقس الديني، سيفسح مجالاً سلبيا خطيراً لاصطناع بيئة التشدد والتطرف وأرضية قوى الظلام النهَّازة لمثل تلك الفرص…
ومع مثل هذا التوجه العلماني في مخاطبة أبناء الجاليات، لابد أيضا من التعامل (الأمني) المباشر مع العناصر المرضية المبثوثة وسط تلك الجاليات.. في الغالب بميادين المعابد بمختلف تمظهراتها المذهبية.. إنّ قضية مطاردة عناصر ظلامية تمثل النبع المترع للتشدد والإرهاب تبقى اليوم جد مهمة في التعاطي مع موضوع العناصر والخلايا النائمة سواء لسقف قريب أم بعيد، فكلاهما يعني خطر التعرض لحيوات الناس وتفاصيل استقرار اليوم العادي..
وباعتقادي فإن تلك المتابعة يمكنها أن تستفيد من قوى التنوير والشخصيات المتفتحة من أصحاب العقل العلمي ومن المتخصصين وسط أبناء الجالية… بمعنى ضرورة التفعيل لأدوار بنات الجاليات وأبنائها في هذه المهمة، مع الأخذ بالحسبان من التورط في مطب ما يخطط له الظلاميون المتطرفون من أساليب التخفي والتستر..
إن قطاعا جديدا متخصصا في الأجهزة المعنية بحاجة لتدريب مخصوص في سياق مهمة المطاردة وكشف الجريمة والمجرم بوقت مبكر على أن يتم التدريب الميداني وسط مجتمعات الجاليات وعلى تماس مباشر مع الأماكن التي تمثل بيئة تستغلها عناصر الخلايا النائمة حتى تلك الموجودة بمعازل يتخفون وراءها، وتكون غير متوقعة…
ولعل مطاردة عبث تلك العناصر الإجرامية متاح مبدئيا في مداه القصير وأسقفه الزمنية الراهنة في ضوء وجود ميادين معلومة للتفكير الأمني وأجهزته.. وعلى سبيل المثال وسط الجاليات باتت فلسفة جديدة تطفو حيث تهديد أبناء الديانات والمذاهب علنا بخط الشعارات الظلامية الإجرامية على ممتلكاتهم من مثل رسم حرف (ن) على ممتلكات مسيحيين تكرارا لخطاب الدواعش وما ارتكبوه في نينوى 2014.. وقد حدث هذا في مدينة سويدية وتكرر فيها.. وهو ما ينبه لضرورة الرصد الوافي وكشف من ارتكبه تحسبا للأسوأ…
حالة أخرى تتعلق بالأماكن المكتظة بالناس أو أماكن الترفيه والسياحة وما إليها، طبعا هذا ليس بحاجة لكثير تنبيه ولكن بحاجة للحث على التعامل جديا بفلسفة جديدة ترقى لمستوى الخروق التي مثلها التسلل المشار إليه..
وثقتي وطيدة بوعي أبناء الجاليات وقياداتهم التنويرية وسعيهم من أجل التصدي الفاعل المؤثر لثقافة ظلامية ولمنطق الخرافة الذي تحاول قوى الجريمة جرّهم إلى ألاعيبها وعبثها بوساطته.. فالمهمة نوعيا إن لم ندركها نحن لن يدركها الآخرون قبلنا بذات المستوى الذي ينبغي توافره.. وعلينا رسم الخطوات الوافية للانتشار وسط الجاليات نفسها وللتصدي للمال السياسي الذي بات يصل جالياتنا ويمرضها بقشمريات العبث المسمى تدينا وشعائر قدسية زورا وبهتانا…
هلا أدركنا القضية وطابع مخاطرها اليوم وغداً؟ وهلا تصدينا لها بستوى المنتظر المؤمل فينا ومنا؟؟؟